السجمانين … بقلم: محمد موسى جبارة
لا أدري إن كان علي كرتي قد حضر لقاء البشير بالميرغني أم أنه اكتفى بمتابعته من خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة بوصفه أحد قادة الأجهزة الأمنية...أيا كان الحال فقد التقى او شاهد أو سمع بلقاء رئيسه بأحد الذين وصفهم بالسجمانين...
في المأثور السوداني, السجمان هو الشخص قليل الحيلة عديم النفع good for nothing...والسجم أو السُخام في لغة بني يعرب هي تلك المادة الكربونية السوداء التي تعلق بجسم صلب حال تعرضه لنار الحطب أو الفحم bi-product of incomplete combustion وقديما قال شعراء العامية في الدوبيت:
الليل والنهار واحد على العميان ******** واللوم والشُكُرْ ما بْعَدْلنْ السجمان
عِزْ الخيل لجم وعِزْ الإبل قطران ******** وعِزْ الراس دهن وعِزْ الحريم وليان...
عقب خروج الميرغني من اجتماعه بالبشير, أوردت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في21 أكتوبر 2010 ما يلي:
( واعتقد الميرغني وجود "تآمر يواجه السودان وبعثرته وفصل الجنوب وتآمر ضد الرئيس البشير)!!
أرجو أن لا يهرع محامو الشيطان لنفي هذا الحديث كما تولوا نفي "سجم" علي كرتي و"حقنة" كمال عبيد رغم أن أحد منهما لم يكلف نفسه مشقة النفي مؤكدين بذلك صحة ما نسب إليهما أو على الأقل رضاهما وقناعتهما بما نقل عنهما...
بدافع مقته للترابي, يعتقد مولانا أن البشير أحد ملائكة الرحمن, يختلف في سلوكه عن الترابي وكرتي ونافع والجاز وغيرهم من قيادات الإنقاذ الحالية والسابقة التي أودعت مولانا السجن لأول مرة في حياته، وهو بالتالي رجل برئ كذئب ابن يعقوب لم تقترف يداه أي جرم يجعله مستهدفا من قبل المجتمع الدولي والصهيونية العالمية التي تخشى بأسه وترى فيه صلاح الدين القرن الواحد وعشرين...
قد لا يذكر مولانا أن الرجل اعترف بلسانه وهو رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة, إن من تم قتلهم في دارفور في الفترة ما بين 2003 و2007 لا يتجاوز العشرة ألف شخص, وهي الفترة التي لم يكن للترابي فيها أي نفوذ في السلطة...
الإعتقاد بأن هناك خلاف في السلوك والأخلاق بين الإسلاميين إعتقاد خاطئ... تطابق السلوك الشاذ والنزق هو ما جمع بين هؤلاء القوم في تنظيم واحد قبل أن توحد بينهم قبلة محمد...وقد أثبتت تقارير الفساد والإفساد التي ينشرها المراجع العام كل سنة وتتستر عليها قمة هرم الدولة, صدق مقولة "إن الطيور على أشكالها تقع"...
علي كرتي لم يمض في حديثه إلى نهايته المنطقية, وهي إن وجود سجمانين على رأس شعب ما يقتضي بالضرورة وجود شعب سجمان...وتأسيسا على ذلك يصبح الشعب السوداني بكامله شعب سجمان, وأكثرهم سجما قياداته من سياسيين ومثقفين وكتبة صحفيين, لأنهم سمحوا لعلي كرتي أن يتحكم فيهم على مدى عقدين من الزمان...
لقد انتفض الشعب بكلياته عندما سمع الوصف الذي أطلقه كرتي على السيدين, ونهض كتبة ومثقفون دجالون للدفاع عنهما...ذات هذا الشعب الذي أصبح كفئران تجارب في مختبر الإسلام السياسي لم ينتفض لكرامته وحريته وآدميته ووطنه الذي اصبح مزقا, بل لم ينتفض لدينه الذي اتخذه الإسلاميون هزواً...لم ينتفض لأنه شعب أدمن إجترار الماضي وترميز شخوصه كأيقونات الكنيسة...والشعب الذي يعيش على ماضيه شعب يقرّ بأن حاضره بئيس وأن ليس لديه القدرة على استشراف مستقبله دون ايقونات الماضي...
مؤامرة مِن مَن يا مولانا؟
وهل تعتقد أن هناك متآمر على وحدة السودان أكثر من إسلاميي السودان الذين قسموا الوطن إلى دار حرب ودار سلام؟ وقسموا شعبه إلى مؤمنين وكفار؟ والذين قالوا في حربهم المقدسة إن باطن الأرض خير لهم من ظاهرها بينما هم يتطاولون في البنيان في السودان وماليزيا ويسبحون حول جزيرة النخلة الصناعية بدبي في معية ديفيد وفيكتوريا بيكهام وبوريس بيكر وغيرهم من نجوم العالم ومترفيه الذين اشتروا رفاهيتهم من حر مالهم ولم يعتدوا على الأموال العامة؟
التآمر على السودان بدأ يا مولانا حين سطا البشير على السلطة ليمنع التطور الطبيعي للديمقراطية ويقطع الطريق امام الحل السلمي المقترح لمشكلة الجنوب...
التآمر تم على وحدة السودان يا مولانا منذ اتفاقية فرانكفورت 1992 التي اسست لحق تقرير مصير جزء لا يتجزأ من وطن واحد, وفي اتفاقية الخرطوم للسلام يوم كان شعاركم الذي تخليتم عنه "سلِّم تسلم" واكتفيتم بإرجاع أموالكم فقط, لا إرجاع الوطن الذي صادره البشير وسجّله باسم المؤتمر الوطني وباسم أخوته وأهله وعشيرته الاقربين...
التآمر على السودان تم في مقررات اسمرا التي مهرها التجمع الوطني الذي كنت ترأسه وامتطي بها البعض في انتهازية واضحة ظهر الحركة الشعبية إلى مجلس الوزراء والقصر الجمهوري...تم التآمر على السودان عندما حاول بعضكم إعادة بيع ريش الديك للحركة الشعبية بنفس الثمن الذي اشتروا به الديك منها...وعندما لم تهتموا بخلق قاعدة سياسية قوية لها قابلية الاستمرار في حال غياب القيادة وراهنتم على شخص هو بعض من بني آدم وبالتالي فانٍ mortal لينجز لكم ما عجزتم عن تحقيقه ككيانات شمالية...
التآمر تم عندما وافقتم على انتخابات اشارت كل الدلائل إلى احتمال تزويرها ورميتم بأقرب الرجال إليكم في أتون محرقة التحقير والمهانة والسبهللية...
إن كنت يا مولانا تعتقد أن الانتخابات مزورة, فكان ينبغي ألا تلتقي من قام بتزويرها، لأن التزوير من سوء الأخلاق وفساد الدين وجريمة تعاقب عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ولا ينبغي لأبن الأكرمين مخالطة مرتكبيها...أما إن كنت على قناعة بصحتها فتلك بلا شك نهاية مأسوية لحزب ظللت تقوده منذ رحيل الزعيم إسماعيل الأزهري...
ألا يثير حزنك يا مولانا أن حزب الأزهري وزروق ونصر الدين ونور الدين ويحي الفضلي والهندي الكبير وأبو حسبو وحاج مضوي لم ينل مقعدا واحدا في طول البلاد وعرضها في الانتخابات الأخيرة؟... فإن كنت اتخذت من البشير خليلا لك فذلك شأنك، فقط عليك التخلي عن زعامة هذا الحزب العريق...
وقبل أن ندين عبارة على كرتي, دعنا نتأمل مآل السودان في الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلاله، آخذين في الاعتبار الفترة الزمنية التي قضيتموها خارج السلطة منذ أن سطا عليها البشير, ألا يعني ذلك قلة الحيلة والفعالية السياسية وأنتم قادة هذه الأمة ورموزها التي يُحتفى بها؟....
بأي عبارة غير التي ذكرها كرتي يمكن وصف إضاعة كل نضالات الشعب السوداني ضد الدكتاتوريات العسكرية منذ عبود إلى النميري إلى البشير إلى تجربة التجمع الوطني الذي أدخلتموه غرفة العناية المركّزة ليخرج منها قادته, فاقدي الوعي, إلى المناصب الوزارية والتشريعية تحت السيطرة التامة للمؤتمر الوطني؟...
لن أملُّ من ترداد ما ظللت أقوله دوما إن من محاسن نظام الإنقاذ أنه كشف المعدن الحقيقي لمثقفي وقيادات السودان...بعضهم ارتضي من الغنيمة بالتعويضات وآخرون بالملحقيات الثقافية والبعض الآخر ما زال يستميت بقلمه دفاعا عن الباطل ليجد له من فتات القوم وظيفة...
الذين تولوا نفي كلام على كرتي أهملوا عن عمد صدر تصريحه الذي ذكر فيه: "لقد دفعنا لهما ليشتركا في الانتخابات فأخذا الفلوس ولم يشاركا"...هذا القول لم ينكره المعنيون بالأمر سوى تلك التبريرات التي ساقها حزب الصادق المهدي بأن تلك الأموال كانت تعويضا عن ممتلكات مصادرة!!!
وماذا عن مصادرة شعب ووطن ومِلّة؟ ألا ينبغي المطالبة باستعادتها؟
ونعرف تماما أن تلك الممتلكات تمت مصادرتها بقرار من مجلس ثورة الإنقاذ وكان من المفترض أن يتم ارجاعها بقرار جمهوري ومن خزينة الدولة لا أن تدفع بليل من أموال المؤتمر الوطني...
لقد أثبتت الإحدى وعشرون سنة الماضية أن مشكلة السودان لم تكن في نظام الإنقاذ, بل كانت في بديل الإنقاذ، لذا يجب أن تكون رؤية الذين اجتمعوا مؤخرا في لندن واضحة وبدائلهم لسياسات الإنقاذ محكمة ومستندة على المعلومات الصحيحة والقراءة النيرة لمجريات الأمور داخليا وخارجيا...لقد قامت الإنقاذ بالاستيلاء الفعلي على مفاصل الدولة ولا يمكن الاكتفاء بإزاحة النظام والإبقاء على سلوكياته التي انداحت وسط المجتمع وأضحت المهدد الحقيقي لوجود السودان...عليهم أن يتجنبوا التمثيل الرسمي لاحزاب "الزهايمر" في تجمعهم المقترح لأن ذلك لن يزدهم إلا خبالا, وليفرزوا عيشتهم كما فعل يوما الزعيم الأزهري الذي أختط طريقه والطائفتين في أوج نفوذهما ومساندة الإنجليز لهما, وعليهم الاستفادة من الخطأ الذي وقع فيه بالعودة إلى أحضان الطائفة مرة أخرى...لا تجترحوا ما فعله المحجوب من تقديم خدماته للطائفة التي باعته بأبخس ثمن عندما شب ابنها عن الطوق...لقد كانت النتيجة ما نحن عليه من هوان وسجم...
إن خلق كيان جديد أمر ممكن ويجب عليكم أن تفعلوا ذلك, لا أن تعيدوا تجربة أكتوبر والانتفاضة والتجمع الوطني الذي قام على اكتاف المثقفين وسقط بسبب القصور السياسي للأحزاب المكونة له...تجنبوا المستَوَزَرة والباحثين عن السلطة والجاه والتوريث، فهم من خذل الشعب السوداني على الدوام...
وأيا كان الموقف من العبارة التي نسبت لعلي كرتي والتي حاول محامو الشيطان نفيها عنه, ستظل كلماتها عالقة في ذهن الشعب السوداني تماما كما ظلت عبارة الطيب صالح التي سارت بها الركبان والتي حاول البعض أيضا أن يحزفها من قاموسنا السياسي..."فكلنا عارٍ تحت ثيابه" في نهاية المطاف, أو هكذا قال الكاتب والشاعر الألماني هنريش هيني.
25 اكتوبر 2010
MOHAMED MUSA GUBARA [mmusa25@hotmail.com]