عرمان بين مسيرة الخيبة وحلم الجيعان!! (1 ــ 2)
زفرات حرى
الطيب مصطفى
أنهينا مقالنا بالأمس بتهكُّم الرويبضة عرمان حين قال: «إن الحديث عن إغلاق دُور الحركة الشعبية بالشمال ـ حال الانفصال ـ كلام الطير في الباقير»!!
جاء ذلك عقب قول عرمان: «في الشمال سنقيم حركة جماهيرية واسعة ولن نستأذن أحداً»!! وأضاف عرمان: «فُض فوه» أنه لن يغادر الشمال وسيبقى للدفاع عن حقوق الجنوبيين والشماليين!! بل إن عرمان قال إن «مؤتمراً عاماً سيُعقد لاختيار اسم الكيان الجديد وقيادته وفق برنامج السودان الجديد»!!!
إذن فإن عرمان يتوعدنا بأنه سيبقى في الشمال، لا ليقبع في ركنٍ قصي من أركان النسيان ويعتكف في سرداب ضيق ناصباً أمامه تمثالاً لعجل السامري المسمى بالوحدة ليتعبده باكياً منتحباً على ضياع عمره الذي أفناه بحثاً عن السراب وحرباً على بني جلدته من أبناء الشمال وإنما ليواصل دوره الشيطاني الذي بدأه منذ أن كان طالباً شيوعياً في الجامعة والذي تزايد بعد فراره من الشمال عقب تلك الجريمة الشهيرة التي قُتل فيها الشهيدان الأقرع وبلل في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بما يعني أن عرمان يُضمر بل يُعلن عن جولة جديدة من مسيرته المضرّجة بالدماء والحرب على الله ورسوله ومن الشر الذي جُبل عليه ومُرد لكن أنّى له ذلك؟!
حركة جماهيرية واسعة سيقيمها عرمان بعد أن ترحل الحركة الشعبية وينفصل الجنوب ويُذهب الله عنا الأذى ويعافينا.. حركة أجنبية تتبع لدولة أجنبية معادية بيننا وبينها أنهار من الدماء والدموع وقضايا عالقة وخلافات حدودية تحمل من نُذُر الحرب والمواجهة ما تحمل لكن عرمان يريد رغم ذلك أن يستبقيها في الشمال ويسمي الحديث عن إغلاق دُور الحركة «كلام الطير في الباقير» بربكم هل من جُرأة وقلة أدب أكبر من ذلك؟! عرمان يريد أن يوظِّف دُور الحركة الشعبية «الجنوبية» بل الأجنبية في إقامة حركة جماهيرية واسعة!! فبربكم أي جماهير تلك التي يتوقع أن تنضم لمواكبه التي يريد أن يقيم بها مشروع دولة الجنوب المسمى بالسودان الجديد في الشمال؟! وهل يسمح الشمال المُبتلى بأشباه عرمان لأفعى سامة وكلب عقور ونمر متوحش بالبقاء في الشمال بل ويفتح دُورًا يعمل من خلالها لإقامة مشروع عنصري علماني استئصالي ليفتك بالشمال وأهله؟!
إذا كان المؤتمر الوطني ــ والأحزاب الشمالية ــ يُحارَب في الجنوب ويُقتل أتباعه بل ويضيَّق حتى على الأحزاب الجنوبية المعارضة للحركة الشعبية مثل حزب التغيير الديمقراطي بقيادة د. لام أكول إذا كان ذلك كذلك في الجنوب اليوم حتى قبل أن يعلن الانفصال بصورة رسمية فهل يجرؤ أحد قيادات المؤتمر الوطني أن يفكر مجرد تفكير في الإبقاء على دُوره «المغلقة أصلاً» ناهيك عن أن يعلن ومن جوبا بأن دُوره ستبقى في الجنوب وأنه سيعمل على إقامة حركة جماهيرية واسعة وأنه لن يستأذن من أحد؟! صدقوني أن من يجرؤ على مثل هذا الكلام من «جلابة» الشمال سيُسفك دمه قبل أن يُكمل كلامه!! وهل يحتاج حديثي إلى إثبات ونحن نرى ما حدث ويحدث لناشطي المؤتمر الوطني من الجنوبيين مثل الشهيدة مريم برنجي وغيرها، وهل زهير حامد وغيره من الذين اعتُقلوا ثم طُردوا لمجرد أنهم زاروا الجنوب زيارة قصيرة للتبشير برأيهم في أرض ظنوا أنها جزء من أرضهم فكيف عندما يُفصل الجنوب ويعلن الاستقلال من «الاستعمار الشمالي»؟!
أطفال الدورة المدرسية ماذا حدث لهم بعد أن امتصّ الجنوب عرق أهليهم وأموالهم التي تجاوزت الثلاثين مليار جنيه في شكل خدمات ومنشآت ومدارس وإستادات ومسارح ومحطات كهرباء؟! لقد أجرت «الإنتباهة» استطلاعاً مع أولئك الأطفال عقب عودتهم حيث حكوا عما تعرضوا له من إذلال وإهانة وتحرش بالطالبات وغير ذلك من المآسي التي ستُحيل يوم انفصال الجنوب إلى عيد وطني في الشمال الذي سيفرح شعبُه أكثر مما يفرح الجنوبيون.
لقد دُهشتُ لحديث السيد الصادق المهدي حين سُئل من قِبل صحيفة «الرأي العام» عن رأيه في مآلات الانفصال في جنوب السودان فأجاب الرجل بقوله: «ما من شك أن الجنوبيين يتطلعون للانفصال كالعرس وأغلب الشماليين ينظرون إليه كمأتم الآن»!! من يا تُرى قال للصادق المهدي إن أغلب الشماليين ينظرون إلى الانفصال كمأتم؟! هل جاء ذلك نتيجة لاستطلاع رأي أجراه الحزب أو أجراه مركز دراسات أو استطلاع للرأي أم أنه خبط العشواء؟! إنني والله لأرجو أن نقيم أحزاباً تتحدث بالأرقام والحقائق وتصدر تصريحات قياداتها عن بحوث وحقائق مثبتة على الأرض لا مجرد انطباعات مبنية على أوهام وتخيلات بعيدة كل البعد عن نبض الشارع وعن المتغيرات التي جرت في الساحة السياسية.. لو تمعّن المهدي فقط في مغزى القبول الجماهيري الذي تحظى به «الإنتباهة» دون غيرها من الصحف لغيَّر رأيه أما نحن فنعلم أن الانفصال سيكون هو الفرح الأكبر والاستقلال الحقيقي للشمال بل هو أعظم من الاستقلال السابق الذي لم ننعم بعده باستقرار.
أعود لعرمان بعد هذا الاستطراد لأقول إن الشمال شمال والجنوب جنوب يا عرمان ولا تفكر في أن الحركة الشعبية ستظل موجودة في الشمال بعد الانفصال حتى تعمل على زعزعة استقراره بعد أن أراحنا الله منها ومن باقانها وعرمانها وأماطها عن طريقنا.
أعلم أننا أطلنا الحديث وكررناه عن الحريات الأربع ولا أقول الجنسية المزدوجة التي تجاوزناها تماماً والحمد لله بتصريحات قوية من قيادات المؤتمر الوطني ولكن يلزمنا أن ننبِّه ونذكِّر بحديث باقان وعرمان وبني علمان من أعداء الإسلام ومطالباتهم المتكررة بمنح الحريات الأربع لأبناء الجنوب حال الانفصال بغرض زرع أحصنة طروادة داخل أرض الشمال ليستمر التشاكس والتآمر ولكي يكونوا جزءاً من «الحركة الجماهيرية الواسعة» التي توعدنا بها عرمان في سعيه الدؤوب لإقامة مشروع السودان الجديد فهل يُعقل أن تُمنح حرية الإقامة دعك من الحريات الأخرى لشعب انفصل عنك بإرادته بعد أن كال لك من الاتهامات وسبَّب لك من «البلاوي» الكثير؟!
لقد أغلق القانوني الضليع ونقيب المحامين السابق الباب تماماً في وجه من يتحدثون عن الحريات الأربع وقطع قول كل خطيب بعد أن أوضح أنه لا يُوجد في القانون الدولي تعبير أو مفهوم يسمى بالحريات الأربع التي طُوِّرت مع مصر في إطار تفاهمات امتدت لعقود من الزمان وكان من الممكن أن تكون ثلاث حريات أو اثنتين أو واحدة أو ست حريات ذلك أن الحريات والمكاسب التي تُعطى لشعبين في بلدين متجاورين يتم منحها بعد انفصال الدولتين وبعد أن يتم التحقق من أن ذلك يحقق مصلحة البلدين ولا يؤثر في أمنهما القومي ولا يتم ذلك إلا بعد سنوات تتضح خلالها طبيعة الجوار هل هو معادٍ أم مسالم.
ونواصل التعليق على حديث الرويبضة عرمان غداً بإذن الله.