أمريكا قلقلة… وأوربا صامتة!! … بقلم: عادل الباز
بالأمس طارت وكالات الأنباء بخبر نُقل عن السيد وزير الخارجية علي كرتي، مفاده أن الشريكين في طريقهما إلى الاتفاق حول قضايا ما بعد الاستفتاء!! حلم أم علم؟ طلع كضب. أي والله. بعد بحث مضنٍ بين الخبراء، وفي دهاليز السلطة حول صحة ما جاءت به الأنباء، اكتشفت أن اتفاق الشريكين جزئي، ومحدود، وكمان إطاري. ويا هداك الله لو سمعت كلمة إطاري تتردد في دهاليز السلطة، فاعلم ألا اتفاق ولا يحزنون، إنما هو حديث معلق في الهواء، نيِّئ لم يجري طهيه بعد. واعلم أن بين أي اتفاق إطاري واتفاق نهائي شهوراً، إن لم تكن سنوات. الآن يحمل السيد كيري مشروع اتفاق إطاري طار به لأوباما فرحاً، باعتبار أن الشريكين على وشك توقيعه، ولكن للأسف بقي هذا الاتفاق منذ تاريخه لم يرواح مكانه في داخل أدراج ممثلي الشريكين، ولم يغادرها خطوة واحدة.
وقَّعت حركة العدل والمساواة اتفاقا إطارياً مع الحكومة، طارت بعده إلى ميدان القتال، وأشعلت الحرب مجدداً. السيد امبيكي يحمل بين يديه الآن اتفاقاً إطارياً من أربع نقاط، لا زال (يتحاوم) به بين لجان الشريكين، دون أن يجد له مشترياً!!
توقيع الاتفاق الإطاري غداً أو بعد غدٍ، لا يعني شيئاً، إلا إذا تقدم ليصبح اتفاقاً حقيقياً. ولكن المأساة أن الاتفاق المذكور لا يتعلق بأيٍّ من القضايا التي تشغل بال الحركة السياسية الشمالية الآن. الاتفاق الإطاري يتعلق بموافقة الشريكين على الاتفاقيات الدولية، التي أنشأتها الدولة السودانية القديمة، كاتفاقيات المياه، والحدود الإقليمية، وغيرها. هكذا تبقى كل قضايا ما بعد الاستفتاء معلقة، وليس من أفق لحلها قبل الاستفتاء، بل ليس من مقترحات جدية لتتقدم في أي اتجاه!!.
اتصالات أمريكية
في الأنباء أن السيد أوباما اتصل بالسيد سلفا كير ليحثه على التعاون مع المؤتمر الوطني لإنجاز الاستفتاء. السؤال: لماذا يحث السيد أوباما سلفا للتعاون مع الوطني، وأوباما نفسه لا يتعاون مع الوطني؟. السيد سلفا يتهم بالأمس جهات تسعى ليل نهار لعرقلة الاستفتاء، يبدو أن هذا الاتهام هو الرد على تصريحات أوباوما!! ليس من جهة يمكن أن تُتهم سوى المؤتمر الوطني الذي طلب أوباما التعاون معه، وإذا كان الوطني يسعى لعرقلة الاستفتاء، فلا أعتقد أنه سيعرقله قبل أقل من أسبوعين، وإذا كان يرغب فكان بإمكانه عرقلته من بدري . في ظني أن الوطني قد قنع من الوحدة ظاهراً وباطناً، وانتهى به الأمر بالسعي لتعظيم مكاسبه في مرحلة ما بعد الاستفتاء. بعض أعضاء المؤتمر الوطني سيسعدون بانفصال الجنوب أكثر من الطيب مصطفى، الذي قال إنه يعد الآن للاحتفال بإنجاز تاريخي، لكن الحكومة لن تسمح له بذلك، خوفاً من الفتنة!!
الاتصال الثاني هو اتصال السيد بايدين بالنائب علي عثمان، ونقل إليه قلق الإدراة الأمريكية من احتمالات نشوب عنف خلال الفترة المؤدية للاستفتاء( يعني خلال الأسبوعين القامين- ما أظن).هكذا تتابع أمريكا اتصالاتها اليومية لإنجاز الاستفتاء، الذي هو الإنجاز الوحيد للرئيس أوباما خارجياً، كما قالت الصحافة الأمريكية.
يبدو أن الرئيس أوباما في سعيه لإحراز إنجاز دولي يتجاوز القواعد الدبلوماسية المقرَّرة، فلعله أول رئيس أمريكي يتصل بنائب رئيس، وليس الرئيس شخصياً، وكأن أمريكا تعطي إشارة مبكرة إلى اعترافها بدولة الجنوب، وسلفا كير رئيس لها. الشفقة شنو، لم يتبق من الزمن سوى أيام؟!.
من أغرب الملاحظات حول المواقف الدولية أن الاتحاد الأوروبي صامت تماماً حيال ما يجري بالسودان، ولا أعرف لذلك سبباً، ويبدو أن موجة الجليد قد ضربت الاتحاد الأوروبي سياسياً أيضاً، فلزم الصمت. دول الجوار الإفريقي، وخاصة كينيا، يوغندا وأثويبا، التزمت الصمت. يبدو أن السبب الوحيد الذي دعاها إلى ذلك هو خوفها من الاتهام بأنها شجعت ودعمت استقلال جنوب السودان، الموقف الذي له تأثير بالغ على أقلياتها المتملمة الآن.