ظللت لفترة طويلة أتجنب الخوض فى مسألة العلاقات المصرية السودانية و مسألة علاقة مصر مع دول حوض النيل الأخرى و ذلك حق طبيعى لأى مواطن من تلك الدول. كنت أبرر على الدوام ذلك التنأى بأن الوقت غير مناسب كما أن هنالك أولويات، بالرغم من أن هنالك كثير من المواقف و الأحداث كان يستوجب التعليق عليها و برغم أننى أومن بأن ترك المسائل معلقة يفاقم من أى مشكلة و يعقد حلها لاحقا.
عندما قرأت الخبر الذى أوردته صحيفة الرأى العام اليومية و بعض صحف أخرى وجدت من المستحيل المرور على ذلك الخبر دون التعليق عليه. الخبر يورد تعليق أحد المسئولين المصريين حول عزم الدولة الجديدة التى سوف تنشا فى الجنوب السودانى بعد الاستفتاء فى اطلاق أسم "جمهورية النيل" و هو أسم مقترح من عدة أسماء.
الخبر يقول (أن مسئولا مصريا قال للوزير لوكا بيونق القيادى بالحركة الشعبية، أن أختيار الجنوبين للنيل كأسم لدولتهم يصطدم بشكل مباشر بكثير من الادبيات المصرية، و يمنح الجنوب انتسابا مميزا للنهر دون باقى الدول التى تشارك فيه) مضيفا (اذا ما أصبح الجنوب جمهورية النيل كيف سيفاخر المصريون مثلا بقول هرودووت التاريخية ان مصر هبة النيل)!!!!!!
القول لا يمكن أن يصدق صدوره من شخص مسئول لأنه ينطوى على درجة من البجاحة تصل الى مستوى "الافتراء و الحقارة" كما أنه يفتقد للحجة و المنطق و يهدف الى "التحرش" بالآخر.
تذكرت نكته تقول (اجتمع قط مع فأر فى قارب بهدف توصيلهم للشاطئ الآخر. فجأة التفت القط للفأر ناهيا له بعدم رميه بالتراب. عندما رد الفأر بأن لا تراب فى القارب كما أن القارب فى منتصف النهر)
رد عليه القط بغضب (أهى دى الفلسفة البتخلينا ناكلكم)........هسع كلام المسئول المصرى ده مش الختا ذاتو!
لنعود للمنطق و القانون :
1- ليس هنالك ما يمنع الدولة الجديدة الناشئة فى الجنوب من اطلاق أى اسم على موطنها طالما ذلك الأسم يتوافق و القانون الدولى و لا يتعارض ما تدعو اليه البشرية من التعايش السلمى و التعاون بين الدول.
2- النيل ليس ملكا لمصر و لا تملك الحق فى التحدث عن النيل و كأنه ملك لها.
3- هنالك قوانين دولية تنظم مسألة المياه المشتركة بين الدول.
4- ان اطلاق دوله على وطنها أسم "النيل" لا ينقص من تاريخ مصر أو حضارتها.
فكرت مرة اخري ما الذى يدفع مسئولا مصريا لاطلاق مثل ذلك التصريح العدائى، لكن عندما تمعنت النظر فى بعض الأحداث التى جرت مؤخرا وجدت ذلك التصريح يتسق معها تماما و هاكم عينة من تلك المواقف
- لجنة أمنية مصرية تجتمع مع رئيس مفوضية الاستفتاء لمعرفة كيف تسير الأمور! هذه المفوضية تتبع للحكومة السودانية و لا علاقة لها بالحكومة المصرية أو الأمن المصرى!
- نأئب برلمان مصرى يدعى محمد العمدة، يرفع دعوى دستورية امام المحكمة الدستورية فى السودان لتعطيل الأستفتاء ذاكرا فيها (هذه الأتفاقية خطيرة لأنها ستفتح باب الصراع المسلح بين الجنوب و الشمال من جهة فى ظل خلو الاتفاق من ترتيبات الدولة الجديدة و تقسيم الثروة البترولية، و من جهة أخرى بين القبائل المختلفة فى الجنوب و بعضها بسبب الصراع على السلطة.... و تابع أن الخطورة لا تقتصر على السودان وحده و انما تمتد الى كل الدول العربية و الافريقية معللا ذلك القول بان الولايات المتحدة الامريكية ستساندها حال قرار الانفصال. و ستمدها بالاسلحة المحرمة على غرار أسرائيل لتهدد الجميع و تحقق مطاعم الغرب في ثروات أفريقيا و العالم العربى)!!
- شيخ القرضاوى يخرج فتوى بعدم جواز تصويت المسلمين السودانين لفصل الجنوب.
- موقع "ويكيليكس" يسرب معلومات بأن الدولة المصرية طلبت من أمريكا أن تتدخل لتأجيل الأستفتاء خمسة سنوات !!
- مصر تقول أن الدولة الجديدة فى الجنوب لا يمكن لها التصرف فى مياه النيل!!
- مشاريع تقام و تنفذ، تمنح فيه الشركات المصرية آلاف الأفدنة من الأراضى السودانية دون علم أو موافقة الشعب السودانى (مشروع الجزيرة، مشروع شمال أمدرمان).
بالطبع نحن نفهم أن لكل دولة مصالحها الخاصة وهى تتصرف وفقا لتلك المصالح، لكننا نعتقد و نؤمن أن ذلك التصرف يجب أن يكون متسقا مع سيادة الدول الأخرى، و احترام حق الجوار.
هنالك رأى أصبح متداولا بين كثير من أفراد الشعب السودانى و هو (أن عقلية الباشا محمد على لا زالت تحكم السياسات المصرية تجاه السودان كما أن الدولة المصرية تقوم بتنفيذ مصالحها فى السودان فى ظل الأنظمة الديكتاتورية و انعدام الديمقراطية و هى تتعامل مع دول حوض النيل و كأنها شرطى النيل).
أن السياسات بين دول حوض النيل هى سياسات استراتيجية، تقوم على مبدأ الأحترام ، الندية و المصالح المشتركة لأن تلك الدول تستمد أيضا بقاءها ووجودها من نهر النيل.
Adnan Elsadati [elsadati2008@gmail.com]