من يدفع الثمن؟ …. بقلم: خالد موسي دفع الله

 


 

 


khalid Musa [kha_daf@yahoo.com]
لم تنجح الانتفاضة الشعبية في تونس إلا بعد أن تجاوز الشعب حاجز الخوف. كانت هذه هي العبارة المفتاحية التي اتفق عليها المحللون لتفسير جموح الشعب التونسي للإطاحة بالرئيس السابق بن علي، حيث  طغت أحداث تونس علي إيقاع الصحافة العربية والقنوات الإخبارية ، فأثر ذلك علي الاهتمام غير المسبوق بقضية الاستفتاء في جنوب السودان.هل الوضع  في السودان مختلف عن مقتضيات الأحداث في تونس؟ بعض المعارضين يمنون أنفسهم بحدوث السيناريو التونسي في السودان ،مرددين أن الغلاء وتفشي البطالة هي أسباب كافية لإشعال الحريق.ولكن أظن أن الأمر في السودان جد مختلف لأن سلم الأولويات الوطنية في السودان يزدحم بقضايا إدارة التحول السياسي والبناء الوطني بعد انفصال الجنوب بقدر من الروية والحكمة.ولعل العقل الشعبي المناط به إحداث التغيير أسوة بالتجربة التونسية أصبح مدركا لأولويات العملية السياسية لأن ثمرة السلام التي قطفها باتفاقية السلام الشامل لا يمكن أن يضيعها بقفزة مجهولة في الظلام، ولكن هذا لا يعني أن  تطلعات الشعب في الرفاه والأستقرار يجب تجاهلها ، ولا يعني إستمرار العمل الروتيني كأن شيئا لم يكن. بل يجب إجراء إصلاحات سياسية عميقة تبدأ بإزالة التشوهات التي اقتضتها مرحلة التسوية السياسية وذهنية المجاملات والمحاصصات الأثنية والإقليمية التي أضعفت الأداء العام للدولة وقللت من الفعالية والإنجاز،ولعل الأهم هو أبتدار برنامج أجتماعي وأقتصادي ضخم يهتم بتوفير فرص العمل ، والعيش الكريم للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل وإشعال فتيل الأمل والتغيير للأجيال القادمة.
ولعل البعض لا يتوقف في مرحلة الإصلاح السياسي والتنفيذي فقط لمواجهة تحديات المرحلة القادمة بعد إنفصال الجنوب، بل يطالب بأن تطال الجراحة السياسية من تسبب في ذهاب الجنوب وإنفصاله. المفكر الأسلامي المعروف فهمي هويدي الذي زار الخرطوم الأسبوع الماضي قال مستخدما لغة الرياضة الشعبية بأن فريق كرة القدم عندما ينهزم في مباراة مصيرية يطال الشطب المدرب وبعض اللاعبين ومدير الكرة وغيرهم. فمن باب أولي أن يصدق هذا المبدأ علي السياسة أيضا وهي أعظم خطرا علي حياة الشعوب من منافسات كرة القدم، وطالب بأن تشحذ النخب السياسية في السودان أذهانها لممارسة النقد الذاتي الموضوعي وليس الأكتفاء بجلد الذات وتقريعها. لا شك أن الرسالة الأساسية للمفكر فهمي هويدي أنه لا بد من دفع ثمن للفشل في الحفاظ علي وحدة السودان. البعض لا يلتفت الي مجرد الثمن بل يهتم أكثر بمن يدفع الثمن.لا شك أن مبدأ المرجعات والنقد الذاتي الذي طالب به المفكر فهمي هويدي يجري في دوائر مغلقة ، وفي إطار مبادرات شخصية ولكنه لا يصب في مجري الحوار الجمعي المطلوب في هذه المرحلة. ولعل البعض يريد إشباعا لرغبة تصفية الحسابات والفجور في الخصومة وأرضاءا لنزعة التشفي والانتقام يطالب بأقصاء اللاعبين السياسيين الذي صنعوا نيفاشا تحت شعارات دفع الثمن المطلوب لهذا الفشل.
لهذا فأن الجدل يحتدم الآن حول سؤالين. الأول: ما هو الثمن؟ والثاني : من يدفع الثمن؟ أهل القصاص السياسي يهتمون فقط بمن يدفع الثمن وفي ذلك شخصانية فاحشة لأن قائمة الأتهام عند هؤلاء حاضرة تضم الأسماء ذات الرنين والصولجان.ولكن الحوار الموضوعي يقود الي أن سؤال من يدفع الثمن فيه استخفاف وتقليل من شأن القضية الوطنية لأن دور الأفراد مهما عظم لا يقف أمام مقتضيات التاريخ ومعطياته الموضوعية. فالنظام السياسي الذي صنع (نيفاشا) كان يدرك أن الاتفاقية هي الفصل النهائي في كتاب تاريخ السودان الحديث.وربما يتحول هؤلاء اللاعبون إلي أبطال في نظر الشعب السوداني إذا استطاع السودان أن يخرج من هذا النفق المظلم وأن يحقق معدلات تنمية ورفاهية عالية بانفصال الجنوب ويفتح شرايين الديمقراطية في جسد السياسة السودانية. ولكن بالطبع إذ ازداد الوضع سوءا بعد الانفصال فأن المسئولية السياسية ستطال كثير من لاعبي نيفاشا وأركان الحكم.
إن الجدل الوطني الموضوعي يجب أن يسلط الضوء علي سؤال : ما هو الثمن؟ بعد أن تجاوزنا شرط من يدفع الثمن؟ ولعل السؤال في حد ذاته يكشف عن ملابسات اللحظة التاريخية الراهنة لأن ثمن الانفصال يجب أن يكون مراجعات شاملة في فلسفة الحكم وبنيته المؤسسية ، والمشاركة السياسية ونهج التوزيع العادل للسلطة الثروة والأهم من ذلك هو فشو روح العدل والشفافية ، ومحاربة الفساد الاقتصادي والسياسي والاهتمام بقضايا الصحة والتعليم والفقر وتوسيع مواعين الممارسة الديمقراطية . أي ثمن أقل من ذلك ربما يدفع البعض الي خيارات متطرفة. وأختم هذا المقال بحديث ذي طرافة و دلالة حيث دعا د. غازي صلاح الدين ضاحكا ومداعبا الدكتور الواثق كمير في مناسبة عابرة للإنضمام للمؤتمر الوطني وتأسيس منبر يساري في الحزب الحاكم بعد إنفصال الجنوب وتشظي قطاع الشمال. فكان رد الدكتور الواثيق كمير سنأتي الي المؤتمر الوطني بعد أن تكملوا مسيرة الإصلاح الداخلي في حزبكم العتيد. هذا الحوار رغم سمته الدعابي الضاحك إلا أنه يكشف أنه يمكن هزيمة نفسية التمترس الأيدلوجي والعداء السياسي من أجل حوار فاعل في الفضاء الوطني.روح هذا الحوار هي بعض من الثمن المطلوب لتسوية تركة الأنفصال.
 

 

آراء