إسرائيل: سفارة فى الجنوب وخسارة فى مصر والأردن … بقلم: محمود عثمان رزق
Morizig@hotmail.com
إن ّ الثورة التى تشهدها مصر الآن لهى إحدى الثورات الكبر فى التاريخ. ومصر ليست كأى دولة عربية أو أفريقية أخرى ، فتغيير النظام فيها لا يتم بسهولة ولا بثمن بخس وإذا تم تغيير نظامها فى أى زمن من الأزمان تنعكس إيجابيات وسلبيات ذلك التغيير على كل دول العالم. حدث هذا فى الماضى وهو يحدث الآن ، وسوف تظل المعادلة المصرية كما هى إلى يوم القيامة.
ولسؤ حظ الحركة الشعبية فى جنوب السودان أن البركان الثورى فى مصر قد إنفجر فى وقت تستعد فيه الحركة لإعلان دولة فى الجنوب لأول مرة فى التاريخ بعد أن صوت لصالحها شعب الجنوب بنسبة 99% فى إستفتاء تاريخي مشهود. وفى زخم الفرحة ونشوة الإنتصار السياسى إستبق بعض سياسيى الحركة الشعبية الأقدار فأعلنوا عن إستعدادهم لتأسيس علاقات قوية مع إسرائيل تفتح لها ولمستثمريها أرض الجنوب!
ولكن الإنسان يشاء والله يشاء والله يفعل ما يشاء. فها هى الثورة المصرية جاءت لتخلط وتربك الأوراق فى المنطقة خاصة والعالم عامة. فالثورة المصرية من غير أدنى شك سوف تنسف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل وهى علاقة قاربت الأربعين عاما تفرضها الحكومة ويرفضها الشعب. وإذا نسفت العلاقة الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل سوف تنسف معها العلاقة الأردنية الإسرائيلية أيضا. ولقد رأينا كيف هب الشعب الموريتانى ضد الوجود الإسرائيلى فى بلاده فكانت النتيجة هى قفل السفارة الإسرائيلية فى موريتانيا بإرادة شعبية بعد أن فشلت الحكومة فى قفلها خوفا من الضغوط العالمية وهى نفس الضغوط التى تحاول الآن إبقاء إتفاقية السلام كما هى بعد نجاح الثورة، ولكن هيهات أن يستجيب الشعب المصرى لهذه الضغوط هذه المرة وهكذا وفى أقل من عشر سنوات ستفقد إسرائيل كل علاقاتها الدبلوماسية فى الوطن العربى الأمر الذى سيدفع المنطقة للمربع الأول وما أدراك ما المربع الأول؟!
وإذا نجحت الثورة المصرية فى طرد الوجود الإسرائيلى الدبلوماسى من أراضيها عبر بوابتها الرسمية بضغط شعبى فلن تسمح له بأن يدخل عليها من شباك الجنوب. وخروج إسرائيل من مصر والأردن وموريتانيا سيفقد ساسة الحركة الشعبية الحجة التى يستندون عليها ويرددونها كثيرا ويقولون: إذا كانت الدول العربية تقيم علاقات مع إسرائيل فلما لا نقيم معها علاقات وليس بيننا وبينها عداء؟
وما يجب أن يتذكره ساسة الجنوب هو أن الحكومة المصرية الجديدة لن تكون حكومة ضعيفة بحيث تملى عليها الشروط من الخارج من عل فتنفذها من غير مناقشة ولا تردد. لا..لا.. هذه الحكومة المرتقبة ستكون حكومة ديمقراطية قوية وشرسة فى آن واحد، وستجبر الأصدقاء والأعداء للتعامل معها وسماع رأيها والحفاظ على مصالحها. وستستمد قوتها من بعد الله تعالى على ذلك الشعب البطل المناضل وبالتالى إذا استطاعت أن تنسف علاقتها مع إسرائيل فلن تسمح لإسرائيل بأن يكون لها موضع قدم فى جنوب السودان حيث الماء الذى هو شريان الحياة لمصر.
كما يجب أن يتذكر ساسة الجنوب أن لمصر حضور قوى فى العالم أجمع وخاصة العالم العربى والأفريقى ، وهذا الحضور والأهمية لا تدانيها فيه إسرائيل ولا غيرها وسوف يكون لهذا الحضور طعم آخر وشأن آخر بعد نجاح الثورة بإذن الله. فإذن ، من الغباء وعدم النضج السياسى أن يحاول ساسة الجنوب إستعداء الشعب المصرى وحكومته الجديدة بتأسيس علاقة دبلوماسية مع إسرائيل حاضرا أو مستقبلا. فمصر الجديدة بإمكانها تأليب كل العالم وخاصة العرب والأفارقة على حكومة الجنوب الوليدة وسوف تفعل من غير تردد إذا لم تتعقل حكومة الجنوب المرتقبة. ويجب ألا ينسى ساسة الجنوب أنّهم محاطون بشعوب أفريقية مسلمة من جميع الإتجاهات ويكفى أن 35% من سكان الجنوب مسلمون. فلن ترضى هذه الشعوب –وإن كانت ضعيفة - هذه العلاقة من حيث المبدأ. وقد تنجح الحركة فى فرضها عليهم كما فعلت الحكومة المصرية ولكن سوف يأتى اليوم الذى يهب فيه الشعب وينسف هذه العلاقة المفروضة عليه. فإذا كانت النتيجة معروفة سلفا فلماذا الرهان على جواد خاسر؟
وفى الحقيقة تكوين علاقة مع إسرائيل ليس من ضروريات وأولويات شعب الجنوب ولا لازمة من لوازم السلام له ولا للمنطقة بأسرها. فشعب الجنوب تربطه علاقات قوية وتاريخية ومصيرية مع شعب الشمال وشعب مصر وذلك بعكس علاقته مع إسرائيل. فليس لشعب الجنوب علاقة تاريخية ولا حاضرة ولا مستقبلية مع إسرائيل، وإن كانت إسرائيل قد قدمت بعض الدعم للحركة الشعبية وغيرها من الحركات الجنوبية المسلحة فقد وجدت الحركة الشعبية وغيرها من الحركات المسلحة دعما من بعض الدول العربية وخاصة من مصر وليبيا يفوق الدعم الإسرائيلى أضعافا مضاعفة.
فلذلك من الحكمة وبعد النظر أن يبتعد ساسة الجنوب عن العنتريات وألا تمنعهم نشوة الإنتصار السياسى ولحظة صناعة التاريخ من النظر بعيدا بارتكاب حماقات يدفعون ثمنها لاحقا. فمن العقل والحكمة أن يجلس ساسة الجنوب وساسة الشمال وساسة مصر الجدد على طاولة واحدة ليضعوا معا سياسة واضحة للمنطقة تحفظ لكل ذى حق حقه ويدفعوا بعجلة الإخاء الإجتماعى وبعجلة التكامل الإقتصادى والتنموى والأمنى إلى الأمام ، فعلاقة الجنوب بشمال السودان ومصر أكبر وأعظم وأهم. فهل يسمعنى إخوتى فى الجنوب؟