في الحلقة السابقة قلنا لو أن السيد باقان أسعفنا بالأدلة اللازمة لاتهامه القائل بتآمر المؤتمر الوطني لتخريب الجنوب لكان لنا موقف مختلف، ولكنه آثر (دس) مستنداته وإطلاق اتهاماته فلم يصدق أحد ما أفاد به واعتبره كثيرون ـ من غير أهل الوطني ـ كيدا سياسيا دارجا في المعادلة السياسية السودانية منذ التكوين الأول.كنت قد قلت لباقان قبل فترة أني أخشى على الساسة الجنوبيين أن يأخذوا من تجربتهم مع الساسة الشماليين أسوأ ما فيهم وهو اصطناع المناورات السياسية قصيرة النظرة والمماحكة وإدمان الألاعيب الصغيرة، وها هو باقان يثبت مخاوفي ويمضي على ذات النهج.!! وليس في الأمر عجب.
في ذات المؤتمر الصحفي الأحد الماضي قال السيد باقان: (إن رئيس حكومة الجنوب قد كلفه رسميا بدراسة سبل وقف تصدير بترول الجنوب عبر الشمال وإيجاد البدائل المناسبة). هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها باقان بوقف تصدير البترول عبر الشمال والبحث عن منافذ أخرى قبل أن يتلقى أمراً بدراسة الموضوع من الرئيس سلفا. السيد لوال وزير النفط قال في حوار معه في جريدة الصحافة في يوليو الماضي: (إن الجنوبيين يدرسون نقل البترول عبر ممبسا أو جيبوتي أو الكاميرون). ولكن لأن السيد لوال يدرك ما يقول أكد في ذات الحوار على قضية أخرى حاسمة على الأقل الآن. قال لوال (الجنوبيون لديهم خطط لإنشاء خط لنقل النفط من الجنوب إلى ميناء ممبسا الكيني، ولكن الخطط تحتاج لوقت واستثمارات تُقدر بنحو (3) مليارات دولار). إذن الخطط موجودة ولكن كيف السبيل لإنفاذها، ومتى؟. ما هو واضح الآن أن الجنوب لن يستطيع أن ينفذ خططه إلا بوجود تمويل يقارب ما بين ثلاثة إلى عشرة مليارات من الدولارات، فمن أين لحكومة الجنوب توفير هذا المبلغ وهي تعاني الإفلاس بصورة عجزت معها على صرف رواتب موظفيها؟!. ولكن هب أن حكومة الجنوب حصلت على التمويل اللازم من جهات متعددة لإنشاء خط أنابيت حتى ميناء ممبسا فمن أين لها الوقت الكافي لإنشاء الخط الناقل الذي يحتاج لثلاث سنوات حتى يكتمل. فإذا كان الوقت ليس كافيا الآن، وليس هنالك تمويل جاهز فما الداعي لاستخدام هذه الفزاعة التي لا تخيف أحداً؟.
يخطئ باقان باستخدم هذا الكرت، ليس لأنه محروق فقط بل لأن استخدامه وسط هذا الصراع السياسي المحموم بينه بين الوطني يشي بأن باقان لا يعير اهتماما لشعب الشمال الذي سيشعر بأن باقان ـ ولا أقول الجنوب ـ يمارس الابتزاز والتهديد لإحساسه بحاجة الشمال لنفط الجنوب، وهي خصلة غير كريمة ستزيد من بعد الشقة النفسية بين الشمال والجنوب. وهو يخطئ مرة أخرى في الحساب إذ إن الجنوب والشمال عاشا قرونا بلا بترول، وإذا أوقف ضخ البترول فلن يموت السوادانيون وستسمتر حياتهم بدونه، صحيح أن الاقتصاد سيعاني جراء وقف ضخ البترول لاعتماد الموزانة العامة في الشمال عليه، ولكن ماذا بشأن الجنوب؟ هل يستطيع أن يصمد شهرا بدون بترول؟ هذا هو السبب الذي جعل قادة الإنقاذ يخرجون لسانهم رافعين راية التحدي لباقان للتجرؤ على إيقاف ضخ النفط!!. كل الحقائق واضحة، فأي هدف يرجوه باقان من إطلاق مثل هذه التهديدات التي هي بلا معنى وليست لديها أي قيمة أو وزن سياسي أو اقتصادي ولا تخيف أحدا؟. ليس من ستحققه تلك التصريحات سوى إثارة الغبائن وتكرييه الشماليين في كل ماله صلة بالجنوب حتى لو كان البترول. باقان يدرك أن إيقاف الشمال لتصدير (العيش) والسكر للجنوب من شأنه الآن أن يجعل جوبا تغلي فلما التهديد بمثل هذه الترهات؟.
ما يجب أن يقال لباقان: إن مثل هذه الألاعيب الصغيرة في الصراع السياسي والبلاد أصلا على حافة هاوية لا يؤدي إلا الحرب. الحرب لا يشعلها البترول إنما توقدها الغبائن التي يثيرها باقان. يا ترى هذا ما يرغب فيه باقان؟، والسيد سلفا يصرخ صباح مساء ألا عودة للحرب!! أدعو باقان أن يتذكر أنه لن يكسب أحد من الحرب شيئاً وأدعوه أن يتذكر أنه وزير للسلام لا الحرب!!