يوميات الثورة المصرية (3) الأخيرة: ثورة مصر على طريق النجاح
مضى اسبوعين أو أكثر على كتابتى اخر فصل فى يوميات الثورة , ويبدو العجز عن الكتابة مرتبط بهذا القلق الذى ينهشنا فى مصر ينهشنا على مصير الثورة و خصوصا وأننى أتلقى من السودان عشرات الأتصالات اليومية بالتهنئة والتنبيه لسان حال الجميع مبروك عليكم ولكن احذروا سارقى الثورات فاللسودان خبرة اكيدة فى هذا الأمر فقد كانوا الساباقون الأوائل فى صناعة الثورات العربية والرواد فى اللجوء الى العصيان المدنى وبالتأكيد هذه مكانة مستحقة ومعترف بها للشعب السودانى ومن زاوية هذا الإدارك ومعرفتى بتفاصيله يبدو القلق عظيما ومرهقا .
لكن اليوم واليوم فقط أشعر بأطمئنان ليس مطلقا ولكنه محسوس وملموس ومصدر الإطمئنان أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية إنتقل من منطقة الإحتفال والإحتفاء بثورة 25 يناير وأعتبار مطالبها مشروعة فقط الى مرحلة أكثر تقدما وربما حسما فى تاريخ مصر وهى إدراك أبعاد الثورة الحقيقية أى تأسيس علاقة تعاقدية جديدة بين الحاكم والمحكوم يلبى فيها الأول مطالب الثانى بإعتبار أن المحكومين من الشعب الذى هو مصدر السلطات .
بهذا الفهم الجديد أسقطت حكومة أحمد شفيق من جلسة حوارية بالتليفزيون وجاء عصام شرف مرشح الثوار الصاعد الى رئاسة الوزارة من بينهم فى جمع الغضب والصمود والرحيل والنصر ليعلن رئيس الوزراء الجديد من ميدان التحرير وليس غيره أنه يستمد شرعيته من هذا الشعب ويتعهد بالحفاظ على الثورة من ميدان التحرير.
هذه هى اللحظة التى تؤسس للجمهورية الثانية فى مصر هذه هى اللحظة التى تولد فيها مصر جديدة فتية نشرف بالإنتماء لها ونعمل من أجلها .
لقد أعترى ثقتنا بالقوات المسلحة لحظات قلق وتوتر كثيرة حينما كانت العلاقة المطروحة علاقة قائمة على الثقة وفى إتجاه واحد من الشعب الى الجيش , وهى الأوقات التى تراكمت فيها شكوك بشأن مدى إلإداراك المتوافر لدى المجلس العسكرى عن الدور الأساسى للفترة الإنتقالية فى توفير عملية سياسية توفر لمصر آلية مستقرة ومناسبة للإنطلاق نحو آفاق التقدم فى كافة المجالات لتحتل مصر بطاقاتها المكتشفة فى ثورة 25 يناير المكانة الجديرة بها وبشعبها داخليا وإقليميا وعالميا
وإذا كانت مصادر الفرح والتفاؤل هى تأسيس هذه العلاقة التعاقدية الجديدة فأن منابع القلق مازالت مرتبطة مناهج العمل والرؤية بشأن العملية السياسية المتوقعة والمنبثقة عن الإنتخابات التشريعية والرئاسية وهى التى تبلورت فى
من جانب المجلس العسكرى فى تقديم صندوق إنتخابى نظيف للشعب محقق لشروط النزاهة والشفافية بغض النظر عما ينتجه هذا الصندوق من أطراف سياسية, ومدى تعبيره عن الفئات الإجتماعية المنتفضة فى 25 يناير, أو قدرتها فى تحقيق حالة أستقرار سياسى ممتدة . وفى هذه الأجواء يبدو المجلس منقطعا عن مطالبات القوى السياسية المصرية المختلفة خلال العقدين الأخرين , فيتم طرح نظام الإنتخاب الفردى مثلا من جانب المجلس العسكرى بينما تتوافق القوى السياسية ودراسات النظم السياسية المصرية فى مركز الأهرام للدراسات على سبيل المثال الى أن نظام القائمة النسبية هو النظام الأكثر قدرة عن التعبير عن كافة القوى السياسية والفئات الإجتماعية المهمشة مثل الأقباط والمرأة فضلا عن كون هذا النظام يتيح تقوية الأحزاب السياسية ويبعد المال عن التأثير فى مجريات ونتائج الصندوق افنتخابى ولا يساهم فى خلق قوى سياسية مهيمنة فى المجالس التشريعية .
كما تبدو الرغبة الا تتعدى الفترة الإنتقالية الستة شهور إداركا لطبيعة المسئوليات التى تقع على عائق القوات المسلحة فى تأمين البلاد الإ أنها وبأتفاق جميع قوى الثورة تبدوغير مناسبة لتأمين تطور ديمقراطى حقيقى فى مصر, والمفارقة هنا أن الأخوان المسلمين والمجلس العسكرى هما الفريقين الوحيدين المنحازين الى هذه الفترة الإنتقالية القصيرة , وعلى الرغم من التطمينات التى يقدمها الإخوان فى هذا الصدد بعدم الحصول على أكثر من ثلث المجلس التشريعى وعدم التقدم للأنتخابات الرئاسية الإ من المهم ملاحظة أن حصول الإخوان على هذا النصيب لم يكن نتاجا لبرنامج سياسيى محدد ولكن تحصيلا لمجهود دعوى وأجتماعى مستند الى مرجعية إسلامية عامة لاتتضمن تفصيلات محورية وأساسية بشأن مستقبل مصر السياسى وفى تقديرى أن حصول الإخوان على هذا الثلث سوف يكون مشوبا بنوع من الإنتهازية السياسية فمقاعد البرلمان لابد وأن تكون على أساس سياسى لا دعوى , كما يبدو لنا أن مشهد عدم قدرة وائل غنيم على أعتلاء منصة جمعة النصر مؤشر دال على السلوك السياسى للأخوان وهنا أستطرد وأشير الى أن أقطاب الإخوان قد قدما تفسيرين متنافضين للواقعة يثبتها ولا ينفيها فقال د. عصام العريان فى قناة الحياة أن الواقعة غير صحيحة بالمرة وأن الوكالة المسئولة عن نشرها ( الفرنسية ) لاتتمتع بالمصداقية , أما د. محمد البلتاجى الذى كان مسئولا عن منصة جمعة النصر فأكد المعلومة فى برنامج مانشيت للزميل وائل القرموطى ولكنه نفى مسئوليته عنها وقال أن أحد اليسارين وليس هو المسئول عن عدم تمكين وائل غنيم !!
المهم أن قصر الفترة الإنتقالية لن ينتج الإ الثنائى المسئول عن عدم إحتقان العملية السياسية فى مصر وعدم إستقرارها وعما الحزب الوطنى الذى يرتب صفوفه والإخوان المسلمين
وأخيرا يبدو المجلس العسكرى مطالبا الشعب بالثقة المطلقة التى هو مؤهل لها بالتأكيد لكن دون خلق أشكال مؤسسية تسمح للشعب بالتعبير والتأثير فى مستقبل العملية السياسية , وقد أعتبر المجلس العسكرى فى هذا السياق أن جلسات الأستماع التى يجريها مع النخب السياسية وممثلى الشباب كافية لتحقيق المطالب الشعبية التى يقرون بشرعيتها ولكن دون خلق الآليات المؤسسية المحققة لهذه المطالب , وهنا يتم التغاضى أن هذه الجلسات بطبيعتها غير ملزمة للمجلس العسكرى بتنفيذ مطالب أئتلاف الثورة فى التوقيتات المطلوبة ,خصوصا وأن المكاسب المتوقعة من تكوين هذا المجلس الرئاسى او التفاوضى لاتتعلق بمطالب الثورة فقط ولكنها أيضا تحمى صورة القوات المسلحة وتوفر عليها الأحمال الزائدة والمتمثلة فى أمكانية تحميلها مسئولية أى إنفجار للأوضاع فى المستقبل ناتج عن محاولات الوقيعة التى لن تنتهى بين الجيش والشعب . وربما يكون من المهم هنا التذكير بواقعة إقدام الضباط الأحرار عن إ عدام العاملين خميس والبقرى , رغم أنحياز ثوار يوليو الى العمال ولكن إنفجار المطالب الفئوية المماثل للحالة الراهنة دون وجود قدرة واقعية لدى المجلس العسكرى لتحقيق هذه المطالب أنتج توترا يمكن أن يتسبب فى إرتكاب هذا النوع من الأخطاء أو تبلور حالة إحتقان بين الجيش والشعب يدفع ثمنها الطرفين .
والمفارقة أننا لسنا وحدنا فى الشعور بالقلق بل أن هناك أنواع من القلق والمخاوف لدى المجلس العسكرى أيضا وهو القلق المرتبط بإمكان حدوث حالة فوضى شاملة ناتجة عن تلبية المطالب المتعلقة بحل الحزب الوطنى ينتج عنها فوضى تتفكك معها مؤسسات الدولة , وذلك قياسا على حالة حزب البعث والمطالبة بإجتثاثه , وفى تقديرى أن القياس هنا خاطىء لأن ماتم فى العراق هو تفكيك المؤسسة العسكرية بأمر مباشر من المحتل الأمريكى لتحقيق مصالح إستراتيجية أمريكية وأسرائيلية وتفكيك الجيش العراقى هو السبب الرئيسى فى إحداث الفوضى وهى حالة غير موجودة فى مصر فقد أنحاز الجيش المصرى فى اللحظة المناسبة للشعب وبالتالى فهو ضامن الإستقرار ورغم ذلك فأنا لست من المطالبين بأعلان إجتثاث أو حل للحزب الوطنى لكن خطوة تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة تبدو كافية وسوف تساهم فى حل هذه المشكلة تلقائيا بطريقة سلمية , مما يمكن معها السلطة التنفذية من العمل فى مناخ سلمى .
المخاوف متبادلة والأحمال زائدة على الجميع جيشا وشعبا وحكومة ولكن الكل يثق فى الكل بهذه العلاقة التعاقدية الجديدة بعد أن لاح الفجر وبزغ الأمل وتأكد أن للثورة حراس نابهون قادرون مصممون على تحقيق الأهداف فى الحرية والكرامة قدموا التضحيات ومازالوا قادرين على تقديم المزيد مدركين أن الروح والنفس هما ثمن الحرية وليس أقل
Amany Altaweel [aaltaweel04@yahoo.co.uk]