المحبوب عبد السلام: السودان في خطر والحزب الحاكم فوضوي
حاوره بزيورخ: إيهاب إسماعيل: الصحافة
قال الاستاذ المحبوب عبد السلام، القيادي بالمؤتمر الشعبي، ان مشكلة السودان تكمن في عدم بسط الحرية، واشار الى ان بسط الحريات سيحل مشكلات السودان، مشيرا الي ان اللامركزية هي فرع من فروع الحرية، وتوقع ان تهب رياح التغيير العربية على السودان، وقال ان نموذج التغيير في السودان سيكون اقرب للنموذج الليبي منه الى المصري، واشار الى ان ابيي ستكون بذرة الحرب القادمة بين الشمال. واستعرض المحبوب عدداً من القضايا في الحوار التالي:
٭ لماذا تم منع توزيع كتاب الحركة الاسلامية السودانية.. دائرة الضوء وخيوط الظلام في السودان؟
ــ الكتاب يؤرخ لمرحلة للتاريخ، وابطال هذا التاريخ مازالوا يحكمون السودان، فالكتاب نوع من المواجهة الفكرية لما كسبت واقترفت أيديهم في العشرة اعوام الاولى من حكم الانقاذ، الشىء الطبيعي ان يتم التصدي فكرياً للكتاب لكن كما يقول محمود درويش لخوف الطغاة من الذكريات عجزوا عن المواجهة الفكرية، ولجاؤا الى السلاح الذي يحسنونه وهو استعمال قوة السلطة المادية التي تمنع الكتاب من رخصة دخوله للسودان كما هي العادة مع كل الكتب، وهم انشأوا مجلساً قومياً معني بدخول الكتب، وهو مجلس غير جاد تقوم به فئة موظفين لا علاقة لهم بالكتابة والثقافة، ويوجهون سياسياً من مراكز في السلطة القائمة، والحقيقة الكتاب فضح الكثيرين من الدعاية الخاطئة التي حاولوا ان ينسبوها الى القيادة التاريخية للحركة الاسلامية، وكان ينبغي مواجهته بالفكر وليس بالقوة، كذلك وجه بقوة آلة التشويه الدعائية ضد الكتاب نقاشاً، وعجزوا تماماً عن مناقشته، وعجزوا عن أن يردوا عليه بأساليب حتى من استدعوا من يعتبرونهم المتقدمين في الفكر، كان نقدهم جزئياً وسطحياً ومتهافتاً لا يستحق حتى أن يرد عليه. وانا في تقديري الكتاب انتشر بوسائل كثيرة واحرز في القاهرة نجاحا واسعا لم يحرزه اي كتاب سوداني من قبل خلال العشرة اعوام الماضية، وكتب عنه أضعاف ما كتب عن أي كتاب سوداني طبع خلال العشرة أعوام الاخيرة، والكثير من الناس أخبروهم بأن يقرأونه في النت. وأدعى بعض النقاد الذين أشفق عليهم من الذين لم يقرأوا الكتاب، بأنه انتشر لأنه منع، فهؤلاء الناس ينتقدونه قبل قراءته.. هذا منهج يثير الشفقة اكبر مما يثير الغضب، فكلهم موظفون لدى سلطة المؤتمر الوطني في منع الكتاب.
الكتاب هو تاريخ ينبغي ان يقرأ، وكما ذكرت في المقدمة فإن الكتاب محاولة لاستفزاز الطرف الآخر بالمعني الايجابي لكلمة استفزاز، لنخرجهم للكلام وللرد، ونجعل المعركة فكرية أفضل من أن تكون معركة ضرب، كما قال احد اصدقائنا اذا عشت في الغرب تكون المشكلة مع افكارك ولكن اذا عشت في السودان تكون المشكلة مع جسدك، فالجسد في السودان يضرب ويعذب ويغتصب ويدخل السجون، فهذه هي مناهجهم وأساليبهم، وكذلك استخدمت الاساليب الملتوية مع الكتاب التي تستعمل في السياسة السودانية، وهذا مثل بسيط للمنهج المؤسف الذي يُدار به السودان منذ عشرين عاما
ً
٭ ذكرت أن الكتاب مواجهات فكرية وحوار مع النفس.. ماذا يريد أن يقول الكتاب للقراء؟
ـ
ـ لا نستطيع أن نتحدث عن كتاب به «450» صفحة ونقول يريد أن يقول كذا في جملة واحدة او جملتين. وقلت في مقدمة الكتاب إن هذه تجربة اثرت في حياة شعب باكمله ولا بد أن يتأملها الناس وان تناقش هذه الفترة التاريخية، وهذا ما مارسته وأدعو اليه الآخرين لاسيما، وابطاله مازالوا موجودين في مسرح الحياة وهو نقاش لتاريخنا الحي مانزال نعيشه اليوم.
٭ اعتذرت في ثنايا الكتاب لله والشعب السوداني.. فيم اخطأتم إذن؟
ــ طبعاً أدب الاستغفار الذي يسميه الناس في الادب المعاصر النقد الذاتي واحياناً يسمونه الاعتذار واحياناً كذلك الاعتراف، هو ممارسة سياسية، وانت اذا تأملت مسيرتك كلها لفترة تجد فيها نقصاً، لأن النقص يشوب العمل الانساني، وهذا عمل كبير كما قلت موضوعه بلد وشعب فيه تجاوزات، خاصة في ما يتعلق بالحقوق الاساسية للانسان، وتعرف الآن في الثقافة السياسية المعاصرة أنه كانت هنالك تجربة تجاوزات كبيرة، وكانت هنالك اخطاء في إدارة البلاد نفسها بوصفها مؤسسات سياسية اقتصادية.. هذه هي الاشياء التي يجب ان نعتذر عنها بهذه الطريقة، وانا كنت احاول أن اقرأ المناخات الكثيرة التي جرت فيها هذه الاحدات، فهو ليس اعتذارا شكليا فقط، ولكن اعتذار لديه مضمون substance كما يقال بالانجليزية.
٭ لكن هنالك من يرى أنكم شركاء في الجريمة رغم الاعتذار؟
ــ طبعاً.. فقد مضت احد عشر عاماً منذ أن افترقنا، وإذا كنت تعني المؤتمر الشعبي زعيم الحزب هو الزعيم السياسي الوحيد الذي يعتقل خلال الاحد عشر عاماً الماضية، ولم يعتقل عاما او عامين بل أعوام كثيرة، والحزب نفسه نزلت عليه نوازل كثيرة بسبب موقفه والتطهر مما كان في الماضي، وأنا كنت اقول لك قبل قليل في الادب الماركسي هنالك مقولة تنسب الى لينين تقول إن الاعتراف بالخطأ في السياسة عمل سياسي كبير، فنحن قمنا بمراجعة شاملة وقمنا بقطيعة مع الماضي، وقدمنا منهجا جديدا حتى في إدارة تنظيمنا. لكن هناك بعض الناس يعشقون تكرار هذه المقولة لأسباب سياسية ليست بسبب موقف موضوعي، لكن بسبب الموقف السياسي باعتبار ذلك نوعاً من الدعاية السياسية
.
٭ هل يمكن للكتاب أن ينسف اية إمكانية للتقارب والحوار بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني؟
ــ الكتاب لم يناقش هذا موضوع تقارب الوطني والشعبي، وتلك الفترة لم يكن فيها المؤتمر الشعبي ولم يرد ذلك في الكتاب، لكن المؤتمر الشعبي باعتباره حزباً يمكن أن يتجاوز الماضي والآلام والتجارب من اجل خير ومستقبل السودان، لكنه يضع المصالحة التي هي ليست مصالحة كيانين او حزبين يمثلان طرفي الحركة الاسلامية، بل يجب ان تكون مصالحة في المجتمع. وأنا دعوت ليس لمصالحة سياسية، بل دعوت الى مصالحة اجتماعية بين كتل اجتماعية في دارفور وشرق السودان وفي الوسط وفي الشمال، وهذه مصالحة تحتاج إلى أسس. وأول أسسها أن تتاح الحرية، وكنت قد قدمت ورقة بعد الاستفتاء واستقلال الجنوب في مركز دراسات الجزيرة، وقلت إن هنالك مشكلة واحدة في السودان هي الحرية، ومعناها في الحركة الإسلامية قضية واحدة هي الفكر. وإذا انبسطت الحرية وتأسس حوار فكري داخل الحركة الاسلامية، يمكن أن تتصالح الحركة الاسلامية وتنفع السودان، لكن التحول من جديد الى عصبة وطائفة وعصابة فأنا ضد هذا الموضوع. واعتقد أن قرارات الحزب في هذا الاتجاه. ولا نريد أن ندخل الى المؤتمر الوطني لنقويه ونساهم في مشروعه، لأنه مشروع بار تماماً وانتهى الي بوار فظيع، وهم انفسهم يتحدثون عن ذلك، ولا بد من التغيير والتجديد، فلذلك تصبح المسألة لا معنى لها
.
٭ ذكرت أن معلومات الكتاب لم تراعِ أصول البحث العلمي.. هل هذا يقلل من صحة ومصداقية الكتاب؟
ــ أنا لم اقل أنه لم يراع مناهج البحث العلمي.. أنا قلت إن الكتاب له منهج، فهنالك كتب كتبت عن الخلاف لكن عيبها الرئيسي اعتقد أنها كتبت بلا منهج، وأنا اخترت منهجا من مناهج كثيرة في البحت التاريخي ودمجته في الكتاب، لكن عادة ما يفرق الناس بين البحث الاكاديمي العلمي والفكر السياسي الذي يتناول قضية بعينها، وانا تناولت قضية أنا طرف فيها ولست محايداً. والنقاش يكون بين المختصمين كل أحد يبسط حججه ومواقفه، وتتكامل الآراء اذا كان الحوار فكريا وليس بين حق وباطل. وعندما يكون الحوار بين فكر وقوة اطرافها لا تقف على ارضية واحدة يكون «حوار طرشان».
٭ لكن فصول وأبواب ومسميات الكتاب تشير إلى أنكم على حق والآخرون على باطل.. كيف بنيتم هذه الحيثيات؟
ــ أنا أصلاً منحاز لطرف، ولولا أني على قناعة بأني على حق لما انحزت إليه، والكتاب بأكمله مرافعة حول هذا الموضوع. ولماذا هؤلاء على حق وهؤلاء على باطل، وهذا حديث مطلق فالحق نسبي والخطأ كذلك، فنحن أخطأنا في اشياء معهم عندما كنا سوياً في السلطة وافترقنا عنهم، فنحن بشر نخطئ، لكن اذا أثرت دعاية ضخمة وعملت تشويشا كبيرا وتملك الاعلام والمال وتشتري كثيراً من الصحف وتشتري كذلك الكثير من الصحافيين، وتستطيع ان تلتقي بالناس اسهل مما نلقاهم نحن، فلا بد ان يؤثر هذا التشويش ويقوم الطرف الآخر بمرافعته عن نفسه بكل الوسائل
.
٭ لماذا جاء هذا الكتاب في هذا التوقيت بالذات بعد أكثر من عشرين عاما؟ ولماذا لم تقوموا بالاصلاح من الداخل وقتئذٍ عندما كنتم في السلطة؟
ــ أنا أشرت في الكتاب الى أنه كان هنالك حوار داخلي كثير، وكانت هنالك مواقف متباينة اجتمعت في النهاية وادت الى المفاصلة، ولم يكن ذلك موقفاً بين يوم وليلة، ولكن هو صراع طويل حول الحكم الاتحادي والجنوب، والحريات والعلاقات الخارجية، والعزة والاستقلال، والالتزام بالعهود والمواثيق، والموقف من حقوق الانسان وحرياته الاساسية. وكان هنالك جهد كثير بذل حتى لا يظهر الغسيل القذر للناس. كما كان يرى الشيخ الترابي اذا كانت هنالك مشكلة في البيت يتم سترها في الداخل، واذا تدخل الجيران يكون هنالك شيوع محدود للمشكلة، وأذا تدخل الاهل وكبرت المشكلة الناس تسميها فضيحة، وكنا نحاول ان نجنب الحركة الاسلامية الفضيحة ونصلحها من الداخل، وهذا حدث كثيراً في مسيرتنا، وانا كنت ممثل اليسار داخل الحركة الاسلامية، وكنت اعمل «18» ساعة من اجل الانقاذ، لكن كنت دائماً غير راضٍ عن الانقاذ. وحاولت ان اقدم حيثيات في هذا الامر، وحاولت ان اكتب الكتاب بعد عشرة أعوام، لكن افكاره وآراءه التي برزت فيه عبارة عن نقاش مع آخرين. وبعد المفاصلة احتجنا لوقت طويل لنتأمل مسارنا الماضي، وهذه خلاصة وليست خلاصة كاملة وشاملة، لكن معقولة تعكس لماذا حدثت، ولكننا لم ننتظر حتى ينتهي كل شيء. وكتبت في نهاية العام العاشر قبل الانتخابات حتى يكون كتابا لتبيان المواقف وتوضيحها، ولكن منع في السودان وانتشر بوسائل اخرى. والكتاب يوثق لمجموعة حية مازالت تحكم السودان
.
٭ هناك اتهام يوجه للكتاب بأنه لم يراع النقد وأدب الخلاف والإخوانيات، وتعمق في الخاص والشخصي اكثر من الاصلاح؟
ــ هذه اكبر فرية واكبر اكذوبة، فالكتاب لم يظهر حتى الاسماء. وكثير من الناس يشتكون من أن الكتاب لم يشر الى الاسماء خاصة الاحياء منهم. وانا تهمني الافكار، فمالك بن نبي يقسم الوجود الى عالم الاشخاص وعالم الافكار، مثلاً الطفل يتعلق بالاشياء والمراهق يتعلق بعالم الاشخاص، والشخص الناضج يجعل الحوار فكرياً، والحوار في الكتاب فكري فقط. وفي بعض الهوامش اشرت الى بعض الاسماء حتى تبدو الامور واضحة للقارئ. وهو ليس تسجيل يوميات، ولم اتعرض مطلقاً الى شيء شخصي مطلقاً مع شخص في سلوكه الشخصي واسرته وما تنصح به جرائمه، وهذا اسلوبهم. وانا اتعفف جداً من هذا الاسلوب، ولا أرد حتى على الذين تعرضوا لي بهذا الاسلوب، ولكن أنا اعرف من دراستي في الجوانب الانسانية، أن مثل هذه الانظمة الفاشية والنازية وكما قال كراشي منهج الممثلين لا يكفي أن يضع في السجن، ولا يقنع إلا من يلطخ سمعتك في التراب.. هذا منهجهم وليس منهجي
.
٭ ذكرت في ثنايا الكتاب أن الشباب ماتوا في الجنوب من غير ما هدف، بعد أن سكبت دماء كثيرة من أجل الانقاذ، وهناك شهداء قدموا أرواحهم من أجل هذه القضية.. ماذا تقصد بهذا الحديث؟
ــ طبعاً هذا في المقدمة، والمقدمة أدبية، وأنا كنت متردداً أن أضعها أم لا، لأنها كانت عبارة عن مقال يتحدث عن حالة نفسية للكاتب في مرحلة معينة في أوان الخلاف، كيف هي الافكار التي كانت تراودني لذلك سميتها خواطر اليوم الاخير، وكيف ان هذا المشروع الذي عمل الناس من أجله لنصف قرن، ومات في سبيله مئات الشهداء في العشرة اعوام الاخيرة، وتخلص في نهاية المطاف عندي أنا في الدستور الذي ضمن الحريات وإسلام الحياة العامة. وهذا دستور نقض في يوم واحد ومر كأنما لم يكن شيء لدى الكثيرين، لذلك تدور هذه الخواطر وهذه الاسئلة، وهذا الجزء المحدود من الكتاب لا يمكن محاكمته موضوعياً بهذا المعنى، كما جنح بعض الناس. وقلت إن بعض الناس تخطر في بالهم أن الشهداء ماتوا لغير ما سبب واضح. ولا اعتقد أن القضية مازالت موجودة حتى في سبيلها يستشهدون. وبعد ان افترقنا ذهب بعض من اعضاء المؤتمر الشعبي الى شرق السودان واستشهدوا، وآخرون ذهبوا الى الجنوب وقاتلوا، فلذلك كانت هذه المفارقة. واشرت في المقدمة الى حالة التناقض التي تحدث للإنسان، واستشهدت بأمثلة كثيرة في التاريخ عاشت هذه اللحظة. واستشهدت بابن خلدون، وقلت رغم انه كتب تاريخ الشريعة واستخلص منه العبر من اجل العمران البشري، لكن عندما توفي رمي في البحر، وترسخ عنده الشعور قبل وفاته بهشاشة المسعى البشري وتفاهته، ولكن إيمانه بالله ثبته، وهذه الجملة جاءت في هذا السياق. ومشكلة أخرى ان تبتر الكلمة من سياقها وتستعملها، وأنا كذلك لاحظت في بعض المواقع الالكترونية أن بعض المنتمين الى المؤتمر الوطني يستعملون هذه الكلمة، أي إني قلت أن الشهداء ماتوا من غير ما هدف.. وهذا غير صحيح
.
٭ هنالك أقوال وأحاديث تنسب الى د. الترابي تقول بأن الشهداء ماتوا (.....) على حد تعبير البعض.. ما صحة هذا الحديث؟
ــ كثير ما ينسب كلام الى الشيخ الترابي، ولكن في الغالب يكون غير دقيق، وغالب ما اسمعه محرفاً. واندهش لأني أكون قد حضرت المشهد كله، وهم يشيرون الى الندوة الاولى التي قامت بعد المفاصلة «ندوة شمبات» وكان قد رد فيها الشيخ الترابي على سؤال طالب جاءه من أحد أعضاء المؤتمر الوطني بأن يحشد الطلاب لأن مدينة واو تتعرض الى خطر وكتيبة وزارة الدفاع ذهبت.. فالشيخ الترابي رد عليهم بأن الشهداء يستشهدون للمعاني وليس لأشخاص، ويستشهدون للحريات والعهود والمواثيق، ومن أجل ترسيخ دولة لامركزية، ومعاني الاسلام كلها وعزته وكرامته.. وكل هذه الاشياء ضيعت في ذلك اليوم، وطلبوا من الناس أن يستشهدوا بعد ذلك، فالترابي كان يتحدث في هذا السياق، وكيف له أن يستعمل مثل هذه الكلمة القبيحة وهو الذي لا تعوزه الكلمة لكي يستعمل هذه الكلمة العاجزة، وأنا كنت قريباً من الترابي خلال الثلاثين عاماً الماضية، فلم اسمعه قط استعمل مثل هذه الكلمة
.
٭ كثيرون قدموا أرواحهم من أجل وحدة السودان، ولكن بعد انفصال الجنوب هنالك مخاوف لدى البعض من نذر حرب جديدة بين الشمال والجنوب، وتمزيق وتفكك بقية أجزاء السودان في ظل النظام القائم.. هل يمكن أن يحدث ذلك؟
ــ ذكرتني عبارة قالها الرئيس سلفا كير بعد نتيجة الاستفتاء، قال نحن نثبت اليوم بأن دماء شهدائنا لم تذهب هدراً، وأول خاطرة خطرت ببالي بعد سماعي لهذا الحديث، أن قادة الحكم لا يستطيعون أن يقولوا مثل هذه الجملة، لذلك ينبغي أن يذهب هؤلاء، وأن يستحوا، وأن يغادروا السلطة بعد هذا الفشل الذريع، حتى لا تتمزق بقية أجزاء السودان. وانا لاحظت منذ مفاوضات ميشاكوش دائماً يكون هنالك عمل سياسي في المفاوضات وفجأة يقوم عمل عسكري يخرب مسار المفاوضات، والآن أسمع من المؤتمر الوطني كلمات تؤكد بأنهم حريصون على أن تظل العلاقة بين الشمال والجنوب جيدة، واللجان بين الشريكين تستمر.. تم تفاجأ بمليشيات مسلحة وأسلحة لا تدري هل نزلت من السماء أم من أين؟
وأنا قلت لك إن اعتقال الترابي تعبير عن عرض لمرض مزمن، والمؤتمر الوطني ليست فيه مؤسسات، ودائماً ما اقول ليست هنالك قيادة مشتركة متكاملة تجلس وتصل الى رؤية، والرؤية ينبثق منها برنامج والبرنامج يصدر عنه قرار والقرار يتابع ويحاسب ويرشد.. وهذا غير موجود في المؤتمر الوطني، وحتى الذين جاءوا من نظام مايو وعملوا مع المؤتمر الوطني يقولون بأنه لا يوجد نظام.. هذا نظام فوضوي جداً، وفيه خطر كبير على السودان إذا استمر بهذه الطريقة، فالعلاقة مع الجنوب كله وليس مع الحركة واضح بأنه فيها نذر حرب
٭ بعد انفصال الجنوب هل يمكن أن يكون السودان عرضة للتمزق ؟
ــ نعم بالطبع، هم الآن يبنون ترسانة قوة في الخرطوم والمناطق والاطراف القريبة، ولذلك السودانيون تشاءموا من الثورة وتفاءلوا قليلاً بعد تونس ومصر، ولكن تشاءموا كذلك بعد ليبيا لأنهم عرفوا أن منهج القذافي قريب من منهج هؤلاء الناس وقد يكون أخطر. ولذلك الخطر على السودان قريب، وارتفعت منهم اصوات تدعو الى التغير والاصلاح، وهذا يجب أن يكون الآن، وإلا سنواجه مصير الطغاة الذين ذهبوا، فهم مهما كدسوا من سلاح قد يزول في ساعات كما زال سلاح عبد الناصر الذي كدسه من السوفيت في يونيو 1967م، وكما زالت الاشتراكيات والستار الحديدي واسطورة مبارك وبن علي وتلاشت واهتزت صورة القذافي، والعبر قريبة فماذا يريدون أكثر من ذلك. والخطر ماثل على السودان بطريقتهم هذه في إدارة البلاد
٭ هل يمكن أن تندلع حرب بين الشمال والجنوب في ظل القضايا العالقة والخلافات بين الدولتين؟
ــ أنا قلت في الورقة التي قدمتها في مركز دراسات الجزيرة في يناير، إن أبيي كان الناس يتطلعون الى أن تكون نقطة تكامل ومنطقة تعايش تجسد العلاقة بين الشعبين، وتعبير عن الوحدة مثلما يتحدثون نفاقاً ويزعمون أن حلايب ستكون منطقة تعايش كذلك، لكن أبيي واضح أنها لن تكون تعبيراً عن حسن الجوار، وستكون بذرة الحرب القادمة، ولم تجف مداد الكلمات التي قلتها، ويحاولون أن يلعبوا بالنار في جبال النوبة والنيل الازرق، ولكن مالك عقار استخدم السلاح فانسحبت القوات الحكومية بعد سحب النتيجة المزورة في الانتخابات، وظهرت النتيجة الحقيقية، ولا يحترمون إلا من يحمل السلاح، فهذه مشكلة كبيرة. والجنوب الآن اصبح دولة ولن تكون هنالك حرب عصابات ستكون حرباً بين دولتين، واعتقد ان الجنوب سينتصر في الحرب لأنه خرج بعزيمة وإرادة الاستقلال، ولديه عقيدة للقتال، ولماذا يقاتل الناس؟ والذين ينتمون للمؤتمر عن أي الهام ومعانٍ يقاتلون؟ فهؤلاء الناس أحياناً ليس فيهم رجل رشيد من اولي الرشد الذين يفكرون تفكيرا استراتيجيا، وأدعوهم الى أن يتركوا التآمرات التي تهدد مصير بلدين وشعبين، والعلاقة مع إفريقيا مهددة وكذلك في خطر
٭ هل هنالك إمكانية لقيام ثورة شعبية في السودان، وهل أسباب هذه الثورة موجودة؟
ــ الثورات دائماً أسبابها متوفرة وفي السودان جاهزة ومكتملة، ولكنها تنتظر الشرارة.. كيف تحدث لا تدري. وهنالك سؤال طريف طرحه أحد الاخوة: لو أن بوعزيزي لم يذهب الى الشرطية في الادارة المحلية التونسية، ولو أنها صدقت له بأن يظل في مكان عمله ولم يأتِ العساكر ويحرق نفسه بعد ذلك، ماذا كان سيكون الموقف؟ هل كانت «الجزيرة» اليوم تتحدث عن تونس من بعيد، بدلاً من أن تكون الثورة المغاربية من تونس؟ وهل كان سيظل نظام مبارك ونظام بن علي مستمرين اليوم. والثورة ستبدأ في السودان، وهم في النظام لا يعرفون من أين ستهب عليهم لكنها ستهب قريباً، فالأسباب موجودة، فهم استلموا السودان موحداً وسلموه ممزقاً، وهذا وحده سبب كافٍ لقيام ثورة، وبلاد فيها بترول كان يمكن أن يقوم بتنمية واحدة متوازنة ولا تقوم فيه تنمية جهوية حزبية غير متوازنة، ونصف أموال البترول تذهب في العمل السياسي لصالح المؤتمر الوطني والنصف الآخر يؤكل في الفساد، ومشاريع التنمية كلها ممولة بقروض أجنبية، واقتصادنا التقليدي كله إنهار، والصادر من البترول ليس له وزن، أما أخلاق الناس وفكرهم وثقافتهم فحدث ولا حرج، ولكي لا يتمزق باقي السودان ينبغي أن ينهض الناس للثورة، وأسباب الثورة في السودان أقوى من اسباب الثورة في مصر، لكن وزن الجماهير الناضجة في مصر أكبر من اي بلد عربي
٭ لكن البعض يخشي من قيام ثورة تؤدي الى صوملة السودان وتفكيكه وتمزيقه هل هذا وارد؟
ــ نعم الترابي حتى عندما يدعو الى ثورة يقول الثورة ليست الفعل الايجابي الذي يجمع عليه الناس ويرجونه، والافضل هو الاصلاح المتدرج الرشيد. والآن البلد كما يقول الصادق المهدي مليئة بالسلاح والمليشيات، وهذا حق، فاذا قامت ثورة في السودان قد يكون نموذج الثورة أقرب للنموذج الليبي، وليس للنموذجين التونسي والمصري، ولذلك أطلب من الشعب السوداني ألا ييأس من روح الله ورحمته، ويمكن أن يصل السودانيون الى كلمة سواء، وهذه ليست صعبة كما يقول الترابي منذ ابوجا. فإن أزمة دارفور حلها ليس صعباً، فهي عبارة عن بضع مطالب كان يمكن أن تحل، لكن استكثروا عليهم المطالب المحدودة، وتفاقمت الآن، فإذا بسطوا الحريات وقامت حكومة انتقالية والغوا المواد التي تتعارض مع الدستور في قانون الأمن، سنصل الى كلمة سواء
٭ هل يمكن أن يتدخل الجيش ويبسط قوته في حال قيام ثورة شعبية لحماية السودان؟
ــ الجيش يجب أن يُحافظ عليه بوصفه مؤسسة قومية، لأنه أحد معالم الجماعة الوطنية، ويجمع بين المسلم والمسيحي والشمالي والجنوبي والشرقي والغربي، مثله مثل باقي الخدمة المدنية. ويمكن أن تذهب من أقصى الشمال الى اقصى الغرب وتقضي حياتك هناك، وأبناؤك يترعرعون وتبني أسرتك هناك، فهذا نمط حياة، والجيش فيه تداخل كثير، والأمل فيه إذا هب الشعب في مواجهة هذا النظام أن يفعل كما فعل في 1964م و1985م، وان ينحاز الى الشعب، والجيش لم يقاتل الشعب، والأحزاب استعملت الجيش في الانقلابات ولم يتحرك وحده، لكن طبعاً الجيش حدث فيه تغيير كبير في عهد الانقاذ واستقراء مواقف الجيش والتنبؤ بتصرفاته ليس سهلاً، وعندي أمل بأن يظل الجيش قومياً ومتماسكاً، وحتى لو كانت فيه قيادة ستنحاز للوطن، وهنالك تجربة سابقة مع سوار الذهب الذي كان متردداً في استلام السلطة، لكن بعض الضباط حملوه حملاً لاتخاذ موقف حاسم، وحتى الآن مايزال يستمتع بمجد الموقف الذي يقفه الآن.
ehabkassala@hotmail.com