سيناريو لما سوف يحدث

 


 

 


شوف عيني .. جريتو .. جري السواد!
حسن الجزولي
(1)
عندما شرخ الصوت البديع، للمغنية الشعبية ذات الصيت الذائع، "حميراء بت الطاهر بت جاد الله أم قلب"، والمنتمية لمنطقة "كبوشية" شمال السودان، بأغنيتها المعبرة عن مآل شعوب السودان المنتمية للأصالة والكر والفر والدواس، والجود والفروسية والشجاعة وحمرة العين ، هكذا .. عنوة واقتداراً، وبكلمات بسيطة بليغة، دارجية، وعميقة المعاني والمضامين، إنما كانت، وهي تشنف آذان مستمعيها بأغنية " حجر الزلط ".. تتحدث بلسان "سوداني" فصيح مبين!.. وكأنما هي تعبر تماماً عن الأشياء، التي لها علاقة بفروسية بنات وأولاد السودان، من ناحية "نسونتهن ورجولتهن"، السمحة المتسامحة، قبل وبعد " الفرسنة "!.. في معاني تتعلق بالمروءة والشهامة، والكرم والجود، الذي والتي يتحزم لهن ولهما .. أهل السودان، ويقفون من أجل ذلك، وقفة أمرأة واحدة ورجل واحد -  أو كما عبر عن ذلك راحلنا الخاتم عدلان في إحدى مكتوباته لنا -!. .. نعم .. هذا هو شعب السودان .. الذي تغنت بأمجاده وقيمة، الفنانة الشعبية، رصينة الصوت وحقائق الأشياء .. تلك الـ "حميراء"!.
(2)
إمتحنت الانقاذ القوى الحية، في أوساط شعب السودان، منذ بداية إنقلابها، في الثلاثين من يونيوعام 1989، إمتحنتهم في إنصياعهم لإرهابها، وترويعها لهم، عندما زجت بممثلي وقيادات ورموز هذه القوى، داخل أقبيتها التي شيدتها خصيصاً، للتنكيل بمن يقول (بقم) ضد إنقلابها العسكري!، حيث شهدت البلاد، ظاهرة ما يسمى ببيوت الأشباح، تلك البيوت التي استقبلت، جحافل من مختلف القوي السياسية، وسط الأحزاب والنقابات والمنظمات المدنية، الاجتماعية الوطنية والديمقراطية، ثم الشخصيات الوطنية المستقلة، حيث شهدت تلك البيوت " سيئة السمعة" إعتداءاً على شرف رجال السودان، قبل نسائهن!، في مفارقة بغيضة، متشفية ومريضة. ومنذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا، فإن الناس يتابعون عن كثب، كامل محاولات النظام في قمع تلك القوى، بوسائل عجيبة وغريبة، في محاولة لإثنائها، عن الاصرار على مواقفها السياسية ومطالبة نظام الانقاذ القمعي بالتنحي والرحيل!، يتابعون محاولاته، بمزيد من القمع والترهيب تارة، ثم الترغيب كرة أخرى، ورغم كل ذلك فإن القوى الحية وسط شعب السودان، متماسكة، قوية ومتقدمة في إحراز النقاط، ضد جبروت نظام الانقاذ الزائف!، فمن يهدد من، وما الجديد في (عنتريات) أهل الانقاذ التي يطلقونها من (قمة) مقاعدهم، بين فترة وأخرى، وهم قد جربوا سلفاً كافة (عنترياتهم)، التي سفكوا فيها دماء أعزاء، من مواطنين سودانيين شجعان، من كافة الاتجاهات السياسية، المناوئة سياسياً لهم، فأضحوا شهداء أعزاء للوطن، فدوه بأرواحهم ودمائهم الطاهرة، وأما هم – أهل النظام -  فما حصد سجلهم في قضايا حقوق الانسان سوى الخزي والتراجع، ورغم كل ذلك فإن المقاييس، تسجل تقدماً في صفوف المعارضة السياسية، ضد حكم الحاكم العسكري المتأسلم بأمر مصالحه في جني ثمار التنكيل!، وهكذا تقاس وتقيًم المواقف ومصائر المستقبل!، فما الذي جد حتى يكرر صقور وحمائم وأرانب الانقاذ مجتمعين، حكاية (طالعني واتحداك) هذه؟!.
(3)
تناقلت مجالس السودانيين، أن المتنفذين في حزب المؤتمر الوطني، الممسك بمقاليد وتقاليد ومغاليق ومفاتيح البلد.. وما فيها!، قد أُضطروا لاستصدار توجيه تنظيمي محدد لأحد "الفالتين" من قيادة تنظيمهم السياسي، بألا يدلي (سيادته) بأي تصريح إعلامي، " في هذه المرحلة الحساسة تحديداً" وذلك خوفاً من تأثير (طروحاته)، من تأجيج للساحة التي هي أصلاً مؤججة!، وهم يتخوفون من تأثير الساحة السياسية في المنطقة على أوضاع السودان، ولما تحمله كالعادة تصريحات ذلك القيادي المسئول من (لهوجة) وتعبيرات سالبة، ليست لها أي علاقة لا بالديبلوماسية، في اختيار المعاني، ولا بالتعبير عن الأفكار، بصورة غير مستفزة للمشاعر العامة، أو من تلك التي لا ترقى لأن تكون معبرة عن وجهة نظر، نظام يبحث في الأصل ومنذ نشأته، عن (حكمة ووقار) في كل أحاديثه.. دعك عن صدقيتها،
(3)
 جاء في الأثر أن الدكتور حسن الترابي قد سئل يوماً، بعد إطلاق سراحه، عن ملاحظاته حول بنية المجتمع بعد أن خرج والتحم به، ويبدو أن السؤال الصحفي – المستلف من ما وجه، للزعيم نلسون مانديلا لحظة خروجة، من المعتقل بعد زهاء سنواته فيه، والمتعلق بما لفت نظره بعد كل تلك السنوات، حيث عبر ما نديلا، عن دهشته من قدرات تقنية الديجيتال التي بدأت تترى في تلك السنوات، جعل الترابي يجاوب على السؤال الصحفي ولكن بطريقة مغايرة، حيث أبدى دهشته، من ذاك المسئول المعني في مقالنا هذا، والذي تركه دون قدرة على التعبير عن الأشياء، وخرج ليجده .. قد أصبح يتحدث في السياسة!.
وبالنسبة لنا فلم نبالغ أو نتجن على الرجل، أو أي آخر من منتسبي طروحاته لو رصدنا (إساءاته)، وستغدو حقيقة ، مغالية في السفاهة، إن رصدتم معنا الكم الهائل له، من سيل الشتائم والاهانات البغيضة، من نوع، غريب في التنابذ، والذي لم يعرفه لا شعب السودان، ولا دوائر المعبرين عنه سياسياً وإعلامياً واجتماعياً، منذ فجر مؤتمر الخريجين، ولا حتى بالنسبة لـ "جحافل" الشماسة، أو السوقة، الذين يحق لهم وحدهم " التشفي والانتقام " باعتبارهم أكثر الفئات إحساساً بالغبن وبالضغينة والتهميش في المجتمع!.. فما بالك بأحد الذين، سوقوا أنفسهم "كقيادات لشعب عظيم كشعب السودان"، من الذين، رضعوا وترعرعوا واستطاعوا تنمية علمهم، على أكتاف وربى شعب السودان، الذي رباههم وظن أنه قد أحسن تربيتهم! .. وها هو سيادته، وهو في لحظات " التمكن" و" النشوء والارتقاء" ينكل بأستاذه الذي جاءت التوصية بخصوصه، بـ " قم له ووفه التبجيل"، نراه ينكل بهذا الأستاذ، في باطن معتقلاته التي شيدها، وأشرف علي تطوير فظاعاتها، وهو يطرح نفسه ونهج نظامه بأنه رافع لقيم متعلقة بمشروع متكامل للاسلام وحضارته، بل الأفدح من كل ذلك، فإنه يدعو ربه متبجحاً حينما ووجه بالاتهام قائلاً أنه يرجو أن يكون ما فعله "في ميزان حسناته"!.
(4)
إن مواقف ذاك المسئول المقصود، إنما تعبر تعبيراً صادقاً عن مواقف كامل (الكاست) الحكومي في نظام الانقاذ، التي تكمل بعضها بعضاً، من حيث تعابيرها الصارخة، عن عنتريات تستهدف صغائر الأشياء وحريات التعبير، من نوع (حشمة هذه، وسفور تلك، والتصدي بكتائب المجندين الحزبيين لمظاهرات الشباب واحتجاجات الأطباء .. و رجم أولئك بحمم القاذفات في دارفور التعيسة)!، ثم تستنكف الدواس الحقيقي، حينما يحمى الوطيس وتجد ساعة النزال، أي بمعنى في غاية البساطة.. (أسد علي وفي الحروب نعامة)، دونما أي إطالة بالشرح في هذا الخصوص!،. وما حيثيات ما شهدته مدينة بورتسودان من تعدي صارخ على السيادة الوطنية واستهداف تراب السودان، للمرة الثانية، و"وقوف حُمر شيوخ في العقبة!"، دون أن تتحرك فيهم، ولو من باب التمثيل، وذر الرماد على الأعين، حمية أنهم حكام هذا البلد (الأمين)، والمعنيون بالدفاع عن حرماته، حتى ولو من باب التنديد بواسطة، مثل ذاك القاموس، من الشتائم والتهديدات العنترية، من شاكلة  تلك التي يستخدمها عادة، ذلك المسئول في مواجهة المعارضة السياسية!، هذا إن عزً مخزون العتاد العسكري، الذي ترتفع ميزانية الصرف عليه سنوياً خصماً على صحة وتعليم الأمة!.  
 (5)
يشايعون القوى الأكثر تطرفاً، وانغلاقاً فكرياً في المنطقة، فيستباح التراب الوطني، بثمن بخس لشذاذ آفاق، من أمثال حماس وحزب الله وجماعات إيران، إنتهاكاً لسيادتنا الوطنية، وجر شعب السودان والبلاد، من أقصاها إلى أدناها، لمعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، باسم الاسلام الذي أصبحوا يستخدمونه كأوراق السيلوفان، ليلفوا بها أهدافهم السياسية البغيضة .
(6)
ولسوء طالعهم السياسي، فقد كشف ربيع الثورات العربية، الغربة الحقيقية لبرامج وشعارات، وأشواق الاسلام السياسي في المنطقة، فيا سبحان الله!. حيث رأى الناس، كيف أن تلك الجماعات، وفي غمضة عين، قد دارت دورة كاملة معاكسة، لما كانت تدعو له، بالحسنة كانت أو بوسائل أخرى في غالب الأحايين، بكافة تسمياتهم وتوزعهم على البلدات العربية والأعجمية، حيث نراهم الآن – وبعد أن إكتشفوا أن لأمة محمد أشواق أخرى - فهاهم يرفعون عقيرتهم بالدعوة دونما خجل " للدولة المدنية الديمقراطية العصرية" وهم الذين ظلوا ظلوا يهتفون بأن " الاسلام هو الحل"!، أخواناً ومسلمين وانقاذيين  وطالبان، سلفيين ووهابيين وشذاذ آفاق، وتكفير وهجرة،  بن لادن وهضيبي وقرضاوي وقنوات فضائية تشايعهم وتهئ لهم موجات الأثير!، أولئك الذين اختطفوا الاسلام الشعبي المحبب لملايين المسلمين في المنطقة وجيروه لهم وحدهم لا ثان لهم، خدمة لأهدافهم السياسية التي ما استطاعوا الدعوة لها بالتي هي أحسن إلا بتلبيسها لبوس التدين الكذوب!.  
(7)
نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.. ثم نستغفره تعالى.. ونرفع أكفنا .. بكل الضراعات التي نثقل بها رافعاتنا للشفاعة إليه .. أن يهب شعب السودان القدرة والفرصة، للتعبير عن رفضه المطلق لكل هذه المسخرة، والمسألة في نهاية الأمر مسألة وقت ليس إلا، وإن هذا الهدوء السوداني الحليم إن هو في واقع الأمر إلا "مقدمة لثورة ستفاجيء العالم كله، وستجعل مُشاهدي القنوات الفضائية المدمنين على الحملقة في ثورةٍ إثْر الأخرى، يفغرون أفواههم أمام ثورة الشباب السوداني العظيم"!.
(6)
توصي الحميراء في أغنيتها البديعة السودانيين - ضمن وصاياها في متون الأغنية -  بأن يتولوا أمر "المتطاولين عليهم" حينما أفتت تقول: " الفايت الحدود واسوا"!.
(7)
حينها فقط – حينما يتم ذلك -  ستتمكن الجماهير من التعبير عن فرحتها على شوارع ومسامات مدن وأقاليم وقرى وبوادي السودان.
(8)
وعندها ..عندما ينتهي هذا الوضع الشاذ والكريه، ستهتف جماهير الشعب السوداني جزلة، فرحة، طربة، منفعلة .. وهي تردد هي الأخرى:
:- بن (علي) هرب!.
____
عن صحيفة الميدان


hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]

 

آراء