مسلمات في تاريخ العرب تتطلب المراجعة: العروبة لسان
ahmed.elyas@gmail.com
الحديث المشهور العروبة لسان رُوِي عن مالك وجاء كما يلي:
"عن مالك بن أنس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان - زاد ابن النقور الفارسي - وقالا وصهيب الرومي وبلال الحبشي يقال هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هذا فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ بتلبيبه وقال ابن النقور ثم أتى زاد النقور به وقالا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره بمقالته فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قائما يجر رداءه حتى دخل المسجد ثم نودي إلى الصلاة جامعة فقال أيها وقال النقور وقال يا أيها الناس إن الرب رب واحد والأب أب واحد وليست العربية تأخذكم من أب ولا أم وإنما هي لسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبته قال فما تأمر وقال ابن النقور تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله قال دعه إلى النار وكان قيس ممن ارتد فقتل في الردة وقال ابن النقور ممن ارتد في الردة فقتل."
ويبدو أن الحديث وصل إلينا برواية الجاحظ الذي روى لب الحديث فقط دون الدخول في التفاصيل التي صاحبت أحداثه، كما إنه لم يذكر سلسلة الرواة قبل مالك بن أنس. وقد جاء الحديث في رسائله كالآتي:
"عن الامام مالك ان الرسول (صلى الله عيه وسلم) قال: «يا ايها الناس ان الرب واحد والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي»
ومن المعروف أن الجاحظ الذي توفى في القرن الثالث الهجري (9 م) لم يكن من رواة السنة الذين يحتج بحديثهم. والملاحظة الواضحة أن رواة الحديث الكبار والذين عاشوا في القرن الثالث أيضاً – أي معاصرين للجاحظ - والذين دونوا كتب الحديث المشهورة لم يروا هذا الحديث في كتبهم مثل صحيحي البخاري ومسلم وسنن الدرامي وأبي داؤود وابن ماجة وجامع الترمزي والنسائي. كما لم يرد في المسانيد مثل مسند أحمد وأبي يعلي الموصلي وعبد الله بن المبارك والشافعي ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف الحميدي والمستدرك للحاكم النيسابوري . ولم أجد هذا أيضا في كتب التاريخ العام المشهورة مثل الطبري واليعقوبي وابن الأثير وابن كثير وابن الجوزي وابن خلدون. ويبدو واضحا أن جمهور المحدثين لم يقتنعوا بدرجة مصداقية الحديث فتجاهلوه وسكتوا عنه في كتبهم، ولم يتعرض إليه المؤرخون.
وقد ورد الحديث بعد الجاحظ عند ابن عساكر في تاريخ دمشق في القرن الخامس الهجري (11 م) وهي الرواية المثبتة أعلاه برواتها. وقال عنه ابن عساكر: " هذا حديث مرسل وهو مع إرساله غريب تفرد به أبو بكر سلمى بن عبد الله الهذلي البصري ولم يروه عنه إلا قرة "
ورواه العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة وقال عنه "ضعيف جداً، وهو متروك كما قال الدارقطني والنسائي وغيرهما وكذبه غندر" ونَقَل عن ابن تيمية: "هذا الحديث ضعيف، وكأنه مركب على مالك. لكن معناه ليس ببعيد، بل هو صحيح من بعض الوجوه." وفي القرن العاشر الهجري (16 م) ظهر الحديث في كتابين أحدها كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" لشمس الدين الدمشفي ورواه عن ابن الخطيب وكتاب "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال" لعلي المتقي ولم يعلقا عليه.
فحديث العروبة لسان الذي نستشهد به ونكرره دوماً في كتاباتنا العلمية والتعليمية وفي خطبنا وأحاديثنا السياسية حديث ضعيف جداً ومتروك ومرسل وغريب كما وصفه علماء الحديث، ولذلك أهملته وسكتت عنه الكتب المعتمدة في الحديث. فلنراجع أنفسنا نستشها بحديث منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محكوم عليه بالضعف الشديد والغرابة.
ولو سلمنا بالحديث مع علاته ليربطنا بالعرب، فيجب علينا أن نقبله بمفهوم عصره الماضي. فمفهوم العروبة كان فعلاً – لساناً - كما ورد في الحديث في ذلك الوقت، أي لم يكن مفهوم العرب والعروبة عرقيّاً كما يفهمه العرب اليوم، وكما عبر ابن تيمية في تعليقه على الحديث أنه " لكن معناه ليس ببعيد بل هو صحيح من بعض الوجوه" وبالطبع يقصد بالصحة هنا في معناه. ولكن لكون معناه صحيحاً لا يبرر الاستشهاد به واعتباره حديثاً نبوياً شريفاً. يمكننا القول أن "العروبة لسان" دون اسناده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فاللغة العربية في مفهوم تلك المجتمعات لم تعد لغة جماعة عرقية محدودة بل أصبحت لغة كل من يخاطبه الاسلام، ولغة كل من يدخل الاسلام أو ينضم إلى المجتمع الجديد من غير المسلمين. فاللغة العربية بلورت هوية ذلك المجتمع الجديد. وبدون الدخول في تفاصيل ذلك نورد بعض الأمثلة التي توضح أن العروبة فعلاً كانت في ذلك الوقت لساناً.
يقول ابن خلدون ( العبر ج 6 ص 97)عن أصل قبيلة هوارة: "يقول ابن خلدون إن نسابة العرب والبربر اتفقوا على أن هوارة ولواتة من قبائل البربر. ويعلق على ما ورد من بعض النسابة قائلا: "الا ما يزعم بعضهم أنهم من عرب اليمن ... وهذه كلها مزاعم والحق الذى شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب" ويصفهم ان خلدون ( العبر، ج 6 ص 141) "صاروا في عداد الناجعة [مثل]عرب بنى سليم في اللغة والزى وسكنى الخيام وركوب الخيل وكسب الابل وممارسة الحروب وايلاف الرحلتين في الشتاء والصيف في تلولهم، قد نسوا رطانة البربر واستبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفترق بينهم"
وفي الوقت الذي أكد ابن خلدون انتماء قبيلة هوارة العرقي إلى البربر نجده يصفهم بالعرب من حيث اللغة والطباع كما ذكر أعلاه فيقول (العبر ج 6 ص 347): "وخرج السلطان في جمادى من سنته في عساكره واحزابه من عرب هوارة فأوقع بهم" وعندما تعرض القلقشندي (صبح الأعشى ج 2 ص 53.) لنزوح قبيلة هوارة البربرية من الوجه البحري قال: "أما في زماننا فمذ وُجِّهت عرب هوارة من عمل البحيرة إلى الوجه القبلي" وأضاف القلقشندي أن لواتة [القبيلة البربرية أيضاً والتي أعطت اسمها لليبيا] أكثر القبائل بالصعيد، وأن إمارة العربان في صعيد مصر في بيتين منها"
كما تناول ابن تغري بردي (النجوم الزاهرة ج11 ص271) وَفَيات أمراء قبيلة هوارة بنفس الأسلوب فوصفهم بأمراء عرب هوارة. فذكر على سبيل المثال: "عام 790هـ/1388 م توفى تاج الدين اسماعيل بن مازن الهواري أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد. عام 800هـ/ 1398 م توفى الأمير عمر بن عبد العزيز أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد،
فكان الشعور القوي نحوالانتماء للهوية الجديدة هو دافع هَوَارة للتشبه بالعرب ، ولم يصنفوا أنفسهم عرقيا بأنهم من العرب.
أما مفهومنا اليوم للعرب والعروبة فلا يحتاج إلى توضيح، يكفى أن تسأل نفسك هل أنت عربي لأنك تتحدث اللغة العربية أم لأنك قرشي من بني العباس؟ وقد لخص العقيد معمر القذافي مفهوم العرب اليوم للعروبة في إجابيه لأحد لإحدى وسائل الاعلام: "العروبة ما هيش انتماء انما هي دم وعرق" واضاف قائلا: "انا سمعت بعض الناس يقولون: كل من تحدث العربية فهو عربي، مثل هكذا الكلام فيه نفاق ودجل وتضليل كبير يا جماعة يعني مش ممكن يجئ باكستاني أو هندي أو أمريكي إلى ليبيا ويتعلم اللغة العربية ونقول له أنت أصبحت عربي لأنك تعلمت العربية !! ها دي نكتة والله."