مراسم زفاف الأمير وليام تكلف الملايين رغم سياسات التقشف الاقتصادية
إتسم بالبذخ وصرف من لا يخشى الجوع والفقر
شهدت الردهات المستطيلة، لكتدرائية ويست منستر، بوسط العاصمة البريطانية لندن، إتمام زفاف الأمير وليام، ولي العهد البريطاني، على عروسته كيت، يوم الجمعة الماضية، وسط حضور مئات المدعويين من الضيوف، خلافاً للحشود التي قدرت بنصف مليون، من البريطانيين والسياح الأجانب، الذين وفدوا خصيصاً من بلدانهم، واكتظت بهم الطرقات والساحات، التي تحيط بالكتدرائية وقصر باكينقهام لمتابعة مراسم الزفاف الملكي.
فبينما كانت مدينة مصراتة، تشهد معارك طاحنة، بين الثوار الليبيين، وكتائب القذافي، ومصرع وجرح المئات في ليبيا، وفي سوريا حشود جماهيرية، تهدر مواكبها في معظم المدن، مع انهمار الرصاص عليها، مطالبة برحيل نظام، الرئيس بشار الأسد، وبينما كانت الاعتصامات الغاضبة، في تواصل لملايين الجماهير، المطالبة بالرحيل الفوري، للرئيس علي عبد الله صالح، الذي لم تتردد قواته، من فتح نيران أسلحتها، على الناس العزل في اليمن ، كانت شوارع لندن، في نفس تلك اللحظات، تشهد في مفارقة درامية كاملة للمشهد، أكثر من خمسة آلاف حفل شعبي، أقامه سكان العاصمة الملكية، إحتفاءاً بزفاف، ولي عهد مملكتهم بما يسمونه الـ ( Street Party)!.
وتأتي مراسم الاحتفالات، إبتهاجاً بالزفاف، الذي أطلق عليه زفاف العصر، للأمير البريطاني وليام، على كيت ميديلتون، إبنة نائب مدير، فرع الخطوط البريطانية الأسبق بالأردن، والتي تنتمي مع أسرتها للأوساط الشعبية، حيث تعرفت على ولي عهد التاج البريطاني، سنوات دراستهما معاً في العام 2001، بكلية سانت أندروس الأسكتلندية، فارتبط بها الأمير.
يأتي الاحتفال بعد أكثر من ثلاثين عاماً، منذ آخر إحتفال، بزفاف كل من الأمير تشارلس، والد العريس الحالي المحتفى به، على الأميرة الراحلة ديانا عام 1981، ذلك الزفاف الذي انتهى بمأساتين، تابعهما كل العالم مع الجماهير البريطانية، حيث انتهى أولاً، بالانفصال التاريخي للزوجين، ثم أعقبه الرحيل المأساوي، للأميرة ديانا بمصرعها، في حادث الحركة المروع بفرنسا عام 1997، والذي ما زالت وقائعه تشغل بال المهتمين، خاصة الصحافة البريطانية، في محاولة لفك طلاسم ذلك الحادث المأساوي، الذي تساوى مع الانشغال والاهتمام الاعلامي، للحادث المروع للرئيس الأمريكي الأسبق، جون كيندي منذ مصرعه عام 1963!.
جرت مراسم حفل الزفاف، بكثير من مظاهر، الصرف البذخي الواضح، على الاستعدادات الاحتفالية، والترتيبات البرتوكولية لزفاف العصر، وذلك على الرغم، من السياسات التقشفية، بإلاعلان عن الترشيد الاقتصادي، على بنود الصرف المعلنة، من قبل حكومة حزب المحافظين، بعد فوزهم في الانتخابات الآخيرة، والتي تم بموجبها، تقليص المنصرفات على قطاعات متعددة، شملت التعليم والصحة ومعظم بنود الضمان الاجتماعي، لتمس آثار هذه السياسات، أوسع قطاع لجماهير الشعب البريطاني، الذي يعيش أصلاً، في ظل أزمة، اقصادية دولية مؤثرة، ضمن أغلب الدول الأوروبية منذ أكثر من عام ونصف.!.
فخلافاً لفستان العروسة، والذي كلف آلاف الجنيهات الاسترلينية، وصرف أكثر من عشرين مليون جنيه إسترليني، لاجراءات الأمن الذي أشرف عليه ونفذه، أكثر من خمسة آلاف شرطي، والدعوات التي وجهت لحوالي الفين، من الضيوف من عائلتي العريس والعروس، ثم للشخصيات السياسية البريطانية والأجنبية، من الملوك والرؤساء والديبلوماسيين، إضافة للشخصيات الشهيرة، من الأوساط الفنية والأدبية والرياضية، في بريطانيا والعالم، فإن الليلة الوحيدة، التي قضتها العروس بصحبة وصيفاتها، بأحد أشهر وأفخم فنادق، الدرجة الأولى، بوسط العاصمة البريطانية، قرب مكان الاحتفال، قد كلفت خزينة الدولة، أكثر من عشرة ألاف جنيهاً إسترلينياً!. ما أدى لطرح الأسئلة وعلامات الاستفهام، حول جدوى التمسك بنظام الملكية في الدولة البريطانية! ولأعادة إثارة الدعوة، التي ارتفعت من قبل، في أوساط الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حول ضرورة إلغاء النظام الملكي بكاملة، حيث يقولون أنه، ورغم أنه شكلياً، من ناحية أنه، نظام ملكي دستوري، إلا أنه يحيل بعضاً، من مهام رئيس الوزراء للملكة، فضلاً عن الصرف غير الضروري، على مستلزمات كمالية لا علاقة لها بضرورات الحياة الضاغطة!.
ورغم كل ذلك، فإن المفارقة تأتي، من البهجة الصادقة، التي عمت أوسع أوساط الشعب البريطاني، بهذه المناسبة، بل المشاركة في الاحتفال بمراسم الزفاف، بالحرص على التواجد، منذ الصباح الباكر ليوم الاحتفال، في ساحة الاحتفال، وارتداء عائلات وأسر بكاملها لأفخم الثياب، تعبيراً عن هذه الفرحة!، ويعزو بعض المراقبين والمحللين الظاهرة، لمكانة الأمير وليام نفسه، المتصف بالود والتهذيب، في نفوس أعداد كبيرة، من المواطنين البريطانيين، كشخصية محبوبة، ظلت تذكرهم بوالدته التي أحبوها، كونه قد حمل إبتسامة وأعين، والدته الودودة والخجولة!، و كونها كزوجة لأمير ثري، قد خرجت من أوساطهم، وهي تنتمي لعائلة من الطبقة المتوسطة، ولا علاقة لها بالعائلة المالكة، تماماً كعروسة إبنها، المنتمية هي الأخرى للأوساط الشعبية البريطانية!. ولذا فإن حب الشعب البريطاني للأميرة الراحلة ديانا، وصل حداً لأن تقدر أسعار الزهور، التي تم وضعها على مقبرتها في الأيام الأولى لرحيلها، ما مقداره 30 مليون إسترليني!، ومن ناحية أخرى، فإن نفس الدوائر المحللة، قد عزت الأسباب إلى عاطفة الشعب البريطاني، الذي لم يذق طعماً، للبهجة التي يحبها دوماً، منذ حادثة إنفصال والد ولي العهد، عن الأميرة الراحلة، ومصرعها بعد ذلك، لذا فإن هذا الزفاف يجدد الق المملكة، ويذكرهم بعهد ديانا، وبوقائع زفافها التاريخي قبل أكثر من ثلاثين عاماً!، هذا إلى جانب أن الزفاف، بهذه الطريقة البذخية، إنما يدفع بمعدلات السياحة وينشطها، حيث أن الملايين، قد صرفت، من أجل إقتناء الأيقونات، والهدايا التذكارية لمناسبة الزفاف، وذلك منذ أن تم الاعلان رسمياً عن مواعيد هذا الزفاف!. فضلاً عن دراية هيئات المراهنات، المدركة لمدى عشق الشعب البريطاني، للمقامرات المالية!، فتم استغلال المناسبة بوعي رأسمالي صميم، لترتيب منافسات، حول ما إن كانت العروس، ستظهر في حفل زفافها، وهي تضع تاجاً على رأسها أم زهوراً، وماهو لون الفستان، الذي سترتديه الملكة، في يوم الزفاف، إلى جانب أشياء أخرى من هذا القبيل!.
الهدية التي قدمتها، ملكة بريطانيا للعروسة، هو منحها لقب دوقة كيمبريج، وبالتالي يسري اللقب على حفيدها، ربما لكي تخفف عنه نحواً ما، التأثر الذي بدا واضحاً عليه، وهو يحتفل بمراسم زفافه، داخل بهو الكتدرائية، التي شهدت، مراسم تشييع والدته، التي طالما أحبها والتصق بها كثيراً!. إذن فإن الجدة أهدت، عروس حفيدها ذلك اللقب، إلا أنها جردتها، وللأبد من أن تعيش، على سجيتها وتفعل ما يحلو لها فعله، مكبلة يتقاليد البرتوكولات الملكية الأرستقراطية السمجة، تلك التي لم تحتملها الأميرة ديانا، فانعتقت من أسرها ودفعت حياتها ثمناً لذلك!.
وأما الهدية التي قدمتها، كيت ميديلتون العروس، لجماهير الشعب البريطاني، الذي أحب عريسها وابتهج معه، هو تلك القبلة التي منحتها لعريسها، عندما أطلت على الجماهير المحتشدة، من شرفة قصر باكينقهام، تلك الاطلالة، التي جرت عليها العادة منذ عام 1858، حيث شهد بالفعل، أكثر من نصف مليون، تلك القبلة التاريخية، التي كانوا بانتظارها، منذ صبيحة يوم الاحتفال، بل أن البعض، صرح بأنه قد جاء خصيصاً، ليشهد تفاصيل القبلة الشهيرة، والتي أضحت أشهر من قبلتي أمرو القيس في قصيدته الذائعة الصيت ( تعلق قلبي)، والتي يعترف فيها بأن قبلاته وصلت للمئة قبلة!، ثم تلك الأخرى، الأشهر في تاريخ السينما، بين كل من الممثل كلارك جيبيل وفيفان ليث، في فيلمهما (ذهب مع الريح)!.
مئات السودانيين بالمملكة المتحدة، قد تابعوا تلك المراسم، المتعلقة بالزفاف في البلاط الملكي، وربما أن مخيلتهم، قد تماهت مع تلك المراسم، حداً جعل البعض منهم، يفكر في مآل الحال والأحوال، إن كانت الملكة فيكتوريا الجدة، قد وافقت على عرض، الخليفة عبد الله التعايشي لها ومن ثم .. الارتباط (بأميرنا) يونس الدكيم!.
--------
عن صحيفة الميدان
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]