معمر القذافي .. عقيداً دولياً وقرصاناً جوياً! ( الحلقة الثانية ) .. د. حسن الجزولي

 


 

 


(القصة الكاملة لاختطاف طائرة الزعيمين السودانيين النور وحمدالله عام 1971 بإشراف القذافي)
*أحد ضباط المخابرات المصرية بالسودان كان المصدر الرئيسي لمد السادات بما يجري في الخرطوم!.
*وزير الحربية المصري يبني خطته الجهنمية لاختطاف الطائرة منذ أن علم بوجود ود النور وحمد الله بلندن!.
*خطة وزير الحربية المصري طرحها كبديل لخطة القذافي الأكثر مغامرة ورعونة!.
*الليبيون يرصدون تحركات قادة 19 يوليو بلندن بواسطة سفيرهم في بريطانيا!.
_____
كتاب جديد بالعنوان أعلاه، دفع به كاتبه د. حسن الجزولي إلى المطبعة، والكتاب يوثق لأحد أشهر عمليات القرصنة الجوية التي بدأ بها عقيد ليبيا معمر القذافي حياته السياسية في فضاء التدخل والتعدي على السلام الدولي، عندما أمر باختطاف طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل كل من المقدم بابكر النور سوار الدهب، والرائد فاروق عثمان حمدالله، عند سفرهما من لندن في طريقهما إلى الخرطوم، كقيادات جديدة للنظام الذي أطاح بحكومة النميري في إنقلاب 19 يوليو عام 1971، ذالك الاختطاف الذي أدى إلى تسليم القذافي كل من بابكر وفاروق إلى النميري العائد إلى السلطة كالمسعور بعد إجهاض الانقلاب، ليبعث بهما إلى دروة الاعدام!،  الميدان تبدأ في تقديم مقتطفات من بعض فصول الكتاب في هذه الحلقات المتتالية، لتعريف الأجيال الجديدة، بتاريخ قديم لـ ” ملك ملوك أفريقيا) و ( ملك ملوك أفريقيا) الذي يترنح نظامه الآن تحت ضربات الجماهير الثائرة.
صحيفة الميدان
د. حسن الجزولي
في هذا الشأن راجع اللواء صادق، وهو في طريقه للقاء الرئيس السادات، أهم نقاط التنوير العسكري، التي يجب أن يمد  بها الرئيس السادات عندما يلتقيه، ويضع أمامه “صورة كاملة للموقف في ضوء المعلومات المتاحة!” موضحاً أن القاهرة “ليست هي العاصمة الوحيدة، المعنية بما جرى في الخرطوم، بل كانت هناك عواصم أخرى تتابع باهتمام"!.
وفي لقاءه بالسادات، بدأ في تعديد تلك العواصم المعنية، باهتمامها بما جرى نهار التاسع عشر من يوليو بالخرطوم:-
موسكو هي أول تلك الدول، التي يهمها بالطبع أن تكون الخرطوم العاصمة العربية الثانية، التي يسيطر على مقاليد الأمور فيها (الحزب الشيوعي)، بعد عدن عاصمة  اليمن الجنوبي، مضيفاً معلومات لوجيستينية عسكرية وسياسية، لتنوير الرئيس المصري، أنور السادات، ثم المعلومات التي وفرها الملحق الحربي المصري بالسودان، العقيد فاروق بشير والمتعلقة بـ (الاعتراف السريع) با نقلابيي السودان، من قبل حكومة (حزب البعث) الحاكم في العراق،حيث أعلن راديو بغداد الرسمي إعتراف الحكومة العراقية بالنظام الجديد الذي أعلن عن نفسه في الخرطوم،  وذلك بعد  ثلاث ساعات فقط، من وقوع الانقلاب، “وبذلك بدا بوضوح، أن البعثيين تعاونوا مع الشيوعيين، في هذا الانقلاب، وإن لم تكن لدى العقيد بشير معلومات، عن حقيقة الدور البعثي، إلا أن بغداد إعتبرت، أن الانقلاب يعدّ نجاحاً لها، وكانت تستعد لدعمه بكل الإمكانات المتاحة"!.
ولم ينس وزير الحربية المصري أن يمد السادات، بآخر المعلومات التي توفرت له حول الجهات والقوى التي بدأت تحركاً في سبيل إجهاض الانقلاب وتبطيل مفعوله،حيث ذكر له:- ” أما في طرابلس، فما إن وصلت الأنباء الأولى للانقلاب الشيوعي، حتى ثارت ثائرة القادة الليبيين، وبدأوا في تجميع المعلومات من عناصرهم  الموجودة في السودان.
في واقع الأمر فإن القادة الليبيين، قد إتصلوا سلفاً بأ نور السادات، وناقشوا معه “تقدير موقف”، حيال ما يمكن القيام به، من تحرك عسكري، يعيد الأمور لنصابها في السودان، ويتيح عودة منتصرة لنظام اللواء جعفر النميري، ويبدو أن السادات قد إستشعر ” عصبية وتشنجاً"، فيما اتسم به حديث قادة ليبيا الجدد، وحديثي العهد بالسلطة وكيفية إدارتها، فيما يخص رغبتهم في القضاء على الانقلاب، بواسطة تدخل عسكري  مصري – ليبي!".
كما لم تنس ذاكرة اللواء صادق، وهو في طريقه لقصر القبة، أن تستعيد أيضاً، فرحة الشيوعيين المصريين، بما جرى في السودان، وكيف أنهم نصحوا السادات، بعدم التسرع في أي عمل، ربما يحسب عليه فيما بعد، “بمعاداة لا لزوم لها، لنظام تقدمي في المنطقة، سيكون قطعاً مؤازراً لتوجهات النظام المصري، مما استدعى السادات، لتوجيه عدد من قيادات اليسار المصري، للتوجه إلى السودان لاستجلاء الموقف".
وفي الأثناء بقي العقيد فاروق بشير، وهو من ضباط المخابرات الحربية بالسودان، “على اتصال دائم بالقيادة المصرية، من خلال جهاز لاسلكي ذي موجة خاصة، وكان هو مصدر المعلومات الرئيسي، للأحداث التي تشهدها العاصمة السودانية".
وحسب إفاداته يوضح اللواء محمد أحمد صادق، حقيقة ما جرى، بخصوص إختطاف الطائرة المقلة، لكل من المقدم بابكر النور رئيس مجلس قيادة إنقلاب 19 يوليو، وفاروق حمدالله عضو مجلس قيادة الانقلاب، بعد أن إلتقى الرئيس المصري في مقر إقامته:
:- "طلب مني السفر فوراً إلى طرابلس، ولقاء العقيد القذافي وأعضاء مجلس قيادة الثورة، والتفاهم معهم حول الموقف من الانقلاب. وقال لي:- “الإخوة في ليبيا يريدون تدخلاً عسكرياً مصرياً، لإجهاض الانقلاب الشيوعي في السودان".
يبدو أن الفريق أول محمد أحمد صادق، وزير الحربية المصري، قد جاء أصلاً إلى طرابلس، بعد أن جهز خطة محكمة، من وحي ما ضخه فيه الرئيس الراحل أنور السادات، من كريات دم  تغريظية وتحريضية، بخصوص أنه يمكنه فعل شئ ما، وعليه فعل هذا الشئ!، لأنه الأجدر والأقدر على فعله!، ولذلك  فقد إختاره شخصياً لمثل هذه المهمة لثقته فيه!.
حيث سأل الفريق فوزي، كل من الرائدين، أبوبكر يونس ومحمد المقيرف، عضوا مجلس قيادة الثورة الليبية الوليدة،عند لقاءه بهما في طرابلس، عما يعلمانه عن آخر المعلومات لديهم، وعن ما يجري حالياً في الخرطوم ، و أماكن تواجد بعض القيادات المهمة، ومتى ستنضم إلى القائمين على الأمر في الخرطوم؟ وكما يقول صادق في إفاداته:- “وكنت أعلم قبل حضوري إلى طرابلس، أن أهم عناصر الانقلاب موجودون في العاصمة البريطانية لندن، وأنهم يستعدون للعودة إلى الخرطوم"!.
إذن فإن هذه هي المعلومات الأساسية، التي جاء بها وزير الحربية المصري لطرابلس ليبني عليها وزير الحربية المصري خطته ( الجهنمية)!.
فاتضح له أن لا معلومات تفصيلية، لدى القيادة الليبية، حول التفاصيل التي سألهم عنها، وبالطبع فإن الأسئلة كانت تتعلق تحديداً، بكل من المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله، اللذين كانا في تلك اللحظات يتأهبان للعودة إلى السودان، عن طريق طائرة الخطوط الجوية البريطانية، ضمن سفرية مدنية إعتيادية!. وهكذا بدأ الفريق صادق، يقترب رويداً، من تهيئة القيادة الليبية لتبني خطته المعدة، كبديل لخطتهم العسكرية، الأكثر (مغامرة)، والتي كانت ترتب لها قيادات ليبيا العسكرية، لإجهاض الانقلاب اليساري في السودان، فشرح  يقول لهم:-:-" إن هاشم العطا ومن معه في الخرطوم، لن يكتمل لهم النجاح، إلا بوصول بابكر النور وفاروق  حمدالله الموجودين الآن في لندن. وبالطبع هناك آخرون ضالعون في الانقلاب، أو أعضاء مؤثرون في (الحزب الشيوعي) موجودون معهم في لندن. كما أن هذين القائدين، يستعجلان العودة إلى الخرطوم، لقطف ثمار النجاح، والثأر من جعفر نميري، الذي انقلب عليهم من قبل وفصلهم”. شارحاً أن المجموعة الموجودة حالياً بلندن، ليست أمامها من وسيلة، سوى استخدام الطائرات المدنية، التي تعمل على خط لندن- الخرطوم، وأن أفضل اختيار بالنسبة لها، سيكون الخطوط الجوية البريطانية، ثم طلب من المقيرف، الاتصال بالسفير الليبي في لندن، ليطلب منه إبلاغ طرابلس، عن تحركات هذه المجموعة، وموعد سفرها، ورقم الرحلة، وموعد إقلاعها من لندن!، “وأكد ضرورة مراعاة الحذر في الحديث.”  ويذكر أنه عندما سأله المقيرف ما إذا كانت الضرورة تستدعي إستخدام الشفرة في هذا المقام رد عليه بحسم:

:- " لا وقت للشفرة، فنحن في حاجة إلى الزمن الذي يمكن أن يضيع في التشفير هنا وفك الشفرة هناك".
عن صحيفة الميدان
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]

 

آراء