معمر القذافي .. عقيداً دولياً وقرصاناً جوياً! (الحلقة الثالثة) .. حسن الجزولي
(القصة الكاملة لاختطاف طائرة الزعيمين السودانيين النور وحمدالله عام 1971 بواسطة معمر القذافي وإشرافه)
* ترديد “البي بي سي” لمواعيد وصول الطائرة لمطار الخرطوم كان ملفتاً للنظر!.
* خطة إجبار الطائرة على الهبوط بليبيا كانت على درجة من البساطة والجرأة معاً!.
* الطيار الليبي خدع كابتن الطائرة بأنه يقود مقاتلة يمكنها حسم المسألة في دقائق إن لم تُنفذ تعليماته بالهبوط !.
*عنصر الدهشة في عملية القرصنة أن الاختطاف جاء من خارج الطائرة وليس من داخلها!.
حسن الجزولي
كتاب جديد بالعنوان أعلاه، دفع به كاتبه د. حسن الجزولي إلى المطبعة، والكتاب يوثق لأحد أشهر عمليات القرصنة الجوية التي بدأ بها عقيد ليبيا معمر القذافي حياته السياسية في فضاء التدخل والتعدي على السلام الدولي، عندما أمر باختطاف طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل كل من المقدم بابكر النور سوار الدهب، والرائد فاروق عثمان حمدالله، عند سفرهما من لندن في طريقهما إلى الخرطوم، كقيادات جديدة للنظام الذي أطاح بحكومة النميري في إنقلاب 19 يوليو عام 1971، ذالك الاختطاف الذي أدى إلى تسليم القذافي كل من بابكر وفاروق إلى النميري العائد إلى السلطة كالمسعور بعد إجهاض الانقلاب، ليبعث بهما إلى دروة الاعدام!، الميدان تبدأ في تقديم مقتطفات من بعض فصول الكتاب في هذه الحلقات المتتالية، لتعريف الأجيال الجديدة، بتاريخ قديم لـ ( ملك ملوك أفريقيا)و ( عميد الحكام العرب) الذي يترنح نظامه الآن تحت ضربات الشعب الليبي البطل!.
صحيفة الميدان
وبعد أن وفر له قائد القوات الجوية الليبية، خريطة تتضمن الممرات الجوية، التي تستخدمها الطائرات المدنية، خصوصا الممر الذي تستخدمه طائرات، الخطوط الجوية البريطانية، وهي في طريقها إلى الخرطوم. إستفسر حول خط سير الطائرة، وما إذا كانت مثل هذه السفرية، تتوجه مباشرة إلى الخرطوم، أم تهبط للتزود بالوقود أثناء الرحلة؟!.
وفر المسئول الليبي العسكري، كافة المعلومات التي طلبها وزير الحربية المصري، من خرائط توضح، خط سير الطائرات البريطانية، التي تشير إلى أنها، تحط في جزيرة مالطا، للتزود بالوقود، ثم تواصل رحلتها إلى العاصمة السودانية، مروراً فوق مدينة بنغازي الليبية. حينها فقط أدرك وزير الحربية المصري أهمية تعديل خطته حتى تتوائم مع ما توفر له من معلومات أساسية!. فاستفسر حول ما إذا كانت لدى ليبيا طائرات من نوع (ميستير)، وعندما علم بعدم وجودها،سأل عن إمكانية إرسال مقاتلات من أي قواعد جوية إلى مطار طرابلس، فأوضح له المسئولوون بأن الأمر يتطلب في هذه الحالة ترتيبات معينة للتزود بخزانات إحتياطية، أطرق الفريق صادق مفكراً لبرهة ثم ما لبث أن رفع رأسه موجهاً بإعداد طائرة العقيد القذافي الخاصة والتي أحضرته من القاهرة والانتظار في المطار بعد تزويدها بوقود كافي، وقد كانت من طراز (جيت ستار)!.
ويواصل الوزير المصري إفاداته موضحاً :
:- "وبعد مرور حوالى ساعتين، لم يتوقف خلالها النقاش، حول الخطة واحتمالات نجاحها، وأثناء تناولنا عشاء خفيفاً، وصلت رسالة من السفير الليبي في لندن، أن الطائرة التي تقل قادة الانقلاب السوداني، أقلعت فعلاً من العاصمة البريطانية”!. ويضيف سيادة وزير الحربية، موضحاً بأن راديو الخرطوم قد حرص “على ترديد نبأ وصول القادة إلى العاصمة السودانية (صباح غد)، حيث ستجرى احتفالات كبيرة، لاستقبالهم في المطار.” علماً بأن إذاعة البي بي سي البريطانية، هي التي كانت تذيع في واقع الأمر، زمن وصول الطائرة البريطانية، إلى مطار الخرطوم، على رأس كل نصف ساعة من نشراتها الأخبارية، بأكثر مما فعلت إذاعة أم درمان. وقد كان هذا الأمر ملفتاً فيما بعد!.
بعد إقلاع الطائرة (الهدف)، ظلت غرفة العمليات المشتركة في ليبيا، المكونة من وزير الحربية المصري، وقيادات ليبيا العسكرية، تتابع خط سيرها أولاً بأول، وقد جمعوا المعلومات، حول مواعيد وصولها مطار مالطا، ومواعيد إقلاعها من مالطا، ومواعيد مرورها فوق الأجواء الليبية، وتحديداً فوق منطقة (برقة) الليبية، وقد تم تأكيد أن الطائرة، ستكون فوق بنغازي حوالى الساعة الثالثة فجراً.
حينها كانت هذه هي اللحظة المناسبة، التي يكشف فيها وزير الحربية المصري، عن خطته للقيادة الليبية، ممثلة في مجلس قيادة الثورة، ويضعها في الصورة، وذلك لكي تتحمل مسئوليتها عما سيحدث، وقد كانت خطته قد تبلورت من خلال الحوار، والمعلومات التي توافرت، والظروف المحيطة،كما سبق وقد أشرنا، فأوضح يقول لهم:
:- ببساطة سنقوم بمقامرة، من الممكن أن يتحقق لنا النجاح، وبالقدر نفسه قد نواجه الفشل"!.
وكانت الخطة التي تهدف إلى إختطاف الطائرة المدنية على درجة من البساطة دون الحوجة لقوات عسكرية ضاربة أو خلافه، حيث كانت على النحو التالي:-
1- تقلع الطائرة (جيت ستار) إلى بنغازي، وتنتظر توقيت مرور الطائرة (الهدف)!.
2 - أثناء مرور الطائرة البريطانية، تعترضها الطائرة الليبية، وتأمر قائدها بالهبوط.
3- بعد هبوطها يُلقى القبض على الزعماء الجدد للانقلاب الشيوعي.
4 - انتظار ردّ فعل الخرطوم، عندما يعلم هاشم العطا، وباقي أعضاء (مجلس الثورة) هناك، باحتجاز القادة العائدين في ليبيا، وفي الوقت نفسه معرفة، ردّ فعل القوى المعارضة للانقلابيين.
5 - تنظيم العمل داخل الخرطوم، للإمساك بزمام المبادرة، تحت ضغط إحساس قادة الانقلاب بالصدمة، بعد احتجاز قادتهم، والعمل على الإفراج عن نميري ليعود إلى سلطاته
6- حشد القوات السودانية، الموجودة في مصر في أسوان، تمهيداً لنقلها إلى الخرطوم، في حال نجاح الإفراج عن نميري، واستعادته سلطته وسيطرته على المناطق الاستراتيجية، خصوصا المطار، ويشترط أن يطلب بشكل واضح، عودة القوات السودانية الموجودة في مصر.
7- التعجيل باستدعاء، وزير الدفاع السوداني، اللواء خالد حسن عباس، من يوغسلافيا، التي كان يزورها على رأس وفد عسكري، ليحضر إلى قاهرة، ويشرف بنفسه، على حشد القوات السودانية في أسوان، ومن ثم نقلها جواً إلى الخرطوم تحت قيادته.
وقد كانت أولى الأسئلة التي انهمرت على وزير الحربية من قبل أعضاء القيادة الليبية، هي حول نجاح، طائرة العقيد الخاصة الـ(جيت ستار) الصغيرة، التي لا تحمل سلاحاً من أي نوع، فأوضح لهم يقول:
:- " أن طيار الـ(جيت ستار)، سيخاطب قائد الطائرة الإنكليزية باللاسلكي، على أنه يقود مقاتلة اعتراضيه، ويطلب منه الهبوط، ولا بد أن الظلام، سيجعل الطيار الإنكليزي يبتلع الطعم، ورغم ذلك على الطيار الليبي، أن يحاذر من أن يرى الإنكليزي طائرته بأي صورة من الصور، وأن يظل في طيرانه ومناوراته ،بعيداً عن مجال رؤية الطيار الإنكليزي، حتى تنجح الحيلة. وعلى الطيار الليبي أن يكون حاسماً، وهو يطلب من الإنكليزي الهبوط، وإلا أطلق عليه النار باسم الحكومة الليبية"!.
كما أوضح لهم، بأن الطيار الإنكليزي المدني، وكغيره من طياري الخطوط المدنية، لديه تعليمات واضحة، بعدم تعريض الركاب أو الطائرة لأي أخطار، وعليه الاستجابة لتعليمات الخاطفين، في حال اختطاف الطائرة. والموقف الذي سيواجهه، لا يختلف عن موقف اختطاف طائرته، ولكن هذه المرة، يأتي عنصر الخطف، من خارج الطائرة لا من داخلها!. ثم أضاف:-”أكدت لهم ثقتي بنجاح المحاولة، إذا التزم الطيار الليبي التعليمات، فليس هناك طيار يقبل المغامرة بطائرته وركابها"!.
عن صحيفة الميدان
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]