الدوحة…لا تزال الأحلام ممكنة!!
عادل الباز
16 July, 2011
16 July, 2011
بالطبع سيقول بعض المعارضين إن الاتفاقية الموقعة بالأمس في الدوحة غير كافية، ولا توفر الحل الناجع لأزمة دارفور. وسيقول آخرون إن الاتفاقية أعطت دارفور أكثر مما تستحق.. وطبيعي اختلاف الآراء حول كل فعل سياسي، ولكن الأهم أن ننظر لاتفاقية الدوحة أو أي اتفاقية أخرى أنها جاءت نتيجة تفاوض صبور وخلّاق، يهدف أساساً لوقف نزاع دموي في جزء من الوطن؛ وهذا مربط الفرس.. فمهما كانت الاتفاقية أخطأت هنا أو أصابت هناك، فإن نجاحها يجب أن يُثمن، وإخفاقها يجب أن يقوّم دون أن يسعى أحد لإلغاء ما تمّ، أو أن يزايد عليه، فليس ثمة بديل آخر سوى العودة للحرب.
المهم هنا ملاحظة أننا بالاتفاقيات المتعددة التي جرى توقيعها إنما نسعى كسودانيين لإيجاد حلول سياسية لقضايا معقدة ومزمنة بالتفاوض.. نحن نتفاوض على تشكيل وطن جديد بأسس جديدة، ولذا انتهاج التفاوض وسيلة أساسية لحل النزاعات هو ما يجب أن يُثمّن أولاً بغض النظر عن التفاصيل. إن الذين يريدون جرّنا للحرب لا يأبهون لأي نتيجة يتمخض عنها التفاوض؛ ولذا سيزدرون أي نتيجة يتوصل لها المتفاوضون إما بالمزايدة عليها، أو بالتقليل من أهميتها. في (الأحداث ) انتهجنا خطاً استراتيجياً داعياً للسلام، وكل ما يمكن أن يقود لاستقرار بلادنا، وضد الحرب مهما كانت المبرّرات التي يمكن أن تساق من أمرائها.. ومن هذا المنطلق جاء تأييدنا لكل اتفاق سياسي يوقف الحرب منذ نيفاشا وحتى أديس.
اتفاق الدوحة حاول إصلاح ما أخفقت فيه أبوجا، واستفاد من نيفاشا كوثيقة أساسية صالحة لتأسيس الوطن على معادلات جديدة، ويمكن تتبُّع ذلك على مستوى المحاور الخمسة الأساسية.
فمثلاً في محور السلطة بدا أن هنالك تغييراً هيكلياً في مؤسسة الرئاسة؛ إذ تمت الإشارة لحق الأقاليم ومنها دارفور في الحصول على مقعد نائب للرئيس؛ بمعنى أن مؤسسة الرئاسة ستتشكل من نواب للأقاليم، بمعنى أن يتمتع الشرق مثلاً بنائب رئيس، وكذلك الأوسط وغيره من الأقاليم ما يشكل تطويراً لنيفاشا التي اختصرت حق النيابة للجنوب فقط، وهذا التغيير لابد أن يُقنن دستورياً.
في مجال تقسيم السلطة أيضاً يشير الاتفاق لسلطات لم تحظ بها سلطة دارفور الانتقالية السابقة، وإن اتخذت الاسم؛ فللسلطة وزراء على مستوى المركز والإقليم الذي تمت إعادة حدوده لتعود لحدود العام 1956 وكان ذلك مطلباً أساسياً في كل المفاوضات التي سبقت الدوحة. في ذات الاتفاق مُنحت دارفور منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية الذي خصص لها في أبوجا؛ ومن المتوقع أن يشغل هذ المنصب السيد التجاني السيسي. بالمناسبة لقد بهرني خطاب السيسي في الدوحة؛ فهو خطاب ينمُّ عن فهم عميق، ويشي بأن السيد التجاني رجل دولة بحق؛ فأفكاره واضحة وعبّر عنها بشكل جيد.
السلطة الانتقالية ستصبح هي السلطة المهيمنة على إدارة الشأن التنموي والحراك السياسي بالإقليم، بالتعاون والتنسيق مع السلطات الإقليمية. أعطت الاتفاقية الحق للحركات في اعتلائها منصب الوالي في أي ولايات مستحدثة بالإقليم.. ويبدو أن هنالك اتفاقاً ما على تأسيس هذه الولايات بسرعة.. وكانت الحكومة قد أعلنت سابقاً عن نيتها استحداث ولايات جديدة.
أعطت الاتفاقية لدارفور نسبة مقاعد في البرلمان توازي نسبة سكانها، وهذا طبيعي، وتم الاتفاق أن ترث دارفور مقاعد الحركة الشعبية بالبرلمان، ولكن المعضلة التي تواجه هذا الاتفاق؛ هي الكيفية التي سيجري على أساسها إنفاذ ذلك الاتفاق.. يمكن في ظل برلمان منتخَب يحتاج الأمر لمخرج ذكي يجنّبنا انتهاك القانون، ويساهم في إنفاذ ما تمّ الاتفاق عليه بالدوحة.
بمحور السلطة تم الاتفاق أيضاً على منح منصب وزير اتحادي ووزير دولة ورئاسة السلطة الانتقالية وخمسة عشر وزيراً بالسلطة لدارفور، إضافة لمنصب والي لواحدة من الولايات الخمس. بالطبع دارفور تستحق ذلك بل أكثر، وهي الآن تتمتع بنسبة أكبر من النسبة التي قرّرها اتفاق الدوحة.
في مجال الاقتصاد كان الإنجاز الأكبر بالاتفاق؛ إذ إنه يمر مباشرة لإنسان دارفور والضحايا.. فبتوقيع الاتفاق سيتم دفع مائتي مليون دولار في صندوق تنمية وإعمار دارفور، ثم تستمر الدفعات المالية إلى أن يصل المبلغ إلى اثنين مليار دولار لصالح التنمية لدارفور، إضافة إلى إنشاء بنك قطر باثنين مليار دولار ثم إقرار حق الضحايا في التعويض العادل، وتخييرهم في الإقامة بالمنطقة التي يرغبون العيش فيها.
في مجال الأمن والعدالة لم ألاحظ جديداً، فكل الانقلابات السابقة تحمل ذات النقاط الهادفة لإقامة العدالة والمصالحة، وعدم الإفلات من العقاب. قد يُلاحظ أن الأمم المتحدة دخلت هذه المرة كمراقب لإنفاذ العدالة.
الآن الأهم من كل بنود الاتفاق هو مدى قدرة الأطراف على الالتزام بإنفاذ بنوده على أرض الواقع والآليات القادرة على إنجازه بمواقيته. لقد قامت دولة قطر مشكورة بكل ما يمكن فعله من تحمُّل وصبر على مكاره التفاوض، وبذلت الوقت والمال في سبيل التوصل إلى اتفاق يرضي أغلب أهل المصلحة بدارفور.. والآن يأتي دور المجتمع الدارفوري وسلطته الجديدة والحكومة المركزية، لجعل الاتفاق واقعاً يمشي بين الناس، حتى لا يضيع جهد الأشقاء هباءً، وحتى لا تستمر مآسي الحزانى بدارفور الذين دفعوا ثمن الحرب تشرداً ولجوءاً وفواجع إنسانية لا تُحصى.