جن السوق (أم فقدت الحكومة عقلها) ؟!
عادل الباز
21 July, 2011
21 July, 2011
21/7/2011
لا تسمع الحكومة ضجيج الناس من الغلاء ولا يصغي الناس لآهات الحكومة من بؤس حالها. يشكو الناس من أسعار تتصاعد يوميا ولا يكادون يعرفون لتصاعدها سقفا ولا مبررا. الحكومة تتأوه من أوضاعها العصيبة التي تعيشها هذه الأيام!!
يمكننا أن نبحث عن مبررات لهذا التصاعد الجنوني للأسعار في عدة مناحي. كثيرون يعتقدون أن انفصال الجنوب هو السبب الأساسي في ارتفاع معدلات الأسعار ولكن الحقيقة بعيدة عن ذلك كل البعد, فالجنوب لا ينتج ولا يصدر سلعا للشمال حتى يتأثر الشمال بانفصال الجنوب، وليس هنالك إجراء اقتصادي مؤثر اتخذه الجنوب حتى الآن سوى تغيير عملته. السلعة الوحيدة التي ينتجها الجنوب والتي يمكن أن تؤثر على اقتصاد الشمال هي البترول وحتى الآن لم يتخذ الجنوب أي خطوة في مجال البترول من شأنها الإضرار باقتصاد الشمال سوى تسويقه لبتروله. حكومة الجنوب أرسلت أمس الأول خطابا للحكومة السودانية توافق فيه على استخدم الخط الناقل للبترول تعلن عن إرسال وفد وزاري للتفاوض على قيمة تلك الرسوم. ولذا الأوضاع حتى الآن كما هي.
حكومة الشمال لم تقدم على زيادة الأسعار بل إنها تدعم المنتجات والسلع الأساسية بما يزيد عن مليار ونصف المليار جنيه. أسعار المحروقات ثابتة حتى الآن فلماذا ترتفع أسعار السلع وتلتهب الأسواق؟ تصريحات وزير المالية أمس بالبرلمان تؤكد أنه تم تأمين موقف السلع الأساسية خاصة القمح والسكر بل تم فتح اعتمادات لستة أشهر لتفادي تقلبات الأسعار العالمية على الأقل حتى نهاية هذا العام. فلماذا ترتفع أسعار تلك السلع الآن في الأسواق؟. أسعار السكر في ارتفاع مستمر وهناك شح وهذه الظاهرة أصبحت متكررة في كل عام مع قدوم رمضان لارتفاع متوقع في معدلات الاستهلاك. المصانع لا تطرح كميات مناسبة لتغطية الطلب ومن المؤكد أن التهريب لدول الجوار يلعب دورا أساسيا في تسرب كميات كبيرة لتلك الدول وخاصة أن دول الجوار باستثناء مصر لا تنتج سكرا وأسواقها الآن تمتلئ بجولات سكر كنانة دون أن تمر تلك الجولات بمنافذ الصادر المعتادة. وهذا سبب واضح لشح وتصاعد أسعار السكر.
زيادة المطروح من نقود في السوق يساهم أيضاً في تصاعد القوة الشرائية ومن ثم تتصاعد معدلات زيادة الأسعار لزيادة الطلب وشح السلع. الملاحظ هنا أن سعر الدولار لم يرتفع بالمعدلات المتوقعة ولا يزال يحتفظ بنسبة تصاعد معقولة في ظل الظروف التي تعانيها البلاد الآن ولكن في ذات الوقت لا زالت المخاوف قائمة من تصاعد فجائي في قيمة الدولار وتدهور قيمة الجنيه السوداني. المخاوف والتوقعات عادة ما تسبب قلقا في الأسواق حتى وإن كانت بلا مبرر وتؤثر في أسعارالسلع والخدمات.
المشكلة الكبرى أن المستهلكين وهم في بؤس حالهم لا يرغبون بسماع تعقيدات الاقتصاد ومعادلاته ولا دخل لهم بالمؤثرات العالمية وتصاعد التضخم عالمياً، هذه رطانة لا يفهمونها وهي تخص النخب الاقتصادية، ما يهمهم في هذ الأمر هو أن يتوقف هذا التصاعد المجنون للأسعار أما كيف فتلك هي مسئولية الحكومة وعليها أن تقوم بواجبها دون أن تفلسف الأمر للجمهور وإذا لم تفعل فستلاحقها اللعنات.
مؤكد هناك كروت بيد الحكومة بالإمكان أن تلعبها في مثل هذه الأوقات. مثلا السكر الذي تتكرر قصة تصاعده سنويا في إمكان الحكومة الحكومة طرح كميات منه في وقت مبكر ولكنها سنويا تفعل ذلك متأخرا جداً ورمضان على الأبواب مما يصبح الأمر عديم الجدوى لأن المستهلكين يشترون ويخزنون احتياجاتهم منه بهلع ومنذ فترة قبل رمضان. كان يمكن تثبيت أسعاره والحد من تصاعدها بطرح ذات الكميات المستوردة في الأسواق مع الحد من قضية التهريب لأن الخيار الآخر وهو رفع سعر السكر حتى لا يهرب ليس متاحا الآن. بالإمكان أن تسيطر الحكومة على التضخم باتخاذ إجراءات صارمة في تقليل حجم النقود بالاقتصاد بالتحكم في سقوف التمويل بالبنوك مما يقلل حجم الكتلة النقدية الموجودة بالسوق ويحد من تصاعد الأسعار.
الآن نحن بحاجة لحلول خلاقة للسيطرة على الأسواق ولا بد من أن تجد الحكومة تلك الحلول بشكل عاجل لأن الأوضاع لم تعد تحتمل.
أمام الحكومة خياران: فإما معالجة الغلاء وإما ترك الناس يجنون تبعا لجنون الأسعار، الشيء الذي سيغرقها هي نفسها في نهر من الجنون.