فيلسوف الكرة السودانية الدكتور كمال شداد في مؤانسة تحت ضوء القمر
والدتي عمدة البيت
السلطة كانت بتقول لينا أي حاجة في البلد دي تحت إدارتنا .. "إشمعنا" الكورة
الجري وراء الكورة شغلني حتى من استخلاص إيجارات وصلت لـ (105) ألف دولار
أنا أول شخص عمل ماجستير في الفلسفة بجامعة الخرطوم
الوالد يعد أول من سودن منصب مدير مصلحة الأشغال بعد الاستقلال
القدر قادني لدراسة الفلسفة وأمنيتي كانت الهندسة
الرياضة شغلتني عن أسرتي وقضيت عشر سنوات في الاتحاد دون أكل أو شراب
إذا كانت الهند تقف عند شاعرها (طاغور) وتفتخر انجلترا بأديبها (شكسبير) ..وتحتفي إيطاليا برسماها (بيكاسو).. ومصر بـ (نجيب محفوظها) وجنوب أفريقيا بـ (جون ماكسويل كوينزي) ونيجيريا بـ (وول سوينكا) ... إلخ .. فإننا نقف هنا في السودان وقوفاً خاصاً عند الدكتور كمال شداد أحد أهم الشخصيات الرياضية في السودان التي بنت مجدها عبر أصعب ضروب الرياضة عندما خط لاسمه سيرة في المجال الإداري الرياضي.. تميز فيها بالعفة والنزاهة .. وقوة الشخصية. جمع الدكتور كمال شداد بين الفلسفة وعلمها العميق ...وكرة القدم وشعبيتها الكبيرة وطبيعتها (المرنة) ليخلق شداد بذلك تجانساً عجيباً بين المنطق ومدارسه الأكاديمية وكرة القدم وحلاوتها المتمثلة في (الهدف) وأضعف الإيمان بعد ذلك (اللعبة الحلوة). كما ترتبط الأشياء في السودان ببعضها البعض تجانسا وتوافقا ..ارتبط كمال شداد باتحاد الكرة ..وأصبح من صميم (اتحادنا العام) أن يكون كمال شداد (رئيسا) له ... كأن اتحاد كرة القدم السوداني يكتسب (سودانيته) من كمال شداد الذي مازال يحفتظ بمنصبه في ذاكرة الناس حتى وهو يبتعد عن دار الاتحاد ويتجنب الاضواء والاعلام.. وقد ثبت لنا ذلك في اعتذاراته للكثير من الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى التي كانت تطارده من أجل الحوار، لكنه كان يعتذر ...حتى فزنا أخيراً بمحاورته بعد ملاحقة استمرت أكثر من عشرة أيام .. جلس لنا بعدها الدكتور ما يقرب من الثلاث ساعات مناقشاً ومجادلاً بمنقطه (الكمالي) وفلسفته (الشدادية) الشهيرة. الخرطوم: حسن فاروق: محمد عبدالماجد: خالد فتحي
-رمضان في حياة شداد كيف تعيشه ..خاصة مع ابتعادك عن الوسط الرياضي نوعاً ما؟ مرحباً بكم ورمضان كريم والتحRead more...ية لصحيفة "الأحداث" وقرائها الأعزاء.. نحن ماعندنا طقوس خاصة في البيت لرمضان. الوالدة هي عمدة البيت وكلنا ملتفين حولها.. هي كبيرة في السن لذلك لاتقوى على الصوم، نحن أسرتنا الصغيرة صايمين وكذلك معاوية أخوي أيضا صايم وهو "براهو" زوجتو وأولادوه "مافيشين". -ممازحة، معاوية ده بصوِّم البلدكلها؟ يضحك والله هو بصوّم البلد وصايم . وأنا بالنسبة لي صائم بالرغم أنني مقل في أكلي، لكني مع ذلك يزيد في وزني باستمرار . في الأيام العادية أصحو عند السابعة صباحاً وأتناول كوب من اللبن "تاني نادر تدخل بطني أي حاجة إلا بين الساعة الخامسة والسابعة أتناول وجبة". -هذا في غير رمضان؟ نعم هذا في حياتي العامة وبالليل أشرب شاي بلبن وهذا الأمر دفع كثيرين للتذمر إبان فترتي في الاتحاد العام وكانوا يقولون"الزول ده بيقعدنا في اجتماعات مابياكل وما بخلينا ناكل" و"ماشفناهو يوم بياكل ويكتر مثل هذا الكلام" وأقول لكم من المفارقات اأنني خلال العشر سنوات الأخيرة من عملي في الاتحاد لا أذكر أنني تناولت أي مشروب "بيبسي أوكوكاكولا أو استيم" التي كانت تفيض علينا في الاتحاد بصفتها الرعاية للدوري الممتاز. أيضا أنا لست كييف "سجائر" أو "شاي" أو "قهوة" لذلك لا أجد صعوبة على الاطلاق في شهر رمضان، لكن الفرق الوحيد بالنسبة لي في رمضان يتمثل في تلاوة جزء من القرآن الكريم وهو تقليد درجنا عليه من حياة والدنا "رحمه الله". أما التروايح فأنا لم أصلِّ على الاطلاق صلاة التراويح الا في الحرم، وكنت كثيرا ما أرافق أبي وأمي لأداء مناسك العمرة في رمضان وبالمناسبة والدي توفي في رمضان ووري الثرى في "المعلا" في مكة المكرمة. -ماهو السر في أنك لا تصلِّي التراويح إلا في الحرم المكي؟ ليس لدي أي موقف معين، لكن في الحرم انت تعيش في أجواء روحانية وتكون في عزلة عن العالم الخارجي. -وسط زحمة الكرة وأنت رئيس الاتحاد العام هل قمت بتعديل في برنامجك؟ طبعاً في الاتحاد انت بتجري كتير عشان توفر رعاية أو تمويل وتمليك أراضي الاتحاد وكما تعلمون ان هذه الارض شهدت صراعا شرسا مع الاستخبارات من جهة، ومع مجلس الوزراء من جهة اخرى، وكانت "شغلانة ما ساهلة" خاصة وان مجلس الوزراء كان مُصراً على انتزاع الموقع القديم. وطول الوقت بتكون مشغول بالعمل الاداري والاتصال الخارجي لكن الآن والواحد يحمد الله على ذلك ان الواحد أصبح يملك متسعا من الوقت لرعاية والدته خاصة وأنها تقدمت في السن وقلّت حركتها وبقت "دايرة الناس حولها" وأيام زحمة العمل الرياضي "كانت قاعدة مع بتها في إنجلترا". والواحد يحمد الله انه يعطي والدته زمن كبير جدا وهذه نعمة وإن شاء الله تكون لـ (الزول) حسن خاتمة. والكثافة في الحركة أصبحت تخص البيت وأنا يؤخذ علي من أخواني أنني أهملت في مسائل تخصهم مع العلم بأنني أكبر إخوتي.. مثلا أنا اكتشفت بيت باسم الوالدة وتنازلت عنه لابنتها وكان مؤجر لألمان كانوا يستغلونه كمنظمة طوعية وأخلوا المنزل قبل أربع سنوات وأنا لم أذكر خلال تلك السنوات سوى مرة أو مرتين انه من المفروض ان أقوم بعرض المنزل للايجار مرة أخرى لكن المفاجأة انني عندما تنبهت لهذه المسألة وبدأت في تقليب الاوراق اكتشفت ان المستأجرين لم يقوموا بسداد إيجار آخر ستة أشهر وبالدولار وشرعت في استعادة متأخرات إيجار مضى عليه أربع سنوات تقريبا. نحن ورثنا أصلاً عن والدنا ثلاثة بيوت واحد مؤجر لمدرسة؛ والمستأجر كان يقوم بوضع المبلغ المتفق عليه في حساب بنكي باسم "كمال حامد شداد" وإخوانه والايجار أيضا بالدولار واكتشفت ان لدينا متأخرات وصلت الى (105) ألف دولار وهذا الشخص لم يسدد إيجار خمس سنوات وفي "الجري وراء الكورة لم ألتفت لمتابعة هذه الاشياء". وبدأت في الاتصال بالمحامين للتفاكر في كيفية استعادة حقوقنا خاصة وان المنزل مؤجر لمؤسسة تعليمية و"ما بتقدر تطردهم". ولدينا بيت في المقرن كانت تقطنه الاسرة في أول الامر وهو مكون من ثلاثة طوابق "مافيهو شق ولاطق" الوالد قام بإيجاره في 1972م للاكروبات وبقوا فيه أكثر من (40) شابا و(كسروا البيت وفي الآخر أخونا حسن عزالدين كان في التنظيم ومشيت عبره وكونوا لينا لجنة أقرت ان المنزل غير صالح للسكن وكان ذلك في 1984م ومن ذلك الوقت وحتى الآن البيت قاعد فاضي). -أنت شخص مشهور عنك أنك عنيف للغاية في الحق العام ولا تتهاون في الدفاع عنه بكل ما تملك من قوة، لماذا تفرط في حقك الخاص بتلك الطريقة؟ قطعا أنا لم أقصد التفريط لكن المشكلة كانت الزمن.. لم أكن الوقت الكافي لمتابعة هذه المسائل والواحد كان يصحو وينام على هموم الكرة في السودان وكيفية الوصول الى جعل الاتحاد مؤسسة قوية ذات استقلالية ومحترمة ومهابة وقادرة على الصدام ضد القوى التي كانت تحاول جاهدة التحكم في الاتحاد وهذا الامر لم يكن سرا وهنالك جهات عديدة كانت كثيرا ماتقول لنا "نحن شنو الما بقى تحت إدارتنا ياتو بنك ما بنديروا نحن وياتو مستشفى وياتو جامعة إشمعنى الكورة ده الماتحت إدارتنا" وهذه كانت معركة مستمرة. وكذلك معركة لتغيير السائد ورفعنا شعار أن الموروث أسهم في تراجع مستوى الكرة السودانية الى القاع ونحن بدأنا الكرة مع الاتحاد الافريقي فضلا عن تنظيم أول بطولة افريقية وعلى مستوى الاندية بدأنا في المشاركة في المنافسات القارية من 1966م ومنذ ذلك التاريخ ماعندنا فريق وصل مرحلة القرعة والتي تعرف في أروقة الاتحاد الافريقي بمرحلة التميز. باعتبار أن الأدوار التمهيدية يُراعى فيها القرب الجغرافي والصعوبات المالية عكس مرحلة القرعة، السودان لم يصل نادي لهذه المرحلة الا في 1987م عندما بلغ الهلال الدور النهائي. بعدها بعامين وصل الهلال والمريخ الذي توج بلقب البطولة "كأس الكؤوس الأفريقية" و العام التالي شهد ظهور الموردة بجانب المريخ. بعد "2000" و"2001"م الشكل تغير وأصبح وجودنا في مرحلة التميز مسألة عادية بل أصبحنا مصنفين من الاندية المميزة لذلك كان لزاما علينا تغيير الموروث كما أسلفت، وهذا التغيير أو محاولته أفرز صراعات مستمرة وعدائيات وبعض الصحافيين تبنوا مواقف عدائية لأنهم كانوا جزءاً من معسكرات انتخابية سقطت. -القريبون منك يعرفون أن دمعتك قريبة وحنيّن وهذا ينعكس في علاقتك بوالدتك على عكس ما يتصور آخرون أنك شخص شرس وصعب المراس.. فحدثنا عن دور الوالدة وعن تأثيرها على مجرى حياتكم خاصة وأننا سمعنا كلام كثير منه أن كل أبنائها يستلمون المرتبات ويعطونها لها لتقوم بتسيير الأمور دون أن تجرؤ زوجاتكم على الاعتراض؟ هذه الجزئية غير صحيحة بتاتا وفيها مبالغة والوالدة طبعا كانت برفقة والدي في ليبيا والوالد يعد أول من "سودن" منصب مدير مصلحة الاشغال بعد الاستقلال قبله كان في "ميرغني حمزة" الذي عين وزيراً وأصبح والدي مديراً للمصلحة. وبعد التقاعد أوان حكم الرئيس الراحل ابراهيم عبود مكث قليلا قبل ان يشد الرحال الى ليبيا وكانت في ليبيا ولم يعودوا الى السودان الا قبل وفاة والدي بأشهر قليلة. ونحن أسرتنا مكونة من ستة أخوان وثلاث أخوات وكان عندنا حساب في بنك النيلين بأسمائنا كلنا و"مواهينا كانت بتنزل فيها" بجانب الايجارات وتصرف منها للحاجة والذي يقال في موضوع الوالدة أولادها ملتفين حولها وانتو عارفين ان الواحد عندما يكبر أولاده "بطشو" منه. أما نحن والوالدة لازالت المركز الجاذب لنا جميعا. ويمكن هذا يقود البعض للقول "إنها مكنكشة في أولادها" ويتانسون ان أولادها الذين يتحدثون عنهم أصبحوا كبارا في السن وأنا مثلا تجاوزت الخمسة وسبعين عاما. وهي لا تعرف شيء عن المال ولاتدخل في تفاصيله لكن لا ينقصها أيضا الحزم وكلنا تزوجنا بطريقتنا الخاصة ولم تتدخل على الاطلاق في اختيارنا وكانت ترضى ما نرتضيه نحن. -نأتي الى الجامعة هل درست الفلسفة عن رغبة أكيدة أم كانت صدفة؟ أنا أساساً كنت كويس في الرياضيات وكنت "داير أبقى مهندس" ولا يفوتني القول إنني درست كل مرحلة مرتين ابتداءً من دراسة الكتاب في ملكال لأن أبي كان مهندسا هناك، وكان في اختلاف في إجازات المدارس بين الشمال والجنوب لذلك عندما أعود مع والدي في الاجازة أذهب الى مدرسة الاساس "جنب بيت ناس ابراهيم احمد عمر" وبعدها التحقت بمدرسة "أمدرمان الاميرية" للجلوس لامتحانات المرحلة الوسطى وبعد ان تجاوزتها بالنجاح تحولت الى مدرسة "الدويم الريفية "ومنها الى مدرسة "خور طقت" لدراسة المرحلة الثانوية ومكثت قليلا قبل الانتقال الى مدرسة "حنتوب" بعد نقل الوالد الى الجزيرة. ومن "حنتوب" امتحنت شهادة "اكسفورد" وأحرزت نتيجة كويسة وسعيت لدراسة الهندسة في مصر وبالفعل جاءني قبول للدراسة هناك والدنا كان في بعثة في انجلترا وقتها كنا مقمين في ود مدني فحزمت أمري وغادرت الى الخرطوم ونزلت بدار أحد أصدقائي دون المرور على أهلي لأستغل القطار الى حلفا ومنها الى القاهرة وكان لدي صديق اسمه "مختار عبيد" كان عضو باللجنة المركزية للحزب الشيوعي قبل ان يخرج عليه ويؤسس حزب العمال والمزارعين وما عارف ما الذي هدى أهلي للوقوف في محطة القطار . المهم في محطة السكة حديد قبضوني ومُنعت من السفر وبشهادة اكسفورد قدمت الى جامعة الخرطوم وتم قبولي في كلية الآداب وإحساسي العام أن العلوم التي تُدرس بها كالتاريخ والجغرافيا كانت "ما واقعة معاي" وأراد الله عندما كنا في السنة الثانية أدخلوا دراسة المنطق بواسطة بروفسير يدعى "توني بونغ" ووجدت في دراسة الفلسفة والمنطق جزء من الرياضيات وأنا لم يكن في ذهني السير في هذا الطريق، و تخرجت من الجامعة واشتغلت صحفي. -هل تذكر أشهر أولاد دفعتك؟ يضحك أنا عندي مليون دفعة، وفي الجامعة تخرجنا من الفلسفة ثلاثة أشخاص أحدهم علي الجاك ولم يكمل السنة الخامسة وأصبح سفيراً فيما بعد وجعفر شيخ إدريس القيادي البارز بحركة الاخوان المسلمين. وأنا وجعفر أول دفعة تخرجت بمرحلة الشرف من الفلسفة بجامعة الخرطوم. وأنا أول شخص عمل ماجستير في الفلسفة بجامعة الخرطوم قبل السفر الى انجلترا لنيل درجة الدكتوراة فالقدر لعب دورا بارزا في ان أكون معيداً بالجامعة. -في الجامعة هل انتميت الى أيٍّ من التيارات الفكرية أو السياسية ؟ نشاطي في الكلية ارتبط كله بالانشطة الرياضية وفي كلية الآداب كان لدينا لاعبين متميزين أمثال نجم المريخ والفريق القومي آنذاك محمد عبدالله مازدا وأيضا قمت بإنشاء "منتدى الفلاسفة" وكان أشهر نشاط وأذكر ان كلمة "منتدى كانت من الكلمات الجديدة على أسماع الكثيرين ما دفعهم للتساؤل عن سر استخدامها. بجانب العمل الاجتماعي. ذكرياتك مع البروفسير عبدالله الطيب؟- أذكر أنني كنت في لندن وزوجته جريزلدا كانت موجودة أيضا هنالك وبالصدفة كنت في محادثة مع شخص في السودان ونقل لي نبأ تعيين البروفسير عبدالله الطيب مديرا لجامعة الخرطوم. وفي منتصف النهار قابلت "جريزلدا" ولم تكن قد تلقت النبأ بعد فقلت لها مبروك بروفسير عبدالله عين مديرا للجامعة. وقد لا تصدقون الفرحة الطاغية التي اعترت هذه السيدة بالنبأ ودون مواربة بدأت تذرف الدموع وأظن أنهم كان لديهم إحساس بالغبن والبرفسير قبل تعيينه كان يشعر بغبن شديد وكان يعتقد انه الاحق أكاديميا وقدرات عملية بمنصب المدير، لكن الجامعة وقتها كان بها اتجاهات إسلامية ويسارية وغيرها كانت تقف مانعا أمام وصوله الى المنصب. وماذا تستطيع أن تقول على البروفسير عبدالله الطيب سوى أنه شخص عظيم وبالرغم ان البعض كان يعتقد ان البروف رجل أكاديمي بحت وقد لا يصيب نجاحاً إدارياً لكن كان العكس حيث استطاع عمل أشياء كثيرة منها تبعية مستشفى سوبا لجامعة الخرطوم.. فلديه أعمال جليلة وهو رجل قوي والدليل عندما كان مديراً للجامعة وجرى تعيين شخص آخر رئيساً لمجلس إدارة الجامعة رفض بشدة وناضل نضالاً انتهى بإقالته من المنصب. -بعد طوافنا معك في ثنايا سيرتك الذاتية ومراحلك التعليمية نرغب في معرفة ما الذي لفت انتباهك لكرة القدم وجذبك إليها؟ أنا درست في أمدرمان الوسطى كما أسلفت وقضيت جانبا من حياتي في أمدرمان في المنطقة التي يسكنها آل شداد بالقرب من مسجد الشيخ قريب الله وأنا منذ أن بلغت سن العاشرة لم يشغل بالي غير لعب "الدافوري" وكنت أقضي معظم الوقت أثناء إقامتي مع عمي في لعب "الدافوري" بعد حضوري من المدرسة وأذكر أننا كنا نلعب الكرة "في السهلة بتاعت عمنا صالح جبريل" ومن ذلك الحين وإلى الآن ارتبطت ارتباطا عضويا وروحيا بالكرة وصرت شغوفا بها وتحولت إلى لعبة مشوقه جدا بالنسبة إلي. لكن الوضع اختلف قليلا عندما عدت إلى الدويم وذلك لوجود أمي وأبي في البيت الحركة "مابقت زي زمان ولم أستطع ممارسة هوايتي بشكل كثيف كما كنت في أمدرمان . لكن لم ألبث قليلا حتى تبدل الحال مرة أخرى عندما جئت إلى ود مدني التي شهدت عودتي لممارسة نشاطي بقوة، خاصة وأن مجتمع مدني مجتمع كما هو معروف يهتم جدا بالرياضة وبكرة القدم بشكل خاص . وفي مدني التحقت بنادي الأهلي "سيد الأتيام" ولعبت مع فريق الشباب وإن كنا في أغلب الأحيان نقوم بأداء تماريننا مع الفريق الأول وكان يضم حينئذ لاعبين متميزين . ثم جاءت جامعة الخرطوم والتي تعد إحدى المحطات المهمة في حياتي العلمية والعملية وأيضا في هوايتي المحببة "كرة القدم" وأثناء دراستي بالجامعة نمت علاقتي مع بعض لاعبي الهلال ما مهد لي المشاركة بجانبهم في تمارين الهلال . بعدها جاءني "ناس" أبو عنجة وطلبوا مني التسجيل معهم وكان لهم ما أرادوا حيث قمت بالتسجيل في فريقهم لكن كنت أعاني من "ضيق النفس" الذي كان يضطرني لاستعمال "بخاخ" أثناء اللعب وهذه المسألة بالذات تسببت في عدم استمرار مسيرتي كلاعب. -في أي خانة كنت تلعب؟ كنت ألعب أنسايد يمين (لاعب وسط أيمن) لكن الأزمة وضيق النفس أسهما في إصابتي ببطء في الحركة. هذا بشأن مسيرتي كلاعب أما انخراطي في سلك التدريب فبدأ عندما شاركت في كورس تدريب في الخرطوم نظم في عهد اتحاد (عبد الرحيم شداد) الذين ذهبوا إلى الاتحاد الإنجليزي وقاموا باستقدام مدرب اسمه "كرتس" ، والكورس شهد مشاركة لاعبين دوليين ومدربين كبار أغلبهم كانوا في ذلك الوقت يعملون في مجال التدريب أمثال منصور رمضان وياسر البنا وخليل أبو زيد وآخرين . لكن الدراسين لم يمنحوا شهادات عند نهاية الدورة ، لأن الاتحاد الإنجليزي طالب بتنظيم كورس آخر أو إضافي بالشهادة الإنجليزية وقاموا بفتح باب الترشيح وبلغ عدد الذين قدموا للالتحاق بالكورس (30) شخصا ونظم بالخرطوم وكان كورسا مفيدا لأن المدرب نفسه ، كان من اللاعبين المهرة جدا وأذكر جلسنا لا متحانات عملية ونظرية. وعندما جاء نظام عبود في 1958م أصدر قرارا بحل الاتحاد وعين شخصا اسمه "حافظ البارودي". و للأمانة "ناس عبود" لم يكونوا ماضين في خطة التنمية كما كان سلفهم "ناس عبدالرحيم شداد" فهؤلاء كانوا يسيرون في طريق تطوير التدريب والتحكيم والدليل استقدامهم لخبراء لتطوير المجالين "التدريب والتحكيم" , على العكس أولئك الذين أتى بهم "نظام عبود" لم يكونوا يولون اهتماما كبيرا لشؤون الكرة أو يحملون هم تطويرها وحتى "حافظ البارودي" نفسه لم يكن معروفا في الوسط الرياضي قبل أن يتولى رئاسة الاتحاد. المهم عندما قام الاتحاد الإنجليزي بتقييم النتيجة تمكن شخصان فقط من النجاح "شخصي وعثمان حسين الصبي و"10" كان عندهم ملحق. وفي ظل الظروف التي سردتها لكم آنفا قطعا لم يهتم أحد بفض المظاريف التي بعثها الاتحاد الإنجليزي "مافي زول جاب خبرو " في يوم من الأيام وأنا في الجامعة حضر إلي نجم المريخ الشهير "قرعم" وصافحني قبل أن يقول لي باتسامة عريضة: "مبروك يا كمال شداد انا قريت في مجلة الاتحاد الإنجليزي إنت والصبي نجحتو وبقيتو مدربين بالشهادة البريطانية". في اليوم التالي مباشرة ذهبت لدار الاتحاد ووجدت المظروف في سلة المهملات (مرمي في ركن) وصدق ما قاله (قرعم) كنت أنا والصبي من الناجحين وباقي الإخوان (شايلين ملحق) . بعدها اتنشر الخبر في الصحف وجاء أخوانا ناس أبو عنجة وقد كنت أتواجد مع ناس الهلال في الجامعة وبالتحديد الأمير "صديق منزول" و"الهادي صيام" وكان الكثير من لاعبي الهلال يأتون للتمرين معنا في الجامعة ويقومون بزيارة الطالبين (سليقة أخوان) وكانا من محبي صديق منزول كان أحدهم يقرأ في قانون والآخر في هندسة وكانا يسكنان في داخلية (النيل الأبيض) وكنت بطلع أتمرن معاهم في ملعب الخليفة وعبرهم تكونت علاقتي بلاعبي الهلال. وعندما جاء موضوع التدريب ألحوا عليّ ناس التحرير وكنت وقتها في السنة الأخيرة بالجامعة وكان فريقهم مهدد بالهبوط وأنا طالب في الجامعة دربت التحرير وكان وقتها في الدرجة الأولى و"ربك رب الخير" وفقني في المهمة وجاءت الدورة الثانية وحققت ما اعتبره البعض مستحيلا ونجحت في إبقاء التحرير بالدرجة الأولى. ومن الأشياء التي لا أنساها كان هناك مدرب للفريق وعندما أتيت لإلقاء المحاضرةلم أجد اللاعبين في غرفة المحاضرة رغم أن آثارهم كانت تؤكد أنهم في النادي ، وبعد البحث عنهم علمت أنهم مقفولين في (الحمام) ومولعين البخرات بتاعت "الفقرا". وفيما بعد كتبت مقالة في الأيام حيث كنت أعمل بالقسم الرياضي مع الراحل "عمر عبد التام" عن أثر ثاني أكسيد الكربون الذي يتم استنشاقه في مثل هذه الحالات. وبعد بقاء التحرير بالدرجة الأولى بعد أن كان مهددا بالهبوط منحت جائزة على هذا الإنجاز. ومن خلال عملي في القسم الرياضي بصحيفة الايام مع عمر عبدالتام كانت هناك كبون (مسابقة للجمهور) لأفضل لاعب ومن هو بطل الدوري، واقترحت على عمر إضافة سؤال ثالث من هو هداف الدوري . وعندما توليت مسؤولية التدريب في التحرير تحدثت لهم بصراحة وقلت بأننا لن نفوز ببطولة الدوري علينا العمل من أجل تحسين موقف الفريق مع التركيز على الفوز بلقب هداف الدوري على أقل تقدير، واتفقنا أن ترسل التمريرات والعكسيات كلها لكمال حسب الله حتى نضمن لقب هداف الدوري وقد كان لنا ذلك ليكون "كمال حسب الله " أول لاعب في السودان يفوز بلقب هداف الدوري المعلن عنها في الصحف وقد كان ذلك في عام 1960م. ـ قبل أن تصبح مدربا أو إداريا معروف عنك انتماؤك للهلال كيف بدأت علاقتك بهذا النادي؟. انتمائي للهلال شيء قديم طبعا وقبل أن أخوض في هذا الجانب تحضرني حكاية طريفة حدثت عندما دخلنا انتخابات الاتحاد العام و"صلاح إدريس" كان يعمل ضدنا وكان وقتها رئيسا لنادي الهلال جاءنا أخوة يطلقون على أنفسهم (أحرار الهلال) وكانوا محسوبين على عبدالمجيد منصور وشخصيات أخرى كانوا معارضين لصلاح إدريس جاؤوا إلينا في الاتحاد العام قرابة الـ (30) شخصا وجلسوا معانا وقالوا نحن جئنا لنؤكد أن الهلال مع كمال شداد. وأنت شخص ارتبط بالهلال وقلت لهم "ياجماعة انا متعود على كفيت الهلال" فتفاجأوا بحديثي وقالوا ماذا تقصد "بكفيت الهلال". رويت لهم قصة غريبة حدثت لي وأنا في مدرسة أمدرمان الوسطى وقعت مشكلة كبيرة في منافسات كرة القدم انتهت بانسحاب الهلال والموردة من الدوري المحلي في منتصف الأربعينات على ما اعتقد والقصة مشهورة والمريخ كان مساندا للاتحاد والهلال والموردة كانا ضد الاتحاد فكانت هناك مباراة في دارالرياضة بأمدرمان طرفها المريخ وقام الهلال بالتباري مع الموردة في ذات التوقيت في جامع الخليفة وكان عمري وقتها حوالي (11) سنوات وشهدت المباراة وعند نهايتها توجه جمهور كبير وأنا معهم صوب نادي الهلال بشارع العرضة بالقرب من مستشفى التيجاني الماحي على ما أذكر. وكان المنزل مبني بالطوب وداخله اصطفت كراسي كثيرة وشكل الناس حلقة كبيرة داخله وابتدأ الناس يتكلموا وكانت خطب حماسية جدا وكانت أمامهم (تربيزة) يضعون عليها تبرعاتهم.. وأذكر أنني اخترقت الجموع المحتشدة واتجهت نحو مكان التبرعات وكان في جيبي حوالي (7) أو (10) قروش قررت التبرع بها لكن عندما اقتربت انتهرني أحدهم وأبعدني وصفعني "أداني كفين" ولم يكتف بذلك بل قام بفتح يدي ليتأكد إن كنت أخذت شيئا من المال من فوق "التربيزة" أم لا. ووجد أنني أحمل مصروفي وأرغب في التبرع به. قلت لمجموعة (أحرار الهلال) "من ديك وأنا متعود على كفيت الهلال والليلة صلاح إدريس برضو جاي يكفتنا". بعدها انتقل نادي الهلال بالقرب من سينما "برمبل" وكنت أذهب برفقة محمود زروق وعبداللطيف زروق للعب تنس الطاولة والاثنين عملوا فيما بعد سكرتيرين لنادي الهلال ومنذ ذلك الوقت نمت علاقة وجدانية قوية بيني وبين الهلال. وكنت كثيرا ما أتمرن مع فريق الهلال وكان الهلال لديه حجرة بها أدراج للاعبين كان مسؤولا منها العم "سباعي" وكان مخصص لي درج مع لاعبي الهلال وكان في الفترة الأخيرة يردد بأن كمال شداد لاعب بالهلال وهذا غير صحيح وأنا لم أحز على هذا الشرف في حياتي. -هل توقعت أن تقوم بتدريب الهلال في يوما ما؟. في ذلك الوقت لم يدر بخلدي مطلقا أن أشرف على تدريب الهلال. وأذكر أنه كان هناك بعثة في انجلترا لتلقي كورس تدريبي متقدم وتزور أندية وتتعرف على أنظمة كرة القدم في إنجلترا وأنا ذهبت في تلك البعثة وكان من المفروض أن يكون معي مصطفى كرار لكن قامت"كتاحة" شديدة وخاف منها وتراجع عن ركوب الطائرة وبالرغم من أنه وصل إلى لندن بعد أسبوع لكنه أعيد مرة أخرى وبقيت في الكورس لوحدي. المهم في منتصف السبعينات حضر إليَّ وفد من فريق الهلال وآخر من فريق النيل في يوم واحد وطلبا مني الإشراف على تدريب أنديتهما. وقتها كان يوسف مرحوم يشرف على تدريب نادي النيل لكن وقعت بينهم مشكلة أما الهلال فقد كان يشرف على تدريبه سليمان فارس وحينها وقعت المشكلة الشهيرة لنجم الهلال عزالدين الدحيش, وتتمثل في أن الدحيش تدرب في الكمبوني ودار كلام في الجرايد أدى إلى وقيعة بين النادي والمدرب وهذه كانت المرة الأولى التي يأتي إلى الهلال طالباً مني الإشراف على تدريب فريقه وبالفعل قبلت الإشراف على تدريب النيل والهلال لكنني اشترط عليهم أنني سأقوم بالسعي حثيثا لإعادة يوسف مرحوم وسليمان فارس إلى موقعهما السابق في أقرب فرصة. لكن أراد الله أن يعود يوسف مرحوم بسرعة وفيما بقي سليمان مصرا على موقفه حتى موعد مباراتنا مع المريخ والتي انتهت لسوء الحظ بفوز المريخ, وترتب على الهزيمة خروج جماهير الهلال في تظاهرات وهي تهتف " اليوم حداد ياشداد ". وهذه كانت المرة الوحيدة التي فاز فيها المريخ على الهلال طوال فتراتي المتعددة التي أشرفت فيها على تدريبه. والمزعج في تلك الهزيمة أنها جاءت داخل استاد الهلال, وقتها أنا كنت قادما من خارج السودان ولم أتابع مجرياتها وكانت المباراة بين الفريقين أول مناسبة أشاهد فيها كمال عبد الوهاب وسانتو يلعبون وحقيقة "عملوا فينا البدع" كم كانت نتيجة المباراة؟ -ممازحة: اتغلبوا اربعة.. ليرد شداد ضاحكا.. لا لا لم نهزم بهذه النتيجة أظنها كانت 3/1 أو 2/1 المهم كانت هزيمة "شينة" لكن المباراة كان ليها ظروفها. • -من خلال متابعتك ممن اللاعبين السودانين لفتوا انتباهم وكنت تعتقد أنهم ممكن يحترفوا خارجيا ؟ كثيرون منهم أمين زكي وجكسا وصديق منزول و كمال عبد الوهاب و زكي صالح. -من هو أمهر لاعب سوداني؟ دون شك نصرالدين عباس جكسا كان لاعبا مختلفا وصاحب إمكانيات هائلة "وكورتو عجيبة مابيشبه كورة السودانيين". من حديثك فانك تفضل المتعة على التكتيك ومع ذلك نجد أنك أسهمت في استقدام مدربين أمثال "وزاريك" و"قسطنطين" وهم مدربون يفضلون اللعب التكتيكي أكثر من المهاري؟ تنهد قليلا قبل أن يقول وزاريك هذا مدرب قصه قائمة بذاته فوازاريك سبق له تدريب منتخب بلاده "بولندا" إبان سيطرة الشيوعيون على مقاليد الحكم فيها وأستطيع أن أقول أن وزاريك مدرب ذو خيال خصب وشاطر جدا.
-من حديثك أنت تفضل المتعة او"الفرجة " مع ذلك نجد انك اسهمت في استقدام مدربين امثال "وزاريك" و"قسطنطين" وهم مدربين يفضلون اللعب التكتيكي اكثر من المهاري ؟. = تنهد قليلا قبل ان يقول.. وزاريك هذا مدرب قصته قائمة بذاته فوازاريك سبق له تدريب منتخب بلاده "بولندا" ابان سيطرة الشيوعيون على مقاليد الحكم فيها واستطيع ان اقول ان وزاريك مدرب ذو خيال خصب وشاطر جدا. الرجل بدأ عهده بفرض سياسة انضباط شديدة للاعبين والمعسكرات الى ماقبل المباراة الفاصلة ضد المنتخب الزامبي وانا في طريقي لاستاد المريخ اتصل بي "وزاريك" ليبلغني ان لاعبي المريخ لم يحضروا المعسكر، وقال ان رأيه ان يتم ابعادهم نهائيا من المعسكر والمباراة لكن قلت في جمع من الحضور الذين تحلقوا حولنا بالقرب من استاد المريخ : يا"وزاريك" غدا الساعة الحادية عشر سنعقد اجتماع في مكتبي بالاتحاد العام، ونصدر قرار باعفاء لاعبي المريخ والتقط حديثي هذا "مصطفى توفيق" وكان لديه ود شديد مع المريخ وايضا "فقيري" سمع ذات الحديث. وقد تعجبون لو علمتم الحكاية التي منعت لاعبي المريخ من الانضمام لمعسكرالمنتخب الوطني، حيث ذهبوا جميعا لمشاركة احد لاعبي الفريق الاحتفال بنجاح شقيقه في امتحانات الشهادة السودانية!!! وعندما سمع "فقيري" و"مصطفى" حديثي حاولوا جاهدين احتواء الازمة وسارعوا بجمع لاعبي المعسكر وادخالهم المعسكر وبالفعل نجحوا في مسعاهم واحضروا اللاعبين الى المعسكر حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا. -ماذا حدث بعد ذلك؟...وكيف تم احتواء الازمة؟. = ظلت الضغوط على "وزاريك" في اعداد الفريق للمباراة الفاصلة، والرجل ظهرت بوادر التوتر الشديد عليه قبل الاجتماع الذي سنصدر فيه القرار اما بالنسبة لي فالامر سيان وكنت ممكن امرق لاعبي الهلال او لاعبي المريخ الموضوع عادي ومافارق ابدا معاي" وقد فعلتها من قبل عندما كنت مديرا فنيا للمنتخب الوطني وقمت بابعاد كل لاعبي المريخ قبل مباراة فاصلة مع المنتخب المصري الذي قمنا بادائها دون مشاركتهم وكسبنا المباراة وقبلها قامت الدنيا، ولم تقعد من اجل اللاعبين الذين ابعدتهم لكني رفضت بشكل قاطع . واذكر ان "وزاريك" بعد ان واجهته بتنفيذ قرار الابعاد رد قائلا "للمرة الاولى اشعر انني لست وزاريك" وبالامس قال لي البعض ان المنتخب لن يكتب له النجاح الا بلاعبي المريخ خاصة وان المباراة كانت مهمة للغاية. وطلب "وزاريك" التجاوز عن خطأ لاعبي المريخ وقبولهم في المعسكر واشراكهم في المباراة وكان له ما اراد. -كيف كانت المباراة بعد هذه الاحداث العاصفة؟. = يوم المباراة تناولت الغداء في المعسكر وتحدث "وزاريك" وشرح خطته وتوزيع المهام وقمت بمخاطبة اللاعبين وتجنبت الخوض في الجوانب الفنية وقلت للاعبين بالحرف "الماتش ده بقيمكم انتو، لانو "وزاريك" ده درب منتخب بلدو والسودان مابقيموا ونفس الشئ لمساعدنو الاتنين " طارق احمد ادم" و"جمال ابوعنجة". واذكر ان "وزاريك" طلب من الضو قدم الخير الانتباه للاعب بعينه في المنتخب الزامبي "لانو ده اللاعب البجيب القوون" وشدد على الضو ملازمة اللاعب الزامبي كظله وكتم انفاسه ولايسمح له على الاطلاق بالحركة او التهديف. ولعبنا المباراة وهزمنا واحد صفر وانا وصلت الى مباني الاتحاد عند منتصف النهار وفوجئت بوزاريك يبكي في "الترابيزة" وعندما رآني رفع وجهه الي وسألني بحرقة والم يادكتور لوكنت العب لمنتخب بلادي هل يمكن ان اغادر الملعب حتى لو كانت قدمي ستقطع؟ وواصل حديثه قائلا: فسر لي كيف فعلها لاعبكم هذا؟ "الضو" الذي اسندت اليه حراسة اللاعب الزامبي يسقط على الارض قبل دقيقة واحدة من نهاية المباراة طالبا التبديل وقبل ان يستوى على دكة البدلاء ينجح اللاعب الذي كان يقوم بحراسته في خطف هدف الفوز لمنتخب بلاده. لقد كانت صدمة قوية لـ"وزاريك". -ماذا حدث بعد هذه المباراة ..هل تبدلت بعض الاسس عند اوزاريك؟. = بعد هذه المباراة قرر "وزاريك" بناء فريق من الاساس ولتنفيذ هدفه طاف معظم ولايات السودان لمشاهدة اللاعبين اثناء مشاركتهم في مناطقهم. ونحج في تنفيذ خطته واستجلب لاعبين لهم "شنة ورنة" الآن.. لكن الاعلام لم يصبر عليه واخذوا في موالاة الهجوم عليه بانه لا يملك خطة واضحة لتأهيل المنتخب الذي احاله لحقل تجارب. لكن مرة اخرى اصطدم بالاتحاد بسبب مشكلة شهيرة طرفها احد لاعبي المنتخب قامت الشرطة باقتياده من داخل معسكر المنتخب الوطني بمدني . وايضا مدرب الهلال المصري "مصطفى يونس" الذي اعلن ممانعته انضمام لاعبيه بالمنتخب لكننا لم نكترث لحديثه وقمنا بضم لاعبي الهلال للمنتخب. وفي المساء ناقشنا قضية اللاعب الذي كان مخفورا لدى الشرطة في منازعة مالية وطلبنا من "وزاريك" ابعاده فرفض تماما وقال لنا ان هذا اللاعب يمكن ان يحترف في اوربا وفي الصباح فوجئنا ان "وزاريك" ذهب الى قسم الشرطة وافرج عن اللاعب بعد تسديد كل المبالغ المطلوبة منه. -يبدو ان وزاريك من غير ان يعلم الكثيرين كان صاحب مواقف جميلة مع المنتخب ..حد انه كان يبكي من اجل المنتخب كما حدثتنا سابقا ..هل رأيت دموع اوزاريك مرة اخرى؟. الحكاية "الشينة" التي دفعت "وزاريك" للبكاء مرة اخرى تمثلت في اللاعب الذي اخذ اذن من المعسكر بحجة المشاركة في حفل زفاف شقيقه لكن فوجئنا ان شرطة النظام العام القت القبض عليه مع فتاة وعلى الفور اصدرت قرارا بطرده من المعسكر لا لشئ الا لكذبه على القائمين على امره. وغضب "وزاريك" لدرجة البكاء. وفي نهاية المطاف لم يستطع الرجل تحمل هجوم الاعدام الدائم عليه لعدم فهم الاعلام لطريقته فحزم حقائبه ورحل، ولونظرنا نجد ان معظم نجوم الهلال والمريخ الحاليين صنعهم "وزاريك". - الجميع يتحدثون عن محاباة الاتحاد العام لفريقي الهلال والمريخ على حساب الاندية الاخرى وحتى على حساب المنتخب الوطني في بعض الاحيان والدليل مخالفة نصوص القانون في استجلاب حراس مرمى غير سودانيين ؟ = هذا ليس صحيحا في كل جوانبه ، فاذا جئنا للنظام الاساسي مثلا نجد به نص واضح يشير الى استقدام ثلاثة لاعبين اجانب شريطة الا يكون بينهم حارس مرمى. لكن المشكلة تكمن في ان الدولة تفعل كل مايطلبه الهلال او المريخ "اي شئ دايرنو" المريخ مثلا احس في وقت من الاوقات ان لديه مشكلة في حراسة المرمى "مشى اتشربك" في الفلسطيني "رمزي صالح" واستجلبوه للعب في ناديهم لكني رفضت عندما احضروا لاكمال تسجيله في مكاتب الاتحاد واوضحت لهم ان القانون لايسمح بهذا الامر. لكني فوجئت بهم "مشوا جابوا جواب من القصر الجمهوري بقرار من رئيس الجمهورية ان الفلسطينيين يعاملوا معاملة السودانيين". وحاولت طرح الامر على اجتماع مجلس ادارة الاتحاد العام لكن "مجدي شمس الدين" عارضني بشدة وخشي ان ندخل في ازمة مع رئاسة الجمهورية مشابهة لازمة التجنيس، وتلك المعركة كما تعلمون خضناها وعيننا على حماية المنتخب من تنامي اللاعبين المجنسين. المصيبة ان بعض اللاعبين "يجنسو" في بيوتهم قبل ما تطأ قدمه السودان ، والدولة راضية بهذا الامر فماذا ستفعل هل ستقوم بمحاربة الدولة. -هل تشعر ان التجنيس جرى استخدامه بطريقة سيئة؟ = التجنيس قطعا كان وبالا على المنتخب الوطني، فالاتحاد الدولي يشترط مرور خمس سنوات قبل مشاركة اللاعب المجنس مع منتخب البلد التي يحمل جنسيتها بالتجنس لكن المراقب لهذا الامر يجد ان التجنيس يفيد الاندية وليس المنتخب لان لا احد يضمن استمرار اللاعب بذات المستوى خلال خمس سنوات. -بالرغم من صدامك مع السلطة لكنك عضو في مجلس شورى المؤتمرالوطني؟ = وطيب "مالو ما في عضو اضينة وعضو ما اضينة" وهنالك عضو لديه رأى وآخر بلا رأي. -وانت تصنف نفسك مع اهل الرأي؟ = بالتأكيد في الحركة الرياضية انا ملتزم بمواثيق دولية ومافي حاجة اسمها سلطة الدولة. -خلال فتراتك الطويلة في العمل الرياضي هل تمكنت من حمايتها من تدخل السلطة ؟ = نعم وفي الكثير من الفترات. -حدثنا عن فلسفتك او رؤيتك بشأن موضوع الاشبال ومن ثم نتطرق لقضية "توتي" ؟ = نبدأ بالقضية الأخيرة "توتي" حسب التسلسل في النظام الاساسي القرار اتخذته اللجنة الادارية لاتحاد الخرطوم. وايدته لجنة الاستئنافات وبحسب النظام الاساسي قرار لجنة الاستئنافات العليا نهائي لا يجوز لأي أحد أو جهة التعقيب عليه ولا يمكن للمحاكم التدخل للنظر فيه. والقراركان هبوط "توتي " للدرجة الثانية وكل الصراع الذي امتد لسنوات مرده وهم بان "توتي" يمكن ان تلعب بالدرجة الاولى. وتلقوا العديد من الوعود السياسية والوزارية وغيرها خلال تلك السنوات لكن لم يحدث شيء وفي النهاية "توتي" لم تلعب في الدرجة الاولى بل لعبت في الدرجة الثانية وهذا الامركان يمكن يتم من سنوات. وانا منذ البداية نصحتهم بالحكمة وعدم الاندفاع او التعامل مع الامر بحماقة لأن قرار لجنة الاستئنافات لن تغيره اي جهة لكنهم لم يسمعوا حديثي وذهبوا الى الاتحاد الدولي "فيفا" ثم عادوا الى نفس النقطة وكل الوزراء بما فيهم وزيرالشباب والرياضة الحالي اعطاهم وعدا لكن لم يستطع فعل شئ. -هذا ماكان من أمر "توتي" ماذا عن قضية الاشبال؟. = في البداية لابد ان نشير الى ان طلعت فريد ادخل "الروابط" في الستينات اما الاشبال في الاندية فأدخلناها في جمعية عمومية للاتحاد انا وود الشيخ وكان نائب سكرتير عام. وكانت حجتنا ان رعاية مستقبل النشء مسؤولية الاندية. وبعد اكثر من (14) سنة اخضعنا المسألة للدراسة ووجدنا النتيجة سلبية، لان الاشبال خانات يخزنوا فيها لاعبين. ووجدنا ان الطريقة التي يلعب بها الاشبال هي ذاتها طريقة الكبار فهم لايتعلمون شيئا ويحملون نفس عيوب الكرة السودانية كاللعب البطيء على سبيل المثال. فهم لاعبون كبار في السن والاندية تستفيد منها في تخزين لاعبين، اما سر حماس الاندية فهو توزيع الدخل بالتساوي والاشبال تعطى معدات وفالاندية الفقيرة كانت تستفيد منها هذه الميزات لتسيير امورها. والبعض يقولون لك الاشبال اسهمت في وصول السودان لكأس العالم للناشئين. لكن هذا الزعم ليس صحيحا فاقل لاعب كان عمره (23) سنة وماكانوا من فرق الاشبال عدا "ابراهومة" و"خالد"، وكلهم من اندية اخرى. وايضا كم نسبة الاعبين الذين صعدوا الى انديتهم من فريق الاشبال، ليسوا كثيرين لانهم صعدوا كبار في السن ولانهم لم يأتوا بـ(ستايل ) لعب جديد. والاثر السلبي الآخر ان لاعبي الأندية في الدرجة الثالثة والثانية يفضلون اللعب في اشبال الهلال او المريخ على اللعب في اندية الدرجة الثانية او الثالثة. والحاجة "البطالة" شديد اكتشفنا ان الحالات التي قدمت لنا في قضايا "بيع وشراء مباريات" كان الناس اساسا في اشبال اندية وتحولوا الى سماسرة "فتح كورة". وقمنا باستحداث الدرجة الرابعة والخامسة بجانب هذا منحنا كل نادي خمس لاعبين في خانات سنية. وشيء آخر أقوله لكم نحن كان عندنا معسكر فيه سبعة وعشرون لاعبا وجدنا ان خمسة وعشرين منهم لم يأتوا من الاشبال إنما من الأندية.