هل كان سيد قطب نبيا؟
محمود عثمان رزق
13 October, 2011
13 October, 2011
morizig@hotmail.com
ربما كانت الإجابة بنعم لولا النص القرآنى الصريح الذى يحدثنا أن محمد بن عبد الله هو " .. رسول الله وخاتم النبيين". وأيضا حديث صاحب الرسالة نفسه صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه : " لا نبى بعدى" يقف مانعا ثانيا . ولقد يسأل سائل ويقول : لماذا لم يقل رسول الله )ص( : " لا رسول بعدى " بدلا من " لا نبى بعدى " ؟ ونقول : لقد قال ذلك لأنَ كل رسول نبى وليس كل نبى رسول، وهذا التلازم بين الرسالة والنبوة يفرض على من يدعى أنه صاحب رسالة أخرى بعد رسالة الرسول محمد بن عبد الله )ص( أن يقول أنَه نبى أيضا ، ومن يدعى النبوة بعد رسول الله )ص( يصدم بالآية أعلاه إصطداما مباشرا و يفضح أمره ودجله بنفسه ، ومن يقل : إنه رسول وليس نبى فسيشذ عن القاعدة التى جعلت النبوة أصل اصيل فى شخصية كل رسول.
وهكذا نعلم أن سيد قطب لم يكن نبيا ولا رسولا ولكنه من القوم الذين زادهم الله بسطة فى العلم والإيمان فأصبح يرى بفضل الله تعالى ما لا يراه من كان فى زمانه. فعندما انشغل العلماء وعامة الناس بالخطر الشيوعى فى زمانه توجه سيد قطب غربا ليهاجم الرأسمالية لأنها فى نظره الخطر الحقيقى الذى سيتربص بالمسلمين قرونا طويلة وكتب فى هذا الشأن كتابا أسما ه "معركتنا مع الرأسمالية" . أما الشيوعية فهى فى نظره " أتفه نظرية يأتى بها البشر" ولذلك لم يشغل باله بها و توقع لها الموت والإنهيار والإنسحاب من الساحة الإنسانية عاجلا أم آجلا وقد حدث ما تنبأ به.
والذى يقرأ كتب سيد قطب يتملكه الإحساس أن سيد يتكلم عن أحداث اليوم واللحظة وكأنَه مراسل لقناة الجزيرة يغطى الأحداث هنا وهناك ، وهى ملاحظات متفرقة فى كثير من كتبه ، وحتى لا نطيل على القارئ الكلام نتركه يتأمل بعض كلمات سيد قطب بنفسه ويحكم على الرجل بنفسه.
يقول فى الإهداء فى مقدمة كتابه العدالة الإجتماعية فى الإسلام :
" إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين ، فوجدتهم فى واقع الحياة قائمين..يجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، مؤمنين فى قرارة أنفسهم : أن العزة لله ولرسوله والمؤمنين.
إلى هؤلاء الفتية الذين كانوا فى خيالى أمنية وحلما ، فإذا هم حقيقة وواقع ، حقيقة أعظم من الخيال ، وواقع أكبر من الآمال.
إلى هؤلاء الفتية الذين إنبثقوا من ضمير الغيب كما تنبثق الحياة من ضمير العدم ، وكما ينبثق النور من خلال الظلمات.
إلى هؤلاء الفتية الذين يجاهدون باسم الله . فى سبيل الله . على بركة الله أهدى هذا الكتاب." مارس 1954
فهل يا ترى قد لمح سيد قطب بظهر الغيب شباب الربيع العربى؟؟؟ وهل يا ترى هذا الإهداء لهم خاصة؟؟
ويقول أيضا فى نفس الكتاب : " إنما الفقر والحاجة ثمرة التضخم والزيادة ، والفقراء فى كل وقت هم ضحايا الأغنياء المفحشين. والأغنياء المفحشون فى الغالب هم نتاج الأعطيات والإقطاعيات والمحاباة والظلم والإستغلال" )ص (177
وكأن الرجل فى هذه العبارة القصيرة يشرح لنا أزمة الغلاء والعطالة التى تضرب العالم أجمع فى هذه الأيام ونكتوى جميعا بنارها .
ويقول أيضا : " لقد إنقضت فترة الخمول والإضمحلال ، وأخذ المد الإسلامى فى الظهور فى كل مكان على الرغم من الضربات الساحقة التى توجه إلى طلائع البعث الإسلامى فى كل مكان. وهى مظاهر لا يمكن إغفالها ، )مظاهر( على الحيوية الكامنة فى الإسلام ، وعلى أن رصيده المدخر يكفى لاستئناف حياة إسلامية جديدة لا تقوم على مجرد التفاؤل ، بل على أسس عملية وواقعية كذلك ، )مظاهر( ظاهرة للعيان هى اليوم فى دور التجمع والإستعداد على الرغم مما يبدو أحيانا من عوامل المقاومة )الباطلة( والإنتكاس ، فما هى إلا فقاعات تنفقع ، أو سحابة صيف تنقشع." ) ص. (190-191
من أين يا ترى كان يراسلنا سيد قطب؟ من القاهرة أم من طرابلس أم دمشق أم من اليمن أم من تونس؟
ويقول أيضا : " إن "النهضة" أو إحياء الفنون والعلوم الأوربية باستمدادها الواسع من المصادر الإسلامية والعربية على الأخص، كانت تعزى فى الأكثر إلى الإتصال بين الشرق )المسلم ( والغرب. ولقد إستفادت أوروبا أكثر مما استفاد العالم الإسلامى ، ولكنها لم تعترف بهذا الجميل ، وذلك بأن تنقص من بغضها للإسلام ، بل كان الأمر على العكس ، فإن تلك البغضاء قد نمت مع تقدم الزمن ، ثم استحالت )إنقلبت( عادة ، ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعبى كلما ذكرت كلمة "مسلم" ولقد دخلت فى الأمثال السائرة عندهم حتى نزلت )تمكنت( فى قلب كل أوروبى رجلا كان أو إمرأة. وأعرب من هذا كله أنها ظلت حية بعد جميع أدوار التبدل الثقافى." ) ص. (187-188
أليست هذه هى الحقيقة ؟؟ ألم يصبح كره المسلم عادة فى الغرب اليوم؟؟
ويقول أيضا : " والخلاصة لهذا كله أن الضمير الأوروبى الحالى ليس على إستعداد لاستشعار روح الإسلام والإستعانة به فى حل مشكلاته الإنسانية. وإن يكن ذلك ليس مستحيلا بعد عدة إنقلابات )فكرية( وتطورات أخرى ، وبعد أن يبدأ العالم الإسلامى ذاته استئناف حياة إسلامية واضحة المعالم، مستقلة الأسس، يجد فيها الغرب "الواقعى التفكير " حقائق عملية قائمة تجذب حسه ، وتعدَل تفكيره."
وكأن الرجل يكتب من فرنسا أو هولندا بالتحديد !
هذه نماذج من بعض الكتابات التى كتبها الشهيد سيد قطب قبل نصف قرن من الزمان تقريبا يعالج بها قضايا ويصف بها أحداث نشاهدها بأم عيننا فى أيامنا هذه. وسوف نستمر فى هذا النهج فى مقال قادم لنرى تصور سيد قطب للدولة الإسلامية وهو تصور يتعارض مع النماذج الحاضرة كل التعارض ويتميز بأنه يميل كل الميل لصالح الجمهور والمحكومين.