لسان الحكومة وعقلها!!
عادل الباز
17 November, 2011
17 November, 2011
17/11/2011م
مرات عديدة يبدو لي أن الحكومة تطلق لسانها بلا عقل. تصريحات عبثية و متضاربة تطلق كأن هذه البلاد تديرها حكومات وليس حكومة واحدة وعقل واحد. يبدو أن مركز السيطرة أو مراكزها لم تعد تعمل كفريق واحد فالكل يتخذ من السياسيات ويطلق من التصريحات ما يناسبه. الغريب أن الحكومة لا تحس ولا تشعر بخطورة ما يجري تحت بصرها كل يوم، وأخشى أن تكون فقدت الإحساس بأهمية توحيد ما يصدر عنها من تصريحات. لسان مطلق بلا عقل خطر على الحكومة كما هو بذات الخطر على الشعب.
انظر للتصريحات الصادرة من دوائر مرتبطة بالحكومة. السيد محافظ بنك السوادان أعلن في الأسبوع الماضي أنه لا بد من زيادة أسعار البنزين بمعنى رفع الدعم عنه وهو الحل الدائم الذي ظل يدعو له صابر حتى غادر. وظل الخلاف قائما لسنوات بين الاقتصاديين والسياسيين حول رفع الدعم من عدمه السياسيون اختاروا طريق السلامة ورفضوا رفع الدعم ولا يزالون.
مرة أخرى عاد السيد رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان لإثارة الموضوع معلنا أن لجنته تساند رفع الدعم عن البنزين. اختارت الصحف أن (تلفح) التصريح من فم السيد رئيس اللجنة لتنسبة للبرلمان كأن هنالك قرارا قد صدر فعلا منه برفع الدعم. اضطر رئيس البرلمان أن يتبرأ من تصريح رئيس اللجنة، ولكن الغليان االذي جاش في صدور الناس منذ إعلان مساندة زيادة البنزين لن تجبره بسهولة تصريحات لاحقة وسيظل الجميع يعتقد أن الحكومة في أزمتها الاقتصادية تتربص بالشعب في ذات الوقت الذي تعلن فيه عن تقشفها وإعادة هيكلتها، ولكن الشعب حتى اللحظة لم ير تقشفا ولا هيكلة ولا يحزنون!!.
بالأمس قال السيد رئيس اتحاد العمال السيد إبراهيم غندور ـ وهو من حكماء الإنقاذ ـ إن أي زياده في أسعار البنزين ستكون آثارها كارثية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. السيد غندور ليس رئيس اتحاد عمال فحسب بل هو سياسي يعبر عن سياسات الحزب الحاكم وهو بذا يرى أن ما يجري من اتجاهات بين الاقتصاديين الذين لا يعرفون الكلفة السياسية لقراراتهم لأنهم يشتغلون بالحساب البارد والمعادلات الاقتصادية الهامدة. إذا كان إبرهيم غندور يعبر عن الحزب وهو الحزب الحاكم ويحذر من خطورة خطوة كتلك فكيف يعمل البرلمان أو بالأصح رئيس لجنة الطاقة بمعزل عن توجهات الحزب وسياساته؟. هل يعمل البرلمان في وادٍ والحزب في وادٍ واقتصاديو الحكومة بوادٍ آخر؟.هل تعددت؟، لا بل هل تشظت مراكز القرار لهذا الحد!!. ما هي سياسية الحزب الحاكم المسيطر على الحكومة والبرلمان تجاه زيادة الأسعار من السكر للبنزبن لغيرها؟. أم أن الحزب لا يتدخل في سياسات الحكومة فيتركها تعمل على هواها دون النظر لسياسياته؟. وبذا يطرح سؤالا: كيف يمكننا أن نسميه حزبا حاكما إذا كان لا يحكم حكومته؟!! كيف يعد حزب الناس بتخفيف أعباء المعيشة في برنامجه ويأتي بحكومة تزيدهم رهقا!!. قد يقول الحزب إنه ليس في سياسته زيادة أسعار البنزين. في هذه الحالة يكون الحزب الحاكم عيار و طلق!! فكيف يجوز لرئيس لجنة بالبرلمان أن يوتر البلد بإطلاق تصريحات لا تعبر عن سياسيات الحزب الذي ينتمي إليه؟. هل تحتمل الساحة السياسية مزيدا من الإرباك ومزيدا من التوتر. في ذات أسبوع هذه التصريحات الكارثية ترتفع أسعار السكر ويختفي، وفي ذات الأسبوع يرتفع سعر الدولار ولا يعرف له أحد سقفا حتى الآن ويتشرد مئات من العمال بفعل جشع أصحاب المصانع
وتدان الحكومة في مجلس الأمن وتسرب الجنائية اتهامات لوزير الدفاع تهدده بالتوقيف. في هذا الجو تأتي تصريحات البنزين لتدلقه في بيئة متوتره ومشتعلة أصلا.
خطورة هذه الأفعال والأقوال أنها تشي بتفكك مراكز القرار وتشرذمها وابتعادها عن بعض فهي الآن بلا تنسيق ولا ضابط. في الحزب تطلق عشرات التصريحات الكارثية دون معرفة حتى بما يجري في دوائر الحزب أو الدولة. في الحكومة تتضارب تصريحات المسئولين السياسيين والاقتصاديين
في البرلمان يرفض رئيسه تصريحات رئيس إحدى أهم لجانه، والحزب يرفض تصريحات البرلمان والاقتصاديين معا. هل يحكم حزب واحد أم عدة أحزاب؟، هل يشرع لنا برلمان واحد أم عدة برلمانات؟، هل تحكمنا حكومة واحدة أم عدة حكومات!!!.