المعتمد البرير: وهل يُغني الحذر؟
كيف لا
المخالفون لسياسة د. عبد الملك البرير يطلقون عليه المعتمد البرجوازي، بل عابوا على والي ولاية الخرطوم السيد عبد الرحمن الخضر أنه عيّن معتمداً لمحلية الخرطوم وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب .وهذا تقييم مجافٍ للموضوعية وفيه تخليط مريع لا يفصل بين مؤهلات المعتمد وبين تاريخه الأسري . فما يهمّ هو أنه كيف سيتعامل المعتمد مع المحلية التي آلت إليه وهي تغوص في وحلها ، وما هي آليته لحل فوضى الخرطوم المتجذرة. غير أن هذا لا يعفي المعتمد من أن ملامح سياسته في بداياتها نحو (إعادة صياغة الخرطوم) ، هي سياسة تعميمية في أحكامها .
بدأ المعتمد عمله في منصبه الجديد بالتذمر من مظاهر الأسواق والشوارع ، وشكا - وهو المسئول - من أشكال الأكشاك وافتراش البائعين الأرض ، والأكل في الأسواق والشوارع. وعندما أتى على أحد المظاهر الحساسة لم يكتفِ بالشكوى وإنما أرفقها بالتحذير. فقد حذّر سيادته من ظاهرة نشّالات أنيقات يمارسن (الأوتوستوب).والظاهرة ليست غريبة كما يظن المعتمد بل هي نتيجة حتمية كواحدة من أمراض الفقر والحاجة . أما جرأة الفتيات وشراستهن فهي كذلك نتيجة طبيعية لحماية الأخلاق بسيف السلطة عوضاً عن ثقافة العيب وما تنص عليه الأعراف المجتمعية.
خلفية معتمد الخرطوم القانونية والتي طغت على أحاديثه في معظم المقابلات الصحفية معه ، جعلته يختصر مشكلة العاصمة في الإنفلات في القوانين واللوائح .فمن غير محكمة ، حكم سعادة المستشار القانوني السابق على المواطن السوداني بتهمة الإنفلات في القوانين.فعندما سألته محررة صحيفة الرائد سؤالاً تقريرياً : " ألا تتفق معي أن الغالبية العظمى من السودانيين يجهلون القانون؟" ، عاجلها بإجابة كلها ثقة ولا تتنزل من عليائها :" بل يخترقون القانون". وطفق خلال زمن المقابلة يقارن بين الخرطوم وعواصم الدول المتقدمة التي قال أن سلوك الناس فيها مربوط بمستقبلهم مع مؤسسات الدولة والمواطنون هناك يحترمون الدستور. الواقع أن المؤسسات التي تتحدث عنها في بلدنا ، هي في وادي والمواطنين في وادٍ آخر. ماذا يفعل المحروم من الغذاء والعلاج والكساء، ماذا يفعل العاطلون عن العمل ، هذا إن لم يفترشوا أرض الأسواق المكشوفة ، بينما لا تجود عليهم المعتمدية بتراخيص تنظم عملهم إلا بالقدر الذي تضمن به ريعها في المقام الأول.
القوانين التي يتحدث عنها المعتمد تدخل البيوت المستور حالها في شكل جبايات : على المياه المقطوعة والكهرباء الممنوعة والنفايات المكوّمة.هذا غير جبايات الأسواق والكشات على البائعين المتجولين بدلاً عن تنظيم مهنتهم والاستفادة من فائض عمالة يهرب من يأس إلى يأس. فقد ورد على لسانه في المقابلة المذكورة : "ونرتب الآن إلى أنه من لا يريد أن يحترم صحة الناس فلا بد من ردعه بالقانون وأن الناس يجب أن يتعاملوا حسب اللوائح والنظم ونشجع هذا بالحملات وهذا أسوأ نوع يمكن أن ننظم به المجتمع".
إذن الحاجة الماسة للعمل المجتمعي أكبر من الحاجة إلى تطبيق القانون وسط من يخترقونه إضطراراً. لأن ميزة العمل الذي يبدأ من المجتمع ، يضع اللوائح والقوانين جانباً وينظر في الأعراف التي يحترمها ويقدرها المجتمع السوداني . وبالدراسة سنرى معاً لماذا هذه الخروقات في هذا الوقت بالذات . لا بد أن هناك ثمة خلل فادح ينهش جسد المجتمع ، وهو بالفعل نتاج لسياسات اقتصادية فاشلة . ما الذي يجعل المواطن المسئول عن الأسرة: الأب أوالخال أوالعم أوالأخ يتعامى أو يغض الطرف عن ممارسات داخل أسرته إلى أن تتطور إلى جريمة جنائية لا ينفع معها الستر والتغطية . يمر في الطريق فلا يلفت نظره ممارسة ما بينما تجذب رائحتها من على البعد كل طاقم جماعة شرطة المجتمع . وهل هذا أمرٌ سويٌّ في مجتمعنا أن تحرس الدولة أخلاق مواطنيها بشرطتها ، ويحرس المعتمد قصور خدماته بسيف القانون ؟
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]