في البضاعة الكاسدة ..!
منى أبو زيد
11 January, 2012
11 January, 2012
رجل شرطة إسرائيلي كان يقف كل يوم على حاجز أقامه الجيش الإسرائيلي في شوارع القدس لتفتيش الفلسطينيين، وبعد تفحص أوراق العابرين، كان ذلك الشرطي يصوب نحو الواحد منهم مدفعه الرشاش ثم يلقي إليه بفوطة، ويأمره بتلميع حذائه، وكانوا يفعلون ..!
إلى أن جاء يوم مر على ذلك الحاجز شاب فلسطيني رفض أن ينجني لتلميع الحذاء وحينما هدده الجندي بالقتل صاح في وجهه "اقتلني مائة مرة، لكنني لن ألمع حذائك"، فما كان من الجندي إلا أن تراجع فوراً عن طلبه، وتظاهر بأنه يتلقى مكالمة على هاتفه المحمول، ثم أشار للشاب أن يعبر الحاجز ..!
إذا حاولنا أن "نؤنسن" الفكرة، بعيداً عن جنسية الشرطي أو الشاب العابر، سنخلص إلى قاعدة ذهبية مفادها أن العابرين من حاجز الكرامة هم الذين يحددون سلوك المعتدين بخضوعهم أو رفضهم لشيوع طبائع الاستبداد فيهم ..!
أقوى أسباب اندلاع الثورة المصرية هو طغيان منسوبي جهاز الأمن واستبداد منسوبي أجهزة الشرطة من العساكر والأمناء والمخبرين، وتراكم معدلات الإذعان في مواقف المواطنين، ولو تأملت في سير المتجاوزين في تلك الأجهزة ستجد أن العلاقة بين حجم الرتبة ومقدار العنف عكسية ..!
عندما نشرت – قبل فترة - مقالين صريحين عن صور الظلم والتجاوزات التي يضعها القانون صراحة في خانة الجرائم، ورغم ذلك يتعرض لها المحكومون في بعض السجون السودانية، قال لي مسئول رفيع في الشرطة السودانية – قال بالضبط !- إنه يقر بوجود تلك الحوادث والتجاوزات لكنها تصدر عادة من العساكر وليس الضباط ..!
وعندما تمت مضاعفة جبايات المرور، اتفقنا مع السيد مدير شرطة المرور على استضافته في حلقة تلفزيونية تتناول تلك الزيادات وتناقش علاقة شرطة المرور بالسائقين، لكنه غاب عن الحلقة التي كانت على الهواء مباشرة، ثم خرج يجيب على أسئلتها في نشرة الأخبار الرئيسية ..!
وغيابه – في تقديري – كان لأنه لا يملك معظم الإجابات المرضية على كل الأسئلة الغاضبة عن تداعيات وإشكالات السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة لشرطي المرور في الطريق العام ..!
أما جهاز الأمن فعلاقته بالإعلام بقيت محصورة في تنفيذ مشيئته وتحقيق إرادته، بين منع النشر ومحاكمة الصحفي أو اعتقاله إذا لزم الأمر .. وعلاقة منسوبيه بالمواطن السوداني ظلت محفوفة بأخطار الوقوف على حاجز الحرية، والخوف من إراقة الدماء أو إراقة الكرامة ..!
ذات الصحف التي حملت إلينا حديث السيد نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية عن كساد بضاعة الحالمين بزوال الإنقاذ، حملت أيضاً أخبار ومتابعات لمحاكمات في جرائم نظاميين ورجال شرطة ارتكبت بحق مواطنين في عهد الإنقاذ والإذعان .. !
ارتفاع معدلات هذا النوع من الجرائم هو الذي عجل باندلاع الثورات العربية التي أكدت - من جديد - على أن شيوع الاستبداد وتفاقم الإذعان هو الوجه الآخر للتمرد والثورة..!
munaabuzaid2@gmail.com