قراءة في تصريحات الرئيس سلفاكير
عادل الباز
8 February, 2012
8 February, 2012
8/2/2012م
يمكننا أن نتفهم اللهجة الغاضبة والحادة التي تحدث بها الرئيس سلفاكير في تصريحاته المنشورة أمس بصحيفة الشرق الأوسط. فاللقاء كان مع جنود الجيش الشعبي، وفي مثل تلك المخاطبات غالبا ما تطغى العواطف وينفلت الكلام ويصدر عن الرؤوساء ما لا يجب أن يقال. ولذا فإن كثيرا مما جاء في الخطاب يجب أن يقرأ في ظرف الزمان الذي قيل فيه حتى لا يحمل ما لا يحتمل. هناك ثلاث إشارات التقطها يجدر بنا أن نتوقف عندها في خطاب سلفاكير:
الأولى تتعلق بسرقة النفط وهي التهمة التي طالما كررها الجنوبيون حتى قبل الانفصال، وظلت هذه التهمة معلقة في رقاب الحكومة ومن ورائها الشعب السوداني دون أن تثبت. كان الاتهام ينحصر في حساب النفط المباع، إلا أن السيد سلفا أضاف جديدا حين قال (بعد أن قررنا إغلاق آبار البترول اكتشفنا عددا من الآبار كانت غير مسجلة في السجلات التي معنا). بمعنى أن الحكومة كانت تغش في عدد الآبار التي تنتج النفط!!. وهي تهمة خطيرة حال ثبوتها، إذ إنها لا تقدح في ذمة الحكومة فقط بل أيضا في ذمة الشركات المنتجة للنفط وهو ما سيؤدي إلى انهيار سمعتها في السوق العالمية إذا ما ثبتت التهمة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف استطاعت الحكومة تصدير هذا النفط من الآبار المسروقة؟. إنتاج الآبار يحسب منذ خروج النفط من البئر ثم يحسب عند محطات التكرير ويحسب بالبرميل وهو يشحن في البواخر، فكيف سيهرب نفط آبار بحالها ولا يكتشف عبر كل تلك المراحل، ثم إلى أين يصدر وعبر أية موانئ!!. تبدو هنا استحالة في تصديق سرقة إنتاج آبار النفط!!. كيف يا ترى أن وزير النفط الجنوبي لم يكتشف هذا النفط المسروق وهو الذي زار كل الآبار ويعرف ما يضخ من إنتاج عبر الخط الناقل وماهو مشحون بالبواخر؟، إلا أن يكون السيد لوال دينق قد أصبح هو الآخر مؤتمرا وطنيا. على أية حال أفضل ما قاله سلفا (إن الجنوب سيتجه لمقاضاة حكومة السودان والشركات التي تآمرت على الجنوب في المحاكم الدولية المختصة لاستعادة أموال جنوب السودان التي تم نهبها). هذا خيار جيد وحضاري برافو سلفا!!.
الإشارة الثانية..... قال سلفاكير (حديث البشير الأخير يعني أنه أعلن الحرب على الجنوب وعليكم أن تأخدوا حديثه هذا بجدية وما تنوموا). لا أعرف أي حديث أخير للبشير يمثل إعلانا للحرب. آخر أحاديث الرئيس البشير كان عبر برنامج الأستاذ الطاهر حسن التوم، نص وإفادات الرئيس في ذاك البرنامج لا يمكن أن يقال عنها إنها إعلان للحرب بأية حال، هذه هي الأسئلة وأجوبة السيد الرئيس عليها
الرئيس: الجو الآن متوتر وأقرب إلى جو الحرب.
* هل خيار الحرب وارد؟
- نعم.
الانفصال كان لجلب السلام، والآن نواجه واقع الانفصال وخطر الحرب؟
- كل ما قمنا به من أجل السلام.
هل أنت مع من يدعون لمراجعة منهج التعامل مع الحركة؟
- لن نغير من منهجنا في البحث عن السلام عبر التفاوض ولن نلجأ للحرب إلا إذا فرضت علينا مثل ما حدث في أبيي والنيل الأزرق.
يا ترى كيف فهم من حديث الرئيس أعلاه أنه إعلان للحرب؟. فكون أن الحرب واردة فهو احتمال يقول به كل العالم قبل الانفصال وبعده ولا يمكن استبعاده نهائيا. ولكن واقع الحال يقول ليس هناك الآن مبرر قوي لإشعال أية حرب، وليس للطرفين مصلحة ولا قدرة على الحرب الآن. ولذا فإن خيارات الرئيس البشير والسيد سلفا في تسعير حرب جديدة يظل مجرد تلويح وليس هناك إرادة قوية باتجاه الحرب. بالطبع يمكن أن تشتعل الحرب الكلامية ولكن السقوط في أتون الحرب بإمكانه إسقاط كلا النظامين. السيد مشار لا يزال يتمتع بعقل راجح إذ إن تصريحاته عقلانية وتسوق الناس لأفق أعلى من التعاون والتفاهم المشترك ولا داعٍ لتصعيد خطاب الحرب.
الإشارة الثالثة وهي أفضل ما قاله السيد سلفاكير في خطابه لجنود الحركة الشعبية (شوف يا جيش شعبي كلامي دا تسمعوا كويس أنا ما داير أسمع إنو في واحد منكم عمل مشكلة مع التجار الشماليين الموجودين في جوبا أو الناس الذين يأتون في زيارات لجوبا ولا أي شمالي أتى إلينا هربا من الحرب في منطقته). حسنا فعل سلفا بإطلاق هذه التصريحات والتحذيرات للجيش الشعبي، وهو فعل مسئول يليق برجل دولة. فلا يصح أن يدفع التجار الشماليون أو غيرهم فواتير الخلافات السياسية بين البلدين، وأتمنى أن ينهج الشمال ذات النهج، فلا يتعرض الجنوبيين بعد أبريل القادم لأية مضايقات من السلطات أو غيرها.
أدهشتني هذه الفقرة من الخطاب (إذا هم قرروا الحرب سيجدونا أمامهم في جودة- على الحدود مع النيل الأبيض- وهم حاولوا ذلك من قبل لكنهم فشلوا , وهو لا يستطيع أن يأتي لنا عن طريق الحدود مع النيل الأزرق ولا جبال النوبة). هل يعني اندلاع الحرب في المنطقتين النيل الأزرق وجبال النوبة كانت لحماية الجنوب؟. إذن هاهو الجنوب الجديد يشكل ستارا حديدا لحماية الجنوب القديم. أتمنى ألا يقرر أحد ارتكاب خطيئة الحرب فطول الحدود ألفا كيلو متر ولن تكون جودة وحدها وسط المحرقة!!.
عادل الباز