عفواً معالي الرئيس!!: مَنْ المسؤول عن تسييس الخدمة المدنية؟

 


 

 



نقلت وكالة السودان للأنباء (سونا) والصحف الصادرة في الخرطوم في 7 فبراير 2012م طرفاً من وقائع لقاء المشير عمر حسن البشير، رئيس الجمهورية، مع قيادات الخدمة المدنية في يوم 6 فبراير 2012م، حيث أعلن معاليه "تحرير الخدمة المدنية من سياسة التمكين؛ ليصبح التمكين لكافة شرائح الشعب السوداني دون محسوبية ... وأن وكيل الوزارة هو المسؤول التنفيذي الأول في الدولة عن الأداء"، وذلك انطلاقاً من قوله: إنَّ سياسات "التطهير واجب وطني، والتمكين" قد أفقدت الخدمة المدنية رشدها واستقامتها. حقاً إنه إعلان يثير استغراب المواطن السوداني العادي، قبل أن يثير استغراب أولئك الذين خاطبهم الرئيس، والذين جاء معظمهم من بوابة التمكين، التي كان يقف، أو لا يزال يقف، عند مدخلها أعوان الرئيس أنفسهم؛ لمدة تفوق العقدين من الزمان، وهم يدركون، أو لا يدركون، أن تسييس الخدمة المدنية من الآفات التي أفسدت مؤسسات القطاع العام في السودان. إذاً مَنْ المسؤول عن تسييس الخدمة المدنية يا معالي الرئيس؟ وعلى عاتق مَنْ يقع عبء الإصلاح؟ وهل يمكن إصلاح ما أفسدته سنوات التمكين الطوال بمجرد إعلان  في وسط قيادات الخدمة المدنية الذين أضحوا يمثلون جزءاً من الفساد والإفساد نفسه؟ القضية يا معالي الرئيس أكبر من إعلان، تناولته الصحف السيارة في الخرطوم باستحياء دون تعليق بأن القضية أكبر من ذلك، بل تحتاج إلى دراسة جادة، ورؤية استراتيجية ثاقبة تؤسس عليهما مفردات الحل أو الإصلاح.
بعد الفراغ من إعداد هذه التوطئة وقع نظري على مقالٍ نشره الأستاذ الشاعر محمد المكي إبراهيم في صحيفة سودانايل، بتاريخ 8 فبراير 2012م، وتحت عنوان "انتهاء سياسات التطهير والتمكين (1/2)"، ومن ثم آثرتُ التروي والانتظار إلى أن يتم نشر الحلقة الثانية منه؛ لأنني توقعت أن يكون تناول الأستاذ ود المكي تناولاً موضوعياً، ومتشعب الجوانب، علماً بأن صاحبه يستند إلى معارف متنوعة، تتمثل في معايشته الطويلة لتاريخ الخدمة المدنية في السودان، ومشاركته اللصيقة في بعض مؤسساتها، وملاحظاته الثاقبة عن أداء الخدمة المدنية في ظل التداول الديمقراطي والاقتناص السلطوي في السودان. ويبدو أن حدسي قد صدق في هذا الشأن بعد قراءة افتتاحية  الأستاذ ود المكي التي جاءت ناقدةً لرموز النظام، وسياسة التمكين أو التطهير التي ابتدعوها، والتي: "خربت بيوت الناس، وشردتهم في الآفاق، كما أضعفت الخدمة المدنية، أو بالأحرى قضت عليها، قضاءً مبرماً؛ إذ جاء عديمو الخبرة، والموهبة؛ ليجلسوا على مقاعد الخبراء، والموهوبين من فطاحلة الخدمة المدنية، والعسكرية؛  فتخبطوا يميناً ويساراً، وبدأ عجزهم، وفشلهم، وفسولة رأيهم؛ لكل ذي عينين بما في ذلك عيون ذويهم وأرباب نعمتهم". وبعد هذا الاستهلال كال الأستاذ ود المكي اللوم لأعوان الرئيس ونصحاء السلطان، الذين وصفهم بالفساد والإفساد، ثم خلص إلى أن إعلان معالي الرئيس قد جاء متأخراً، أي بعد أن أكل الذئب الغنم القاصية، وربط واقع ذلك التأخير بالمثل السكسوني القائل إنَّ: "الشيء الذي يتأخر عن أوانه، حين يأتي يكون مقداره أقل من المتوقع، فلا يشفي غليلاً لأحدٍ"، لذلك وصف الإعلان بأنه "مجرد إعلان، لا تتبعه خطوات تنفيذية من أي نوع"؛ لأن بوادر التنفيذ من وجهة نظره يجب أن تشتمل "على الطرد الإجمالي للمتسلقين، أو التعويض الأدبي للمشردين والمبعدين من مناصبهم ووظائفهم."
لعلَّنا نتعاطف مع ما ذهب إليه الأستاذ ود المكي، الذي أحسبه كان في حالة رد فعل وحرقة عارمة لصدور الإعلان المتأخر عن أوانه، أو بالأحرى الاعتراف المتأخر بفداحة الخطأ؛ لكن يبقي السؤال المحوري قائماً من أين يبدأ الإصلاح؟ هل بإيداع المهمة لوكيل الوزارة المسيس نفسه، والذي جاء على أنغام التمكين؟ أما قضية الإصلاح تحتاج إلى دراسة شاملة من ذوي الخبرة والاختصاص الذين قلَّ عددهم وضعف صوتهم في مؤسسات الخدمة المدنية التي طال معظمها سلاح التطهير والتمكين؟ هل الإشكالية تكمن في إصلاح الخدمة المدنية بمفردها؟ أم أنَّ قضية الإصلاح أضحت ترتبط بثوابت المجتمع السوداني: الدولة والمجتمع؟ من وجهة نظرنا أن التحدي أكبر من شعار أن تكون سياسة التمكين في الخدمة المدنية لكل "شرائح الشعب السوداني دون محسوبية"، علماً بأن الخدمة المدنية في البلدان التي تحترم سيادة القانون، تمثل قلب الحياة الديوانية النابض، الذي يستمد نبضه من الكفاءة المهنية، والرجل المناسب في المكان المناسب، والشفافية في اتخاذ القرارات الإدارية، التي طعن الأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين في شرعيتها، عندما تناول فساد شركة الأقطان، واصفاً بعض رموزها بالجرأة في الفساد الفاحش، لدرجة تجعلهم "يأكلون ناقة الله وسقياها".
يبدو أن آفة بعض الساسة السودانيين، إن لم يكن معظمهم، أنهم لا يقرؤون، وإن قرؤوا لا يفقهون، وإن فقهوا لا يطبقون؛ لأن هناك العديد من التقارير الإدارية الخاصة بإصلاح الخدمة المدنية في السودان، وأكثرها رسوخاً، حسب مبلغ علمي، هو تقرير إصلاح الخدمة المدنية الذي أعدته نخبة من الإداريين السودانيين وأساتذة الجامعات في العام 1967م؛ إلا أن الشيء المؤسف أن الحكومة الديمقراطي (1965-1969م) قد وضعته جانباً؛ لأنها كانت مشغولة بصراع السلطة وتوزيع المناصب الوزارية لأهل الحظوة والجاه، وأن حكومة مايو (1969-1985م) عملت بعكس ما جاء فيه تماماً؛ فلجأت إلى سياسة التطهير للصالح العام، وبذلك أفرغت الخدمة المدنية العامة من محتواها المهني، وقيمها الديوانية الموروثة، وكسبها الإداري المتراكم.
والشاهد على ضمور كسب أهل السياسة المعرفي المقالات التي نشرها الدكتور جعفر محمد علي بخيت مسلسلة في مجلة الخرطوم عام 1968م، مشيراً فيها صراحة إلى الجزئية التي وردت في خطاب معالي رئيس الجمهورية بشأن دور وكيل الوزارة في ظل الحكم الراشد، ومحللاً طبيعة الأداء الوظيفي لجهاز الدولة التنفيذي الذي يقوم على ثنائية الوظائف الوزارية والمهن الإدارية، ثم مقترحاً أن تكون المسافة التي تفصل بين مكتب الوزير في الوزارة ومكتب الوكيل، الذي يتسنم قمة الهرم الإداري، مسافة واسعة، ومُقنِّنة لطبيعة العلاقة التي تجمع بين طرفيها، تقنيناً يحصر عطاء شاغلي المناصب الوزارية في رسم السياسات العامة، ووضع الخطط الاستراتيجية، مع الاستئناس بآراء مستشاريهم من ذوي الخبرة المهنية والكفاية الإدارية، دون أن يكون لهم حولٌ أو طولٌ في الإجراءات التنفيذية الروتينية التي تعدُّ من صميم عمل الجهاز الإداري، وحجته في ذلك أن شاغلي المناصب الوزارية يفسدون العمل التنفيذي، إذا ترك لهم الحبل على الغارب؛ لأنهم أصحاب نزعات ونزوات قطاعية منفعلة أبداً بالضغوط الفئوية السياسية والمصالح الخاصة، وذلك بخلاف الإداريين من ذوي الولاء العام، المتسامي فوق الارتباطات القطاعية والانحيازات الضيقة، وذلك وفق أدبيات العقلية الديوانية، التي تُعدُّ أقل انفعالاً بالضغوط اليومية النابعة من الحوادث الفردية العارضة، وأكثر صرامة مع الوقائع الطارئة التي تبرر تغيير القوانين، وقلب الأوضاع الإدارية رأساً على عقب لخدمة مصالح آنية متعارضة مع الصالح العام.
إذاً كيف يتم الإصلاح والتحديث والتغيير، في الحقيقة ليست لنا إجابة واضحة عن هذا السؤال في حيز هذا المقال، ولكن دعونا نسترشد بتجربة رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، الدكتور محاضير محمد (1981-2003م)، الذي وثق لها في موسوعة علمية ضخمة، قوامها عشرة مجلدات، وبهذا التوثيق العلمي ماز الدكتور محاضير نفسه عن معظم قيادات دول العالم الثالث، التي تؤمن بـ "سياسة أو دبلوماسية الغرف المغلقة"، كما يسميها الدكتور التجاني عبد القادر؛ ولأن هذه القيادات تعتبر تحاورها مع الآخر بشأن الشأن الوطني ملكاً خالصاً لها ولبطانتها القطاعية، دون أن يكون في المقام الأول ملكاً مشاعاً للمحكومين وأصحاب الحق الأصل من المواطنين، أو على أدنى تقدير أن يكون موثقاً ليُحفظ للأجيال اللاحقة، التي ربما تستأنس به وتسترشد في وضع خطاها المستقبلية في طريق الحياة المحفوف بالمصاعب والتحديات. وعند هذا المنعطف دعوني استشهد بالحوار الذي أجراه الأخ الصديق الدكتور محسن محمد صالح، الأمين العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ببيروت، في شهر أغسطس 2006م، مع الدكتور محاضير محمد، والذي كانت محاوره تدور حول كيفية استفادة الدول العربية من التجربة الماليزية. وفي سؤال عن سر نجاح التجربة الماليزية، أجاب الدكتور محاضير قائلاً:

"في ماليزيا لدينا اختلافات دينية، وعرقية، وثقافية، ولغوية، ولدينا تباينات اقتصادية، ولكننا اعتبرنا أن أهم شيء للتطور هو تحقيق الاستقرار الذي يقوم على التسامح فيما بيننا ... ثم قررنا أن نشرك الجميع في السلطة والثروة ... لأنك لا تستطيع أن تستحوذ على كل شيء لنفسك ... وإذا حاولت أن تفعل ذلك فسيكون هناك عدم استقرار وفوضى، ولن يتحقق النمو الاقتصادي ... أما عندما تتحقق مشاركة الآخرين، فإنهم سيشعرون أن لهم نصيباً في السلطة والثروة ... أما باقي الأمور فهي مسائل إدارية، تحتاج إلى تخطيط حاذق يقوم على الخبرة والكفاية المهنية. (حوار الدكتور محسن صالح مع تون محاضير محمد)."

إذاً التغيير والتحديث اللذان ننشدهما يحتاجان إلى رؤية استراتيجية فاحصة، ولا تتحقق هذه الرؤية إلا إذا توفر لها الاستقرار السياسي اللازم والتام، ولا يتحقق الاستقرار السياسي اللازم إلا إذا حدث تقسيم عادل للسلطة والثروة، وتقسيم السلطة والثروة العادل يحتاج إلى قيادات سياسية شجاعة، تؤمن بمرتكزات رؤيتها الاستراتيجية التي تعاهدت على تنفيذها مع الناس، وقضية التنفيذ نفسها تحتاج إلى جهاز إداري ومهني كفؤ، لا يستمد شرعيته من القوى القطاعية ذات المدارات الضيقة، بل يستلهمها من قوة القانون، وكفاءة الأداء الإداري والفني، وحرية الحركة الخلاقة المبتكرة. فلا جدال أن هذا ما عناه الدكتور محاضير محمد في حواره مع الأخ الدكتور محسن صالح، وشرحه تفصيلاً في مجلدات موسوعته العلمية، وطبقه على صعيد الواقع من خلال أداء دولة مؤسسي.
ويُؤمِّن الدكتور محاضير أيضاً على أهمية مدخل تقسيم الثروة العادل وتنميتها باعتباره مدخلاً مهماً للتغيير والتحديث، يأتي في الأولوية بعد قسمة السلطة السياسية، وتفعيل مؤسساتها الديمقرطية، ويستشهد في هذا المضمار بما يُعرف بـ "السياسة الاقتصادية الجديدة"، التي وُضعت لبناتها بعد الاضطربات العرقية التي اندلعت في كوالالمبور في 13 مايو 1969م بين الصينيين الماليزيين، والملايويين أصحاب الأرض. فكانت هذه الخطة الاستراتيجية العشرينية تهدف إلى خلق موازنة اقتصادية بين الصينيين، الذين يسيطرون على منافذ الثروة، ويشكلون ثلث سكان ماليزيا، والملايويين الذين يعيشون على منتجات الهامش الزراعي الريفي، ويشكلون نصف السكان تقريباً. فمبدأ إعادة الموازنة الذي انطلقت منه الحكومة الماليزية كان يقوم على معادلة تقضي بتوسيع مواعين الثروة الاقتصادية وأوعيتها، ثم إعطاء الأولوية للكتل المهمشة، مع صيانة الكسب الذي حققته القطاعات صاحبة الحظ الأوفر. وفي ضوء هذه المعادلة المستحدثة ذات القاعدة العريضة ارتفع نصيب الملايويين في الثروة الاقتصادية من 2.4% إلى 30%، ولازمه ارتفاع نسبي طفيف في نصيب الكتل غير الملايوية (الصينيين والهنود) من 34.3% إلى 40%، وبينما تم خفض نصيب الأجانب المستثمرين من 63.3% إلى 30%.
وبهذه المعادلة الخلاقة تمَّ خلق قاعدة صُلبة للاستقرار السياسي صاحبها استقرار اقتصادي، وعُضد كليهما بنظام تعليم مبدع، رُوعي فيه التوسع الأفقي لمصلحة السواد الأعظم من المواطنين، والتوسع الرأسي المدروس والمحسوب للقلة المتفوقة، والتوازن الإيجابي بين متطلبات التعليم الأكاديمي والتعليم الفني، ثم إعطاء الأولوية للمناطق المهمشة لتسير بمتوالية هندسية في مجال التعليم العام مقابل متوالية حسابية في المناطق الحضرية التي حظيت بنصيب أوفر في عهد الاستعمار البريطاني والحكومات الوطنية التي أعقبت الاستقلال. وبذلك يرى الدكتور محاضير أن نظام التعليم الأكاديمي، وما صاحبه من تدريب فني ومهني، وتحسين في أجور العاملين كل ذلك كان بمثابة حجر الزاوية وصمام الأمان لنجاح التجربة الماليزية، لأن تنمية القوى البشرية قد أسهمت في خلق قيادات سياسية مؤهلة، ومدركة لطبيعة التحديات التي تواجهها، وكيفية التعامل معها بأسلوب حضاري يتوافق مع متطلبات العصر ومستجداته، وفي رفد الخدمة المدنية العامة ومؤسسات التعليم العام والعالي بكوادر مهنية مؤهلة، وقادرة على حمل الرسالة التنفيذية والمهنية الملقاة على عاتقها.
وبعد النجاح الذي حققته "السياسة الاقتصادية الجديدة" وملحقاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، تم الاحتفال بميلاد خطة استراتيجية جديدة تُعرف بـ "الرؤية 2020" في عام 1990م، وفي هذا يقول دكتور محاضير: إن مرتكزات الرؤية "2020" تعني أن ماليزيا بحلول عام 2020م ستكون دولة صناعية متقدمة، وتحقيق هذا الحلم الوطني يقتضي تفوق الماليزيين حكومة وشعباً على تسعة تحديات استراتيجية، يجملها فيما يلي:
1-    التحدي الأول هو بناء دولة ماليزية متحدة، لها وعي وإدراك بالمصير المشترك، الذي يساهم الجميع في صيانته، وينبغي أن تكون هذه الدولة في حالة سلام مع نفسها، وتتكامل بين وحدة أراضيها ووحدتها العرقية، وتعيش في حالة من التناسق، والتناغم، والمشاركة الكاملة والعادلة، التي تجعل منها وحدة واحدة تتمتع بالولاء السياسي والإخلاص للوطن.
2-    التحدي الثاني يتمثل في إقامة مجتمع ماليزي متحرر نفسياً، ويتمتع بالطمأنينة والإيمان والثقة بالنفس، ويشعر بالإعزاز المستحق لما حققه من إنجاز، ويكون قوياً بالقدر الكافي الذي يجعله يواجه أي ضرب من ضروب الشدائد والإحن، ويتميز أيضاً بالسعي الدؤوب وراء التجويد والامتياز، ويكون مدركاً تماماً لإمكاناته وطاقاته، ولا يخنع نفسياً لأحد، بل يجعل شعوب الأمم الأخرى تحترمه وتفخر بعطائه.
3-    التحدي الثالث يتبلور في خلق مجتمع ديمقراطي ناضج ومتطور، يمارس نمطاً من  الديمقراطية الماليزية الراشدة والمتواضع عليها، التي أنشاها المجتمع الماليزي طبقاً لظروفه الخاصة، وقدمهما نموذجاً لعدد من الدولة  النامية.
4-    التحدي الرابع يتجسد في إقامة مجتمع أخلاقي ومعنوي متكامل مع بعضه بعضاً، ويكون مواطنوه ذوي قيم دينية وروحية قوية، ومعايير أخلاقية سامقة. 
5-    التحدي الخامس هو تحدى يتبلور في إقامة مجتمع راشد، ومتحرر، ومتسامح عرقياً وديناً، يكون فيه الماليزيون أحراراً في ممارسة عاداتهم، وثقافاتهم، ومعتقداتهم الدينية، والتمسك بولائهم لها، ومع ذلك يشعرون بأنهم جميعاً ينتمون لأمة واحدة.
6-    التحدي السادس يتجسد في إقامة مجتمع علمي ناهض، يحب الابتكار، ويتطلع إلى الأمام، وليس فقط مستهلكاً للتكنولوجيا الحديثة، بل مساهماً في صناعة حضارتها ومستقبلها العلمي.
7-    التحدي السابع يقضي بإقامة مجتمع له اهتماماته التي يرعاها وفق نسق ثقافيٍ واعٍ، ونظام اجتماعي يعطى الأولوية للمجتمع قبل الفرد، ويسعى لرفاهية الشعب من خلال نظام أسري قوي ومرن، دون أن يكون متمحوراً حول الدولة أو الفرد.
8-    التحدي الثامن يتبلور في قيام مجتمع تسوده العدالة الاقتصادية، وينعم بمشاركة جميع أفراده مشاركة متكاملة في عملية التقدم والازدهار.
9-    التحدي التاسع يتجلى في إنشاء مجتمع مزدهر وناجح، يكون الاقتصاد فيه قادراً على المنافسة الحرة، ونشطاً ديناميكياً ومرناً، وله القابلية على التكيف مع الظروف الطارئة. (لمزيد من التفصيل انظر موسوعة محاضير، مجلد 5، 199-213).

في خاتمة هذا المقال نصدع بالقول في آذان دعاة العقل الاستراتيجي في السودان أن يعيدوا النظر كرتين في "الرؤية الماليزية 2020" للإصلاح والتغيير والتحديث، التي أضحت حقيقةً من الحقائق الماثلة للعيان، وشاهداً على العصر، وذلك بعد مضي أكثر من عقدين من الزمان على تاريخ تدشينها، وعلى النجاحات ذات النسب العالية التي حققتها على صعيد الواقع. فقد درستها بلاد كثيرة واستأنست بها، وقلدتها أخرى ترغب في تقدم أوطانها، وتوحيد شعوبها حول مصير مشترك. فإذا قرأنا هذه التجربة النموذجية الناجحة مع بعض الأدبيات المختصصة في تقويم الوضع في السودان وكيفية إصلاحه، ووضعنا الرجل المناسب في المكان المناسب، دون دفن رؤوسنا في الرمال، فربما يكون هناك أمل مرجو ومستقبل مشرق ينتظر أهل السودان، إذا تعاهد الحاكمون والمحكومون من حولهم على رؤية استراتيجية خاصة بواقعهم المعيش ومتطلباتهم الحياتية؛ تساعدهم في دفع عجلة التطور السياسي الديمقراطي، والاقتصادي التنموي، والاجتماعي القيمي، والثقافي المعرفي، وتمكِّنهم في الوقت نفسه من أن يضعوا إعلان معالي رئيس الجمهورية بشأن إصلاح الخدمة المدينة في مساره الصحيح، قبل أن يكون كسراب بقيعة يحسب الظمآن ماءً.


Ahmed Abushouk [ahmedabushouk62@hotmail.com]

 

آراء