تعقيب على موضوع الرق وحرق كتب الفقه فى موريتانيا 3-4 .. بقلم : محمود عثمان رزق
محمود عثمان رزق
28 May, 2012
28 May, 2012
morizig@hotmail.com
فى الحلقة السابقة رأينا خلو الأحاديث من أى دعوة لإسترقاق الأحرار والأسرى على السواء وكانت كل الأحاديث موجهة لتفكيك مؤسسة الرق. وفى هذه الحلقة سنفحص و نتدبر الآيات التى وردت فى مسألة الرق والرقيق وسنجدها أيضا آيات تفكيك وليست آيات تشريع وتشجيع للرق. وأعنى بذلك أن هذه الآيات لم تأتى لتعترف بمشروعية الرق ولم تأتىلتبيحه ولا لتستحسنه ولا لتشجعه ولا لتقره ولا لتحله ، بل هدفها الأول والأخير هو تفكيك مؤسسة الرق بتغيير المفاهيم والأحكام لفتح أبواب حرية ينفذ منها الرقيق بمساعدة من الشريعة . وعندماتتدبر عزيزى القارئ هذه الآيات تجدها تتناول تسعة مواضيع هى الآتى:
1- الإنفاق على الرقيق والإحسان إليهم
2- تحرير الرقيق من ذل العبودية
3- الزواج من الرقيق ومساعدتهم وحثهم على الزواج
4- أحكام خاصة بالنبى فى مسائل النكاح
5- أحكام الأسرى
6- ضرب أمثال من واقع الرقيق للعبرة والتأمل
7- أحكام فى مسألة الدخول على الوالدين فى غرفتهما.
8- أحكام إبداء الزينة للنساء
9- القصاص
أحكامتأمر بالإنفاق على الرقيق والإحسان إليهم وهى:
1- {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} النساء آية 33
2- {إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة آية 60
3- {وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ} النحل آية 71
والآيات كما هو واضح ليس فيها غير الحث على الإنفاق على الرقيق ومعاملتهم معاملة حسنة وهذه التوصية الرقيقة بالرقيق تمهيدا لمحاربة الرق وتفكيك مؤسسته وليس إعترافا بمشروعيته.
أحكام عن القصاص:
4- {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} * {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة آية 178.
وهذه الآية جاءت بهذه الصورة لأنّ لها قصة واقعية جعلت الرد يأتى بهذه الصورة. فكون الآية قالت "العبد بالعبد" ليس ذلك إعترافا بالعبودية فذكر الشئ باسمه لا يعنى الرضى والقبول به ، والدليل على ذلك أن الله ذكر الشرك باسمه ، وذكر الزنا باسمه ، وذكرت الخمر باسمها ، وذكر القتل باسمه، وذكر البغى باسمه، وذكر السرقة باسمها وكل هذه المذكورات من المحرمات قطعا.
وسبب نزول الآية بهذه الصيغة كما روى الإمام الزمخشرى أنّه " كان بين حيين من أحياء العرب دماء في الجاهلية، وكان لأحدهما طَوْلٌ على الآخر، فأقسموا لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد منا، والذكر بالأنثى، والاثنين بالواحد، فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء الله بالإسلام فنزلت» الآية.
وفى شرحها يقول الإمام الطبرى: معناها " يا أيها الذين آمنوا كتب علـيكم القصاص فـي القتلـى، الـحرّ بـالـحرّ، والعبد بـالعبد، والأنثى بـالأنثى. أي أن الـحرّ إذا قتل الـحرّ، فدم القاتل كفء لدم القتـيـل، والقصاص منه دون غيره من الناس، فلا تـجاوزوا بـالقتل إلـى غيره مـمن لـم يقتل، فإنه حرام علـيكم أن تقتلوا بقتـيـلكم غير قاتله. والفرض الذي فرض الله علـينا فـي القصاص هو ما وصفت من ترك الـمـجاوزة بـالقصاص قتل القاتل بقتـيـله إلـى غيره."
وعلى ضؤ هذا التفسير المتفق عليه من جميع المفسرين يمكننا أن نقرأ الآية هكذا بعد النزول بها من قمة الفصاحة من أجل فهمها:
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ[القاتل] بِالْحُرّ[المقتول]ِ وَٱلْعَبْدُ[القاتل] بِٱلْعَبْدِ[المقتول] وَٱلأُنثَىٰ[القاتلة] بِٱلأُنْثَىٰ[المقتولة] فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وهكذا يتضح أن الآية لا تبيح ولا تقر ولا تستحسن ولا تشجع الرق وإنّما تصدت لمسألة فى القصاص حاول فيها طرف من الأطراف التعدى على أناس لم يرتكبوا جريمة ، فقالوا إن عبدهم المقتول يساوى رجلا حُراّ من الطرف الآخر ولا يعدل دمه دم عبد مثله ولو قتله عبد مثله!! وقالوا أيضا إنّ أنثاهم المقتولة تعدل ذكرا من الخصم ولو قتلتها أنثى مثلها!! فقال لهمالله تعالى إنّهذا ليس بعدل ولا منطق وإنّما العدل والمنطق أن يأخذ القاتل شخصيا ولا يعتدى على غيره بلا ذنب ، فالحر إن قتل حرا فلا يجوز قتل عبده بدلا عنه ، والعبد إذا قتل عبدا فلا يجوز قتل سيده بدلا عنه ، والمرأة لو قتلت إمرأة فلا يقتل زوجها أو أخوها بدلا عنها، وهذا هو عين العدل والمنطق الإنصاف الذى أخذت به المحاكم لاحقا فى كل أنحاء العالم.
أحكام فى إبداء المرأة لزينتها:
5- {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور آية 31
عندما طرحت مسألة إبداء المرأة لزينتها نزلت الآية توضح للمرأة المسلمة حكم إبداء الزينة، فذكرت عدة فئات فى المجتمع منهم فئة الآباء ، وفئة الأبناء ، وفئة الإخوان والأخوات ، وفئة ملك يمين وغيرهم من الفئات. وهنا تتعامل الآية مع فئات المجتمع بما هو واقع وليس بما ينبغى أن يكون. وكان واقع الحال يقول أن هناك مملوك ذكر فى البيت موجود بصورة دائمة كجزء من الأسرة فهل تبدى المرأة زينته أمامه أم لا؟ سؤال إجتماعى ملح يحتاج لإجابة فى حينها ولا ينتظر إنتهاء عملية تفكيك مؤسسة الرق ، لأن المؤسسة لو تفككت لسقط معها السؤال تلقائيا ، كما أن لا أحد يدرى متى سيصل التفكيك لنهايته المحتومة. والسؤال يحتاج لإجابة عاجلة، وقد تفاعلت معه الآية على هذا الأساس.
أحكام تأمربتحرير الرقيق:
6- {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} النساء آية 92
7- {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة 89
8- {وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}المجادلة آية 3
9- {فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ} * {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ} * {فَكُّ رَقَبَةٍ} * {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} * {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} * {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} البلد آيات 16-11
وهذه الآيات صريحة فى تحرير الرقيق وقد جعلت كفارة بعض الآثام والذنوب تحرير رقبة مع أن بعض الذنوب المكفر عنها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بموضوع الرق. ولكن حكمة الشريعة ورحمتها بالعباد إستغلت كثرة الذنوب عند الناس ففرضت عليهم العتق لتستعجل تفكيك هذه المؤسسة المشؤمة، والناس لا محالة مذنبون ويحاتجون لتكفير ذنوبهم قبل أن يقفوا بين يدى الله يوم الحساب، وبالحساب لو حررت الشريعة رقبة واحدة يوميا فسوف تحرر 365رقبة فى العام، فهل هذا تفكيك أم لا؟ والشريعة التى تستعجل التفكيك بهذه الصورة هل يعقل أن تفتح أبوابها لمزيد من الأرقاء؟ إننا إن كنا لم نرى الله بالعين فقد عرفناه بالعقل أليس كذلك؟ والعقل يقول إن الجمع بين الإباحة [التركيب] والتفكيك محال وأهل المنطق يسمون هذا النوع من التفكير ب"الجمع بين النقيضين" وهو محال عندهم.
أحكامتحث على الزواج من الرقيق:
10- {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} النساء آية 25
وكلمة النكاح هنا مقصود بها الزواج لأن المحصنة لا تنكح إلا بزواج. والآية معناها تزوجوا المحصنات وتزوجوا من مما ملكت أيمانكم والفرق بينهن فى مسألة القدرة على المهور [الطول] وليس فى مسالة عقد الزواج فعقد الزواج واحد.
11- {وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} النور آية 32 والمعنى زوجوهم وإن كانوا فقراء فالرزق من الله وليس من أحد من العالمين.
12- {وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} البقرة آية 221 . والآية قفلت باب الزواج من المشركات الحرائر وفتحت باب الزواج من الأرقاء!! تفكيك وأى تفكيك!
13- {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ} النساء آية 3
14- {وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} * {إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} * {فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ} المؤمنون آية 6
15- {وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} * {إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} * {فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ} المعارج آية 30
إن الجدير بالذكر أن نقول إن وطء المملكوات كان فى الجاهلية شيئا عاديا فى كل أرجاء المعمورة وكانت المملوكة ملكا مشاعا يطأها المالك وأبناؤه وإخوانه ومن يجيزه ويرضى عنه المالك ويستفيد منه. وذهب الملاك لأبعد من ذلك عندما بدأوا يتكسّبون من ورائهن عن طريق إكراههن على البغاء فنهاهم الإسلام عن ذلك وحرمه عليهم. وبالإضافة على النهى الصريح عن إستخدامهن فى البغاء، تدخل الإسلام وحصر وطئهن على المالك فقط دون أبنائه أو أى شخص آخر فى بيته وأهله حتى لا تصبح متاعا جنسيا مشاعا كما فى الجاهلية ، و بعد أن قام بهذا الحصر حث المسلمين أن يتزوجوا منهن طالما رغبوا فيهن. وهنا نرى أن الشريعة اتخذت من موضوع النكاح كما إتخذت من موضوع الذنوب مدخلا لتحرير المملوكات ، فمجرد أن ينكح المالك مملوكته بغير عتق وعقد زواج يتغير وضعها الإجتماعى وخاصة إذا ولدت له طفلا، وهذه الخطوة الإجتماعية هى خطوة أخرى مهمة جدا فى طريق تفكيك هذه المؤسسة الملعونة. وليس فى الآيات كما هو واضح إعتراف بمشروعية الرق ولا إباحته ولا استحسانه وإنما الآيات تفكك فى واقع ملموس ملعون عميق الجذور.
أحكام تخص النبى فى مسألة النكاح:
16- {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب آية 50الآية ببساطة حددت أنواع النساء اللاتى يحل لرسول الله نكاحهن وهن كالآتى:
أ] - المنكوحات بعقد زواج عادى يشترط فيه حضور المهر والشهود وأولياء المرأة. [وهذا حكم له وللمسلمين عامة ]
ب] ملك اليمين من أسرى حرب الشرعية. [ وهذا حكم له وللمسلمين عامة ]
ت]المرأة المؤمنة التى تهب نفسها لرسول الله وتتنازل عن حقها فىالمهر[ وهذا حكم خاص به فقط ]
ث] والمهاجرات فقط من بنات العم والخال . [ وهذا حكم خاص به فقط ]
وفى الحقيقة لم يطأ النبى [ص]إمرأة وهى أسيرة حرب قط على أساس أنها ملك يمين لأنّه كان دائما يحث على فك الأسرى ولا يعقل أن يطأ أسيرة وهو فى نفس الوقت يدعوا المسلمين لفك الأسيرات ، وحتى ملك اليمين الذى أهدى إليه من غير حرب أعتقه على الفور. وسنرى صدق هذا الكلام فى سيرته [ ص]مع كل من صفية وجويرية ومارية القبطية وريحانة وكلهن كن ملك يمين لرجال غير رسول الله [ ص ].
فأما صفيَّة فهى صفيّة بنت حُيَي بن أخْطَب من أشراف يهود بني النضير، وقعت في الأسر تحت يد دَحْية بن خليفة الكلبى ففداها النبي صلى الله عليه وسلم منهوخيّرها بين البقاء على دين اليهودية أو اعتناق الإسلام. فإن اختارت اليهودية أرسلها لأهلها، وإن أسلمت تزوجها فاختارت الإسلام فتزوجها وهى حرة وأصبحت من أمهات المؤمنين.وعرفها قومهابأنها ذات شرف و مكارم أخلاق وفضل وحلم، ولذلك كان لها مكانة عزيزة عند أهلها ولا حقا عند رسول الله [ ص ] نفسه، والمهم فى الأمر أن رسول الله [ ص] تزوجها وهى حرة.
أما جويرية فهى برة بنت الحارثبن أبى ضرار سيد قومه منبني المصطلق وهم أعز العرب دارا وأكرمهم حسبا وقعت فى الأسر فى غزوة بنى المصطلق بعد أن قتل زوجها فكانت من أسرى ثابت بن قيس الأنصارى.وتروى كتب السيرة أن جويرية جاءت لرسول الله وقالت له : " أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقدأصابني من الأمر ما قد علمت، فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على نفسه تسع أوراقفأعني على فكاكي" ،وفى كلامها إشارة لرفعة قومها فرد عليها رسول الله قائلا: " فهل لك في خير من ذلك؟ ".قالت : " وما هو يا رسولالله ؟" . قال: " أقضي عنك كتابك وأتزوجك" .فأجابته بدون تردد : " نعم يا رسول الله ". فتزوجها النبي صلى الله عليهوسلم وأصدقها 400 درهم، وغير اسمها وسماها "جويرية" بدلا من "برة".ولا شك أن زواجها من النبى [ ص ] خير لها من حسبها وعزة قومها فمن ناحية الدين هو رسول الله ومن ناحية النسب هو هو. وهى إن رفضت هذا العرض لقام هو بفكاكها إكراما لها ولرجاحة عقلها ولأبيها ولأهلها بالرغم من عدوانهم عليه.ومن بركاتها التى حفظها لها التاريخ أن المسلمين عندما سمعوا بزواج رسول الله [ ص ] منهاأطلقوا سراح ما في أيديهم من الأسرى إكراما لهذا النسب وقالوا : هم[ أى الأسرى ]أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانتالعرب تحسب للمصاهرة حسابا كثيرا، فقد كان الصهر عندهم بابا من أبواب التقرب بين البطون المختلفة، وكانوا يرون محاربة الأصهار سبة وعاراً على أنفسهم،. فكانت بركة جويرية من أعظم بركات النساء علىقومهن، وفى ذلك قالت عنها السيدة عائشة – رضي الله عنها -: " فلقد أعتق بتزويجه إياها مائةأهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة منها". وما يهمنا هو أن رسول الله [ص] عندما تزوج جويرية تزوجها وهى حرة مسلمة.
وكذلك فعل بريحانة بنت زيد النضرية أو القرظيةسُبِيت يوم بني قريظةفأعتقها وتزوجها ثم طلقها لسبب غيرتها الشديدة عليه ثم راجعها. وتصف لنا ريحانة مادار بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة : ( دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنَحَّيْتُ مِنْهُ حَيَاءً ، فَدَعَانِي ، فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ [ أى أمامه]، فَقَالَ : إِنِ اخْتَرْتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اخْتَارَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَنِي وَأَصْدَقَنِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ، وَنَشًّا كَمَا كَانَ يُصْدِقُ نِسَاءَهُ ، وَأَعْرَسَ بِي فِي بَيْتِ أُمِّ الْمُنْذِرِ ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِي كَمَا كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ ، وَضُرِبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ ) .
وهاهى فى شهادتها تقول "وأصدقنى إثنتى عشرة أو قية" "وأعرس بى فى بيت أم المنذر" " وكان يقسم لى.." وهذه العباراتلمن أراد أن يفهم ويعترف هى مقومات زواج طبيعى وهى:مهر ، وعرس ، وعدل بين الزوجات ، وطلاقورجعةبعد الطلاق.وما يهمنا هنا أن رسول الله [ ص] تزوج ريحانة وهى حرة مسلمة.
أما مارية بنت شمعون القبطية التى ولدت له إبنه الوحيد إبراهيم الذى توفى فى المهد ، قد أهداها له المقوقس ملك الإسكندرية فأعتقها وتزوجها وتوفيت بعده بخمس سنين .وما يهمنا هنا أيضا أن رسول الله [ ص] تزوج مارية وهى حرة مسلمة.
وإذا قيل لماذا ذكرت الآية"ملك اليمين" وليس لرسول الله "ملك يمين" أصلا؟
نقول: لقد قال الله له { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ } ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته ولا من بنات خاله ولا من بنات خالاته، فثبت أن الآية تتكلم عن حل الزواج من بنات العم والعمات والخال والخالات من حيث المبدأ، وكذلك أحلّت له الزواج مما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه به من حيث المبدأ ، وليس فى إقرار هذا المبدأ دعوة له ليتزوج من بنات عمه وليس فيه دعوة له ليسترق أحدا من الناس أو يتزوج من ملك اليمين أيضا. والآية ببساطة تقول له إن رغبت أن تتزوج من بنات عمك فذلك مشروع ، وإن كان عندك ملك يمين مما أفاء الله به عليك [وهذا الشرط يعنى أن هناك ملك يمين محرم عليه] وأردت أن تعتقها و تتزوجها أو تجعلها أم ولد يرتفع به شأنها الإجتماعى فذلك مشروع أيضا.وقد إختار رسول الله الخيار الأول وهو العتق والزواج وفعله هذا سنة مؤكدة كررها أربعة مرات والأولى إتباعها وهو يختار الأفضل دوما كما روى عنه.
17- {لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً} الأحزاب آية 52
نزلت هذه الآية بعد المغاضبة التى حدثت بين رسول الله [ص] وزوجاته فخيرهن الله بينه وبين الطلاق فاخترنه بدلا عن الطلاق، فنزلت الآية مكافأة لنساء النبى على فعلهن جزاءً لهن على اختيارهن له بدلا عن الطلاق منه، فحرمت عليه التزوّج بغيرهن والاستبدال بهنّ من النساء الحرائر، وترك باب ملك اليمين مفتوحا ليكون منفذا للحرية. والآية التى تكرم النساء لا يمكن أن تهينهن فى نفس الموضع ، ولذلك ترك باب ملك اليمين مفتوحا له - بالرغم من أنه [ص] لم يكن لديه ملك يمين - من أجل إعطاء فرصة لتحريرهن أو رفع درجتهن الإجتماعية إن وجدن.
18- {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} الأحزاب آية 55
وتفسير الآية هو : لا إثم ولا حرج علـى نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فـي ترك الـحجاب أمام آبـائهنّ وأبنائهنّ وإخوانهنّ، وأخواتهن و أبناء إخوانهنّ و نسائهن و ما ملكت أيمانهن . والآية لا تدعو للإسترقاق ولا تشجعه وإنما وضعت أحكاما لنساء النبى فيما يخص الحجاب وذكرت الأنواع التى تدخل البيت وتكون فيه بصورة دائمة أو شبه دائمة كالأبناء والأرقاء والجارات من النساء، وأنواع لها صلة رحم كالآباء والأخوان والأخوات. والآية ذكرت الأنواع فقط وليس من الضرورة وجود تلك الأنواع بالفعل. بمعنى أنه ليس من الضرورة أن يكون لنساء النبى ملك يمين أو لكل واحدة منهن أخ وأخت وأبناء. فمعلوم أن أولاد النبى [ص] ماتوا فى سن طفولة باكرةو له بنات من خديجة فقط. ولكن مع ذلك نرى أن الآية خاطبت كل نساء النبى وذكرت الأبناء، وكذلك ذكرت الهبة كصنف ولم يكن عند رسول الله واحدة بالهبة، وفى ذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: " لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد منهنّ بالهبة". وخلاصة الأمر أن موضوع الآية يدور حول موضوع إبداء الزينة وليس موضوع الرق.
أحكام تتناول قضية الأسرى:
19- {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأنفال آية 70
20- {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}سورة محمد آية 4
والإثخان هو المبالغة فى الجهاد من أجل قهر العدو وكسر شوكته ، وقال بعض العلماء أن هذه الآية منسوخة وهى غير منسوخة وقضية النسخ كلها محل كلام ليس هذا موضعه.
21- {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الأنفال آية 67 و 68.
نزلت هذه الآيات يوم بدر وكانت بدر أوّل قتال ضد المشركين ، وبعد هزيمة المشركين هزيمة نكراء إندفع المسلمون نحو الغنائم يجمعونها ونحو الأفراد يأسرونهم كعادتهم فى حروب الجاهلية ولم ينزل عليهم من القرآن شئ فى ذلك . فجاءت الآية تعاتبهم بشدة على أخذ الغنيمة والأسرى قبل أن ينزّل فيهما أمر إلهى. والآية تقول لهم إن جمع الغنائم وأخذ الأسرى ليس هدف الدين ولا هدف المرحلة وإنما هدف الدين هو الآخرة وهدف المرحلة هو الإثخان [المبالغة] فى الجهاد والصبر عليه من أجلكسر شوكة المشركين. فلذلك قال تعالى يذكر أهل بدر ويمتن عليهم : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أى لولا قضاء من الله قد سبق لكم يا أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله لن يعذّب أحداً شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصراً دين الله لنالكم من الله عذاب عظيم بأخذكم الغنيمة والفداء من الأسرى بدون دليل ولا نص ولا كتاب منير.وبفعلكم هذا كأنكم تريدون الدنيا والله يريد لكم الآخرة والله عزيز لا تناله الهزائم حكيم فى أمره ونهيه.
أيات تضرب من واقع الرقيق أمثالا للعبرة:
22- {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الروم آية 28 .
و معنى الآية هو : إذا كان الإنسان لا يرضى أن يشاركه مملوكه فى ملكه والمملوك هو نفسه جزء من ملكه ، فكيف يرضى الله تعالى الشريك فى ملكه وهذا الشريك هو جزء من خلقه وملكه؟. والآية أخذت من واقع الرقيق مثلا لتلفت الناس لقضية مهمة وجوهرية وأساسية وهى قضية التوحيد. وليس فيها أمر بالإسترقاق ولا إعتراف به ولا تشجيع عليه.
23- {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}
يسأل الله المشركين، هل يستوي [ عبد الله ] أو الإنسان المملوك الذي لا يـملك شيئاً ولا يقدر علـي إمتلاكه أصلا ولا التصرف فيه ، وهذا الـحرّ الذي قد رزقه الله رزقاً حسناً وجعله حرا ينفق ويتصرف فى ملكه كما شاء؟ وكما لا يستوى المالك والمملوك فكذلك لا يستوي الكافر العامل بـمعاصي الله والـمؤمن العامل بطاعته ولا يستوى الخالق والمخلوق. وهذه الآية من أكثر الآيات إستنكارا لمسألة الرق ومن أكثر الآيات تقديرا للحرية ونصها واضح بيّن. وأنظر عزيزى القارئ لمجاورة كلمة "مملوك" لكلمة "عبد" والكلماتان لا تعنيان نفس الشئ . فالعبد هنا مقصود به عبد الله أى الإنسان وهو حر إلا من عبوديته لله ، والمملوك هو الشخص المملوك لغيره من بنى الإنسان وهو ليس بحر. والآية فيها توبيخ لمن فى يدهم رقيق كيف تمتلكون من هو عبد لله فى الأصل؟ وإذا أدخلنا المحذوف فى مكانه تصير الآية : "ضرب الله مثلا عبدا من عباد الله مملوكا ......"
أحكام تأمر بالإستإذان عند الدخول على الوالدين فى وقتهما الخاص:
24- {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النور آية 58
وهذه الآية تتكلم عن آداب الدخول لغرفة الوالدين فى المنزل وهى من أداب الزيارة وآداب الزيارة مسألة إجتماعية عامة تشمل الأحرار وغير الأحرار، وليس فى الآية إقرار بالرق ولا تشجيع عليه ولا إعتراف به، وإنّما فى الآية تشريع لأمر عام يشمل كل من فى الأسرة بواقع الحال ، و كان الرقيق جزء من الأسرة بواقع الحال وليس بواقع ما سيكون ، فلذلك لا بد أن يذكر ملك اليمين مع الأبناء لإعطاء الوالدين حق الخلوة ، وإذا منع الأبناء فقط أو منع ملك اليمين فقط لما تحقق الغرض ، والغرض هو منع أى أحد من الناس فى الأسرة من الدخول على الوالدين فى الأوقات التى حددها القرآن الكريم .ولهذا ذكر الأبناء وملك اليمين بواقع الحال. وليس فى الآية إعتراف أو تشجيع أو إباحة للرق وإنما هو تنظيم للعلاقة بين الوالدين ومن هو فى كنفهم.
وبعد أن أثبتنا أن القرآن ليس فيه آية واحدة تبيح الرق أو تشجعه أو تستحسنه أو تحله سنتناول فى الحلقة القادمة وهى الرابعة والأخيرة كتب الفقه لنختم بها هذا الموضوع بإذن الله.