شفيق يا راجل !!

 


 

 


الصحافة – عمود سطر جديد لعدد السبت 2 /6 /2012


الغموض الذى إكتنف إقدام الفريق أحمد شفيق على خوض سباق الرئاسة المصرية والدعم المادى الهائل الذى نعمت به حملته وما حصده من نجاح حتى بات على مرمى حجر من الرئاسة ، هذا الغموض لا يشابهه إلا ذاك الغموض الكوميدى فى مسرحية عش المجانين لحسن عابدين ومحمد نجم وهو يردد تلك اللازمة المحفوظة (شفيق يا راجل) ، فالرجل الذى يدمغه خصومه بتهمة (الفلول) تماماً كما دمغ أهل السودان عقب الإنتفاضة أركان النظام المايوى بمسمى (السدنة) من المحتمل أن يصبح أول رئيس مصرى منتخب ديمقراطياً رغم سخط قوى الثورة وتوجس التيارات الإسلامية .
قوى الثورة فى مصر خصوصاً الليبراليون يعيشون مأزقاً سياسياً بعد ظهور نتائج الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية وهو ما أسموه بمأزق الرمضاء والنار فى إشارة الى إنحصار السباق ما بين مرسى (الأخوانى) وشفيق (الفلول) كما يسمونهما ، ولقد جاهدت قوى كثيرة لإعاقة صعود هذين المرشحين فالاخوان كان من الممكن أن يكونوا بلا مرشح بعد أن استبعدت اللجنة العليا للإنتخابات مرشحهم الأساسى خيرت الشاطر إلا أنهم بحكم الخبرة التنظيمية المتراكمة تحسبوا للأمر بتسمية مرشح إحتياطى هو الدكتور محمد مرسى أستاذ الهندسة ، أما شفيق فقد نجا هو الآخر من الإستبعاد رغم صدور قانون العزل السياسى الذى يشمله فتعللت اللجنة العليا للإنتخابات بعدم دستورية قانون العزل – ربما بتواطؤ مع المجلس العسكرى - وأقرت إستمراره فى السباق الرئاسى ، ومازال هناك أمل لخصوم شفيق أن يستبعدوه إذا ما نجح طعنهم أمام المحكمة الدستورية العليا والذى يدفع بدستورية القانون مما قد  يزيد الوضع السياسى فى مصر تعقيداً وإرباكاً وغموضاً . ومن المفارقة أن سيناريو إستبعاد أى مرشح إخوانى كان يتم بدعم مشترك بين المجلس العسكرى الحاكم والقوى الليبرالية للثورة بينما سيناريو إستبعاد شفيق ينشط فيه الليبراليون والأخوان معاً فى مواجهة المجلس العسكرى الذى يرجح دعمه لشفيق . أن المشهد السياسى فى مصر اليوم بات يحكمه توجسان أو خوفان ، توجس وخوف من الدولة الدينية وآخر من عودة الفلول والنظام السابق ، وما بين هذا الخوف وذاك التوجس تقف قوى سياسية كثيرة حائرة ما بين الرمضاء والنار على حسب تعبيرهم إذ لم يعد هناك خيار ثالث . هذا الوضع المرتبك  يستفيد منه فقط المرشحان الفائزان فأنصار الثورة باتوا مرغمين على التصويت لمرشح الأخوان ليس حباً فيه ولكن كرهاً فى شفيق وما يمثله ، وكارهو الأخوان ليس أمامهم سوى شفيق فزعاً من تهديد بقاء الدولة المدنية .
لقد كتبت من قبل حول التشابه ما بين سودان ما بعد الإنتفاضة ومصر ما بعد الثورة خصوصاً فى ثنائية (السدنة) هنا و(الفلول) هناك ، وفى تقديرى أن تجربة أهل السودان كانت أكثر نضجاً حين تآلفت كل القوى السياسية ودفعت بمرشح واحد لمحاصرة ترشح الدكتور الترابى فى دائرة الصحافة حتى أسقطته بإعتبار أنه أحد سدنة النظام المايوى ، ورغم كل ما يقال حول هذه الممارسة إلا أنها تملك قبولاً أخلاقياً مشروعاً بعكس محاولات سن وتمرير قوانين العزل السياسى إستناداً على (الشرعية الثورية) وهى شرعية كاذبة  وغير ديمقراطية أُرتكبت بإسمها العديد من التشوهات فى العالم الثالث . وكان يمكن لقوى الثورة الليبرالية فى مصر أن تتوافق على مرشح واحد يمثلها قبل أن تجد نفسها تتباكى فى هذه المتاهة بدلاً من الدفع بعدة مرشحين من بينهم حمدين صباحى وعمرو موسى وأبو العز الحريرى وخالد على وحتى عبد المنعم أبو الفتوح .
ترى ما هو مستقبل حصاد الصناديق فى الجولة الأخيرة بين مرسى وشفيق ؟ فى تقديرى أن هناك أربع كتل إنتخابية مؤثرة ستحسم هذا المستقبل أولها الكتلة الكبيرة من الناخبين الذين لم يصوتوا فى الجولة الأولى وهؤلاء يتجاوزون الخمسين بالمائة ولا يملك أحد أن يتكهن بإتجاهات تصويتهم ، الكتلة الثانية هى السلفيون من حزب النور وغيره من الجماعات السلفية وهؤلاء أعلنوا صراحةً دعمهم لمرسى فى مواجهة شفيق ، والكتلة الثالثة هى الأقباط والذين من المرجح أن يدعموا شفيق لا حباً فيه بل فزعاً من الدولة الدينية ، بينما الكتلة الرابعة هى قوى الثورة من الليبراليين وهؤلاء حائرون أمام الصناديق إذ لا يرضيهم مرسى أو شفيق .. لا يريدون الدولة الدينية ويمقتون الفلول ، لذا ليس أمامهم سوى (الحرد) والمقاطعة أو المفاضلة ما بين الرمضاء والنار .
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

 

آراء