المفكِّر الإسلامي حسن مكي: لابد من التغيير

 


 

 



الحركة الإسلامية تحتاج لتغيير مماثل لما حدث في الحزب الشيوعي

"الرق كان موجوداً بين القبائل الجنوبية

انفصلنا عن مصر ولكن علاقاتنا سمن على عسل

بدأ التمرد على الجيش السوداني الذي صنعه الإنجليز وليس جيش الزبير باشا


حاورته : سارة ضيف الله : صحيفة الجريدة
أصبح السودان مرة أخرى من الدول التي تتصدر جلسات مجلس الأمن في الآونة الأخيرة وذلك لتفاقم الصراعات بين دولتين انفصلتا حديثاً ولم يؤد انفصالهما للسلام المنشود، كذلك الصراعات الداخلية والمشاكل الاقتصادية أصبحت تحلق في سموات البلاد منذرة بحسب القوى المعارضة بربيع سوداني في سياق الربيع العربي من حوله، ولكن الحكومة تقلِّل من هذا الأمر وتعتبره أحلاماً، والحكومة نفسها تواجه أزمات داخل حزبها الحاكم الذي ينتظر بعض منسوبيه مؤتمر الحركة الإسلامية الذي ربما يصلح ما أعوج. الدكتور حسن مكي مفكِّر إسلامي من الطراز الأول وله إفادات عديدة مؤثرة على المستويين الفكري والسياسي ولكنه بعيد عن الفعل والشهد السياسي وذلك لأسباب أوضحها في سياق الحوار الذي أجريناه معه:

*لماذا اختفى دكتور حسن مكي من المشهد العام إلا من ظهور قليل عبر الصحف والتلفزيون؟
- أنا مسؤول من جامعة بها ثلاثة عشر ألف طالب يحتاجون للرعاية الصحية ويحتاجون إلى الأكل والشراب والتأهيل، لذلك العمل الإداري أصبح خصماً على العمل الفكري ومطلوبات التحليل السياسي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وجدت أنني أكرر نفس الأفكار التي أقولها ولا أعتقد أن هناك تغييراً عما قلته في السابق ولهذا لا أريد أن أكرر نفسي.
*لكن الحراك  الاجتماعي والسياسي لابد أن يولّد حراكاً فكرياً جديداً؟
- لا أعتقد أن القضايا التي ناقشتها نيفاشا مثل قضايا الحدود، قضايا العلاقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وأبيي والتحول الديمقراطي، هذه كلها أشياء كانت موضوع الحديث في الخمسة عشر سنة الأخيرة.
*هل تضاءل دور المفكِّر الإسلامي في ظل تفاقم الصراعات السياسية ؟
- أعتقد أنه إذا تحدثنا عن المفكرين الإسلاميين  في المنطقة نجد أنهم كانوا مهمشين وبعيدين سواء إن كانوا في مصر أو سوريا أو في تونس،  وهذه كلها مناطق حدثت فيها ثورات،  فلا أعتقد أنه كان في كتبهم أو مفكراتهم أن هنالك تغييراً سوف يحدث، ولذلك أصبحوا جزءاً من هذا التغيير ولم يقودوه، وكذلك دور المفكرين في السودان تضاءل فالسياسة نفسها أصبحت كأنها غير موجودة، والكثير من الطرق مسدودة للمفكرين ولغير المفكرين والظروف صعبة ، وأنا كثيراً ما أعذر القائمين على أمر السودان، لأن هناك عدواناً مبيتاً على السودان وعدواناً  متواصلاً، لكن طبعاً أعتقد أنه وبخطئنا أو بغفلتنا سهلنا مهمة الآخر المعتدي لكن اللطف الإلهي يحيط بنا، أنا أرى اللطف الإلهي يمشي في شوارع مصر مثلما سار في شوارع مصر سيدنا موسى وسيدنا يوسف ودخلها المسيح ابن مريم ومعه الحواريون فهذا تنزيل للمشيئة الإلهية. أعتقد الآن أن اللطف الإلهي هو الذي يسير وليست المقدرات العادية للمفكرين الإسلاميين سواء كان في السودان أو في مصر أو في تونس كلنا مغلوبون على أمرنا وكلنا بدون طاقة وبدون "مروءة" فيبقى الله لطيفاً بعباده ولذلك المغلوبون والمهضومون الآن فقط التجليات الإلهية واللطف الإلهي هو الذي يسهل لهم الأمور وييسر لهم ما استصعب.
*مع احترامي لوجهة نظرك ولكن أتعتقد أن السياسيين ينظرون لهذا الأمر بنفس الطريقة؟
- هذا لا ينفي السببية والعامل الإنساني ولكن العامل الإنساني أضعف من أن يتكافأ مع التحديات، الآن تشاهد موجة الجفاف والتصحر الذي ضرب الساحل والصحراء، لا توجد أي إمكانيات لمجابهة هذا الوضع لأن الأمطار كان يأكل منها الطير والأبقار والزرع والمرعى، مثلما الآن الإنسان في الشمالية يأتيه الهدام، فيذهب إلى مزرعته فيجد أن النيل والهدام قد أكل كل الأرض الزراعية وحتى المزرعة اختفت، فهو إن لم يكن لديه مقدرة على امتصاص الأزمة والإيمان بالله ربما يجن أو يفقد أعصابه وهكذا، ولذلك تبقى الأمور في السودان خارجة عن السيطرة، أنا أرى الناس دائماً يلومون العسكريين على أن هذه المنطقة سقطت وهذه ذهبت، فأنا أقول لو كنت مكان هؤلاء العسكريين لما صبرت في تلك المنطقة أصلاً منطقة لا فيها ماء ولا فيها شيء يستحق الدفاع عنه وجلست فيها بالسنين إضافة لوجود حرب وموت، تلك حسابات في النهاية فلذلك أنا على قدر العافية الموجودة أقول إن اللطف الإلهي يتحوطنا ، أنا الآن أستغرب وأندهش أن المجتمع منقسم هناك أغنياء وناس فقراء، لكن حينما أنظر للعمارات الناشئة والعربات التي تملأ الطرق  أحس أن هناك خللاً وهناك مشكلة فمن الواضح أنا هناك أموالاً كثيرة نازلة في البلد وترى الصرافات الناس تقف كل يوم لتحول 3 آلاف دولار للسفر و تشتري التذاكر هذه كلها دلالات.
*ما هو التغيير المتوقع في الجانب الفكري للحركة الإسلامية في ضوء سيطرة الإسلاميين على السلطة في بعض بلدان الربيع العربي؟
- والله شوفي، أصحاب التفكر والرؤية غلبهم أصحاب الحركة والسمع والطاعة وأصحاب العمل الخاص خاصة إذا كان الفكر "مُجلي" وبعيداً عن مطلوبات الواقع ولذلك أصبح نصيبهم من المنظراتية ضعيف، مع أنني أعتقد أن كل شيء يبدأ بالفكرة ، ويجب أن نمنح أهل الفكر فرصة هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أنا أعتقد أن الأخلاق والقيم في منظومة التفكير هذا مهم جداً وبخاصة في المجتمعات الإسلامية، فأنت الآن إذا بنتك باعت بيتك هذا شيء محتمل حتى لو غدرت بك وباعته، لكن لو حملت سفاحاً وجاءت بطفل فهذا يغير علاقاتك في البيت كله ويغير علاقتك مع المجتمع فهذه مشكلة قد تؤدي إلى القتل، ولذلك البناء المادي مهم وكذلك الفكري والروحي والنفسي والمنظومات الفكرية هي التي تراعي وتنظم هذه الجوانب ، وهذا ما تفعله المدارس من تربية، الآن في العالم تطبق النظريات الذهنية التي تطبق في عالم الواقع فقط لكن عندنا يجب أن يكون الأستاذ مربياً وقدوة يجمع ما بين الرافدين رافد التصورات الذهنية للعلم سواء كان هذا العلم نظري أو تطبيقي، وكذلك المقومات الروحية والفكرية التي يجب أن يصاغ عليها الشباب، ولكن أمريكا قبل أسابيع أوباما صرح بأنه بعد تفكير عميق أصبح يقبل بزواج المثليين، وهنا لاحظت أنه لم تكن هناك جهات مكافئة رفضت هذا التصريح فلا الفاتكان تكلم ولا الكنائس تكلمت ولا المجالس الإسلامية ولا رؤساء العالم الإسلامي، إما عن خوف أو عن قناعة وهذا لا يجب أن يحدث للمفكرين ، لكن المفكرين مغلوبون على أمرهم وصوتهم ضعيف وحركة الإلحاد العالمية وحركة العولمة هي السائدة وهي القائمة على كل شيء .
* ماهو التغيير المنشود  في الفكر الإسلامي؟
- الفكر الإسلامي في السودان كثر الحديث عن الثقافة، بنشر اللغة العربية ومحو الأمية الدينية ومحو أمية فك الخط فالسودان به جهل وفقر والآن 30% من الأطفال لاهم بالمدارس ولا في الخلاوي وهم خارج دائرة شبكة التعليم في وقت نحن نلامس قضايا القرن الواحد والعشرين والناس تتكلم عن التعلم بالشرائح الضوئية والبرامج التعليمية بالكمبيوتر والتعليم المفتوح والتعليم عن بعد كل ثورة التعليم هذه ونحن بعيدون وما نزال نسير سيراً  بطيئاً.
*ما هي توقعاتك للمؤتمر العام للحركة الإسلامية؟
- أنا بعيد عن هذه الأشياء لكن التوقعات أنه سوف يحدث به تغيير ولن يقل عن التغيير الذي حدث في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عندما اختارت شاباً جديداً من الجيل الثاني كان موجوداً في الجزيرة بعيداً ولم يكن موجوداً في الخرطوم، على أن الشيوعية انتهت وغابت ونحن هنا الصحوة الإسلامية تقوى وتنمو والحركة الإسلامية حاكمة والحركة اليسارية مقهورة ومستضعفة.
*هل يمكن القول إن المؤتمر الوطني ورث الحركة الإسلامية؟
- المؤتمر الوطني يقوم بالدور السياسي للحركة الإسلامية، بمعنى أنه هو الذي يحاسب الحكومة نظرياً وهو حسب أوراقه حزب حاكم وليس حزب حكومة فقط ولكن الذي يحدث شيء والأصل شيء آخر.
*هل السلطة أفسدت مشروع الإسلاميين في السودان؟
- أعتقد أن هذا تحدٍ إذا أنت كنت بمستوى التحدي "خلاص"، وإن لم تكن بمستوى التحدي ستسقط، أنا أفتكر أن واحدة من مشاكل السودان أنه لم يكن هنالك سودان جغرافي قبل الإنقاذ، السودان الجغرافي كان محصوراً  بالجزيرة والخرطوم فلولا الطرق أين يمكن كنت تذهب لغير الجزيرة والخرطوم، الآن يمكن أن تذهب حتى مصر بالعربة ويمكنك أن تذهب حتى أثيوبيا بالعربة وحتى الرنك والنهود والاتصالات الهاتفية، الآن السودان من أحسن الدول العربية في الاتصالات الهاتفية والسهولة الكبيرة في الكهرباء رغم الشكوى وهناك إنجازات كبيرة، صحيح أن إخواننا قضوا مدة كبيرة في الحكم ولابد من تغيير الوجوه فحتى القديسون والأولياء والصالحون بشر فحينما يكونون في سدة السلطة الناس يطلبون منهم التغيير، سيدنا عثمان هو من الأولياء والصالحين وأحسن ما ترى العينان كما قال الشاعر رقية وزوجها عثمان، ولكن حينما طال به الأمد حدثت الفتنة الكبرى فاُغتيل.
*هل ترى أن التغيير يجب أن يحدث كأمر مفروض؟
- أعتقد أن أي تغيير عشوائي سيؤدي إلى فتنة ولذلك التغيير هذا يجب أن تقوده الدولة ويقوده الرئيس البشير والسيد علي عثمان، والأخير لديه تعبير الجمهورية الثانية لذلك يجب أن يرعوا مقومات هذه الجمهورية الثانية وهذه الفكرة يجب أن تكسى لحماً وعظماً.
*ما هي الحلول التي يمكن أن تُطرح لإنقاذ اقتصادي حقيقي للبلاد؟
- أنا مع الاقتصاد الحر، وأعتقد أن الدعم دائماً يؤدي إلى فساد وأموال تقع في أيادي أشخاص محدودين، أعتقد أن الاقتصاد السوداني يجب أن يدار حسب إمكانيات هذا الاقتصاد، عندنا الآن ارتريا تدير دولتها بإمكانيات محدودة جداً، والسودان لديه أكثر من مليون عامل في الخارج عندهم عوائد كبيرة والآن الحكومة تتكلم عن الذهب ، وأعتقد أن فيه نجاح كبير وحصل بمبادرة اجتماعية وهناك الزراعة وأنا أعتقد واحدة من مشاكلها أن الحيازات صغيرة بمشروع الجزيرة، وأي حيازات صغيرة لايمكن أن تأتي بمال، فعشرة فدادين لا يمكن أن تعيل أسرة فلابد من التفكير في كيفية أن تكون الحيازات كبيرة في أرض إنتاجيتها محدودة، الناس الآن يزرعون في القضارف، ومن الواضح أن السودان فرص الرعي فيه أحسن من الزراعة ، وهذا حديث إنسان هاوٍ ليس لدية علاقة بالاقتصاد بدليل الآن أن كيلو اللحمة الضأن يعادل 10 كيلو من السكر فكيلو اللحمة الضأن بــــ35 جنيه و10 كيلو سكر بــ35 جنيه، أنت تزرع وتنتج السكر وتعيد إنتاجه لكي تأخذ كيلو سكر بعشر كيلو اللحمة "طيب" اجتهد في الآخر، وفر المراعي ويكون لديك إنتاج لحوم كبير وهذا ليس للداخل بل في الخارج أيضاً ففي مصر كيلو اللحمة وصل إلى 65 جنيه يعني 10 دولارات، وهي بلد دخلها ضعيف، ولذلك أعتقد أن هنالك فرصاً لكن في نهاية الأمر هذا كلام سطحي أرغمني عليه صحفي دون ترتيب أو تحضير أو تجهيز.
* ما هي الحلول التي يمكن أن تطرح لإنقاذ البلاد من المهددات الأمنية والسياسية؟
- بالنسبة للمشروع السياسي السوداني أعتقد أنه لابد من أن يكون بتفكير جديد ، وأن الناس يجب أن تكون عندها المعلومات متكاملة وهذا التفكير الجديد والرؤى الجديدة لا بد أن تكون مفتوحة فهناك الأفكار التي طرحها السيد الصادق المهدي كالمؤتمر الدستوري الجامع وطرح المعارضة فالناس يجب أن تفتح كل الأبواب ويقلبوا كل الحلول وأعتقد أن التغيير لابد أن يبدأ من المؤتمر الوطني نفسه، فهو الآن حزب حكومة وليس حزب حاكم وحتى يكون حزب حاكم لابد أن يجيب عن تلك الأسئلة باعتباره هو الذي يملك المعلومات والمفاتيح، ولا بد أن يتحول من حزب مهيمن إلى حزب قائد، وهنالك فرق بين الحزب المهيمن والحزب القائد، المؤتمر الوطني حزب مهيمن على الدولة ومهيمن على الحكومة والحزب القائد ينحسر ليطرح رؤى وينشر أفكاراً، وأنا أرى أن هذا  الأمر به بدايات طيبة  ولابد أن تتكامل هنالك إشراك للأحزاب لكن أعتقد أنه حتى داخل الإسلاميين هناك قطاع كبير منهم محجم وعازف عن المشاركة  بالمؤتمر الوطني فلابد أن تفتح شهيته بجدية وبمصداقية والمثل يقول كل حركة معها بركة، لكن أعتقد أننا الآن في مرحلة لابد أن نقول للناس يوجد تأسيس بمشاركة كل الناس والنخب وأنا ليس لدي حلول سحرية ولكن أقول إننا وصلنا إلى طريق مسدود، ولابد أن نفكر كيف نفتح هذا الطريق.

 

آراء