ربيع عبد العاطي و مجدى الدَّقاق : شنٌ وطبقة
بابكر فيصل بابكر
5 July, 2012
5 July, 2012
boulkea@yahoo.com
محن حكومة الإنقاذ وحزبها لا تعد ولا تحصى, و منها إبتكار و توزيع الألقاب التي لا يُعرف لها معنىً أو يُدركُ لها مُحتوىً بأريحية ومجَّانية وجُرأة شديدة, ومن بينها لقب " الخبير الوطني" الذي تفرَّد به حصرياً دون سائر عباد الله الصالحين في سوداننا المنكوب السيِّد ربيع عبد العاطي مندوب الدفاع (الفضائي) في المؤتمر الوطني و الحكومة.
يُقدِّم ربيع عبد العاطي نفسهُ كحامل لشهادة لدكتوراة ( لا أدري تخصصهُ أو الجامعة التي منحتهُ الدرجة ), وكذلك كمستشار لوزير الإعلام, وكلتا التقدمتين مقبولتان, فالأولى – إن صحَّت - إستحقاقٌ أكاديمي ودرجة علميَّة لا خلاف حولها, والثانية - بغض النظر عن جدواها - وظيفة. ولكن غير المقبول هو بدعة الخبير (الوطني) هذه , فالوطن ملىء بخبرات كبيرة في كافة المجالات يتواضع أمامها خبيرنا المزعوم هذا ومن هم على شاكلته, فهل يُعتبر الواحد من هؤلاء خبيراً (أجنبياً) ؟
تخصَّصَ (الخبير) في الظهور على شاشات الفضائيات مُدافعاً عن سياسات الحكومة ومواقفها, وهذا من حقه وهو أمرٌ طبيعي بالنسبة لشخص ينتمي للحزب الحاكم. ولكن الشىء غير الطبيعي هو الطريقة التي يُعبِّر بها عن آرائه, فأسلوبه فجَّ يفتقد للذكاء, والحُجة, ويستهين بعقليًّة المتلقي, وفيه من المزايدة والمبالغة ما يشي بأنَّ هدفهُ (الرئيس) ليس التعبير عن مبادىء و قناعات حقيقية.
ظاهرة ربيع عبد العاطي ليست وقفاً على حكومة الإنقاذ وحزبها, فهى إنما تعبِّر في أحد جوانبها عن مأزق الحكومات الإستبدادية والأحزاب الشموليَّة التي يتزاحم الموالون لها في تنافس محموم لكسب رضاء قيادتهم التي تمسك بالوظائف والمنح والإمتيازات. وكلما أظهر التابعُ جرأة و إستماتة في الدفاع عن النظام الحاكم كلما إنفتحَّت عليه أبواب المناصب و المكاسب والألقاب, ومصادر الرزق.
بالطبع يتذكر الذين عايشوا غزو أمريكا للعراق طلعة "محمَّد سعيد الصحَّاف" البائسة, وأكاذيبهُ التي روَّجت لمصارع "العلوج" على أبواب الفلوجة و أم قصر, وموتهم بالمئات على أيدى "النشامى", حتى إذا ما تكشفت الحقيقة المؤلمة للجميع قال إنَّ القيادة كانت تمده بمعلومات مضللة عن العمليات العسكرية. وقبل ذلك إصطدم الناس بأكاذيب وأوهام "أحمد سعيد" في راديو صوت العرب عن الهزيمة الكاسحة التي ألحقها الجيش المصري بإسرائيل في حرب الأيام الستة من يوليو 1967.
أمَّا النموذج الأكثر موافقة للخبير فهو أخصائي التضليل الإعلامي في عهد مبارك "مجدي الدَّقاق".
كان مجدي الدقاق من أكثر الشخصيات دفاعاً عن الحزب الوطني البائد والرئيس المصري المخلوع مبارك على شاشات الفضائيات وخاصة الجزيرة، حيث كان عضواً في أمانة التثقيف بالحزب الوطني بالإضافة لكونه رئيس تحرير مجلة أكتوبر، وهو ما جعله لا يتردد في خوض معارك فضائية مع رموز المعارضة المصرية والمحللين السياسيين الذين يختلفون مع النظام.
قد عُرف عن الدقاق أنه إستخدم في معاركه الكلامية كل أسلحة الأكاذيب والشائعات المتاحة له والتي ينسجها من وحي خياله بهدف النيل من رموز القوى السياسية المصرية قبل و أثناء ثورة 25 يناير، حيث كان ناشطاً بين الفضائيات العربية مدافعاً عن شرعية النظام ومستهيناً بالثورة وشبابها.
برع الدَّقاق في إتهام المعارضين بتنفيذ أجندات خارجية تسعى لتخريب البلد، كما أطلق جملة غير مسبوقة من الأكاذيب حين وصف المتظاهرين "بالقلة المُسيَّرة" من أمريكا. كما اعتبر الجمعية الوطنية للتغيير مُجرَّد "مجموعة من المفلسين" الذين فشلوا في الاتصال بالشارع المصري من خلال حركات كفاية و6 أبريل، فحاولوا الالتفاف حول البرادعي القادم من الخارج. و ظل الدقاق ينفى إمكانية حدوث ثورة في مصر على غرار الثورة التونسيَّة بدعوى أنّ الأوضاع في البلدين مُختلفة.
كل هذه الأكاذيب والإفتراءات والأوهام التي دمغت أحاديث الدقاق – من دفاع مستميت عن النظام, والتقليل من شأن المعارضة, وإتهامها بالعمالة لأمريكا, وبالعزلة عن الشارع, ونفي أمكانية وقوع ثورة في مصر تمثل نفس البضاعة التي ظلَّ يُروِّج لها (الخبير) منذ أن أطلَّ بطلعته غير البهيَّة على شاشات الفضائيات مدافعاً عن الحكومة.
آخر ما خرج به (الخبير)على شاشة قناة العربيَّة مُعلقاً على التظاهرات الأخيرة التي شهدتها العديد من مدن السودان وولاياته المختلفة هو أنها : ( مظاهرات محدودة وتم حسمها ), وأنَّ الذين تظاهروا هم مُجرَّد (مجموعات واعداد محدودة تجري من شارع إلي شارع ولا ترفع شعارت سياسية ). وأنَّ ( الذين يحتجون ليس لهم وزناً سياسياً بينما الحكومة تستند الى أوزان سياسية واسعة ممثلة في الأحزاب و مختلف الشرائح الإجتماعية وكافة التوجهات الدينية, هى حكومة عريضة ذات قاعدة سياسية وشعبية ).
نسى (الخبير) والمستشار الإعلامي بزعمه أو تناسى أنَّ العالم قد تغيَّر كثيراً بفضل ثورة التقنية والمعلومات, وأنَّ الصُّور ومقاطع الفيديو المبثوثة على الشبكة العالمية, وتقارير منظمات حقوق الإنسان, و المُنظمات الدولية تكذب إدعاءاته ومحاولته التقليل من شأن ما يجري في السودان.
إنَّ التظاهرات المُستمرَّة منذ أكثر من إسبوعين لا يُمكن أن نطلق عليها ( مظاهرات محدودة ) فنطاقها يتسِّع ويزداد كل يوم. والدليل على ذلك هو ما قالهُ (الخبير) لقناة العربيَّة في أول يوم إنطلقت فيه التظاهرات : ( لا توجد إحتجاجات في المدن الأخرى ولا حتى في امدرمان أو في أي ركن من أركان العاصمة المثلثة ). فها هى الإحتجاجات اليوم تمتدُّ لكل أركان العاصمة والولايات, وهى متواصلة لأنَّ أسباب إندلاعها لم تنتف, وإذا إستمرَّت الأسباب فهى بلا شك ستصل لغاياتها عاجلاً أم آجلاً.
وإذا رأيت من الهلال نموه أيقنت أن سيصير بدراً كاملاً
قال (الخبير) لقناة العربيَّة في رد على سؤال حول إمكانيَّة وقوع تغيير في السودان شبيه بالذي وقع في تونس وليبيا ومصر : ( المقارنة بين الذي يحدث في السودان وما حدث في بعض الدول العربية هى مقارنة غير قائمة أصلاً ولا علاقة بين عناصرها وذلك بالنظر لما يجري في أرض الواقع).
وهى نفس الإجابة التي كان يرُّد بها مجدي الدقاق على سائليه عن إمكانية حدوث تغيير في مصر على غرار تونس. وقد كانت النتيجة الأخيرة لمثل هذا التضليل هى زوال النظام المصري و ذهاب الدَّقاق غير مأسوفٍ عليه إلى مذبلة التاريخ, وهو ذات المصير الذي ينتظر (الخبير) طال الزمن أم قصر.
غير أنَّ حديثاً جاء على لسان مُقدِّمة برنامج " ذا ستريم" على قناة الجزيرة الإنجليزية يوحي بأنَّ دفاع (الخبير) المستميت عن الإنقاذ ليس (لله) وإنما لأشياء أخرى. فقد قالت مقدمة البرنامج أنهم إتصلوا بعددً من قيادات حزب المؤتمر الوطني للمشاركة في حلقة عن التظاهرات الأخيرة في السودان فرفضوا جميعاً إلا شخصاً واحداً إشترط أن يدفعوا له مقابلاً مالياً نظيرمشاركته في الحلقة.
و كانت إحدى المشاركات في حلقة " ذا ستريم " قد كشفت أنَّ فريق الإعداد للبرنامج أبلغهم أنَّ الشخص الذي سيُشارك مُمثلاً لوجهة النظر الحكومية هو الخبير الوطني ربيع عبد العاطي .
إنَّ وضع مثل هذا الإشتراط - إذا ثبت على الخبير الوطني - يؤكد أنَّ الغرض من المشاركة ليس الدفاع عن موقف أو قضيَّة أو قناعات مبدئية أو إظهار الحقيقة كما يراها من جانبه, وإلا لما جازف بترك مساحة البرنامج المُهمة بالكامل لممثلي وجهة النظر الأخري لمُجرَّد أنه لم يتلق مقابلاً مالياً.
إنَّ عدم مشاركة الخبير الوطني - من وجهة نظري المتواضعة - في حلقة برنامج "ذا ستريم" كانت فيها مصلحة مؤكدة للبرنامج, فالرجل الذي يحرص على تزيين إسمهِ بكل هذه الألقاب يتحدَّث اللغة الإنجليزية بركاكة شديدة, وهذا ليس مُجرَّد إفتئات أو تجني , فعلى من يُريد التأكد من هذه الحقيقة الإستماع له وهو يتحدث لذات القناة مُبرِّراً و مُدافعاً عن عبارات " اكسح .. أمسح .. قشو .. ما تجيبوا حي " التي صدرت من الوالي احمد هارون وهو يُخاطب جنود الجيش في معارك جنوب كردفان.
ليس (الخبير) وحدهُ من يحملُ على عاتقهِ عبء الدفاع (الفضائي) عن الإنقاذ, فهناك صحفيٌ آخر من نفس النوع و الفصيلة أقل ظهوراً على الشاشات الفضائية ولكنه ليس أقل (ثقالة) على المشاهد من ربيع عبد العاطي, يُدعى سيف الدين البشير, ستكون لنا معهُ وقفة في مقال قادم إذا مدَّ الله في الآجال.