المناضل محمد الحسن الطيب (السروراب) … شموس الظل !

 


 

 



هناك شريحة كبيرة من مناضلى هذا الوطن يستحقون أن نطلق عليهم شموس الظل ، فقد آثروا أن يهبوا عطاءهم الوطنى بتجرد تام دونما اهتمام ببريق التمجيد وهالات الضوء ... رجال نازلوا المستعمر ومن بعده أنظمة القهر والشمولية ببسالة نادرة وهمة وطنية عالية ، وعاشوا نضالاتهم المجيدة دون أن يُحظوا بمجرد إنتباهة تقدير ووفاء من الوطن الذى عشقوه والشعب الذى وهبوه شبابهم وعافيتهم وقوت أولادهم ... رحلوا عن هذه الدنيا فى تواضع وصمت نبيل وجليل وهم لا يملكون من حطام الدنيا إلا هذا السجل المشرف من العرق والدم والدموع التى بذلوها على تراب الوطن ... كانوا يغشون الوغى فى شجاعة وجرأة ويعفون عند المغنم فى إباء وشمم . من هؤلا البواسل المناضل الوطنى والإتحادى الجسور العم الراحل محمد الحسن الطيب من أهلنا السروراب فى شمال امدرمان .
محمد الحسن الطيب حظىّ  بقدر يسير من التعليم لكونه من مواليد العقود الأولى من الحقبة الإستعمارية إلا أنه ومنذ بواكير شبابه كان يملك وعياً نضالياً والتزاماً وطنياً رفيعاً لا تجده حتى فى أوساط المتعلمين الذين استكان بعضهم لشهوات الوظيفة وبريق (الميرى) وسطوته ، فعمل طوال حياته (ترزياً ) فى سوق امدرمان ... تلك كانت مهنته التى يكابد بها الحياة إلا أن مهنته الأساسية فى نظرى كانت النضال الوطنى ولا شىء سواه ، فانخرط فى النضال ضد المستعمر وضد مؤسساته المشبوهة مثل المجلس الإستشارى لشمال السودان والجمعية التشريعية وعرف وحشة السجون وكآبة الزنازين منذ ذاك العهد الباكر . وعندما جاء الإستقلال بإسهام مقدر من حزبه .. الحزب الوطنى الإتحادى وبقية الأحزاب الوطنية ، لم يتكسب من نضاله وتوارى فى الظل غير عابىء بطلب المغانم وآثر أن يكون بين الشرفاء والبسطاء من أبناء الشعب . ثم جاء عهد عبود وراح محمد الحسن الطيب يشحذ أدوات نضاله من جديد ضد القهر وتغييب الحريات فدخل السجن أكثر من مرة ليخرج منه أكثر تصميماً ووعياً بقيمة الحرية والديمقراطية .
ثم جاء عهد مايو وكان المناضل الراحل محمد الحسن الطيب ومنذ اليوم الأول فى طليعة منازليه .. لم يهن عزمه النضالى أو يفتر جراء الصدام مع سنوات مايو الطوال وظل نزيل سجونها لعشرات المرات حتى مرض وأصبح يبصق دماً بفعل سنوات السجن المتلاحقة وانعدام الرعاية الصحية وضيق ذات اليد . ومن المعروف عنه أنه كان يضع (شنطة ) صغيرة بها إحتياجات السجن والمعتقل بجوار ماكينة الخياطة التى يتعيش منها تأهباً للإعتقال فى أى لحظة . وعندما عرف الراحل الشريف حسين الهندى بمرض المناضل الجسور ووطأة السجون على عمره أرسل له تذاكر الطائرة ونثريات السفر يدعوه للعلاج بلندن ، إلا أن الرجل إعتذر بلطف للشريف فقد عدت نفسه الشفيفة الزاهدة حتى جرعة العلاج التى يحتاجها جسده الناحل تكسباً لا يليق بما وهبه طوعاً للوطن وللحرية . ومن المحزن أن يرحل محمد الحسن الطيب وتفيض روحه الطاهرة الى بارئها بعد أيام من خروجه من المعتقل دون أن يرى اليوم الذى تاقت نفسه لرؤيته والذى مهره بعافيته وسنوات سجنه الطوال وقوت عياله  .. يوم سقوط النظام الشمولى فى ابريل 1985 .
العم المناضل محمد الحسن الطيب عليه رحمة الله يظل نموذجاً باهراً لشرفاء هذا الوطن وبسطائه الذين عشقوا بالفطرة قيم الحرية والديمقراطية ، ونازلوا المستعمر والأنظمة الشمولية ببسالة وجسارة ... هو أحد شموس الظل التى توهجت وتوارت بطوعها بعيداً عن الأضواء فى تواضع وطهر ، ولم تتاجر أو تتكسب بسجل النضال الحقيقى كما يفعل أصحاب النضالات الكاذبة فى يومنا هذا . 
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

 

آراء