بيت الضيافة: التحقيق الذي يكذب الغطّاس (3 من 21)

 


 

 



أسعدني ظهور الأستاذ على شمو على برنامج الأستاذ الطاهر حسن التوم "مراجعات" على النيل الأزرق ليتحدث عن مذبحة بيت الضيافة في ذكراها في يوليو ا2010. فشمو ذاكرة إعلامية وسياسية معروفة. واختط الطاهر عادة التعريج على ذكرى المذبحة منذ 2008 يستدعي الموافقين من شهود العيان ليدلو بدلوهم. وهمة الطاهر موجبة الثناء ل"الباشون" الذي من ورائها. والباشون من passion ونعربها إهمالاً ب "عاطفة" ولكن "الحمية" أقرب إلى المعني الإنجليزي. وللطاهر فيض منها جعله يتعقب واقعة بيت الضيافة. فتاريخه هو ذاته منطو فيها لتسميته على عمه الضابط "الطاهر" التوم شهيد تلك المذبحة، صغير وجاهل. ومما يحمد للطاهر التزامه الأمانة في برنامجه بعرض طيف الآراء والذكريات. فالحيدة مستحيلة ولكن الأمانة واجب.
وصيد الطاهر هذه المرة ثمين. فما أن جاء شمو حتى فتّح أراشيفاً وذخائر لدراسة انقلاب 19 يوليو وذيوله الفاجعة لم تخطر على قلب بشر قبله. مثلاً: نبه إلى أن الصحفية المصرية مريم روبين غطت الانقلاب على أوسع نطاق. ولن يستغني الباحث فيه عن الرجوع إلى رسائلها إلى جريدة "الأخبار" المصرية. ولم تأت روبين على بالي رغم انشغالي بالتأرخة لانقلاب يوليو. ثم دلنا شمو على تقريرين عن الانقلاب أنجزتهما الحكومة. أما الأول فتقرير شارك فيه وهو رصد وقائع تلك الأيام بلا تحليل. وقال إنه لابد موجود بمجلس الوزراء. ثم تقرير مولانا حسن علوب الذي تقصي المسئولية السياسية عن الانقلاب. ووافق شمو الطاهر في أنه اختفى. وليس هذا بصحيح. فنسخ منه متداولة وقد لخصه المرحوم القدال وعلقت أنا على بعض مسائله. أما أميز ما جاء عند شمو من الوثائق فهو الفلم الذي حمضه الضابط بالتوجيه المعنوي محمد جاد الله جبارة (ابن السينمائي المعروف). وكان عن محاكمات الشجرة وإعدامات الدورة. ورآه شمو وقال إن ذلك أسهده. ورجح شمو أن الصور لابد أنها بخزائن الاستخبارات.
وبالطبع اختلفت مع  شمو في نفيه نظرية صدف أن كنت من مروجيها تقول إن الذي قتل ضباط بيت الضيافة هي قوة ثالثة من صف الضباط أرادت بانقلابها أن تزيح دولة النميري وهاشم العطا بضربة واحدة. ووصفها بأنها "نسج خيال غير مقبول". ولم يأت مع ذلك ببينة مٌفسِدة لنظريتنا. بل أثبت كغيره أن دبابة من هذه القوة (التي نسميها الثالثة) بلغت دار الضيافة ودار "ضرب عنيف جداً" حولها كما خبَّره  السيد حسني حواش بالتلفون من وكالة السودان للأنباء المطلة على بيت الضيافة. وضرب الدبابة العنيف ذاك هو ما نستدل به على وجود القوة الثالثة في نظريتنا. فقد جاءت دبابات للقصر (الذي صورة الضرب والمضروب فيه أوضح لتوافر الروايات عنه) من نفس القوة المناهضة للانقلاب وضربت مبناه ياستهتار لا يدل على أنها حرصت على حياة من فيه بما فيهم نميري الذي يريدون استعادته للحكم في المزعوم. فقد حكى نميري نفسه عن هذا الاستهتار واضطراره للرقاد أرضاً لتفادي الرصاص الذي نفذ إلى حجرته.
أما حجة شمو الأخرى في نسبة نظريتنا إلى "نسج الخيال" فهي مجرد قياس منطقي منبت عن "هرجلة" التاريخ. فقال إنه من العسير تصور مايوياً مثل اللواء خالد حسن عباس يقتل أخاه الشهيد. ولم نقل نحن بذلك. قلنا إن قوة أخرى هي التي فعلت ذلك طمعاً في الحكم الذي كان ملقياً على قارعة الطريق.
بغض النظر فكلنا على قلب رجل واحد أن نخضع المذبحة إلى تحقيق سابغ نفرغ منه  في ذكراها الأربعين في 2011.
Ibrahim, Abdullahi A. [IbrahimA@missouri.edu]

 

آراء