تسمع ما تشتهي

 


 

 


aalbony@gmail.com

تقول الطرفة ان شيخ الشكرية ود اب سن كان كارها لدرجة الغليان للثورة والدولة المهدية وكان احدهم ياتيه بين الحين والاخر من ام درمان ناقلا له اخبار سئية عن الدولة المهدية في زمن الخليفة عبد الله كالخلافات بين اولاد البلد واولاد البحر والصراعات بين الاشراف والصراعات العشائرية والقبلية ومهددات الغزو الخارجي وكل مايشئ بان الدولة المهدية على وشك الذهاب وكان ذلك الرجل (بكب عليها كوزين موية ) لكي يسعد ود اب سن اكثر ومن جانبه كان الشيخ يكرم وفادته ويجزل له العطاء فقيل لود اب سن ان هذا الرجل غير صادق وانه يبالغ في تلوين الاخبار فكان رد ود اب سن (انا عارفه كضاب الا كلامه حلو)
موقف ود اب سن اعلاه يدخل فيما يمكن تسميته السماع الرغائبي قياسا على التفكير الرغائبي (وش فل ثنكنق) كما يقول الانجليز وهو ان لاتفكر بحسب الوقائع الموضوعية التي امامك بل بما تشتهي وترغب ان ينتهي عليه الامر اي تفكر تفكيرا منحازا لرغبتك فالسماع الرغائبي يصبح هو انك تريد ان تسمع الكلام الذي يسرك وليس الواقع كما هو فهذا النوع من السمع يجعلك تجهل وعن عمد وقائع هامة اخرى موجودة وتبلغ الخطورة مداها اذا بنيت تصرفاتك على هذا السمع الرغائيي فتصبح قائمة على حيثيات غير حقيقية وبالتالي سوف تصل الي نتائج مؤذية بك
يبدو ان ظاهرة السمع الرغائبي موجودة  بكثرة في بحرنا السياسي السوداني حكاما ومعارضين ومحكومين خاصة الحكام لان لديهم وسائل كثيرة للسماع الرغائبي فهم يشاهدون ويسمعون الاعلام الذي يسيطرون عليه سيطرة تامة فلايعكس الا صورهم ومايرضيهم ومع ذلك يصدقونه لابل ينغلقون عليه ولايطلعون على ما سواه ولعل هذا ايضا ما يسمى احيانا بالثغرة التلفزيونية فالتلفزيون كما هو معلوم يكبر الاشياء فالاشياء الصغيرة عندما تعكسها الشاشة وتشاهدها الدنيا تصبح كبيرة ليس لان حجمها كبير بل البث التلفزيوني هو الذي كبرها
بعيدا عن التجريد لناخذ مثلا تطبيقيا للسماع الرغائبي فيما يجري بين دولتي السودان ودولة جنوب السودان فالمفاوضات بينهما مازالت ترواح مكانها وستظل ترواح مكانها مش لو التقى الرئيسان فحتى لو قادها الرئيسان واقاما في اديس او بحر دار اسابيع متواصلة فكل الدلائل تشير الي انهما لن يصلا لشئ ليس انتظار لقرار من مجلس الامن بعد الثاني من اغسطس بل لان اي من الطرفين ينتظر جثة الاخر في بلده بمعنى جوبا تنتظر نهاية الانقاذ في الخرطوم والخرطوم تنتظر نهاية الحركة الشعبية في جوبا فما تسمعه جوبا عن الخرطوم يقول ان الوضع السياسي فيها لم يتبقى له الا ايام معدودة وماتسمعه الخرطوم يقول لها ان حكومة الجنوب تبقت لها ساعات وسوف تصبح في خبر كان وبهذا لن يصل الطرفان لاي اتفاق .
نحن في السودان حكام ومعارضين وصناع راى محتاجين بشدة للتخلص من افة التفكير والسماع الرغائبي فالرغائبي يعني في المقام الاول خداع الذات بحجبها عمدا عن رؤية الواقع كما هو ومن ثم نبني سياسات واقعية وليس سياسات مشتهاه فالمقدمات الخطا تقودا حتما لنتائج خطا

 

آراء