رسائل الإمتاع والمؤانسة …. (1)

 


 

 



ما بين حسن عمر الأزهرى (هرى) وأحمد محمد سعد !
أنا أعشق الأوراق القديمة المطوية وأعشق حتى رائحة الغبار الذى يعلق بها ، فالمعاصرة ليست السبيل الأوحد للمعرفة الممتعة ولكن نفض هذا الغبار وفض الرسائل المطوية هو سبيل آخر . فى عام 1946 إنشطرت كلية غردون (مدرسة السودان الثانوية الحكومية الوحيدة) الى قسمين فبرزت من عرينها وادى سيدنا وأنبرت من قرابها حنتوب كما قال صاحب ديوان الأحرار أحمد محمد صالح .وتم توزيع أساتذة الكلية على المدرستين الجديدتين بعدالة تامة ، ففرح أولاد حنتوب بنصيبهم من الأساتذة ومن بينهم الزعيم الأزهرى على الرغم من أن رجله لم تطأ حنتوب وأعلن : (حنتوب ومش حنتوب .. مش حنتوب) ، وأحمد محمد صالح نائباً لناظرهم مستر براون، وشاعر العروبة عبد الله عبد الرحمن الضرير، وشاعر الإخوانيات الظريف عبد الحليم على طه ، فملأ الشعر كل ركن فى حنتوب .
وفى أوائل الخمسينات جىء بالشيخ حسن عمر الأزهرى الى حنتوب وكان شاعراً تقليدياً مجيداً وأبتدع شعراً مقفى بالكلمات الإنجليزية من شاكلة (ايديوكيشن) ، كذلك جاءت التغييرات بمعلم نابغة فى العلوم والرياضيات وهو الأستاذ أحمد محمد سعد ولعله أول طالب سودانى يحرز خمس تقديرات   إمتياز   Distinctionsفى إمتحان شهادة كيمبردج المدرسية فى أواخر الثلاثينات، وهو شاعر فذ خاصةً فى الإخوانيات . وكان من حظه وحظ الشيخ عمر حسن الأزهرى أن يلتقيا فى حنتوب فدار بينهما شعر كثير أزكى روح الأخوة والمرح التى ورثتها حنتوب عن أحمد محمد صالح وشيخ عبد الله عبد الرحمن الضرير وعبد الحليم على طه . والشيخ حسن عمر الأزهرى أُضيفت صفة (أزهرى) لإسمه لأنه درس فى الأزهر الشريف ثم فى قسم العرفاء بكلية غردون ، واختصر الأستاذ أحمد سعد هذا الإسم الطويل بالإسم الإنجليزى (هارى) وقد أثار هذا إعجاب الكثيرين كما أثار إعجابهم ترجمته لأغنية يغنيها أهل اسكتلندا ساعة الفراق (أولد لان زاين) فنظمها فى أبيات لا تزال خالدة الى يومنا هذا : هل ننسى أياماً مضت لن ننسى ذكراها ... لن ننسى أياماً خلت مرحاً قضيناها .
وعندما نُقل الأستاذ أحمد محمد سعد من حنتوب الى بخت الرضا فى يوليو 1950 أرسل له (هرى) هذه الأبيات ، ووجه الطرافة فيها أنه يذكّره فى البيت الأخير بـ (أربعة جنيهات) كان سعد قد إستلفها من (هرى) خلال رحلة للقضارف ولم يردّها :
لقد جمعت حنتوب بينى وبينكم ... زماناً ولكن الزمان قصير
كما ضمنى فيها وإياك مكتب   ... صغير ولكن فى العلوم كبير
وكنت لنا فى الشعر خير مساعد .. ورأيك فى كل الأمور نصير
أسفنا على النقل الذى جاء بغتةً ... فحنتوب فيها لوعة وسعير
أيُترك فيها من نود فراقه       ... ويُنقل منها صاحب وسمير
ولسنا على يأس بأنك راجع   ... تطير إلينا أو إليك نطير
فهل أنت ناس بالقضارف رحلة .. وأنت على رأس الجميع أمير
ويربطكم معنا على البعد (أربعُ) ... فهل تتذكر ما إليه أشير ؟

ويبدو أن سعداً قد تذكر جيداً ما كان (هرى) إليه يشير فأرسل له من بخت الرضا يهجوه ويعرّض بطلبه لدين الأربعة جنيهات وهو يقول :

ألا يا هرىّ طال منك زئير ... وعمت ربوع الأرض منك شرور
بعثت الىّ اليوم تطلب أربعاً ..  إلا أن هذا الأمر جدُّ عسير
ألم تدر أن الدين يذهب نصفه ... هباءً وأما نصفه فيطير
رعا الله أيام القضارف إننى ... أحن إليها أو أكاد أسير
فكم قد قضينا فى رباها هنيهةً .. يقوم علينا صاحب وسمير
فإن رمت شعراً صغت منه قوافياً .. وإن رمت حمداً فالثناء كثير
وأما وفاءُ للديون فإنه          ... لأمر عزيز يا هرىّ كبير
وقالوا هرىّ يطلب اليوم دينه ... فقلت لهم إن الهرىّ عوير

* السبت القادم نواصل إنشاء الله رسائل الإمتاع والمؤانسة ما بين سعد وسحبان بن (هرى) لنعرف مصير الأربعة جنيهات .

fadil awadala [fadilview@yahoo.com]
///////////////

 

آراء