وزير الخارجية كرتي للصحافة: إذا اقتضى الحال أن أكون أشرس رجل في السودان فلن أتردد!!
"الصحافة" في حوار خاص مع وزير الخارجية علي كرتي من ڤينا:
إذا اقتضى الحال أن أكون أشرس رجل في السودان فلن أتردد!!
حاوره في ڤينا: طارق شريف
اخترقت البروتكول وتقدمت نحو السيد وزير الخارجية مباشرة وهو يجلس في بهو فندق هيلتون ڤينا، وكان يستعد للعودة للخرطوم، ومنذ اليوم الأول وأنا أحاول أن أرتب لحوار مع الوزير، ولكن لا الزمن ولا الظرف كانا مناسبين لاجراء حوار، كيف يمكن لك ان تلتقي لساعة او نصف الساعة رجلاً ظل في حركة مستمرة منذ وصوله لمطار ڤينا في لقاءات مباشرة مع المسؤولين النمساويين ولقاءات اكثر اهمية مع وزير الخارجية النمساوي، ولقاءات سياسية مع حزب الشعب النمساوي، والتنسيق مع سفارة السودان بڤينا ليخرج مؤتمر ومعرض العلاقات السودانية الاوروبية في صورة جيدة نجحت في تحسين صورة السودان الذي يرتبط بالحرب والمعاناة في الذاكرة الاوروبية، وفي المؤتمر فرصة سانحة لتحسين الصورة مع مشاركة «51» دولة أوروبية، وفضلاً عن ذلك فقد كانت المخاوف من إلغاء المؤتمر في اللحظة الاخيرة، كما حدث في مؤتمرات مماثلة قائمة.. وفي مثل هذه الاجواء كانت محاورة السيد وزير الخارجية مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة.
ووافق وزير الخارجية في اليوم الاخير على اجراء الحوار معه، وفتح قلبه لـ «الصحافة»، وتحدث لاول مرة عن شخصيته، وقدم وجهات نظره في عدد من القضايا المهمة، وأيقنت منذ اللحظة الاولى ان الصحافي الذي يريد ان يحاور الأستاذ علي كرتي عليه ان يكون متقد الذهن، وأن يطرح السؤال المناسب في الوقت المناسب، لأن علي كرتي يتميز بحضور واسع، وقدرة على السباحة ضد تيار الأسئلة الساخنة، وهو يشرب عصير الاسئلة الساخنة كأنه يتناول كوباً من عصير البرتقال الطازج.
٭ حدثنا عن منتدى العلاقات السودانية الأوروبية بالنمسا؟
ــ المنتدى الاقتصادي الذي أقيم بشراكة مع النمسا ودول اوربية عديدة كان تظاهرة سياسية واقتصادية كبيرة، تم فيها تناول الاوضاع السياسية وتطورها في السودان واوضاع السلام. والتطورات الاخيرة التي جرت في اديس ابابا في تقديري اعطت روحاً جديدة لهذا الاجتماع الكبير الذي شارك فيه عدد كبير من السياسيين والاقتصاديين من السودان وبنوك ورجال اعمال، بالاضافة الى نظرائهم من النمسا ودول اوروبية عديدة فاقت الـ «51» دولة. وفي تقديري أن اوروبا لم تشهد هذا التوافد.
٭ المشاركون من أوروبا كان عددهم كبيراً؟
ــ بشهادة الكثيرين من السودان ودول العالم لأول مرة يكون المشاركون من الخارج اكثر من المشاركين من الداخل، رغم اننا اجتهدنا، وكان المشاركون من السودان اكثر من «07» شخصية، والعدد كان كبيراً جداً من أوروبا، مما يدل على الاهتمام بالسودان.
٭ من هم أبرز المشاركين؟
ــ مجالات الاقتصاد المختلفة، وشاركت البنوك وجهات تمويلية عديدة، وحضر البنك الاسلامي للتنمية، وحضرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، وأيضاً حضرت بنوك عربية مستقرة في السودان وبنوك اوروبية وبنوك نمساوية.
واليوم الثاني شهد ندوة مهمة بين المهتمين بالتمويل من داخل السودان ومن خارج السودان، فمن داخل السودان شارك بنك السودان وبنوك سودانية وبنوك عربية مقرها السودان، وعدد من العاملين في مجال المال والأعمال والاقتصاديين، ومن الخارج شارك البنك النمساوي المركزي وبنك الصادرات الشيكي، وعدد من المهتمين ورؤساء الغرف التجارية، وتناولوا شكوكاً كثيرة كانت تنتابهم تجاه تمويل الصادرات والتجارة مع السودان.
٭ وهل أزيلت هذه الشكوك؟
ــ اتضح لهم أن هناك مفاهيم مغلوطة بثت تجاه هذه المسألة، واتضح أن هناك فرصاً كبيرة لتمويل الاستثمارات والتجارة، بحسب الإفادة من بنك السودان والبنوك السودانية الاخرى.
٭ هل هذا المؤتمر بديل لمؤتمر تركيا؟
ــ لا، هذا ليس بديلاً لأي مؤتمر، هذا مؤتمر نشطت فيه علاقة خاصة مع حزب الشعب النمساوي ومكوناته في الحكومة، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وعضويته المؤثرة في البرلمان ومركز الدراسات التابع لهذا الحزب، وعلاقات هذا الحزب باحزاب شعب أوروبية في الجوار الاوروبي، واستقطبوا عدداًً من التجار ورجال الاعمال من اتجاهات مختلفة.
وهذا مؤتمر خاص تقيمه النمسا بشراكة مع السودان ولا علاقة له بأي مؤتمر.
٭ ما هي أهم أسباب الاختراق في أوروبا؟
ــ خصوصية العلاقة مع حزب الشعب النمساوي كانت لها أثر كبير، فحزب الشعب ينأى بنفسه عن اية مواقف ثابتة لا تتأثر بالمتغيرات، وهو حزب يتفهم مشكلات العالم الثالث وافريقيا، ومنذ فترة طويلة ركزنا على هذه العلاقة حتى أثمرت هذه النتائج، والنمساويون شعب دائماً يحب أن يكون وسطياً بطريقة ايجابية، بمعنى انه لا يحب ان يتخذ مواقف حادة تجاه الآخرين.
٭ وماذا كان موقفهم في ما يتعلق بالخلافات بين السودان ودولة جنوب السودان؟
ــ لم يقفوا في صف أي طرف من الاطراف، وحرصوا على تقديم بدائل وحلول، وتولوا إقامة منتديات مختلفة لصالح العلاقة بين البلدين، ولصالح الاستفادة من الميزات بين الشعبين، ولكل هذا وعدة اسباب اخرى صارت النمسا محط اهتمامنا وتركيزنا، وفي النهاية اثمر هذا التركيز إحداث هذا الاختراق.
ولعله لم يكن اختراقا في النمسا فقط، وانما كان اختراقاً بواسطة النمسا للاتحاد الاوروبي نفسه.
٭ البعض يقول إن النمسا دولة صغيرة مقارنة مع دول أوروبية اخرى، وبالتالي فإن تأثيرها محدود؟
ــ إذا كانت النمسا دولة صغيرة فكيف استطاعت أن تستقطب اكثر من «51« دولة اوروبية، وتقديرنا انهم ناشطون جداً في اوروبا، والدول لا تقاس بحجمها ولا بعدد سكانها، وانما بالقبول الذي تجده من الدول الاخرى. والنمسا لها دور كبير ومؤثر في اوروبا، وقد شكك البعض في ان النمسا لا تستطيع اقامة هذا المؤتمر، ولكنها اخترقت كل الحجب وأقامت هذا المؤتمر، وانت تعلم الضغوط التي تجدها النمسا من جهات اخرى، ورغم ذلك لم يتلفت المسؤولون النمساويون وأقاموا هذا المؤتمر.
٭ هل تقصد أن النمسا تعرضت لضغوط من الولايات المتحدة الأميركية أو بعض الدول الاوروبية بغرض منعها من اقامة هذا المؤتمر؟
ــ هناك عدة مؤتمرات أوقفت تحت الضغوط، مثل مؤتمر تركيا، ومؤتمرات كثيرة كان يراد اقامتها لصالح علاقة اقتصادية أو سياسية مع السودان، وبإشارات من بعض الدول توقفت، ولا اعلم ان هناك ضغطاً مباشراً على النمسا، ولكن الاجواء كانت واضحة، ومن يقيم مثل هذا المؤتمر يعلم انه يسبح ضد تيار غربي كبير.
٭ كيف تنظر لمشاركة ممثل من حكومة الجنوب في مؤتمر النمسا؟
ــ الدعوة قدمت لحكومة الجنوب للمشاركة، ولكن لم يكن هناك اهتمام بسبب الخلافات، ولكن توقيع الاتفاقية أسهم في أن تكون هناك روح جديدة. والمشاركة كانت جيدة، حيث مثل حكومة الجنوب البروفيسور الياس نيام ليل، وهو شخصية معروفة بايجابياته وحرصه على علاقة جيدة مع السودان، واعطانا دفعة بحضوره والحديث الذي القاه حول امكانية تطوير العلاقة بين السودان وجنوب السودان، وامكانية افادة الدولتين من شريك ثالث مثل النمسا.
٭ كيف تنظر لانعكاس التعقيدات السياسية الداخلية على السياسة الخارجية للدولة؟
ــ كلما كانت هناك تعقيدات داخلية كان ذلك له أثر كبير علينا في العمل الخارجي. وانجاز مثل هذه الاتفاقيات كالاتفاق الاخير بين السودان وجنوب السودان سيفتح الباب واسعاً كما فتح الباب باتفاقية السلام، وحاول البعض التعمية عليها والتغبيش، ثم بعد ذلك جاءت فرصة لإقامة الاستفتاء وفرصة اخرى للاتفاقيات الاخيرة، ولم تكن هناك عقبات رغم محاولات البعض التشويش على عملنا، خاصة أن ما ينشر عن السودان غير صحيح، واتضح للبعض ان هناك معلومات مغلوطة تبث عن المشكلات التي نعانيها، وهذا قدرنا، وليس هناك بلد ليست فيه مشكلات، والآن اتيحت لنا فرصة واسعة، ولا بد لنا أن نستفيد من هذه الاجواء الايجابية، ونأمل ألا نضطر للعودة مرة اخرى باسباب تفتعلها جهات لا تحب أن يخرج السودان من هذا الموقف.
٭ هل ناقش المؤتمر موضوع ديون السودان؟
ــ عموماً جميع المشاركين تلمسوا هذا الموضوع، وكانت المطالبات واضحة بالنسبة لاوروبا لاتخاذ موقف، باعتبار ان السودان وجنوب السودان انجزا هذه الاتفاقيات الخارجية. وباعتبار أن ذلك مسألة أساسية لتنفيذ اتفاق السلام الموقع بين شمال السودان وجنوب السودان.
وتناول المنتدى الثاني هذه المسألة وضررها على الاقتصاد والمواطن السوداني أكثر من الحكومة السودانية، وأقيمت مائدة مستديرة تناولت موضوع الديون شارك فيها الاتحاد الاوروبي، وخرجنا بالتزام اوروبي ونمساوي بتحريك هذه المسألة.
٭ شهد المؤتمر توقيع بعض الاتفاقيات بين جهات نمساوية وسودانية؟
ــ لست مهتماً بالاتفاقيات، ولكن أن يستمع العالم لأول مرة للسودان بهذه الصورة الإيجابية، وأن يتعرف على فرص الاستثمار، وأن يتعرف على جهات ناجحة، فإن ذلك كان من النقاط الساطعة البيضاء، واتوقع ان ينعكس الامر على مناخ الاستثمار الخارجي في السودان، والكثير سيأتي بعد الآن.
٭ الثقافة كانت احدى الوسائل لاختراق اوربا؟
ــ واحدة من أسباب الاختراق في اوروبا البعد الثقافي، واوربا كانت لا تعرف عن السودان الا الحروب والمشكلات، فكانت هناك فرصة للتعرف على تاريخنا والآثار، وفرص للتعرف على الفنون التشكيلية من خلال مشاركة الدكتور راشد دياب واهدائه لوحاته لبعض المسؤولين النمساويين، وكذلك مشاركة الاخ الموسيقار حافظ عبد الرحمن، واعتقد ان الثقافة احدثت اختراقا مهماً اكثر من الندوات السياسية والاقتصادية.
٭ كيف تنظر للنقد الذي يكتب عنك في الصحف؟
ــ أنا شخصية عامة، ولكن احب ان يجد من يريد ان يكتب عني فرصة للتعرف الشخصي، ويمتلك المعلومات الصحيحة حتى لا يكتب كلاماً من غير تثبت وفيه تجنٍ ومعلومات خاطئة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعين بعضنا على نفسه بألا يجني عليها بهذا الحديث.
٭ هل تتأثر بالنقد الذي يكتب عنك؟
ــ أنا إنسان.. وكيف لا يؤثر في ذلك، ولكن ليس بامكاني ان آخذ سيفاً وأحارب.
٭ هل يمكن أن تقاضي صحيفة تنتقدك؟
ــ إذا كانت الكتابات فيها الجانب الشخصي المباشر هنا نقدر الأمور بقدرها، ولكن إذا كان الحديث حديث سياسة عام فلا ضير.
٭ يقولون إن علي كرتي من صقور الإنقاذ، ولكن بعد توليك وزارة الخارجية قدمت مواقف معتدلة.. ما سر هذا التحول؟
ــ الناس يحبون ان يروا الشخص في حالة واحدة، واذا اقتضى الامر ان أكون اشرس رجل في السودان فلن اتردد، ولكن تولي ملف مثل الخارجية يقتضي أن تكون للإنسان ضوابط محددة يتطلبها العمل الدبلوماسي.
٭ هل تؤمن بالدبلوماسية الناعمة؟
ــ الدبلوماسية الناجحة ليست هي المواجهة باستمرار، ولا الدبلوماسية الناعمة على طول الخط.. الدبلوماسية هي اختيار الموقف الصحيح في اللحظة الصحيحة، واختيار الكلمات المناسبة.. ولهذا السبب فرصة للحديث بدبلوماسية إن كان قوياً او بصورة ناعمة.
٭ في وزارة الخارجية يقولون السيد وزير الخارجية، وفي دوائر الصحافيين يقولون الاستاذ كرتي، والمقربون منك يقولون «مولانا كرتي» بماذا تحب ان يناديك الناس؟
ــ علي كرتي.
٭ ما هو انطباعك عن مؤتمر النمسا؟
ــ شهدت مناسبة كبيرة، وشهدت فرحة كبيرة حتى لدى الاوربيين، وهذا انجاز كبير يدل على الروح العامة، وهناك نجاح للعمل، واتمنى ان يتكرر الأمر في مناطق اخرى من أجل السودان.
٭ ماذا تريد أن تقول في الختام؟
ــ أشكر الإخوة في وزارة المالية على اهتمامهم، وميزانيات وزارة الخارجية لا تكفي لإقامة مثل هذه المؤتمرات، ولكن اهتمام وزارة المالية والأخ وزير المالية شخصياً بالعمل الخارجي ساعدنا في إنجاز المهمة.
وأشكر الأخ والي الخرطوم على اهتمامه بالعمل في السفارات، وأشكر الشركات والبنوك وولاية نهر النيل التي مثلها وزير الزراعة، وأشكر المؤسسة العربية لضمان الاستثمار والبنك الاسلامي للتنمية.
وأعتقد أن المؤتمر ساعد في إعطاء صورة صادقة عن السودان، وعن حقيقة الأوضاع في السودان، وأشكر الصحافيين والفنانين، ونأمل أن تتاح لنا فرصة أخرى للعمل سوياً من أجل السودان.