حول أصول سكان السودان -28-
من هم سكان السودان قبل ظهور المسميات القبلية الحالية
سكان مملكة علوة 2
الديجيون
عرف ابن سليم في كتابه أخبار النوبة (في مسعد ص 100) الديجون بأنهم جنس مولد بين العلويين والبجة على نهر عطبرة. ويبدو أن وضع ابن حوقل الديجيين على نهر عطبر يحتاج إلى بعض المراجعة، فابن سُليم زار مناطق النيل لكنه لم يعرج إلى المناطق الشرقية وكتب مادته عنها عن طريق الروايات التي وصلته عن الديجيين - كما ذكر- أثناء وجوده في مملكة مقُرة. فأغلب الظن أن الديجيين الذين ذكرهم منسوبون إلى دُجن وهي منطقة دلتا القاش، فهم "الدجيون" واختلط الأمر على مُخْبر ابن سُليم وجعلهم على نهر عطبرة بدلاً من القاش.
أهل تفلين
وردت الإشارة إلي أهل تفلين عند ابن حوقل (صورة الأرض ص 74) ولم يذكر أسمهم بل نسبهم إلى منطقة تفلين التي ذكر أنها تقع بين أعالى خور القاش شرقاً وحتى حدود مملكة علوة غرباً. قال ابن حوقل يصف وادي القاش ودلتاه:
"والنهر المعروف بالدجن يأتي من بلد الحبشة فينقطع في أعمال دجن ومزارعها، ودجن هذه قرى متصلة ذوات مياه ومشاجر وزرع وضرع. وإلى وسط هذا الوادي تفلين قرى أيضاً للبادية منهم، ينتجعونها للمراعي حين المطر، ولهم ملك مسلم يتكلم العربية من قبل صاحب علوة. ويختص أهل تفلين بالإبل والبقر ولا زرع لهم، فيهم مسلمون كثيرون من غير ناحية على دينهم يتجرون ويسافرون إلى مكة وغيرها."
اتفق الباحثون كم ذطكر كراوفورد (The Fung Kingdom of Sennar p 96.) أن الدجن أو الدكن كما يرد بعض الأحيان هو وادي ودلتا القاش، وقد عرفت دلتا القاش ببلاد التاكا. ويبدو وادي القاش- من وصف ابن حوقل - مأهولاً بالسكان، وفي وسطه تفلين. وقد يفهم من حديث ابن حوقل أن بعض أهل تفلين مستقرين على الوادي وبعضهم بدواً ينتجعون قرى تفلين للرعي، ولكنه أضاف أيضاً أن أهل تفلين يختصون بالابل والبقر ولا زرع لهم، وربما أراد بهؤلاء البدو منهم.
ويوضح نص ابن حوقل أن حدود مملكة علوة تمتد شرقاً حتى وادي القاش أي منطقة كسلا الحالية حيث امتدت مملكة تفلين التي كانت تابعة للملكة علوة. كما يوضح النص انتشار الاسلام المبكر في المنطقة الشرقية لمملكة علوة، وقيام مملكة اسلامية وانتشار اللغة العربية منذ القرن الثالث الهجري (9 م) وهو الوقت الذي كتب فيه ابن حوقل. وربما كان انتشار الاسلام وقيام المملكة قد سبق هذا التاريخ. كما اتضح نشاط مملكة تفلين وعلاقاتها التجارية بالعالم الاسلامي، وقد أشرنا من قبل إلى أن مملكة علوة كانت منفتحة في علاقاتها بالعالم الاسلامي بعكس مملكة مقُرة.
الكرنينا
ذكر ابن سليم أن الكرنيكا يسكنون "الجزيرة الكبرى الواقعة بين البحرين" ويقصد بالبحرين هنا النيلين الأبيض والأزرق، فهو يعبر بـ "البحرين" بدلاً من النيلين كما يعبرعامة السودانيين اليوم. ولم يذكر عنهم سوى القصة التي رواها عن زراعتهم والتي لخصها أيضاً أبو صالح الأرمني. وفيما يلى ما أورده ابن سليم:
"ومما في بلده من العجائب: أنّ في الجزيرة الكبرى التي بين البحرين جنساً يعرف بالكرنينا لهم أرض واسعة مزروعة من النيل والمطر، فإذا كان وقت الزرع خرج كل واحد منهم بما عنده من البذر، واختط على مقدار ما معه وزرع في أربعة أركان الخطة يسيراً، وجعل البذر في وسطه الخطة وشيئاً من المزر، وانصرف عنه فإذا أصبح وجد ما اختط، قد زرع وشرب المزر، فإذا كان وقت الحصاد، حصد يسيراً منه ووضعه في موضع أراده ومعه مزر، وينصرف، فيجد الزرع قد حصد بأسره، وجرّن فإذا أراد دراسه وتفريته فعل به كذلك، وربما أراد أحدهم أن ينقي زرعه من الحشيش، فيلفظ بقلع شيء من الزرع فيصبح، وقد قلع جميع الزرع، وهذه الناحية التي فيها ما ذكرته بلدان واسعة مسيرة شهرين في شهرين يزرع جميعها في وقت واحد، وميرة بلد، علوة ومتملكهم من هذه الناحية، فيوجهون المراكب، فتوسق، وربما وقع بينهم حرب."
"قال: وهذه الحكاية صحيحة معروفة مشهورة عند جميع النوبة والعلوة، وكل من يطرق ذلك البلد من تجار المسلمين لا يشكون فيه ولا يرتابون به، ولولا أنّ اشتهاره وانتشاره مما لا يجوز التواطؤ على مثله، لما ذكرت شيئاً منه لشناعته، فأما أهل الناحية، فيزعمون إن الجنّ تفعل ذلك، وأنها تظهر لبعضهم، وتخدمهم بحجارة ينطاعون لهم بها، وتعمل لهم عجائب، وأنّ السحاب يطيعهم."
مرنكة
ذكر ابن حوقل فيكتابه صورة الأرض ص75 أن مرنكة تقطن على نهر أور في أعالي بلاد علوة والذي يجري من الشرق إلى الغرب ويصب في النيل، ويقصد بنهر أورالنيل الأزرق. ولم يورد عنها سوى أنه قبيلة من النوبة.
كرسى
وصف ابن حوقل كرسى بأنهم أمة كثيرة من النوبة، وتقع ديارها على نهر أتمتي المتفرع من أعلى نهر أور، ونهر أتمتي هو الدندر. وتمتد ديارهم على النهرحتى بلاد الحبشة ... وأهل كرسى أصحاب زفال وهو الجلد الذي يتزرون به عرضاً ويستخرج طوله من عند الأفخاذ فيغرز عند السرة فيما انعقد من الزفال. وقد ذكر الدمشقي "أزكرسا" ووصفهم بأنهم صنف من النوبة، ربما كانوا هم الكرسى رغم أنه وضعهم بعيدين عن النيل.
أندا
جعل الدمشقي في كتابه نخبة الدهر (في مسعد ص 236) أندا من أصناف النوبة ويسكنون "جزيرة عظيمة من جزائر النيل تسمى أندا، وهم بها، لا يستترون بشئ البتة ." وربما أندا هو اسم الجزيرة الكبرى التى كتب عنها وعن سكانها ابن حوقل وابن سليم.
تكنة
اتفقت آراء المؤرخين الذين كتبوا عن تكنة – ابن الفقيه والمسعودي وياقوت الحموي – على أن موقع تكنة أقصى جنوب بلاد علوة، ولم توصف بانتمائها للنوبة مثل الكنينا وأندا وكرسى بل وصفوا بأنهم أمة من السودان عراة، أرضهم تنبت الذهب، وأطنب ياقوت الحموي في وصفهم وتضمن وصفه من السمات الخيالية الغريبة التي دأبت المصادر العربية على إيرادها عن الشعوب النائية والبعيدة عنهم، ونثبته هنا كمثال لما يرد في بعض تلك المصادر.
قال ياقوت في كتابه معجم البلدان (في مسعد ص 166):
"عراة لا يلبسون ثوباً ألبتة إنما يمشون عراة، وربما سبي بعضهم وحمل إلى بلاد المسلمين، فلو قطع الرجل أو المرأة على أن يستتر أو يلبس ثوباً لا يقدر على ذلك ولا يفعله، إنما يدهنون أبشارهم بالأدهان. ووعاء الدهن الذي يدهن به قلفته فإنه يملأها دهناً ويركي رأسها بخيط فتعظم حتى تصير كالقارورة، فإذا لدغت أحدهم ذبابة أخرج من قلفته شيئاً من الدهن فدهن به ثم يربطها ويتركها معلقة. وفي بلادهم ينبت الذهب."
نوبة النيل الأبيض
أشارابن حوقل إلى سكان النيل الأبيض من النوبة، ولم يورد معلومات عنهم، ولم أعثر لهم على ذكر في المصادر الأخرى. ذكر ابن حوقل: "ومن غربي النيل نهر يجري من ناحية الغرب كبير غزير الماء يعرف بالنيل الأبيضوعليه قوم من النوبة."
الأحديين
تناول ابن حوقل منطقة متوغلة في الصحراء غربي النيل الأبيض أطلق عليها اسم امقل ذكرأنها تقع بين علوة وبين الأمة المعروفة بالجبليين. وتقع بلد امقل على بعد خمسة مراحل من علوة ثلاثة منها في الصحراء. وقال إنها:
"ناحية كبيرة ذات قرى لا تحصى وأمم مختلفة ولغات كثيرة متباينة لا يحاط بها ولا يبلغ غايتهم يعرفون بالأحديين، وفيهم معادن الذهب الجيد والتبر الخالص والحديد متصلين بالمغرب إلى ما لا يعرف منتهاه، زيهم زي المغاربة، أرباب جمال وخيل ورازين غير تامة الخلق لقصرها وقرب لبودها، وسلاحهم فيه درق كدرق المغاربة بيض وحراب، وسيوفهم أيضا غير تامة، وفيهم جند يلبسون السراويلات المفتحة الطوال ونعالهم كنعال المغاربة وهم على النصرانية، وهم في طاعة ملك علوة.
التبان
أشار إليهم الدمشقي في كتابه نخبة الدهر (في مسعد ص 236) ولم يحدد موقعهم، "وذكر أنه يوحد بأرضهم معادن الحديد، ولا يعيش بأرضهم حيوان لشدة حرها"
كنكا
ذكرهم أيضاً الدمشقي ولم يحدد موقعهم ولم يورد معلومات عنهم.
• من الفصل الرابع من الجزء الثاني من كتاب "السودان: الوعي بالذات وتأصيل الهوية"
ahmed elyas [ahmed.elyas@gmail.com]