حرب السودان القادمة

 


 

 

سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان تمر بمرحلة انتقا [أندرو ناتسيوس] لية مع تعيين جون كيري وزيراً للخارجية
سلاح الجو السوداني يتكون من المرتزقة من إيران ومصر وروسيا، فالخرطوم تخشى من رفض الطيارين التابعين لها  قصف أهداف مدنية أو محاولتهم الإنقلاب عليها.
إذا قررت الخرطوم أن تستمر في تكتيكات المماطلة، فإنَّ حكومة الولايات المتحدة ستزيد مساعداتها العسكرية للجيش الشعبي بما في ذلك تزويدهم بأسلحة متطورة من شأنها أن تغير ميزان القوى العسكرية بين السودان وجنوب السودان

بقلم : أندرو ناتسيوس
ترجمة : بابكر فيصل بابكر
أعلن رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت الاسبوع الماضي أنه أعطى الأوامر بنشر وحدات من الجيش الشعبي جنوبي الحدود التي تفصل بلاده عن جارتها الشمالية – جمهورية السودان كرد فعل على حشد السودان قوات عسكرية شمال نفس الحدود, وبينما ظل الوجود العسكري على هذه الحدود مستمراً منذ عدَّة سنوات إلا أنَّ هذا الحشد المشؤم  يدفع البلدين خطوة إلى الأمام نحو الحرب.
قبل عام أوقفت حكومة الجنوب إنتاج النفط ( يبلغ 70 % من إنتاج السودان عندما كان دولة موحدة) عندما إكتشفت انَّ الخرطوم كانت تحوَّل مساره, وتبيعهُ وتأخذ كل عائداته.
نفض الدبلوماسيين الدوليين أيديهم بإشمئزاز بعد أن باءت جميع جهود الوساطة لتجنب الحرب بين الجانبين  بالفشل. كتب ثابو مبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق والذي يرأس كذلك الفريق الدبلوماسي للاتحاد الأفريقي للرئيسين كير والبشير حاثاً إياهم فرز خلافاتهم قبل أن يدعوه مرة أخرى للتوسط في المحادثات .
سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان تمر بمرحلة انتقالية مع تعيين جون كيري وزيراً للخارجية, و كان كيري  كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي إتخذ موقفاً خطابياً نحو السودان أكثر تشدداً من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية التي سعت لإشراك حكومة البشير الاسلامية بدلاً عن مواجهتها. أعلن المبعوث الامريكي الخاص للسودان،  الدبلوماسي المُحترف برينستون ليمان، استقالته بمُجرَّد تنحي وزيرة الخارجية كلينتون  من منصبها.
هناك حاجة ماسة لأن تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً يمنعُ الحرب في الوقت الراهن ولا يسمح بإندلاعها بأي شكل من الأشكال. إنَّ عودة البلدين للحرب ستمثل أزمة من شأنها تحويل إنتباه الحكومة الأمريكية من مشكلة أخرى أكثر إلحاحاً . ستكون حرباً تقليدية ويُرجَّح أن تمتد لتشمل الدول المجاورة.
نزاعات البلدين تدور حول أربعة قضايا : ترسيم الحدود الغنية بالنفط والمعادن المتنازع عليها بين البلدين، والسعر الذي سيدفعهُ الجنوب للشمال لنقل نفطه عبر خط الأنابيب الشمالي الى بورتسودان, الدعم الخفي من قبل كلا الحكومتين للجماعات المتمردة في أراضي البلد الآخر، وتنفيذ الأحكام المتبقية من اتفاق السلام بين البلدين من أجل إيجاد حل سلمي لمشكلة الحكم في النيل الأزرق وجبال النوبة، ومنطقة أبيي.
في أواخر العام الماضي وقع  كير والبشير إتفاقات لتسوية معظم هذه القضايا، ولكن المعارضة الداخلية من جيشي البلدين منعت تنفيذ الاتفاق. يُقال أنَّ البشير مريض بسرطان الحنجرة، والجنرالات الشماليين  الأصغر (الذين تمت ترقيتهم على أساس ولائهم للآيديولوجيا الاسلامية والحزب الحاكم بدلاً من كفائتهم) أعطوه مهلة نهائية للإختيار بين ان يترك لهم التحكم في القرار الخاص بالسياسة والمفاوضات مع الجنوب أو ان يواجه إضطرابات وقلاقل عسكرية (كلام ضمني عن انقلاب).

إختار البشير - ربما بسبب تدهور حالته الصحية وضعف موقف السياسي – بطريقة غير حكيمة منح  الجنرالات السيطرة. هؤلاء الجنرالات الطموحين الذين لم يدعموا اتفاق السلام بين البلدين من الأساس، لم يسافروا خارج السودان على نطاق واسع و ليس لديهم خبرة دبلوماسية أو سياسية، و لديهم خوف مرضي من أي مفاوضات أو اتفاقات مع حكومة جنوب السودان لأنهم يعتقدون أنَّ الجنوب يدعم سراً جماعات المعارضة الشمالية. يُقال انَّ العديد من الجنرالات يعتقدون أنَّ صعود جماعة الإخوان المسلمون (حلفائهم الطبيعيين) للسلطة في تونس ومصر، والإطاحة بمعمر القذافي (عدو حكومة البشير) من السلطة في ليبيا سيساعدهم في السودان. مشكلة حساباتهم هذه هي أن الإخوان المسلمين انفسهم في أزمة في كل من تونس ومصر، و هم في وضع لا  يسمح لهم بمساعدة أصدقائهم في الخرطوم.
غرقت اقتصادات البلدين في أزمة اقتصادية حادة عندما توقفت عائدات النفط قبل عام : الجنوب وحده عانى من انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 55 % في عام 2012. لقد ايَّد فصيلٌ متشدد في جنوب السودان اغلاق إنتاج النفط ظناً منهُ انَّ  ذلك سيؤدي إلى انهيار حكومة البشير والاستيلاء على السلطة من قبل الأحزاب الديمقراطية العلمانية : بالفعل توقف إنتاج النفط ،  والإقتصاد يتدهور، ولكن البشير وجنرالاته ما زالوا ممُسكين بالسلطة. إنَّ سياسة حافة الهاوية المُتبعة من قبل الجانبين تسحبُ كلاهما نحو الهاوية في نفس الوقت . الغالبية العظمى من السكان في الجنوب إمَّا مزارعين ( إقتصاد معيشي) أو رعاة, ولذلك فإنهم  لا يتأثرون باغلاق  النفط، ولكن عدد السكان المتزايد في المناطق الحضرية والذين يعتمدون على الرواتب الحكومية من أجل البقاء فهم مواجهون بارتفاع نسب التضخم، وعدم وصول الرواتب ، والجوع.  في الشمال, تزداد حدَّة التضخم، و ينخفض الناتج المحلي الإجمالي، وتتدهور قيمة الجنيه السوداني ، وترتفع معدلات البطالة، و لا يحصل موظفي القطاع العام على أجورهم. يبدو أنَّ الحكومتين تتسابقان لمعرفة أيهما سينهار اقتصادها قبل الأخرى وهو الأمر الذي سيؤثر على النظامين السياسين بصورة كبيرة.
من الناحية السياسية،  يعمل النزاع المستمر بين البلدين على توحيد شعب الجنوب الذي يرفض حكومة الشمال العربي, ديناً، و ثقافة أكثر من خلافاته القبلية الداخلية ، في حين ينقسم المجتمع الشمالي حيال النزاع. حكومة البشير، والحزب الحاكم، والجيش السوداني لم يتبق لهم سوى القليل من التأييد الشعبي. القبضة الأمنية الشديدة وإنقسام المعارضة الديمقراطية هما العاملان اللذان يؤخران قيام انتفاضة تخلع حكومة البشير.
بينما تعتبر حكومة البشير هي الأضعف منذ الاستقلال  إلا انَّ الأحزاب الشمالية التقليدية هى الاخرى مفلسة أخلاقياً وسياسياً وغير قادرة على التوحد خلف قائد مشترك يصلح بديلاً مؤتمناً  للبشير وجنرالاته. العديد من الشماليين كانوا يؤملون في ان يصبح القطاع الشمالي للحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الذي قاد الجنوب على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفاوض على اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية )  ذلك البديل، ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل.
تحاول الخرطوم منذ عام ونصف العام دون جدوى إجبار المعارضين في النيل الأزرق وجبال النوبة على الإذعان عن طريق تجويعهم ومنع وصول الغذاء الى السكان المدنيين. وعندما فشل هذا التكتيك  في وقف المعارضة المتزايدة للبشير وجنرالاته، عادت الحكومة لممارساتها التقليدية في قتل المدنيين وهو أمر أسهل بكثير من هزيمة خصومهم العسكريين. في الأسابيع القليلة الماضية استأنفت القوات الجوية قصف المناطق المعادية لحكومة الخرطوم و المأهولة بالسكان المدنيين مما أسفر عن مقتل المئات وتشريد مئات الآلاف. سلاح الجو السوداني يتكون من المرتزقة من إيران ومصر وروسيا، حيث تخشى الخرطوم من رفض الطيارين التابعين لها  قصف أهداف مدنية أو محاولتهم الإنقلاب عليها.
في محاولة لنزع فتيل الأزمة قام سلفا كير الإسبوع الماضي برفع غصن الزيتون للشمال من خلال تقديم عرض بسحب قواته من الحدود الجنوبية كإجراء من شأنه أن يمهد الطريق لإستئناف إنتاج النفط . من المحتمل أن يكون رد فعل جنرالات الشمال إجهاض عرض كير من خلال المطالبة بالمزيد من التنازلات دون أن يقوموا هم بتقديم اى تنازل من جانبهم. قبل شهر  أقال كير بشكل جماعي عدداً من القادة العسكريين الذين أعاقوا تنفيذ  اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه مع البشير و قد كان قراره ذلك حكيما جدا ولكنه محفوف بالمخاطر. إنَّ صبر الجنوب لن يستمر إلى الابد ، وجنرالات الشمال بالغوا في مواقفهم أكثر من مرة في المفاوضات.
لقد كان موقف الولايات المتحدة هو القيام بدور الوسيط المحايد، وقد كان موقفاً جيداً أن يُطلب من البشير تقديم تنازلات عندما كان هو من يُدير الدولة ، ولكن الآن بعد أن أمسك الجنرالات بزمام الامور فإنَّ تصرف أمريكا كوسيط سيمكن فقط جنرالات البشير من المطالبة بالمزيد من التنازلات من الجنوب .
لقد حان الوقت للولايات المتحدة أن توضح للخرطوم أنها إذا قررت أن تستمر في تكتيكات المماطلة، فإنَّ حكومة الولايات المتحدة ستزيد مساعداتها العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان، بما في ذلك تزويدهم بأسلحة متطورة من شأنها أن تغير ميزان القوى العسكرية بين السودان وجنوب السودان.
قام عمر البشير في الأوقات الحرجة في الماضي بإسكات المتشددين ووقف مع الأصوات الأكثر اعتدالاً في الخرطوم و تفاوض مع جماعات المعارضة في الشمال والجنوب بدلا من محاولة قصفهم بالطائرات حتى يذعنوا. لقد آن الأوان لتبني ذات الموقف في الوقت الراهن.

 

آراء