تقييم المبعوث الأمريكي برنستون ليمان لما يُخبئه المستقبل لدولتي السُّودان .. ترجمة: بابكر فيصل بابكر

 


 

 




نقلاً عن مجلة "تايم" الامريكية

بقلم: ويليام لويد جورج

ترجمة: بابكر فيصل بابكر

مازال برنستون ليمان مؤرقاً بالسؤال حول ما إذا كان بإمكانه أن يفعل أكثر مما فعل للتنبؤ ومنع النزاع الذي إندلع في السودان مؤخراً. ترك المبعوث الأمريكي الخاص منصبهُ الذي تولاه منذ 2011 في يناير الماضي, ولكن النزاع في النيل الأزرق وجبال النوبة ظل يدور منذ أكثر من عام, مما ادى لنزوح نصف مليون مدني, وقتل المئات, حيث يُقاتل الثوار الإنفصاليون من أجل الإستقلال عن الخرطوم. قال الدبلوماسي العتيد, ذرب اللسان صاحب ال77 عاماً للتايم أنَّ النزاع "كان عائقاً فظيعاً, فظيعاً, في طريق عمليَّة السلام".
حديث ليمان هذا يبدو لمُنتقديه الذين يرون أنه لم يُمارس ضغطاً كافياً على الخرطوم لوقف العمل العسكري في تلك المناطق بمثابة التبسيط المُخل. على الرغم من أنه أشرف على استقلال جنوب السودان من النظام في الخرطوم, إلا انَّه قد يندم على قرار ترك منصبه قبل أن تصبح دولتا السودان كيانات مستقلة فاعلة بالكامل. العلاقة بين جوبا والخرطوم متقلبة – الشمال والجنوب خاضا حربا أهلية مريرة على مدى عقود, واليوم, ما زال كل طرف يشير إلى دعم الطرف الآخر للمتمردين داخل أراضيه. وعلى الرغم من أنَّ الطرفان وقعا عدة إتفاقيات في سبتمبر من العام الماضي, إلا أنَّ أياً منها لم يُطبق, مما يزيد المخاوف من إنهيار إقتصادات الدولتين, وإندلاع الحرب بينهما مرة أخرى.
في أعقاب الإنفصال الرسمي لجنوب السودان في عام 2011 إستمرت النزاعات الحدودية. على الرغم من الإتفاق على نزع السلاح عن المناطق المتنازع حولها إلا أنَّ تقدماً طفيفاً قد حدث. قال ليمان أنَّ هذه واحدة من المخاوف الكبرى وخطراً رئيسياً يُهدِّدُ بعودة الحرب. " طالما كانت القوات المسلحة في مواجهة بعضها البعض, فإنَّ إحتمال وقوع إشتباكات مسلحة يظلُّ كبيراً, لذلك أعتقد أنَّ هذا التأخير بصفة خاصة مثير للقلق".الخرطوم تصرُّ على وجود المزيد من الضمانات من جنوب السودان بأنَّ قوات جوبا لا تقدم مساعدات للمتمردين الذين يقاتلون الحكومة السودانيَّة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. هؤلاء المتمردون – الحركة الشعبية لتحرير السودان, قطاع الشمال – حملوا السِّلاح في يوليو 2011 في أعقاب إنتخابات يقولون انها كانت مُزوَّرة. و يدَّعي ناشطون أنَّ الخرطوم تلاعبت في الأصوات من أجل تعيين أحمد هارون والياً
هارون تمَّت إدانتهُ من قبل المحكمة الجنائية الدولية بإرتكاب عددا من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في دارفور. " هذه ليست الطريقة لمعالجة الأمور" يقول ليمان عن مطالب الخرطوم المُستمرَّة بضرورة معالجة الملف الأمني أولاً. " طريقة المعالجة تتمثل في نزع الطرفين لسلاحهما في الحدود, و عقد مفاوضات مع قطاع الشمال لوقف القتال, وهذا هو ما سيحل المشكلة الامنيَّة على الحدود".
منذ أن تم توقيع الإتفاقيات في سبتمبر الماضي, إلتقى ممثلون من الجانبين لإجراء محادثات عدة مرَّات في الدولة الجارة أثيوبيا, ولكن لم يتم إحراز تقدم يذكر. يرى ليمان أن الفجوة الكبيرة في الثقة بين الطرفين تشكل عقبة دائمة. ويقول ليمان " لا يمكنك أن تفترض أنَّ هؤلاء الناس سيأتون لمائدة المفاوضات ويعانقون بعضهم البعض, ويتحابون, ويقولٌ كل طرف للآخر : نحن نثق بكم". " يجب أن توجِد إتفاقيات يُمكن التحقق منها بصورة كافية لبناء الثقة, وبتوفر أسباب عمليَّة, فإنَّ الطرفين سيوافقون على العيش جنباً إلى جنب. وهذا ما يجعل من عملية نزع السلاح من الحدود عملية دقيقة. يعتقد ليمان أنَّ إتفاق النفط سيكون في خاتمة المطاف هو المفتاح للإنتقال بالأمور قدماً – جوبا لديها النفط, ولكن الخرطوم تمتلك الميناء". إتفاق النفط يتضمن العديد من الآليات للتعامل مع النزاعات والتحقق من الأرقام والعائدات. وهذا هو السبيل لإنجاز هذه الأمور – أن تضع إتفاقيات بها ضوابط وأساليب تحقق, ومن ثم عليهم أن يثقوا في بعضهم البعض بما يكفي حتى يسيروا معاً في هذا الطريق, ومن بعد ذلك تؤمل في أن يؤدي ذلك بمرور الزمن إلى علاقات أفضل".
مما لا يُساعد الاوضاع الحالية هو وجود مؤشرات إلى انَّ حكومتي كلا البلدين قد ضعفتا سياسياً. جنوب السودان تظهر فيه علامات فساد وبائي. وفي ذات الوقت, فإنَّ الخرطوم قامت مؤخراً بإعتقال عدد من المسئولين الكبار فيما سمى "بالإنقلاب الفاشل" ضد الرئيس البشير. ليمان لا ينظر للإنقلاب الذي لم ينجح كعلامة بانَّ النظام يتداعى, ولكنه يرى فيه مؤشراً "لوجود قضايا خطيرة يجب مناقشتها داخل الحكومة : كيف يمكن الخروج من الحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق التي تستنزف البلد بشكل سيىء, وكذلك يمكن الوصول لحل سياسي أكثر شمولاً". أضاف ليمان انَّه شعر بأنَّ تغيير النظام لا يعني بالضرورة وقف القتال في جنوب كردفان أو حل مشاكل السودان. " أعتقد انه بإمكانك إيقاف النزاع, أعتقد أنك يمكن أن تتوصل لإتفاق لوقف العدائيات لإيصال المساعدات الإنسانية, ومن بعد ذلك يمكنك المضي قدماً إلى سلسلة من المحادثات السياسية التي يمكن ان تؤدي إلى إصلاح سياسي داخلي".
قال ليمان أنه على الرغم من موافقة الخرطوم مبدئياً على الممرات الإنسانية في النيل الأزرق وجنوب كردفان, إلا أنه يعتقد انَّه لن يكون هناك تقدماً يذكر إلا في حال توقف القتال و دخول البلدين في محادثات مباشرة بدلاً عن التحادث عبر المجتمع الدولي. ليمان, الذي كان أول سفير للولايات المتحدة في جنوب افريقيا بعد سقوط نظام التمييز العنصري ليس شخصاً غريباً عن هذا النوع من فترات الإنتقال الصعبة, وهو يعتقد أنه لا السودان ولا جنوب السودان يرغبان في العودة إلى الحرب , وأنَّ على الدولتين التركيز على الإصلاح السياسي الداخلي, وانه " لن يتحقق بين عشيّة وضحاها, ولكن مع الضغط اللازم, ووجود إطار معروف, فإنَّ البلدين قادران على بلوغه".



Babikir Babikir [boulkea@yahoo.com]

 

آراء