أصاب الوزير الليبي وأخطأ مرسي

 


 

 




(1)

في مرات كثيرة سابقة، علقت بأننا معشر العرب والمسلمين كثيراً ما نرد على الإساءات الموجهة إلينا بإثبات صحتها عملياً. فإذا قال قائل إن الإسلام دين لا عقلاني، قام البعض بتصرفات تثبت لاعقلانيتهم، كأن يقومون بإحراق ممتلكاتهم أو الاعتداء على مسلمين آخرين لا ذنب لهم، أو التهجم على أجانب مستأمنين جاءوا للبلاد للتعاون مع أهلها في البر. وكان الأولى دحض هذه الفرية بما يؤكد كذبها، لا بما يثبت صدقها.

(2)

نظير هذا ما وقع خلال الأيام القليلة الماضية من قيام ميليشيات مسلحة بمحاصرة واقتحام وزارة العدل في ليبيا رداً على تصريحات لوزير العدل صلاح بشير الميرغني تتهم ميليشيات بأنها خارجة على القانون. وهل هناك خروج على القانون أشد وضوحاً من اقتحام مرفق حكومي، خاصة إذا كان ذلك المرفق وزارة العدل دون غيرها؟ فقد صدق هؤلاء مقولة الوزير حتى لو لم يصرح بها، فهم بالفعل عصابات خارجة على القانون وعلى كل قيم وخلق.

(3)

يتضاءل هذا الإثم المبين أمام الجريمة البشعة التي وقعت الأسبوع الماضي قرب بنغازي حيث قام جنود ليبيون (وليس "ميليشيات" هذه المرة) يتبعون لما يسمى بالكتيبة 319 التابعة للواء الأول مشاة من الجيش الليبي باغتصاب ثلاث فتيات عابرات سبيل أمام أعين والدهن. وهذه جريمة شنيعة في أي ظرف وفي أي مكان. ولكن كون الضحايا من ضيوف ليبيا، يضاعف الإثم. وكونهن فتيات مؤمنات يكابدن وأسرهن للحفاظ علي الدين في بلد غريب، شأن آخر. أما كونهن جئن لنصرة غزة وفلسطين، في وقت خذلان الأقربين، فإن هذا يجعل هذه كبيرة فوق كل الكبائر.


(4)

لو أن هذه الفاحشة المبينة ارتكبت من قبل فرد ضال آثم مارق، لأثمت ليبيا كلها حكومة وشعباً لتقصيرها في حماية ضيوفها الآمنين. ولكن أن ترتكب من فئة تنتمي للجيش الليبي، وتحت مظلة نقطة تفتيش مصرح بها، فإن هذا عار لا يمحوه زمان، وليس له كفارة. فهذه ليست جريمة، وإنما كارثة وجائحة. ومن قبل ذلك أهلك الله ثموداً لأن فرداً منهم عقر الناقة، فباءت القبيلة عن بكرة أبيها بالإثم، ولم يسلم من العقوبة نساء ولا أطفال. وينبغي أن نرى ليبيا اليوم بأجمعها في الساحات وهي تحثو على رأسها التراب وتستغفر لذنبها، عسى ولعل.


(5)

ما يزيد من حجم المصيبة هو أن الليبيين كانوا إبان الثورة يجأرون بالشكوى من جرائم اغتصاب مبرمجة كانت كتائب القذافي تتهم بارتكابها. وكان ينبغي أن يطور هذا عموماً حساسية فائقة في الدفاع عن الأعراض، وهو أمر من المفترض أن يكون متأصلاً في المجتمع الليبي بدون الحاجة إلى مثل هذه العظات. أما أن يكون مرتكب هذه الجريمة من الثوار المزعومين، فإنها لمفارقة تدعو لتأمل كثير.

(7)

لكل هذا فإن النظر إلى هذه المسألة على أنها "جريمة" يتم التعامل معها بالقانون عبر اعتقال ومحاكمة متهمين أو ثلاثة لا يكفي. بل لابد من أن يتم تسريح كل أفراد الكتيبة المعنية فوراً وحرمانهم من العمل مستقبلاً في اي مؤسسة شرطية أو عسكرية. ولا بد كذلك  من إصدار قرار بحل جميع الميليشيات وعدم استيعاب الميليشيات في الجيش، بل يتم التعيين في الجيش والشرطة على أساس فردي، وبفرص متساوية لكل الليبيين. وأن يكون من الشروط النظر في سيرة الشخص، بحيث لا يقبل تعيينه إذا كان في سجله تجاوزات. على سبيل المثال، كل من شارك في اقتحام وزارة أو مؤسسة حكومية لا بد أن يسرح فوراً وأن يحرم مستقبلاً من أي وظيفة في الدولة، وليس فقط في الجيش.

(8)

إذا كان الليبيون قد ثاروا على القذافي حتى يقعوا في حكم عشرة آلاف قذافي جديد فهنيئاً لهم العبودية الجديدة التي ناضلوا من أجلها. أما إن كانوا ثاروا من أجل الحرية فإننا نتوقع اليوم قبل الغد ثورة جديدة تبدأ بقرار من الحكومة المنتخبة بحل كل الميليشيات واعتبار كل من يحمل السلاح بغير إذن الدولة، فرداً أو جماعات، خارجاً على القانون، ورفض أي مساومة مع هذه الفئات لمنحهم مكافآت عما يدعون أنها مهام ثورية قاموا بها. فالثورة قد قامت لتأكيد حكم الشعب، وقد تحقق ذلك عبر انتخاب الشعب لممثليه. والآن فإن كل من يدعي أنه ثائر يمثل الشعب فإنه عضو في عصابة مافيا، ومن يطلب أجراً على ثورة قام بها فإنه مرتزق يجب أن ينبذ ويحاكم. وعلى الشعب الليبي أن يلفظ كل هؤلاء.

(9)

لقد كانت لنا آمال عظام في الشعب الليبي وثورته، حيث أشدنا بشجاعة من تصدى للقذافي  وظلمه، وأشدنا كذلك بتسامح الليبيين وعدم تفشي نزعة الانتقام بعد الثورة. ولكن ليبيا التي نراها اليوم لا نعرفها، ولا نريد أن نعرفها. ونصيحتي لكل العرب والمسلمين مقاطعة ليبيا بلداً وحكومة شعباً وأفراداً حتى تطهر نفسها من مرتكبي الفواحش والمتجرئين على القانون، وتلتحق بركب الدول المتحضرة، حتى لا نقول المسلمة، فذلك شأو بعيد.

(10)

ليست مصر وثورتها ورئيسها كذلك أبرياء من أعراض الفتيات المؤمنات اللواتي تركن الدعة والراحة في أوروبا وقررن تغبير أقدامهن وقطع الصحاري لتقديم العون للمحرومين في غزة، وهم ليسوا محرومين إلا لأن مصر تحاصرهم. أهل غزة لا يريدون منة من قريب أو بعيد. كل ما يريدونه هو فتح الحدود حتى يتاجروا مثل غيرهم من البشر، ولا يكونون كالهرة التي دخلت امرأة النار بإثم حبسها. ونحن نخشى أن يدخل النار بسبب غزة زعماء ومسؤولون كثر، أكثرهم من مصر المحروسة.

(11)

الفتيات لم يتعرضن للاغتصاب إلا لأن السلطات المصرية منعتهن والركب السائر إلى غرة من الدخول، وحبست الجميع في الصحراء أياماً وليالٍ، وتعرض الجميع إلى الإساءة والاستفزاز من رجال الشرطة، لا لذنب سوى أنهم هبوا لنجدة إخوانهم في غزة. وقد كان بوسع الرئيس مرسي أن يصدر أمره بأن يسمح لهم بالدخول فوراً، ولكنه أصبح أسير أجهزة أمن مبارك التي يعتمد الآن عليها لحمايته من القوى المدنية التي استعداها بغير وجه حق، فجعل نفسه عبداً لعبيد مبارك السابقين، وكان بوسعه أن يكون حراً وأن يجعل مصر حرة. ولا أحسب أن صاعقة عاد وثمود ستقف عند مرسي مطروح، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى، وسوء الخاتمة بعد طويل الجهاد.

Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]

 

آراء