كيف لا
تُلقِي كلمة كفاح بثقلها المعنوي على اللفظ فيتبادر إلى الذهن مباشرة أشكال عديدة منه مثل الكفاح التحرري ومقاومة الاستعمار والكفاح ضد الفصل العنصري، الكفاح من أجل حقوق المرأة ، وغيرها . وما نعيه جيّداً أنّ الكفاح يرتبط دوماً بنوع القضايا إنسانية أو وطنية أو اجتماعية فيضفي عليها جمال الاتزان حتى ولو كان كفاحاً ثائراً . أما ذلك الشعار المغموس في شيء لا يشبه الكفاح من قريب أو بعيد هو (الكفاح العالمي بصدورٍ عارية) فقد تم تدشينه ضد حكم الإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي وكانت قد رفعته ناشطات حركة "فيمن" المدافعة عن حقوق المرأة للتضامن مع اختفاء المتعرية أمينة تيلر . وهذه الناشطة النسوية هي تونسية تتبع لمنظمة فيمن ، وكانت قد قامت في الشهر الماضي من هذا العام 2013م بوضع صورة لها على فيسبوك وهي عارية الصدر وقد كُتب عليها: "جسدي ملكي ليس شرف أحد". تأثرت أمينة التونسية بعلياء المهدي المصرية التي كتبنا عنها في نوفمبر عام 2011م (حرية علياء تتجاوز الخطوط الحمراء) ، بعد نشرها صورتها وهي عارية في مدونة أسمتها "مذكرات ثائرة" في أواخر أكتوبر 2011م . وواصلت علياء هذه هوايتها أو هوسها مرة أخرى في ديسمبر 2012م مع ناشطات ينتمين إلى منظمة "فيمن" أمام السفارة المصرية في السويد رفضاً للدستور المصري الجديد وقد كتبت علياء على جسدها العاري وهي رافعة علم مصر عبارة "الشريعة ليست دستوراً".
بهاتين الحادثتين اعتقدت أنّ الظاهرة عربية إسلامية نسبة لارتباط علماء عصرنا بدرجة من درجات الجِمنوفوبيا ( رهاب التعرّي). والجِمنوفوبيا كما جاء تعريفها في الموسوعة العربية (ويكيبديا ) :"هي كلمة أصلها يونانية تعني الرُّهاب المرضي من العُري. ومن يعانون الجِمنوفوبيا يُصيبهم مرأى العُري بالإضطراب، حتى مع علمهم بأن رُهابهم غير عقلاني. فقد يخشون مرأى أشخاص آخرين عُراة أو قد يخشون أن يراهم الآخرون عراة، أو كلا الأمرين. قد ينبع رُهابهم من اضطرابات عامة بشأن الجنسانية، أو دِعَة حالتهم الجسمانية، أو خشية أن يجعلهم العري مكشوفين و غير محميين." وهذا المرض بالطبع لا يختلط مع كراهة العُري بمبررات الحشمة أو بمبررات أخرى عقلانية أو أخلاقية.
ولكن عندما تظاهرت عدة نساء عاريات الصدر ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام قليلة احتجاجاً على نظامه السياسي، قال لهنّ الرئيس الروسي من يريد أن يتحدث في السياسة عليه أن يرتدي ملابسه.
ويبدو أنّ الأمر أكثر من رهاب وإنّما إرهاب وهوس تمارسنه الناشطات النسويات يُدعى النودومانيا(هوس العُري ) . وهؤلاء المهوسات هنّ في الغالب يعانين من إضطرابات نفسية وسلوكية اتفقت مع شعارات الحركة النسوية المذكورة.
شعور الإنسان الذاتي بأنه حرٌّ هو شعور يصعب تكذيبه ، ولكن الحكم العام على حرية الإنسان هو أن الإنسان حرٌّ في تصرفاته وفقاً لخصائصه ودوافعه وظروفه والتي تُحد في مساحة تحركها بعدم تعديها على حريات الآخرين. وفي مجتمعنا فإنّ حالة علياء وأمينة بنشرهن هذه الصور في وسائل اجتماعية يطلّع عليها كبار وأطفال ومراهقين بما يخدش الحياء العام ويتجاوز خطوط المسموح به يصعب معه تدشين أي أهداف أو مبررات يسغنها.
إنّ الحرية الشخصية في كافة الأديان السماوية كما في المواثيق الدولية تتضمن حرمة الذات التي تقرر كرامة الإنسان واحترامه وعدم امتهانه. كما تتضمن تأمين الذات بضمان سلامة الإنسان وأمنه في نفسه وعرضه وماله من كل إعتداء سواء باعتداء الشخص على غيره أو على نفسه.
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]