الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع في حوار على مشارف المحظور:

 


 

 

طبيعي أن لا يرتاح لى البعض وهناك من يكرهون الشخص لوجه الله

نحن نقاتل في المنطقتين  مُضطرين وهذه (...) طبيعة صداقتي مع الرئيس!!

حاوره في أديس: فتح الرحمن شبارقة
في بهو فندق (راديسون بلو) بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، التقيت بوزير الدفاع الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين بمزاج استمد من ذلك الطقس إعتداله فيما يبدو. وقتها، ظهيرة الثلاثاء قبل الماضي، كان وزير الدفاع خارجاً للتو من اجتماع مع وفد دولة الجنوب كان قد أفضى إلى الاتفاق على إنشاء آلية طال انتظارها للتحقق من وقف الدعم والإيواء للحركات المسلحة في البلدين، ليس على الحدود فحسب، بل حتى في جوبا، ونمولي، وأي منطقة أخرى بالجنوب، أو الشمال بالطبع.
أحسن وزير الدفاع استقبال (الرأى العام)، وأجاب بصدر رحب على تساؤلاتها رغم أن بعضها كان على مشارف الإحراج، أو يكاد. فيما حال زمن الوزير دون طرح أسئلة أخرى قد تكون أكثر إلحاحاً، كما أن وقت إجراء الحوار نفسه - قبل ثلاثة أيام من دخول المتمردين إلى أبو كرشولا وضربهم إلى مدينة أم روابة - جعله سابقاً للأسئلة الكبيرة أن كيف حدث كل ذلك؟، فإلى إفادات الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين الجريئة في العام والخاص:
* بعد توقيعكم على آلية التحقق من وقف الدعم والإيواء، قلت إنكم رجمتم كل الشياطين في العلاقات بين السودان وجنوب السودان.. ما هي الحيثيات التي تجعلنا نتفاءل معك بهذا الأمر، أو الرجم؟
- افتكر أني معايش مراحل هذه المباحثات لفترة طويلة، ومن المعايشة نلتمس روح مختلفة في هذه المباحثات. والجولات الأخيرة الروح فيها كانت جيدة. صحيح نحن وقعنا هذه الاتفاقيات في يوم 27 سبتمبر وبعد ذلك حصلت انتكاسات عندما جئنا للتطبيق، وأخذت مشكلة الـ (14) ميل زمناً وكذا. لكن في الحوار أن تأتي أصلاً ومتوقعاً صعوبات. ومنذ الاجتماع الفائت الذي وقعنا فيه، اتفقنا فيه على آليات التنفيذ أصبحت الروح متغيرة. وافتكر أن الدولتين الآن أمام خيار لا بديل له وهو أنه لا بد من التعايش. وإخوانا في الجنوب الآن هذه الحكاية أصبحت واضحة جداً بالنسبة لهم، وأنه لاغنى للشمال عن الجنوب، ولا غنى للجنوب عن الشمال. لذلك كانت الروح التي ظهروا بها في الاجتماع الآخير ممتازة جداً.
*كيف تقيَم لنا ما حدث في الاجتماع الأخير الذي أفضى لتكوين آلية جديدة، في ظل وجود آليات قائمة تم الاتفاق عليها مسبقاً؟
- الاجتماع الفائت كان اجتماعاً ممتازاً جداً لأن هذه كانت آخر آلية يدور حولها النقاش حول كيفية متابعة وقف دعم وإيواء الحركات المتمردة وفك الارتباط، وبالتالي أصبحت لدينا آليات للمنطقة منزوعة السلاح عشرة كيلومترات شمالاً وعشرة كيلومترات جنوب خط الصفر، وعندنا الآلية الخاصة خلف الـ (10 - 10) أربعين كيلو، وعندنا الآن الآلية لما وراء ذلك وهي هذه الآلية الجديدة التي تخاطب بصفة خاصة اتفاقية عدم الاعتداء والتعاون، وهي فيها قضايا مثل تجنيد أناس ضد الدولة الأخرى، أو أن تدعم حركات سياسياً، وفيها كل القضايا الأمنية الأخرى.
*مع كل ذلك هل وزير الدفاع مطمئن إلى أن هناك ضمانات حقيقية كافية لفك الارتباط على الأرض؟
- هم يقولون إنهم فكوا الارتباط، وفك الارتباط هو في النهاية ورقة، لكن ماهي الآثار السالبة لعدم فك الارتباط؟ وهل هناك آلية تعالج هذه الآثار السالبة لعدم فك الارتباط ؟.. الآثار السالبة لعدم فك الارتباط هي أن يقوموا بدعم هذه الحركات أو يأووها أو يستخدموها في تخريب أو شيء من ذلك، ونحن عندنا الآن آلية لمعالجة هذه الآثار، وهي هذه الآلية الجديدة.
*طيب، ما هو معكوس هذا الاتفاق الأخير والمترتب العملي له على الأرض، وألا ترى أن مثل هذا الاتفاق ينبغي أن يقود إلى وضع ميداني متقدم على حساب مقاتلي الحركة قطاع الشمال؟
- عندما نجفف موارد دعم الحركات المتمردة وقطاع الشمال بالتأكيد سنضعفه، بل أننا نسعى لتجفيف هذه الموارد لكي يأتوا ويجلسوا في تفاوض. ونحن بالنسبة لنا الحرب حالة اضطرارية، والحرب هى أسوأ الحلول لقضية بين دولتين، وقبلها يأتي التشاور والعلاقات الدبلوماسية وكذا، وعندما تفشل كل هذه الأشياء أنت تلجأ إلى الحرب. وأحياناً عندما الناس يتقاتلون يشعرون بأن الحرب لم تؤد إلى نتائج فيرجعون للتفاوض. ونحن الآن بالنسبة للمنطقتين نقاتل مضطرين، لكن ما وجدنا سبيلاً لكى نتفاوض ونجلس لنحل مشكلتنا بالتفاوض إلا وجلسنا، لذلك يقولون إن الحرب هى آخر مراحل الدبلوماسية، وأنا أقول هى ليس آخر مراحل الدبلوماسية فحسب، بل آخرها وأسوأها كذلك.
* لكن الذي يسمع خطاب الحكومة في الميدان يرى كأنها تريد من فك الارتباط أن تسحق قطاع الشمال وليس أن تأتي به إلى طاولة التفاوض؟
- للميدان لغة وروح مختلفة، وأنت هناك تكلمهم عن سحقهم وكذا فهذه روح ميدان وقتال، والقتال كتب علينا وهو كره لنا، وهو حاجة كريهة جداً، وأنت عندما تقاتل ترتكب أبشع الأشياء وتقتل زول. لكن كل ما هم أدركوا خطورة القتال وأتوا للتفاوض فهذا الذي نرجوه، لأن مواطن جنوب كردفان الذي يجعلوه وقودا للحرب، هو في النهاية مواطن سوداني ونحن خسرانون في النهاية. ونحن ظللنا نقاتل في الجنوب منذ العام 1955م وتم حل المشكلة في النهاية بالمفاوضات وليس بالحرب، لذلك نحن نقول لإخوانا في المنطقتين: (أحسن من بدري نتفاوض، أحسن نحافظ على هذه الأرواح ونجيء نتفاوض لأنه ما في حاجة مستحيلة).
*هناك من يرى، ومن هؤلاء د. أمين حسن عمر، أن فك الارتباط بصورة كاملة غير ممكن، لكن الممكن فقط فكه بالقدر الذي يسمح باستئناف العلاقات.. ماذا يرى وزير الدفاع في المقابل؟
- بالنسبة لى كوزير دفاع، فك الارتباط يعني لي عدم تقديم الدعم اللوجستي للحركات المتمردة للقتال، وهذا ممكن، وإذا لم يكن ممكن، فسيتم تصعيب ذلك وتقليله إلى أقصى درجة.
*عفواً السيد الوزير.. لكن لماذا أنت من ترأس لجنة معنية بمعالجة القضايا مع دولة أخرى، وليس وزير الخارجية بطبيعة الحال؟
- الأعضاء في هذه اللجنة هم وزير الخارجية ووزير الداخلية ورئيس الأركان ومدير جهاز الأمن وكل الناس المعنيين بالقضية السياسية الأمنية..
=مقاطعة=
*ألا يوجد تقاطع بينكم، ولماذا لم نر السيد وزير الدولة بالخارجية في هذا الاجتماع؟
- لا يوجد أي تقاطع، وهناك تنسيق كامل بيننا، وصادف هذا الاجتماع أن أخونا وزير الدولة بالخارجية لم يحضر لكن كل اجتماعتنا السابقة يحضرها بانتظام، وأعتقد بالنسبة لنا كجانب سوداني التعاون بيننا موجود بصورة كبيرة جداً ومرتبين ومتفقين على أية خطوة.
*برأيك، هل ينعكس فك الارتباط إيجاباً على الأوضاع في دارفور نظراً لأن هنالك جبهة ثورية كانت تجد الملاذ والدعم من دولة الجنوب؟
- طبعاً، وأي وقف للدعم للحركات المتمرة والعناصر السالبة يكون أثره على السلام في السودان كبيراً، فتحسن العلاقات بين السودان وتشاد مثلاً أثر على الوضع في دارفور، وذهاب نظام القذافي كذلك أثر على الوضع في دارفور، والآن هذه الإتفاقية أيضاً ستؤثر.
*كنتم تقولون بأنكم لن تسمحوا باستئناف العلاقات ومرور النفط ما لم تتأكدوا تماماً من فك الارتباط حتى لا تعود عائداته تشويناً للمتمردين، لماذا صمتم عن الحديث السيد الوزير؟
- نحن لم نصمت عن أي شيء، والآن الحكاية كلها تمضي مع بعض، وهذه الاتفاقيات مكتوب أنها تُنفذ بطريقة مرتبة تراعي مصالح الطرفين، وكل هذه الاتفاقيات الثماني الموقعة تمشي كحزمة واحدة.
*ما أفهمه السيد الوزير هو أن هذا الاتفاق وفك الارتباط يجب أن ينعكس على الوضع في الميدان؟
- طبعاً، لكن هل أنت بتفتكر أن الوضع في الميدان مثل الكهرباء (on & of)؟، الأمر ليس كذلك، وهؤلاء الناس سيكون عندهم دعم موجود أصلاً، وإلى أن يخلص هذا الدعم سيأخذ زمناً، يعني فك الارتباط أثره سيأتي..
=مقاطعة=
*متى سنرى هذا الأثر.. هل يمكن أن نتوقع سقفاً زمنياً لذلك؟
- أثر فك الارتباط سيأتي قريباً جداً، ويعتمد على حسب الحركة في الميدان.
*عدم ظهور أثر لفك الارتباط في الميدان، ربما يجعل البعض يقول: وضح أن الجنوب لم يكن يدعم المتمردين بدليل تواصل عملياتهم حتى الآن؟
- أثر الوضع في الميدان سيظهر، لكن هذه المسألة ستأخذ وقتاً، فهذا قتال، وليس (الليلة وبكرة طوالي).
*السيد الوزير.. دعنا ننتقل إلى محور آخر عن علاقتك بالسيد الرئيس، فأنت تبدو قريباً منه بصورة أثارت ولا تزال الكثير من التساؤلات.. ما هى طبيعة علاقتك بالرئيس؟
- هى علاقة طبيعية بين أي اثنين أصدقاء.. وأكثر من أن تكون جمعتنا ظروف عمل، فنحن عندنا علاقة وصداقة خاصة، وصحيح العمل قربنا مع بعض لكن هناك علاقة الصداقة الخاصة، وما ممكن تجيء تقول لشخص لماذا بقيت صديق فلان!!.
علاقتي بالرئيس هى علاقة خالصة لله سبحانه وتعالى، وهى علاقة أخوية بغض النظر عما إذا كان رئيساً أو لم يصبح رئيساً، ولو أنا كنت وزيراً أو لم أكن وزيراً، فالرئيس الآن لديه أصدقاء ليسوا وزراء ولا أي شيء.
*لا أود أن أسألك عن مكاسب القرب من الرئيس، لكن في المقابل، هل تسبب لك القرب منه في متاعب؟
- (ما أفتكر)، لكن العمل العام هذا أصلاً فيه متاعب. وأي إنسان يطلع للعمل العام لازم يعرف أنه لن يرضي كل الناس، والناس لم يجمعوا على الأنبياء، لذلك أنت عندما تأتي إلى العمل العام توقع أن يكون لديك أصدقاء وأعداء، وعندك ناس راضين عنك وناس غير راضين عنك، لكن المهم إنك تُرضي الله سبحانه وتعالى وترضي ضميرك.
*هل تتقبل النقد؟
- نحن ننتقد في كل يوم.
* أعني هل تحتمل النقد من زملائك في المؤسسة العسكرية؟
- نعم، وأصلا الشخص الذي لا يقبل النقد لن يقود، وأنت بما أنك في موقع قيادي لابد أن تشاور، (وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله).. و(أي زول في هذه الدنيا في ناس برتاحوا ليهو وناس ما برتاحوا ليه)، وأنا لا أُعادي الذين لا يرتاحون لي لأن هذا شيء طبيعي.. وأفتكر أنا لا أطلب من الناس أن يرتاحوا لي، و(يرتاحوا لي ليه؟)، فهناك زول بيكره زول لوجه الله تعالى.
* هل ممكن يكون لديك أعداء؟
- قد يكون، لكن أنا بالنسبة لي أحاول بقدر الإمكان ألا يكون في نفسي شيء ضد شخص أصلاً، وبقدر الإمكان أسعى لأن تكون العلاقات صافية.
* البعض يرى أن وجود الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين والفريق أول بكري حسن صلاح يشكلان ضمانة لولاء الجيش الدائم للرئيس؟
- القوات المسلحة ولاؤها للبلد، والولاء للرئيس من منطلق أنها ترى الرئيس يؤدي واجبه بصورة كاملة، ونحن كمؤسسة عسكرية فخورون جداً بأنه طلع منا رئيس نال رضا الشعب والناس وقبولهم بصورة واضحة، هذا فخر للمؤسسة العسكرية أنها قدمت شخصاً مثل الرئيس استطاع أن ينال رضا الناس ويقودهم في مراحل خطيرة جداً ويعبر بالبلد ويحدث فيها كل هذه التنمية والطفرات الكبيرة، ونحن نأمل أن يوفق الله الرئيس وييسر أمره إن شاء الله.
* تناقلت مجالس المدينة أنك كنت رافضاً لإطلاق سراح المدانين في المحاولة الانقلابية وإحالتهم للمعاش بكامل استحقاقاتهم؟
- هؤلاء الناس قُدِموا لمحاكمة، والمحكمة أصدرت أحكامها، وبصورة عادية قدموا استرحاماً للأخ الرئيس، والرئيس تجاوب مع هذا الاسترحام لماضيهم ومشاركتهم مع القوات المسلحة وتاريخهم العسكري السابق، واعترافهم وإقرارهم بأنهم أخطأوا ولكل هذه الأشياء رأى الرئيس أن يعفو عنهم، وهذا من حقه دستوراً وقانوناً.
* لكن ألا ترى أن العفو بهذه الصورة قد يغري آخرين بأن يقتفوا أثر الانقلابيين ويفكروا في محاولة أخرى ربما؟
- العقاب الرادع أيضاً موجود، فهؤلاء أقروا بخطئهم واعترفوا وعندهم خدمة عسكرية، وعلى ضوء ذلك تقدموا باسترحام، والرئيس قدر هذا الاسترحام وأطلق سراحهم. ثم إن الخطأ بالنسبة للإنسان وارد سواء أكان في الجيش أو خارجه، والقانون موجود.

 

آراء