الأشجار واغتيال الأرزاق

 


 

 

*أساطير صغيرة


يحكى أنّ خبرا (عجائبيا) بكل ما يحمل المصطلح من معنى تم تناقله وتداوله الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار قدرا كبيرا من التساؤلات والسخرية والحيرة. الخبر العجيب يقول إن معتمدا بمدينة نيالا قرر إزالة كافة الأشجار بساحات وأسواق المدينة!! هذا نصف الخبر أما العجب العجاب فهو حين تعلم السبب في النصف الآخر الذي يقول: وأرجع المعتمد هذا القرار إلى أن بائعات الشاي يستغللن ظلال الأشجار في بيع الشاي والقهوة. أو شيء بهذا المعنى يشير إلى أن قطع الأشجار المقصود منه التخلص من بائعات الشاي وإبعادهن عن الساحات والأسواق بمدينة نيالا دون الإشارة إلى الأضرار التي تسببت فيها البائعات (المسكينات). ولمن لم يزر نيالا، فإن ما يميز هذه المدينة ويجعلها (ساحرة) هو أشجارها التي تكسوها بخضرة مستديمة طوال العام وتجعل جوها لطيفا والحالة المزاجية لمواطنيها (رايقة) ومعتدلة.
قال الراوي: قطع الأشجار لأي مبرر من المبررات بالتأكيد ينتج عن طريقة تفكير (تعرض) خارج حلبة البيئة والعلم، وتخطط خارج مدارات الدعوات العالمية المطالبة بالمحافظة على هذا الكوكب (الأرض)، هذا ناهيك عن الحالة السودانية الخاصة التي جربت من قبل في ثمانينيات القرن الماضي مخاطر الزحف الصحراوي وما جر إليه من (مجاعة) قتلت الناس (المساكين) وأطاحت في النهاية بالرئيس (الظالم) جعفر نميري. هذا عن الأشجار أما عن بائعات الشاي، والطرق المتنوعة والمتعددة التي تبتكر لمحاربتهن والاتهامات (الأخلاقية) الإقصائية التي تلصق بهن، فأمرهن بحق محزن ومخجل ويدعو المجتمع (بكل أطيافه) إلى الجلوس والتفاكر بشأنهن وليس إنتاج المزيد من الوسائل التي تقهرهن وتذلهن وتدفعهن إلى الإفقار أكثر.
قال الراوي: الخبر في حال كان صحيحا أو مختلقا، يشير إلى الذهنية التي تتعامل مع القضايا المجتمعية والإنسانية في هذه البلاد، ويوضح بجلاء المسافة الكبيرة التي تفصل هذه (العقليات) عن الواقع وعن حقيقته وعن الاحتياجات الملحة التي تطوق إنسانه و(أشجاره وحيواناته)، والخبر يفضح كذلك عن نمط التفكير الذي يسير شؤون العباد في هذه البلاد، فالرجل (المعتمد) من الواضح أن كل تفكيره اتجه إلى كون أن بائعات الشاي (إناث) وأن وجودهن تحت ظلال الأشجار في الأسواق والساحات ما هو إلا دعوة لإغواء الرجال وليس بحثا عن رزق يكفيهن شر الحاجة ويساعدهن في تربية أبنائهن والحفاظ على ما تبقى من بيوتهن.
ختم الراوي؛ قال: العنوان أعلاه مأخوذ عن رواية (الأشجار واغتيال مرزوق) لعبد الرحمن منيف، صاحب (شرق المتوسط) الرواية الأكثر فضحا لغربة الإنسان وسحله – شرق المتوسط.
استدرك الراوي؛ قال: ما ذنب الظلال، ما ذنب الصغار، ما ذنب الحليب وخبز الإفطار؟؟
*زاوية يومية بصحية (اليوم التالي

منصور الصُويّم
mansour em [mansourem@hotmail.com]

 

آراء