حرق مكتبة هيكل أو الخلود

 


 

 


*أساطير صغيرة

منصور الصُويّم
حرق مكتبة هيكل أو الخلود
يحكى أنّ الروائي والمترجم السوداني مازن مصطفى، المقيم في القاهرة، سطر على حسابه على فيس بوك ملاحظة طريفة وذكية تتعلق بالاستمرارية والديمومة الملازمين للحضور (المشع) للأستاذ والصحافي المصري محمد حسنين هيكل. كتب مازن كلماته تلك في خضم التصاعد العنيف للثورة المصرية في نسختها الثانية أو المتجددة، وكانت الكلمات كالآتي: "يبدو أن هيكل فهم الخلود خطأ، فالمقصود أن تخلد كتبه وليس هو"، وهذا أخذ تقريبي لملاحظة مازن تم توخي أكبر قدر من الدقة في نقل روحها كما هي. المهم الذي أعادنا لهذه الجملة الساخرة المشبعة بروح النقد والتساؤل الفكري، تلك الأخبار التي تحدثت عن اجتياح مجموعة من (الدهماء) لمزرعة الاستاذ هيكل وإضرامهم النيران في مكتبته (التاريخية) وحرقهم لما تحتويه من كتب ومخطوطات، وإضاعة ونهب كم هائل من الوثائق التاريخية النادرة إلى جانب كتب خلدت فيها روح الأستاذ وكتب أخرى خلدتها روحه.
قال الراوي: عرف عن هيكل (مولود 1923) حضوره الدائم في المشهد السياسي العربي كأكبر محلل وصحافي إستراتيجي، هذا منذ أن دشن علاقته بالقائد جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي، متنقلا ما بين المناصب السيادية والصحافية مرورا بعلاقته السيئة مع الرئيس أنور السادات (كتب عنه خريف الغضب)، وإلى العهد المباركي وحتى الانتفاضة العظيمة للشعب المصري قبل عامين والمستمرة حتى الآن في حالة فوران ثوري، هذا الحضور في المشهد المصري (أنتج خلاله عشرات الكتب المهمة باللغتين العربية والإنجليزية التي أثارت الكثير من الجدل مع وضد) يترافق مع حضور تحليلي طاغ أيضا في المشهد العربي ككل، ففي كل الأحداث العظيمة التي اجتاحت الأمة العربية وكادت تفتتها في السنوات الستين الأخيرة تجد الرجل (التسعيني) حاضرا بوثائقه (الاستخباراتية) وذاكرته الحديدية ومعلوماته المدهشة وتحليلاته التي نادرا ما (تطيش).
قال الراوي: بلا أشك أسس هيكل لواحدة من أعظم المدارس الصحفية في الشرق الأوسط (المعلومة، الدقة، الوثيقة، التجسير العالمي، الربط الاستخباراتي، الخروج بالصحفي من موقع الناقل إلى موقع الفاعل المشارك، والتأليف والتأريخ – إنتاج الكتاب)، وبلا شك هذا الحضور المشع لهيكل (مفارقة الأبدية)، كل هذا يدفع للتساؤل عن الغياب (البائن) لهياكل آخرين وبذات الكفاءة والقدرة على التجدد والملاحقة والمثابرة على تطوير الأدوات والعلاقات والتواصل هنا وهناك مع أعظم صحفيي ومفكري العالم.. هل هيكل نسخة (صحافية) واحدة لا تتكرر إلا في الخلود.
ختم الراوي؛ قال: خلال الحريق الذي التهم مكتبة هيكل في مزرعته بقرية بلقاش – بالجيزة تم نهب "أغلب محتويات المكتبة من صور ووثائق متعلقة بالفترة الناصرية، وعلى رأسها مستندات تخص أدق تفاصيل حربي 56 و67 و73".
استدرك الراوي؛ قال: هل يحترق الخلود أو تسرق روحه؟
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)   

منصور الصُويّم
mansour em [mansourem@hotmail.com]

 

آراء