خريف السودان ،، خريف الغضب ،، أو قصة موت معلن!. (1) .. رصد: حسن الجزولي
تقرير صحفي مدرج ضمن المضحكات المبكيات
رصد: حسن الجزولي
}حكاية المطرة مع بيوت الطين تاريخياً في السودان، وساقية الرعد المدمدمة والمدورة سنوياً وتعامل المسؤولين مع وحل الخريف وانبهام اللغة عندهم فضلاً عن تصريحاتهم المتناقضة والهاربة للأمام وارتفاع نسبة ضحايا السيول في أوساط الفقراء والأسر المعدمة، وفي ذات الوقت تناقص المعلومات حول من ماتوا سنبلة ولسان حالهم يشهد قائلاً وهو يشهر سبابته نحو مسؤول ما " ثم ألقى بي في اليم وقال لي إياك إياك أن تبتل بالماء"، إضافة لكيفية تعامل الحكومة ونافذيها الذين يدسون المحافير من العيال المشمرين عن سواعدهم تلبية لنداء " يا بو مروة " وتداعيات أحداث الفيضانات التي جلبت هموماً ثقيلة أضحت للناس كجلمود صخر حطه السيل من علً، وتسمع صرخة وتسمع آهة وتسمع نمة وتسمع "أوردولوب" والدنيا مبشتنة ظاهر وباطن بينما تلفزة النظام تغني على ليلاها وتدندن "الدنيا منى واحلام ،، يا سلام" هذا فضلاً عن المضحكات المبكيات التي يبرزها هذا التقرير{:-
(1) أصل الحكاية:-
أصل الحكاية أنه ومن آماد بعيدة، ومنذ أن بعث خالق الكون أرض السودان ضمن ما فطر من شاهق السماوات وبسط الأراضي، أصبح للخريف في بلادنا، موسم معلوم وسيناريوهات حفظها الناس، كونها أصبحت تتتالى عاماً بعد عام وموسم إثر آخر، وربما أن الذاكرة ما تزال تحفظ مآلات ما سببته كوارث السيول والفيضانات التي ضربت البلاد وأشهرها ما تناقلته الأجيال لمنتصف أربعينات وثمانينات القرن الماضي.
أصل الحكاية أن صحفاً صادرة فيما قبل خريف هذا العام بفترة كافية نقلت تصريحات لبعض مسؤولي الحكومة، حول تأكيدات جازمة وحاسمة وحازمة حول الاستعدادات والتحوطات الباكرة التي تم اتخاذها لمواجهة فصل الخريف، خاصة في حدود ولاية الخرطوم، والتي اتضح لاحقاً أنها ضمن ذاك الكلام الذي يطلق في الهواء مباشرة للاستهلاك، ويقول عنه أهل السودان "كلام قلناهو سوا وشالو الهوا".
أصل الحكاية أنه ومع كل تلك التطمينات فقد حلت الكارثة ،، أو قل "الأزمة" ، وأمام هول ما حلً " أياً كان، علق والي الخرطوم بأحاديث تشير إلى أن خريف هذا العام قد فاجأهم، وهو ما يتناقض مع تصريح صريح لمحمد شريف خبير الإرصاد الجوية، لـصحيفة الشرق الأوسط والذي كشف فيه إن إدارته " سلمت تقريراً بتوقعات هطول الأمطار للجهات المختصة منذ يونيو الماضي". وبذلك يكذب تصريحات والى الخرطوم ويحذر من القادم، وقد أمن مدير هيئة الإرصاد الجوى د.عبد الله في تصريحه لصحيفة السوداني، على دحض تصريحات والى الخرطوم الذى زعم فيها أن أمطار هذا العام كانت أعلى من المتوقع، " وقطع بأنهم توقعوا هذه الكميات الكبيرة من الأمطار قبل وقت كاف وابلغوا المسؤولين بها"، مضيفاً أن توقعاتهم " ظلت تصدق وبنسب كبيرة لمدة عشر سنوات ولا تعنيهم تمويهات وتصريحات مسؤولى الحكومة، فهم يخرجون المعلومة بطريقة تقنية عالية ويوصلونها لجهات الإختصاص" وأضاف " أبلغنا هذه الجهات منذ مايو الماضى بخطورة الوضع وأن عليهم الإستعداد لخريف ممطر". الأمر الذي دفع بالكاتب الساخر الفاتح جبرة إلى الاشارة لمقال له قال أنه ظل يعيد نشره سنوياً منذ خريف العام 2009 وذلك عند قدوم فصل الخريف وهطول الأمطار، وإكتشاف كذب تصريحات السادة المسؤولين عن إكتمال التجهيزات إستعداداً للخريف ووضع الخطط والتحوطات لملاقاته حيث في كل عام " نفاجأ بأنه لا توجد إستعدادات ولا تجهيزات ولا يحزنون على الرغم من تأكيد المسؤولين بأنهم قد قاموا بعقد اجتماعات تنسيقية ضمت كل الجهات ذات الصلة نوقشت فيها كل الموضوعات الخاصة بالخريف بما فيها الاشكالات الخاصة بمصارف المياه والأراضي التي تضربها السيول".
أصل الحكاية أن الأمطار نزلت وشهدت البلاد فيضانات وكوارث جمة، ورغم تضارب تصريحات المسؤولين إلا أن أبعاد الأزمة بدأت تتكشف رويداً، والناس يتأهلون لوداع العشر الأواخر لشهر رمضان واستقبال العيد السعيد ببهجته المعهودة، خاصة في ملامح أطفال السودان، أولئك الأطفال المجروحي الحدقات دوماً وأبداً في بلادنا الجريحة في سعادتها، عندما تناولت عدة جهات محلية ودولية حقيقة الأوضاع من كل جوانبها، فقد إرتفعت أعداد المنازل المهدمة لتصل نسبتها إلى أرقام مهولة، وفقدت الآلاف من الأسر مقتنياتها ومآويها، وجرفت المياه المتدفقة غالبية حاجيات الناس، وكمثال ليس حصرياً لتبيان حجم "الكارثة"، فقد تسببت الأمطار التي هطلت طوال يومين في أضرار كبيرة بالخرطوم بحري، " في الوقت الذي تواصلت فيه عملية سقوط السيارات بشارع الزعيم الأزهري، وفشلت المحلية وحكومة الولاية في إجراء أية معالجة لأزمة الطريق الذي تسببت الحفريات الخاصة بالصرف الصحي في إحداث تشققات عميقة أدت لسقوط عشرات السيارات وإصابة بعض المواطنين. وطالب عدد من سكان الشارع بإقالة المعتمد ومحاسبة والي الخرطوم لفشلهما في معالجة أزمة الطريق الذي ظل مغلقاً بطريقة جزئية طوال عامين بسبب أعمال شركة الصرف الصحي" وننبه عناية السادة القراء الأفاضل للتركيز كرة أخرى على الاشارة إلى أزمة الطريق الذي " ظل مغلقاً بطريقة جزئية طوال عامين"، والله يكرم السامعين.
(2) ثم ألقى بهم في اليم:-
وهكذا حالما ارتفع عدد ضحايا السيول والأمطار، وفقد الكثيرون حياتهم، فسجلت العاصمة نسبة أكبر في أجزاء متفرقة منها، وحسب وكالة فرانس برس، قال محمود حامد وزير الداخلية مؤخراً إن عدد الذين تأكد مقتلهم 53 شخصاً، وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى إصابة 70 مواطناً في الفيضانات، ومثالاً وليس حصراً، فقد تناقلت مجالس الأخبار التعيسة وفاة بعض أفراد أسرة بكاملها في قرية طيبة البلاب، حيث وحسب عدة صحف، توفت " ثلاث أخوات صغيرات كن يلعبن بعد هطول الأمطار وغرقن في بركة ماء، وأفاد عادل عبد الرحمن والدهن بحسرة أن كلاً من طفلته سمية وشقيقتيها هديل وعبير توفين بسقوطهن جميعاً داخل بركة ماء مشيدة بالقرية. ووفقاً لمحاضر الشرطة، لقي " الطفل عبد الله مأمون عثمان 13 سنة طالب، مصرعه نتيجة سقوط جدار الغرفة عليه وهو نائم بمنزلهم بأمبدة الحارة 19، وشهدت منطقة دار السلام مربع 27 وفاة طفلة في التاسعة من عمرها، وتدعى منازل أحمد صالح، توفيت نتيجة انهيار سقف غرفة عليها مما أدى لوفاتها" ، وفي منطقة " الفتح 2 مربع 30 فقد أب زوجته حواء على أحمد 34 سنة، وابنه رضوان أحمد نتيجة انهيار المنزل عليهما. وفي ذات المنطقة مربع 89 فقد آخر زوجته المرحومة أم الحسن النور 43 سنة نتيجة لانهيار المنزل عليها"..." وبالقرب من سجن الهدى توفي ثلاثة أشخاص على متن بوكس، وذلك عندما داهمتهم السيول، فأغلقوا أبواب العربة عليهم فغمرتهم المياه وتوفوا إلى رحمة مولاهم، فيما تم إنقاذ 5 أشخاص بعد انتشالهم "..." هذا فضلاً عن ذاك الخبر المؤسف والذي تناقله الناس بأسى بالغ والمتعلق بمأساة بائع اللبن المتجول بعربته الكارو والذي لقي مصرعه بأم درمان ومعه حمارته وكلبه نتيجة صعقة تيار كهربائي من سلك مرمي على الأرض بإهمال.
في شأن هذه (الأزمة – الكارثة) أفادت مندوبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها أن مساعدات حيوية وزعت إلى حوالي 12,000 متضرر من الفيضانات، موضحة أن الفيضانات الخاطفة والأمطار الغزيرة التي تساقطت في بداية أغسطس أدت إلى تشرد العديد من الناس. وأشارت جمعية الهلال الأحمر السوداني إلى الدعم الذي تلقته من اللجنة الدولية من مستلزمات للمأوى ونحوها من ضروريات منزلية حيوية ، مشيرة إلى أن الأمطار ضربت بشدة ولاية الخرطوم ومنطقة دنقلا ووادي حلفاء. ويقول رئيس بعثة اللجنة الدولية في السودان السيد جان كريستوف ساندو " دمرت الأمطار والفيضانات منازل آلاف الأسر وأمتعتها. وستكون هذه المساعدات عوناً للناس كي يتعايشوا مع حالة الطوارئ عبر تلبية أكثر الاحتياجات إلحاحًا. وقدمت اللجنة الدولية مركبات لإيصال هذه المساعدات وستستمر في دعم الهلال الأحمر السوداني في مساعدته التي يقدمها إلى المجتمعات المحلية المتضررة من الفيضانات. وذلك حسب شبكة الشروق وعدة وكالات، في صبيحة السبت، 17 أغسطس الماضي.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في 16 أغسطس وحسب شبكة الشروق، عن حاجتها لمبلغ " مليار دولار أميركي لتمويل العمل الإنساني في السودان، حصلت على 300 مليون دولار منه حتى الآن. وكشفت عن تضرر 147 ألف شخص جراء السيول والأمطار بالسودان. وأوضح منسق الشئون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ماركس كاتس في مؤتمر صحفي، في الخامس عشر من أغسطس يوم الخميس، بالخرطوم عن تأثر أكثر من 147 ألف شخص جراء الفيضانات الأخيرة في تسع ولايات سودانية، فضلاً عن انهيار 26 ألف منزل " مشيراً إلى أن الأمم المتحدة شرعت في تقديم المساعدات، وإنها في انتظار الحكومة السودانية لمزيد من الدعم" مبيناً أن توفير الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي، والنظافة والخدمات الصحية، من الاحتياجات الأكثر إلحاحاً. وحسب آخر إحصاء قدمته منظمة الصحة العالمية، فإن " أكثر من 300 الف شخص في مناطق مختلفة في السودان تضرروا جراء الفيضانات التي أودت بحياة خمسين شخصاً في أغسطس / اب. وقالت المنظمة إن المنطقة المحيطة بالعاصمة الخرطوم تأثرت بشكل كبير وشهدت أسوأ فيضانات منذ 25 عاماً. وقالت المنظمة إن واحداً من الأخطار الرئيسية على الصحة انهيار 53 ألف دورة مياه. ووصف مبعوث للامم المتحدة في السودان الموقف بانه "كارثة ضخمة" وأضافت المنظمة حسب موقع سودانايل " إن الفيضانات أدت إلى تدمير ممتلكات في 14 ولاية من 18 ولاية سودانية ".
_________
عن صحيفة الميدن
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]