مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا والأزمة في دولة جنوب السودان

 


 

ثروت قاسم
1 February, 2014

 



Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.co

1-    مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا .

أصدر مركز  دراسات جنوب الصحراء في كندا عدة دراسات واوراق بحثية  مثالية في المهنية والصدقية  عن الأزمة في دولة جنوب السودان . ويمكن القول بأنه المركز الوحيد في العالم الذي درس الأزمة من جذورها ، وحللها تحليلاً علمياً يدعو إلى الإعجاب والتقدير . وقد أعتمدت هذه السطور في كل ما كتبته عن أزمة الجنوب على الأوراق البحثية التي أصدرها المركز ، بما في ذلك هذا المقالة والمقالة التي سبقتها  ، والتي تليها .

2-    صحيفة الايكونمست ؟

في عدد يوم الأربعاء 22 يناير 2014 ، تحكي صحيفة الايكونمست البريطانية المحترمة قصة ( رجل وحربين ) ؟

اما الرجل فهو فنان الهيب هوب  البريطاني امانويل جال ، من قبيلة النوير في الأصل ، وهرب من جنوب السودان خلال حرب   ال 264 شهر الأهلية ( 1983 – 2005 ) من ضمن ما صار يُطلق عليهم ( أطفال الحرب ) .

رأي امانويل اهوال الحرب الاهلية في نهايات القرن الماضي قبل أن تتبناه المرحومة  زوجة الدكتور رياك  مشار البريطانية السابقة ( أيما ماكوون )  التي كانت تعمل في المنظمات الطوعية في جنوب السودان في تسعينات القرن الماضي .

صار ايمانويل نجماً لامعاً في بريطانيا ومن أمراء موسيقى الهيب هوب  ، كما أصبح داعية سلام .
حكى ايمانويل لصحيفة الأيكونمست تجربته الشخصية مع الحربين :

+ الحرب الأهلية بين جلابة الشمال والجنوبيين التي  أستمرت لمدة  264 شهراً  ،  وإنتهت بالتوقيع على إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 .

+ ويقصد امانويل بالحرب الثانية الحرب الإثنية الدائرة حالياً وعمرها حوالي شهر واحد  منذ يوم الأحد 15 ديسمبر 2013  مقارنة بحرب ال 264 شهر الأولي .  

يؤكد امانويل ان الحرب الاهلية الاولى ( 264 شهر )  مجرد نزهة على شاطئ النيل الابيض مقارنة بأهوال وفظائع الحرب الأثنية الحالية ( شهر واحد ) التي تشيب لذئبياتها الولدان .

في الحرب الأهلية الأولى كان الجنود الشماليون  يحاربون ويقتلون جنود الحركة الشعبية ، وكان  المواطنون الجنوبيون  ، كل المواطنون الجنوبيون متحدون على قلب رجل واحد  ضد جلابة الشمال .  المواطن الدينكاوي والمواطن النويراوي في خندق واحد  ضد عرب الشمال . وحدة وطنية  نادرة  بين قبائل الجنوب خلقها وابتدعها العدو الشمالي المشترك  . إلا من إستثناء  يثبت القاعدة ، وهو خروج      الدكتور رياك مشار ضد الدكتور جون قرنق في عام 1992 ، لأن الدكتور مشار كان يدعو للإنفصال ، والدكتور قرنق كان يدعو للسودان الجديد الموحد . الإختلاف والخلاف بين الدكتورين لم يكن إثنياً  ، بل على   المبادئ والإتجاه العام .

أما في حرب  الشهر الإثنية الحالية فهي حرب الجميع ضد الجميع . الجنود الجنوبيون من الدينكا والنوير  يقتلون المدنيين من النوير والدينكا على الهوية . المدنيون  من الدينكا والنوير يقتلون زملائهم المدنيين من النوير والدينكا على الهوية ، خوفاً من أن يتعشوا بهم .

دعنا نأخذ مثال لنوضح الصورة   أكثر .  

المعلم اشول دينق ( دينكاوي ) زميل في معهد جوبا الفني للمعلم رياك قاي (  نويراوي ) . درس الأثنان وتخرجا من معهد رمبيك التعليمي ، ويسكنان في منزلين متلاصقين في جوبا .

في يوم الأثنين 16 ديسمبر 2013 ، عند بداية الأزمة والشحن القبيلي ( من قبيلة ) ، دخل اشول على منزل زميله رياك ، وقتل بالكلاش رياك وجميع افراد عائلته . برر اشول فعلته الذئبية بأنه تغدى برياك وعائلته قبل أن يتعشى رياك به وعائلته .

قصة لا تُصدق ، ولكنها حقيقية  ومثلها معها آلاف  من القصص الطينية . تختزل  هذه القصة  الأعماق التى أنحدر اليها  الصراع الذئبي في جنوب السودان .

حرب الجميع  ضد الجميع بإمتياز .

يحكي  امانويل  إن  شقيقه  الأصغر قرر البقاء في منزله مع عائلته في بانتيو لانه مؤيد للرئيس سلفاكير وحكومته . ولكن إقتحم جنود الرئيس سلفاكير داره وحرقوا الدار وهو وعائلته بداخلها ، فقط   لأنه من إثنية النوير . يقول امانويل إن بانتيو صارت قاعاً صفصفاً ، ومجموعة من خرابات المباني المحروقة والمهدمة بالدبابات .

المرارات الشخصية التي يحملها المواطنون من قبليتي الدينكا والنوير ( حوالي 40% من سكان الجنوب ) ضد بعضهما البعض  سوف تنغرس في المخيلة النفسية لكل قبيلة ، ولن تمحاها إتفاقيات وقف العدائيات ووقف إطلاق النار ، ولا حتي إتفاقية سلام شامل . سوف يموت هذ الجيل وهذه المرارات مغروسة في وجدانه ... كراهية غير مبصرة وذئبية سوف لن تساعد في الوحدة الوطنية ، وتهدم بناية دولة المواطنة المتساوية التي لن تقوم لها قائمة  ،  وهذا الجيل حي يتذكر أهوال هذه الحرب الأثنية المأساوية بين الجنوبيين ، على قصرها زمنياً  ( شهر واحد ) مقارنة بالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب   ( 264 شهر )  .  

شهر أسود من الأهوال ، وربما القادم مزيد من نفس الكاس المرة .

الا يذكرك هذا الوضع المأساوي  بكلمات الشاعر الأندلسي :

غشيت عيناي من طول البكى ...

وبكى بعضي على بعضي معي .


رغم الكوارث الإنسانية والمآسي التي تشيب لها الولدان لما يحدث حالياً في دولة  جنوب  السودان الوليدة ، فلن تجد جنوبياً  واحداً يتحسر على أيام الوحدة مع السودان ، ويرنو إلى السودان الموحد  . تجد رفضاً مرضياً لكل ما هو سوداني . أضطر الرئيس سلفاكير مكرهاً للتنسيق مع الخرطوم إبان هذه المحنة ، رغم كراهيته المستعرة للقوم هناك .

في يوم  الأحد 22 ديسمبر 2013 أرسل الرئيس سلفاكير وزير خارجيته برنابا بنجامين للخرطوم حاملاً رسالة خاصة  للرئيس البشير ؛  وارسل مستشاره القانوني تيلار رينق دينق (  يوم الأحد 26 يناير 2014 ) برسالة خاصة ثانية للرئيس البشير . في الرسالتين يتوسل الرئيس سلفاكير دعم الخرطوم  للجيش اليوغندي في السيطرة على وتأمين  آبار النفط الجنوبية  ضد هجمات قوات الدكتور رياك مشار .   

العالم المتحضر يشاهد ما يحدث من أعمال عنف ووحشية في الجنوب ، وكأنه يتابع مباراة لكرة القدم؟  ربما أن هذا العالم المتحضر لا يهمّه القتل وإنما تهمه الطريقة التي يُقتل بها الناس؟  فلقد أصدر المجتمع الدولي  ، بعد استخدام الكيميائي في سوريا  ، أوامر بعدم استخدام تلك الأسلحة، وكأنه  يقول لهم :

( اقتلوهم بأي شيء آخر إلا الأسلحة الكيميائية )  ؟

الخلاصة :

حرب ال 264 شهر الأهلية بين الشمال والجنوب وحدت القبائل الجنوبية ضد العدو الشمالي المشترك . لم يقتل الشمالي الجنوبيين سنبلا وعلى الهوية .

حرب الشهر (حتى إتفاقية وقف العدائيات )  الإثنية دمرت الوحدة الوطنية بين القبائل الجنوبية  ، وقتل الجنوبي شقيقه الجنوبي سنبلا وعلى الهوية ؟

هذا هو أهم فرق بين الحربين !


EMMANUEL JAL

3-     المدن والأرض الخلا بين المدن ؟

بدعم عسكري مهول من الجيش اليوغندي ،  تسيطر قوات الرئيس سلفاكير على عواصم الولايات الثلاثة بور وملكال وبانتيو ، وكل واحدة منها قد صارت قاعاً صفصفاً تنعق فيه البوم . ولكن الارض الخلا بين هذه المدن فهي مرتع لقوات الدكتور رياك مشار التي تشن غارات على هذه المدن وتسيطر عليها لأيام قبل طردها بواسطة قوات الجيش اليوغندي .

إذا إنسحب الجيش اليوغندي من الجنوب كما تطالب أثيوبيا ، فسوف يدخل الدكتور رياك مشار جوبا كما تدخل انت سوق الناقة في ام بدة لأكل كبدة الجمال ؟

هل يذكرك الوضع في الجنوب بما كان عليه أيام الحرب بين الشمال والجنوب ، عندما كان الجيش السوداني يسيطر على المدن الرئيسية وتمرح الحركة الشعبية في الارض الخلا بين هذه المدن دون أن تسيطر عليها ؟


3-     تابو مبيكي  ولجنته العالية ؟

يتسآل  مركز دراسات  جنوب الصحراء  في كندا  عن  الوسيط  مبيكي ولجنته  العليا ، الذين  لم نسمع  عنهم  منذ إندلاع أزمة الجنوب ؟  هل سمع أحدكم عن الوسيط مبيكي ولجنته العليا ؟  

يخبرنا مركز دراسات  جنوب الصحراء  في كندا بأن لجنة مبيكي العليا تتكون من :



+ تابو مبيكي ، رئيساً ،

+ الجنرال عبدالسلام ابوبكر ، رئيس نيجريا السابق ،

+ بيير بويويا رئيس بوروندي السابق .

لجنة للإعاشة الفاخرة لرئيسها وعضوييها ؟  وبدأت في معالجة أزمة دارفور ، ثم إنتقلت إلى معالجة المشاكل بين  دولتي السودان وبين الحركة الشعبية الشمالية والسودان ، حسب قرار مجلس الأمن 2046 في 2 مايو 2011 .

حصاد اللجنة كومة من الهشيم وقبض الريح !

وسكتت عن الكلام المباح منذ إندلاع أزمة جنوب السودان في يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 .

لجنة أخرى وثلاثية بدأت تتعامل مع أزمة جنوب السودان  ... لجنة وساطة الإيقاد وهي كديسة بدون أسنان ،وتقدم كسفرجي  ما يطبخه المبعوث الأمريكي الرئاسي الخاص لدولتي السودان السفير دونالد بووث  .


4    -  موقف القبائل الإستوائية ؟

في دراسة أعدها مركز دراسات جنوب الصحراء في  كندا نعرف إن الموقف الذي سوف تتخذه القبائل الإستوائية سوف يرجح كفة  ويؤكد إنتصار الطرف المنحازة اليه هذه القبائل ، وأمراء حربها في جيش الحركة الشعبية   ، ضد الطرف المقابل .

يقول  المركز الكندي  ذلك  رغم دعم الجيش اليوغندي الحاسم لقوات الرئيس سلفاكير .

دعنا نستعرض ،  كمثال ،   موقف 4 قبائل إستوائية  في الإستوائية الكبرى :

+  قبيلة اللاتوكا  ( حول توريت  ، شرق الإستوائية )  ،

+ قبيلة الديدنقا  ( في جبال الددينقا شرق توريت في   محلية بودي، شرق الإستوائية  ) ،

+  قبيلة المادي ( قبيلة سيرسيو أيرو  وقاما حسن  وجوزيف لاقو  ،  حول نيمولي ، جنوب الإستوائية  ) ،

+  وقبيلة التبوسا  ( حول كبويتا ) .  


يحدثنا  مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا    إن  عناصر الدينكا في الجيش الشعبي  قد عاملوا هذه القبائل  الإستوائية الأربعة  وغيرهم  من القبائل الإستوائية  معاملة سيئة  خلال حرب الإنفصال  ( 1983 – 2005 ) . ولهذا السبب ،  تخزن  هذه القبائل  الإستوائية مرارات وثارات  ضد  قبيلة الدينكا .

المحصلة :



ربما  إنقلبت هذه القبائل الأربعة ضد الرئيس سلفاكير للمرارات القديمة  ضد الدينكا ، والأهم  لدعم الجيش اليوغندي المُستعمر للرئيس سلفاكير ضد أبنا ء وطنه  ... غبينتان احلاهما مر في طعم الحنظل ؟

إذا  دعمت  هذه القبائل  الدكتور رياك مشار ، فإنها سوف تسيطر بسهولة  علي مدينة نيمولي  ، على الحدود مع يوغندة   ؛  وعلى مدينة نارس في شرق الإستوائية على الحدود مع كينيا  ، وتعزل  الرئيس سلفاكير من العالم الخارجي ( يوغندة وكينيا ) .

خصوصاً وتُوجد كتيبة عسكرية من النوير من الجيش الشعبي في شرق الإستوائية منذ أيام حرب الإنفصال .

غبينتان ، الواحدة أشد مرارة من الثانية .

ربما لهذا السبب ، يستنجد الرئيس سلفاكير بالرئيس البشير للمرة الثانية  منذ إندلاع الأزمة ؟

في   حالة إنحياز القبائل الإستوائية للدكتور رياك مشار  ، فعلى الرئيس سلفاكير السلام  ، رغم وربما بسبب تواجد الجيش اليوغندي في الجنوب  .

كيتن في الدينكا ؛ وعشان تاني   .

إنتظروا موقف اللاتوكا والددينقا والمادي والتبوسا  ...إنا معكم منتظرون !

 

آراء