غنـدور بعـد فشــل المفــاوضات: لــم نيـأس وسنـواصــل الحــوار

 


 

 



الحوار الداخلي فرصة تاريخية للوصول إلى توافق

البعض يعتقد خاطئاً أن الحكومة ستسقط خلال الأشهر القادمة

مازلنا نتعشم في أن يأتي أخواننا في الطرف الآخر للسلام

حاوره: فتح الرحمن شبارقة
دائماً ما يجىء اسمه مسبوقاً بواحد من ثلاث صفات، إما مساعد رئيس الجمهورية، أو نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني للشؤون الحزبية، أو رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات المنطقتين بأديس أبابا. ولكل ذلك، يكتسب الحديث مع البروفيسور إبراهيم غندور أهمية كبيرة في هذا التوقيت منذ أن أعلن أمبيكي وصول المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال لطريق مسدود. وهو الأمر الذي أنتج جملة من التساؤلات التي كانت تبحث عنه بإلحاح . حيث جلست إليه صبيحة أمس في مكتبه بالقصر الجمهوري، وكان هذا الحوار الذي أجاب فيه غندور على كل أسئلة (الرأي العام) دونما تلجلج كما يتضح من إفاداته التالية:
*فشل جولة المفاوضات الأخيرة بين الحكومة وقطاع الشمال، ألم يهزم ويسقط برأيك أولى ركائز الوثبة المتمثلة في تحقيق السلام؟
- لعلّ الذين عملوا على إفشال هذه الجولة قصدوا عن عمد محاولة إفشال الوثبة. لكنى أقول إن الفيصل في القضية أن هنالك طرفاً تعنت ولم يحاول الوصول لسلام، والفيصل في ذلك هم الوسطاء والإتحاد الأفريقي الذين سيقررون في هذا الأمر. لكن الحكومة ستظل تواصل العمل من أجل السلام باعتباره غاية وسيظل الحوار هو الوسيلة الأولى لذلك. والحوار عندما يلتئم إن شاء الله سيقرر ماذا فعلت الحكومة من أجل الوصول لسلام، وحينها ستكون القضية ملك لكل أهل السودان.
*المراقب لحديثكم يلحظ أنكم دائماً ما تقولون مثل هذا الحديث الطيّب الذي يكشف عن نوايا لتحقيق السلام، لكن هناك مسافة فاصلة بين ما تقولونه وبين ما تفعلونه في الواقع حيث تصرون على التمسك بمواقفكم القديمة دون تقديم تنازلات؟
- نحن قدمنا رؤية واضحة جداً، ولم نجد في المقابل رؤية توازيها. ورؤيتنا بُنيت على أن السلام يمكن أن يتحقق بالتالي: أولاً الإتفاق الفوري على وقف شامل لإطلاق النار. ثانياً البدء فوراً في تنفيذ الإتفاقية الثلاثية لإغاثة المحتاجين وهذا أمر عاجل. ثالثاً تكوين ثلاث لجان إحداها تعنى بالشأن الإنساني والتنفيذ ومواصلة العمل فيه حتى حل كل إشكالات النازحين وحتى اللاجئين بدول الجوار، واللجنة الثانية لجنة سياسية تواصل عملها وتبدأ بأن يمارس قطاع الشمال ويبدأ في إجراءات تسجيله كحزب وفقاً للقانون ويتواصل الحوار حول القضايا السياسية وأقترحنا أن يتم كل ذلك خلال ثلاثة أشهر، واللجنة الثالثة هى لجنة أمنية تبدأ من بداية وقف إطلاق النار الشامل ومراقبته ومتابعته وصولاً لإدماج القوات أو تسريحها وفقاً لما يتفق عليه ويكتمل ذلك في ستة أشهر. أى أن الإتفاق منذ بدايته وإلى أن يكتمل ليصبح واقعاً يداوي جراحات المحتاجين ويبدأ العمل والنشاط السياسي وينتهى بقضية الترتيبات الأمنية في مجمله ستة أشهر.
*وما الذي حدث في المقابل من جانب قطاع الشمال إزاء هذا الطرح؟
- في المقابل الرؤية كانت فقط إيقاف مؤقت لإطلاق النار وإغاثة المحتاجين، وهذا يعني..
* قبل ما يعنيه ذلك، لماذا ترفض الحكومة وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لإغاثة المحتاجين وهذه مسؤوليتكم؟
- أنت كتبت بالتفصيل في هذا الأمر قبل ذلك ولا أريد أن أدخل فيه، لكن نحن لم نمانع، نحن طالبنا بالتنفيذ الفوري للإتفاقية الثلاثية وِفقاً لوقف إطلاق النار الشامل، والفرق بين وقف إطلاق النار الشامل والمؤقت باختصار هو أن وقف إطلاق النار الشامل يعنى إعلان نوايا مع بداية فعلية لوقف القتال والحرب وحل المشكلة. بينما الوقف المؤقت هو هدنة ربما يتم فيها تشوين القوات لاستمرار الحرب، وأعود فقط لنموذج يشبه النموذج الذي يطالب به قطاع الشمال الآن وهو شريان الحياة الذي استمر (12) عاماً، ومدّد الحرب عشرين عاماً أخرى.
*بعد الفشل الأخير لجولة المفاوضات برزت مخاوف جدية من أن تكون كل الطرق مفضية إلى الحرب؟
- مازلنا نتعشم في أن يعمل الوسطاء والإتحاد الأفريقي على وجه الخصوص كى يأتي أخواننا في الطرف الآخر للسلام ونتوافق على حل لهذه المشكلة، ونحن لم نيأس ونحمل كل أشواق الشعب السوداني وأهل المنطقتين في الوصول لسلام، ولذلك سنواصل الحوار.
* لكن السلام لا يأتي في الغالب بالأشواق فقط، وإنما لابد من توافر حيثيات عملية على الأرض لتحقيقه، فما هى الحيثيات التي تُبقى على أمل تحقيق السلام في دواخلكم رغم كل التباعد بينكم وقطاع الشمال؟
- الواقع يقول أنهم لابد من أن يأتوا إلى السلام لأن أهل المنطقتين سئموا الحرب، ومن خلفهم يقف كل أهل السودان. وهنالك قيادات حتى داخل قطاع الشمال سئمت الحرب وتنادي بالسلام الآن ولا تتفق مع الرؤية التي تطرحها بعض قياداتها. ولذلك أعتقد أن حراك المجتمع في المنطقتين وحراك الفاعلين حتى في داخل قطاع الشمال خاصة الذين يكتوون بنيران الحرب على الأرض سيوصلنا بإذن الله إلى السلام.
* ألمس شيئاً من التناقض بين التفاؤل الذي تتحدث عنه الآن، ووصفك أمس الأول للحوار مع قطاع الشمال بأنه حوار الطرشان؟
- نحن هنا نشير إلى ما يتم على طاولة المفاوضات في أديس أبابا، إذ أن الوساطة تطرح أمراً ونناقشه نحن كوفد حكومة ونقدم رؤانا حوله، بينما يقدم الطرف الآخر رؤية لا علاقة لها بما قدمته الوساطة التي تنطلق من التفويض الممنوح لها وفق القضية المطروحة أمامها، ووفق التفاصيل الواردة إليها من القرار 2046 وقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي.
*البعض يتحدث عن أن خيارات الحكومة باتت شحيحة بعد فشل المفاوضات؟
- خيارات الحكومة لن تكون شحيحة أبداً، وإن شاء الله سنتوجه إلى أهلنا في المنطقتين والذين بدأوا الآن ينفضون من حول دعاة الحرب.
*صحيح أن قطاع الشمال يوفر حيثيات كافية لوصفه بالتعنت، لكن في المقابل أنتم متهمون بالتعنت كذلك؟
- أنا أريد فقط تفسير في ماذا نتعنت؟
* مثلاً الحركة تطالب بمناقشة قضايا المنطقتين في الإطار القومي، وهو طلب ترى فيه حتى بعض القوى السياسية الأخرى وجاهة ومقبولية؟
- نحن لم نمانع في ذلك، فما رفضناه وسنظل في نفس ذلك الموقف أنهم أرادوا أن نناقش القضايا القومية في منبر أديس أبابا ثم نتفق عليها ثم نأتي برؤية واحدة لمؤتمر الحوار الداخلي. فماذا لو رفضت القوى السياسية ما اتفقنا عليه؟ حينها إما أن نوصف بأننا قد أوصلنا الحوار إلى طريق مسدود، أو أننا تولينا الحوار عن بقية الشعب السوداني وطرحنا رؤية مع قطاع الشمال واتفقنا عليها. فنحن قلنا إن القضايا القومية مكانها هنا مع كل القوى السياسية في شمول للحوار لا يعزل فيه أحد، وفي شفافية يقف عليها الشعب السوداني، وفي موضوعية يتابعها كل السياسيين في إنفاذ ما اتفقنا عليه.
*عفواً يا بروف، لكن من الواضح أن سياسة الحكومة تقوم على رسم خطوط حمراء ثم التراجع عنها مع تكاثف الضغوط عليها، أى انكم ستقبلون بمناقشة تلك القضايا في النهاية وستتحول لاءاتكم إلى نعم كما يقول البعض؟
- أنا أؤكد لك إن هذا الموقف موقف موضوعي ولذلك ليس فيه مجال للتراجع، ولن يكون فيه مجال للمزايدة. هذا الموقف طرحناه في أبريل من العام الماضي في وقت كانت الحركة تتمدد في المنطقة الشرقية والغربية من جنوب كردفان، ونفس الموقف كررناه في فبراير من هذا العام والحركة قد تراجعت تماماً من المنطقة الشرقية وانحسرت في المنطقة الغربية. أى أن القضية بالنسبة لنا رغم أن الوضع على الأرض يمكن أن تستفيد منه كمفاوض لكن موضوعية الطرح جعلتنا نقدم نفس الطرح باعتبار ما فيه من الوجاهة والإنصاف ليس لقطاع الشمال فقط وإنما لأهل المنطقتين وأهل السودان.
* اتهامكم للحركة الشعبية بإفشال هذه الجولة يعيد طرح سؤال مفاده ما الذي فعلتموه أنتم حتى تكونوا بمنجاة من اتهامكم بذات الإفشال؟
- أولاً، نحن استلمنا ورقة من الوساطة وجلسنا جلسات تطاولت لمدة سبع أو ثمانية أيام في لقاءات ثنائية دون وجود للوساطة ورفعت هذه الجلسات لأنه في آخر جلسة بيننا كطرفين جاء الطرف الآخر بطرح مغاير لما ظللنا نتداول فيه خلال الأيام الماضية، بل أنه وضع ثوابت لا يريد أن يناقش غيرها ضارباً عرض الحائط بالمرجعيات التي لا مجال للفكاك منها وإن رفضتها.  ذهبنا في الجولة الأولى رغم المرارات التي حدثت في أم روابة وأبو كرشولا وغيرها، وذهبنا في الجولة الثانية رغم أن الجولة الأولى أختتمت بقصف كادوقلى وقصف الأبرياء، وجلسنا نفس الجلسات ولكن واجهنا نفس التعنت، ذهبنا للجلسة الثانية ونحن نحمل رداً تفصيلياً بنفس المنهجية التي طلبتها الوساطة. أى أن نرد على كل نقطة إما بالموافقة أو بالتعديل أو بالرفض، وفي حال التعديل أو الرفض أن نضع المبرر، وفعلنا ذلك على ورقة الوساطة نقطة نقطة. والطرف الآخر تجاهل ورقة الوساطة تماماً وقدم ورقة بديلة لم تناقش لب القضية أى وقف الحرب، ولم تناقش القضايا الإنسانية والسياسية المتعلقة بالمنطقتين، وقدم فقط طرحاً لدعم إنساني لا محدود تنتهك فيه سيادة السودان ويتم عبر الحدود وكلنا يعلم ما يجري في الحدود، وبالتالي كانت ورقة تعجيزية ليس إلا، والوساطة نفسها قالت إن الحكومة ألتزمت بما طُلِب منها بينما الحركة قدمت ورقة مخالفة تماماً، وبالتالي هذا ما فعلناه لإنجاح هذه الجولة.
*لكن بعد كل ما سبق كأنك ترى إمكانية التوصل لسلام وترى أن الاتفاق مع قطاع الشمال أمراً  ليس مستحيلاً؟
- هو ليس مستحيلا، لكن البعض يقرأ الواقع السوداني قراءة خاطئة..
*ماهى أمثلة القراءة الخاطئة التي يقرأها البعض؟
- البعض يعتقد بأن الحكومة ستسقط خلال الأشهر القادمة بسبب الضغط الإقتصادي، والبعض يعتقد بأن الحكومة الآن في أضعف حالاتها وتضربها الخلافات وإلا لما قدمت الدعوة للحوار. ومعلوم أن أى حزب له مؤسسات في الدنيا لا يُقدِم على خطوة مثل حوار شفاف ومفتوح حول قضايا تهُم الوطن إلا إذا كان ذلك الحزب يشعر بأنه في أفضل حالته. وفي بعض الأحيان البعض يتوصل إلى المعلومات التي يحب والتي يريد والتي تصله من أصحاب الأمنيات فيبني عليها إستراتيجيته، والتعويل على كل هذا تعويل خاطئ وسيصل الذين يعتقدونه إلى الصواب قريباً، وأعتقد أنهم سيعودون للتوافق.
* غيابك عن الجولة الأخيرة رأى فيه عرمان إرسال لرسائل خاطئة بشأن جدية الحكومة في المفاوضات؟
- أنا تغيّبت لمدة يومين بمعرفة رئيس الآلية والوساطة لأننى كنت في مهمة خارج السودان وبتكليف من الأخ الرئيس، وتلى ذلك في اليوم التالي إجتماع مهم للمكتب القيادي، ثم غادرت لأديس أبابا وألتقيت بالوساطة. بالتالي لم يكن غياباً، وفي الفترة التي تغيّبت فيها حمل الوفد رؤية تفصيلية مكتوبة رداً على الآلية وخطاباً ممهورًا بتوقيعي يحمل أن هذه هى رؤية وفد الحكومة، كما أن وفد الحكومة مفوض على عكس الآخرين. ولذلك الحديث عن الغياب كان هو محاولة شماعة لضرب المفاوضات.
*إتفاق نافع - عقار ظل (يُتاور) البعض عند كل جولة للمفاوضات، وقد وضح أنه كان من الممكن أن ينهي الحرب، لذلك دعني أسألك ببساطة: (اتفاق نافع عقار دا مالو)؟
- اتفاق نافع عقار يتكون من جزءين. الجزء الأول أجندة للحوار حول قضايا تتعلق بالمنطقتين وغيرها، وهذا ليس فيه مشكلة. الجزء الثاني يتحدث عن شراكة بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال، وهذا يجب أن يحدث بعد أن تتحول الحركة إلى حزب سياسي. واتفاق نافع عقار وارد في صلب القرار 2046، بالتالي محاولة رفع اتفاق نافع عقار كشعار بأن التحاور لن يتم إلا حوله هو جزئية بسيطة جداً في قضية الحوار وليس كل الحوار. بالتالي كان من المفترض أن توافق الحركة أولاً على أن القضية هى قضية المنطقتين وأن هناك أجندة تتعلق بالمنطقتين هى القضايا الثلاث - الأمنية والسياسية والإنسانية- وأن يتم الإتفاق على تكوين لجان لمناقشة هذه القضايا والإستمرار فيها، حينها محاور الإتفاق الإطاري أغلبها وارد في مرجعيات كثيرة جداً يمكن التحاور حولها، لكن الحركة تحاول أن تستخدم اتفاق نافع -عقار كإشارة إلى أن المؤتمر الوطني لم يلتزم بما وقّع عليه. وهى تعلم تمام العلم إن كل الأجندة التي يناقشها لم تخرج كثيراً من هذا الإطار فيما عدا قضية الشراكة وهى قضية لابد أن تكون بين كيانين سياسيين، والحركة ليست كياناً سياسياً الآن، هى حركة متمردة تحمل السلاح.
*ألا يمكن أن يكون اتفاق نافع -عقار قابلاً للحياة مرة أخرى؟
- أنا أعتقد أن الجزء الثاني فيه لن يكون قابلاً للحياة إلا إذا تحولت الحركة إلى حزب سياسي.
*هل يخشى البروفيسور غندور بوصفه رئيساً للوفد من إبرام اتفاق مع الحركة ويكون مصيره كمصير اتفاق نافع عقار؟
- نحن ذهبنا بتفويض كامل من قيادة الدولة ومن الحكومة، ونعرف إلى أين نريد أن نذهب، فنحن نريد أن نحقق السلام، لكن نريد أن نحقق سلاماً مستداماً وليس سلاماً كما يريد البعض يشبه اتفاقية نيفاشا التي يريدها البعض وهى قضية مختلفة جداً. البعض يريد أن يكون شريكاً في كل السودان دون القوى السياسية الأخرى، ويريد أن يُبقي على قواته باعتبارها الضمانة الوحيدة  لوجوده السياسي وإن فقد التفويض الشعبي، وغير متاح الآن أن يكون هناك جيش آخر غير القوات المسلحة السودانية، وهذا قرار ليس فيه مجاملة. وبالتالي نحن نعرف إلى أين نصل بحدود التفويض، وإذا وصلنا للتفاصيل فالإتفاق ليس صعباً.
*التفويض الذي تتحدث عنه كان موجوداً حتى في اتفاق نافع -عقار، ولكن لم يتم الإلتزام به رغم التفويض؟
- اتفاق نافع -عقار لم يكن اتفاقاً حول تنفيذ قضايا وإنما كان اتفاقاً حول أجندة، وبالتالي الأمر مختلف جداً، نحن الآن نحاول أن نناقش قضايا عملية تفصيلية لكيف نريد للمنطقتين وقضاياها أن تحل، وكيف نريد لقضية العمل السياسي في المنطقتين أن تتم، وكيف نريد لقطاع الشمال أن يكون قوة سياسية موجودة في داخل السودان وتعمل وفقاً لذلك. وهذه قضايا تختلف جداً من إطار الأجندة.
*من واقع رئاستك للوفد الحكومي المفاوض لجولتين سابقتين.. برأيك هل يصلح قطاع الشمال كشريك سياسي في أى اتفاق يمكن أن يبرم مع الحكومة؟
- أنا أعتقد إذا قرأوا الواقع السياسي قراءة صحيحة فهذا يمكن أن يكون الأفضل لهم، لكن القطاع مكوّن من فاعلين سياسيين جاؤوا من خلفيات مختلفة، ولذلك الدوافع السياسية لهم دوافع مختلفة، وهذا هو الأمر الذي يجعل منهم كياناً موحداً في ظل غياب الفاعل الأكبر الذي صنع من القطاع قطاعاً، أى الحركة الشعبية الأم، سيكون هذا الأمر صعباً.
*آخر مرة إلتقيت فيها أنا بعرمان في الخرطوم كان خارجاً من مكتبك، ويبدو أن هناك علاقة بينكما بسبب العمل المشترك في اللجان السياسية قبل الإنفصال.. لكن لماذا لم تُسهِم العلاقة الخاصة بينكما في تجسير هوة الخلاف والوصول لإتفاق؟
- لأن مرجعيات الوفد مختلفة جداً عن المرجعيات التي كانت في ذلك الوقت. الآن هناك مرجعيات الجبهة الثورية كحليف عسكري، وبعض القوى السياسية داخل السودان كحليف سياسي. بالتالي هنالك كيان في الوسط اسمه قطاع الشمال يريد السلام ولكنه لا يريد أن يفقد تحالفه العسكري، ولا يريد أن يفقد تحالفه السياسي في الداخل الذي يرفض أيضاً حتى مبدأ الحوار. وأعتقد أن قطاع الشمال متنازع بين ثلاثة ولاءات.. ولاء لقضية يعتقد أنها عادلة هى قضية المنطقتين، وولاء سياسي مزدوج لآخرين لا يريدون أى توافق، وولاء عسكري لآخرين مازالوا يطمعون في تنفيذ أجندة عبر البندقية.
* قال لى عرمان أثناء جولة سابقة للمفاوضات أنك لست واضحاً مثل د. نافع، وذهب إلى ما معناه أنك (غتيت وبطنك غريقة)؟
- الوضوح في الحوار مطلوب، ولكن أن تقول كلما تريد في جولة واحدة دون أن يتقدم الطرف الآخر خطوة واحدة، فهذا في مجال الحوار يعتبر سذاجة سياسية، فهم لن يتقدموا خطوة واحدة لنتقدم خطوتين.
*هل أنت راضٍ عن عمل الوساطة الأفريقية؟
- أنا راضٍ على اعتبار أن الوساطة ظلت تمثل حيادا، وظلت أيضاً تمثل البعد الأفريقي الذي لا يريد لقضايا أفريقيا أن تخرج لخارج البيت الأفريقي..
*ولكن من الواضح أنها لا تملك القدرة على حمل الطرفين للتوقيع على اتفاق سلام؟
- تفويض الآلية واضح أنه لم يعطها القدرة، وهذا طبيعي في قضايا الوساطة، ولكن وراءها من يستطيع أن يفرض الحلول.
*ألا تخشون من إعادة الملف إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي مرة أخرى؟
- إذا كان بمعايير العدالة فليس لدينا أى سبب للخوف. ونتمنى أن لا تكون التدخلات الخارجية سبباً في تعقيد الأمر وإيصاله إلى طريق مسدود، فنحن نثق جداً في أشقائنا الأفارقة وفي حكمتهم وفي عدالتهم وفي رؤيتهم وفي إيمانهم بما بذلته الحكومة السودانية من أجل السلام.
* يبدو أن الملف في طريقه إلى مجلس الأمن بعد فشل الجولة الأخيرة؟
- قطعاً بعد مجلس السلم والأمن الأفريقي لابد أن يذهب بتقرير إلى مجلس الأمن باعتبار أن الأمين العام للأمم المتحدة لديه ممثل في المفاوضات وهو السيد هايلى منقريوس، وبالتالي سيذهب بتقرير إلى مجلس الأمن، لكن لا أتوقع أن مجلس الأمن يمكن أن يخرج عن ما يمكن أن يأتي به مجلس السلم والأمن الأفريقي.
*ذهاب الملف لمجلس الأمن الدولي قد تنتج عنه عقوبات على الحكومة على الأرجح؟
- ليس لديهم أسباب لتوقيع عقوبات على الحكومة، فالحكومة ذهبت إلى التفاوض وقدمت رؤيتها وطرحها، وأكدت استعدادها لتنفيذ إتفاقية إنسانية وقعت عليها الأمم المتحدة نفسها بينما يرفض الطرف الآخر ذلك.
* ثم ماذا إذن بعد أن يذهب الملف إلى مجلس الأمن الدولي؟
- يفترض أن يعاد إلى الوساطة لكي تفرض الأجندة المطلوبة وتقدم الرؤية المطلوبة التي يجب أن يلتزم بها الطرفان.
*بعد فشل هذه الجولة من الحوار مع قطاع الشمال، ألا تخشى أن يكون لهذا الفشل تداعيات سالبة وتعقيدات في ملف الحوار السوداني بالداخل؟
- لن تُعقِد الحوار السوداني، لكن إذا استمر تعنت القطاع ربما تغيّب طرف مهم يحمل السلاح عن الحوار الداخلي، لكن لن يظل أهل السودان رهينة لمن لا يريد السلام.
*لكن بعد هذا الفشل وما يتوقع بعده من تصعيد على الميدان، فإن البعض ينتظر جثة المؤتمر الوطني عند ضفة النهر؟
- الله عز وجل وحده هو الذي يحدد جثة من التي ستطفو على السطح أو تصل إلى بر الشاطئ، فهو الذي يؤتي الملك وينزعه. ونحن ما يهمنا الآن هو نجاح الحوار الداخلي، وما يهمنا هو أن تلتحق الحركات المسلحة بذلكم الحوار، لأن الحوار الداخلي فرصة تاريخية للوصول إلى توافق حول ثوابت في الممارسة السياسية السودانية تمثل الهيكل العظمي للدستور الذي تأتي من بعده كل الأطراف الأخرى التي تحدد كيفية الممارسة السياسية وكيفية نظام الحكم وقضية الحريات التي تترجم إلى قانون وإلى ممارسة راشدة.

 

آراء