د. بدرية سليمان عن الحوار وقرار تنظيم الأنشطة السياسية:

 


 

 



الرئيس يستطيع إسقاط العقوبة عن عرمان وعقار في الحق العام

القرار جاء للتنظيم وليس التضييق

أى نزاع مسلح سينتقص من حقوق الإنسان بدون شك

السلطات رفضت للوطني إقامة ندوتين بالخرطوم وأمدرمان


حوار: فتح الرحمن شبارقة
العالمون ببواطن الأمور في المؤتمر الوطني وحدهم يعرفون أن د. بدرية سليمان هى المرأة التي (يطبخ) في مكتبها الكثير من القوانين والقرارات المهمة بالبلاد. فإتكاؤها على خبرة قانونية ودستورية وبرلمانية وافرة، فضلاً عن تكليفها بملفات شديدة الأهمية من قبل الرئيس والحزب الحاكم جعلها من أكثر النساء، بل الناس علماً بخبايا وكواليس القرارات الرئاسية من قبيل القرار الجمهوري رقم (158) المثير للجدل، وهو ما دفع (الرأي العام) للجلوس إليها بمكتبها في السوق العربي صبيحة الخميس الماضي، فترافعت بدرية بعد صمت طويل من الحديث لـ(الصحافة) عن الحواروالقرار الذي قال البعض أنه آخذ باليمين ما منحه بالشمال، فإلى مضابط الحوار:
*ألا ترين أن القرار الجمهوري رقم (158) المعني بإتاحة حرية الأنشطة السياسية، قد أعاد الأمور لمحطة التضييق الأولى وأخذ بالشمال ما منحه الرئيس باليمين؟
- هذا الحديث غير صحيح، لأن قرار الرئيس بالرقم (158) يجىء في إطار مطالبات كل القوى السياسية بأن لا يبدأ الحوار إلا بعد تهيئة المناخ. والحديث عن تهيئة المناخ كان يشمل بسط الحريات وأن تتعامل أجهزة الإعلام مع كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني بدرجة واحدة ولا ترجح جهة على أخرى والسماح للأحزاب السياسية بإقامة الندوات واللقاءات الجماهيرية خارج دورها ويسمح لها بأن تلتقي بقواعدها وينظم أمر الملصقات، فالقرار الجمهوري جاء لمعالجة أشياء..
* سنأتي لهذه الأشياء تفصيلاً. لكن ألم يكن من غير المناسب إبتداء أن يصدر الرئيس قرارا كهذا في وقت كان من الأجدر ربما أن يصدر من مجلس الأحزاب السياسية؟
- بالرجوع لقانون الأحزاب السياسية، تجد أن مجلس الأحزاب السياسية ليس عنده هذه الصلاحية. وهذا الأمر كان في السابق يتبع للجان الأمن في الولايات والمحليات، ووقتها كانت تلك اللجان تتبع للشرطة ولكن الآن بموجب قانون الأمن الوطني لجان الأمن تتبع لمجلس الأمن الوطني القومي. فالرئيس هو الذي دعا للحوار، صحيح أنه دعا في البداية بصفته رئيس المؤتمر الوطني لكن الدعوة للقاء التشاوري كانت بصفته رئيس الجمهورية، وتهيئة المناخ طُرِحت في ذلك اللقاء التشاوري وإستجابة لمطالبات الأحزاب السياسية صدر القرار الجمهوري ليتيح للأحزاب السياسية هذه الحريات ليبدأوا مناشطهم كجزء من تهيئة المناخ.
*لكن هناك من يتحدث عن الحريات المتاحة في إطار تهيئة المناخ كانت منقوصة وجاء القرار الجمهوري وهو مقيّد بـ(لاءات) كثيرة جداً؟
- اللاءات تصب في مصلحة تماسك النسيج الإجتماعي، فأنت حريتك تقف عندما تمس حرية الآخرين، ومن المستحيل تمشي في ندوة تمس فيها مكونات المجتمع السوداني، يعني أى محاضرة أو ندوة لو كانت تؤثر على التماسك الإجتماعي وفيها إشارة لبعض الجهويات أو الأجناس أو الأديان أو غيرها فهذه لن يكون مسموح بها حتى في القوانين العادية..
*وهل إنتقاد رموز وقادة القوى السياسية يندرج برأيك ضمن مهددات تماسك النسيح الإجتماعي حسبما يفهم من قرار الرئيس بشأن تنظيم الأنشطة السياسية؟
- إنتقاد رموز القوى السياسية لم يمنع في هذا القرار، الذي منع هو المساس بالأشخاص وهذا (بختك طوالي تحت المادة 159 من القانون الجنائي- إشانة السمعة) إذا كان فيها إشانة سمعة. فالقرار حرص على أن لا تكون هناك مهاترات وقصد تهيئة المناخ لحوار وطني يؤدي لحلحلة كثير من القضايا التي طرحت في مرتكزات خطاب الرئيس في 27 يناير، فالقرار الجمهوري جاء للتنظيم وليس أكثر من ذلك.
*أي تنظيم في القرار وفيه ما يشبه الإنتكاسة عندما يتكلم عن ضرورة الموافقة على الأنشطة الحزبية والندوات قبل (48) ساعة حتى داخل دور الأحزاب؟
- هى ليست موافقة وإنما إخطار.
*حتى وإن كان إخطاراً فما هى الحاجة إليه عندما تكون الندوة داخل دار الحزب؟
- الإخطار لتنظيم حركة المرور والحماية، فأنت عندما تقوم بعمل ندوة في ميدان عام أو داخل دارك تحتاج لحماية وتحتاج لتنظيم حركة المرور، والقرار جاء في ثناياه يحمل هذه الأشياء، فالأخطار لتسهيل الأمر وليس لتصعيبه.
*لماذا لا تتركون القوى السياسية تنظم أنشطتها بأريحية دون إذن أو حتى إخطار من أحد مثلما تفعلون في المؤتمر الوطني؟
- نحن في المؤتمر الوطني عندما نريد أن نقيم نشاطاً حتى داخل دورنا دائماً نكون مخطرين وتكون هناك حراسة. والإخطار ليس للإذن فالنشاط داخل الدور مسموح به ولكن للحماية وتنظيم حركة المرور، وأنتم تشاهدون ذلك في المركز العام للحزب عندما يكون هناك إجتماع مكتب قيادي أو قطاع سياسي تكون هناك شرطة تحمي المقر وشرطة مرور لتنظيم حركة المرور. وأنا أذكر في بداية شهر أبريل الحالي كانت ولاية الخرطوم منظمة لندوة في المهندسين جوار محطة سراج، وشخصي كان من المفترض أن يتحدث فيها ومعي أربعة من قيادات الأحزاب من بينهم د. الصادق الهادي المهدي ومنير شيخ الدين وآخرين، وطلبوا إذناً لهذه الندوة لكن لجنة أمن الولاية رفضت أن تعطي إذناً بإقامة هذه الندوة في الميدان ولم تقم.
*رفض لجنة أمن الولاية إعطاء إذن لإقامة ندوة في هذه الأجواء يعتبر خطأ حتى وإن كان الممنوع من الندوة الوطني نفسه؟
- هذا المنع كان قبل الرئيس وأنا قلت لك إن ذلك كان في أول أبريل، وكانت هناك ندوة أخرى مفترض أن تقوم في الخرطوم ولكنها أيضاً لم تقم لأنه كانت هناك ترتيبات لتنظيم الأنشطة الحزبية في إطار تهيئة المناخ.
*عندما يقول قرار الرئيس إن حرية تنظيم الأحزاب في تنظيم الأنشطة السياسية حق مكفول ويمارس وفقاً لأحكام القانون، من هنا يأتي الإشكال لأن القانون مختلف عليه ويقيّد الحرية المكفولة بالدستور وبقرار الرئيس؟
- القوانين ذات الصلة هى قوانين الأحزاب السياسية وقانون الإجراءات الجنائية. ومثلاً قانون الإجراءات الجنائية يحدد (إذا تجمع أكثر من خمسة أشخاص بدون إذن ... ) وهذا موجود أصلاً في قوانينا منذ العام 1925م وليس فيه جديد. لكن هذا القرار أتاح حريات أكثر والقرار فيه إشارات للمادة (58) من الدستور، وهذه المادة تجعل رئيس الجمهورية هو المسؤول عن حسن إدارة البلاد والنظام العام، والقرار صدر بهذه الديباجة بمادة تتيح لرئيس الجمهورية هذه السلطات وهذه الصلاحيات.
*الخطورة في هذا الأمر.. أن الرئيس الذي يعطي هذه الحريات يمكن أن يأخذها أيضاً في أى وقت؟
- أنا أستغرب من هذا الحديث لأن الثقة ينبغي أن تكون كبيرة في الرئيس الذي دعا للحوار وإلى اللقاء التشاوري ودعا لمؤتمر الحوار الوطني، والآن الرئيس يمشي في هذه الترتيبات، ولماذا يتراجع عن ذلك طالما اللقاء التشاوري خرج بهذه التوصية، فالقرار صدر إستجابة لتوصية وقرار من اللقاء التشاوري الذي حضره نحو (90) حزباً سياسياً.
*من واقع التجارب السابقة، أنه مع حدوث أى تطور وتصعيد في الحرب في بعض مناطق البلاد فأنه يحدث في المقابل تضييق في مساحة الحرية المتاحة؟
- هذا شىء طبيعي، وأى حرب ونزاع مسلح في أى مكان في العالم فيه إنتقاص لحقوق الإنسان بدون شك، ففي أى نزاع مسلح لابد أن تتدخل الدولة لبسط هيبتها ولحماية المواطنين والأموال والأشياء العامة في أى بلد. وأنت لا تتصور أنه لو كان هناك نزاع مسلح في أي جزء من السودان يترك هكذا، فأنت مسؤول كذلك عن حماية المواطنين الآخرين غير الحاملين للسلاح، فهذا الحديث لا يُلقى هكذا لأن مسؤولية الدولة هى الحفاظ على أمن البلد ومواطنيه.
*البعض في تحالف المعارضة يتحدثون بوضوح عن إلغاء القوانين المقيدة للحريات، ويرون أن كل القرارات الجمهورية لتهيئة المناخ لا معنى لها في ظل وجود هذه القوانين؟
- من الأشياء التي جاء الحديث فيها في اللقاء التشاوري ومن بين المحاور التي لا بد أن تناقش أمر الحريات. والأرجح أن كل حزب سيقدم رؤيته حول هذه الحريات، وهذه الأمور ستترك في الحوار الوطني وإلا (الناس سيتحاوروا في شنو يعني؟) وهى تطرح عندما يأتون للنقاش في مسألة الحريات، وكلام الرئيس إن مخرجات الحوار الوطني لابد أن تنفذ وهو ملزم بتنفيذها، وفي اللقاء التشاوري جاء أن هناك لجنة تنسيقية عليا (سبعة حكومة وسبعة معارضة) برئاسة الرئيس أو بغيره حسبما يتفق عليه الناس، هذه التي لابد أن تقف على إنفاذ مخرجات الحوار الوطني. ومخرجات الحوار الوطني أنا لا أتخيل أن يقولوا تلغى القوانين، قد يكون تعديل القوانين، لأنه يستحيل أنت تتكلم عن إلغاء قانون الأمن الوطني وأى بلد في العالم عنده قانون للأمن الوطني.. قد يكون هناك حديث عن تعديل بعض مواد القانون وقد يخرج هذا المؤتمر بتحديد ماهى المواد التي لابد أن تعدل في قانون الأمن الوطني وفي قانون الصحافة..
*لكن في ظل القانون الحالي للأمن الوطني الذي يتيح لأى ضابط أمن أن يعتقلني لمدة شهر أو شهرين كيف يمكن أن أتحاور معكم مثلاً، فلابد أن أطالب إبتداءً بإلغاء القوانين المقيّدة للحريات لتهيئة المناخ.. هذا ما يقوله الحزب الشيوعي على الأقل؟
- أنا أستغرب أن يتكلم الناس عن نهايات شىء (لسه الناس عايزه تتحاور فيه) والنهايات هذه هى مخرجات الحوار. يعني لا يمكن أن تأتي وتقول لي نلغي قانون الأمن الوطني ونترك البلد هكذا بدون أى أمن وطني يكشف لى المهددات الداخلية أو المهددات الخارجية، يعنى ألغي جهاز الأمن الوطني مثلما حدث بعد الإنتفاضة ونحن رأينا الإشكالات التي حدثت بعد حل جهاز الأمن في بلد لا داعي لتسميتها، فحل جهاز أمن وطني في أى بلد من البلدان يعني أنك جعلت بلدك خاضعة لأجندات خارجية وأشياء كثيرة جداً، فلو جئت الآن وألغيت قانون الأمن الوطني أو قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية فكيف ستحكم هذه الأجهزة؟!، لذلك يبقى هذا الكلام سابق لأوانه والآن الناس تتحاور و(نشوف نحن دايرين جهاز أمن ولا ما دايرنو؟) وهذا كلام في الحوار وقد يقولون نريد أن نرجعه مثلما كان زمان إدارة من إدارات الشرطة مثلاً.
*إذا أفضى الحوار إلى إلغاء جهاز الأمن الوطني فهل سيكون هذا ملزماً أيضاً؟
- كل مخرجات الحوار ستكون ملزمة.
* من مطالبات المعارضة الأخيرة التي ذكرها فاروق أبو عيسى في سبيل تهيئة الأجواء إلغاء المحاكمات السياسية لعقار وعرمان؟
- وهل هذه محاكمات سياسية؟ فاروق أبو عيسى رجل قانوني ويعرف أن خروج عقار وهو والٍ للولاية وحمله للسلاح ضد الجيش القومي هذه جريمة وليست قضية سياسية. فالمحاكمة كانت في القضاء العادي ولم تكن غير ذلك. لكن الرئيس عنده سلطة وصلاحية في العفو وحتى في إسقاط الإدانة، وهذه أيضاً متروكة للحوار. وإذا كان الرئيس أبدى إستعداده لتقديم ضمانات للجماعات المسلحة لتحضر وتشارك في الحوار ويضمن لها الرجوع، فعلى الأحزاب والقوى السياسية ذات العلاقة مع هذه المجموعات أن تتحاور معهم لكي يأتوا وهذا الأمر ممكن.
*هل يستطيع الرئيس أن يسقط العقوبة في الحق الخاص؟
- لا ، الحق الخاص لا يسقطه رئيس الجمهورية وإذا كان هناك حق خاص فلا يستطيع أن يسقطه إلا أولياء الدم، والحق العام هو الذي يستطيع رئيس الجمهورية أن يسقطه.
*لكن الآن في أحداث النيل الأزرق وجنوب كردفان هناك قتلى وضحايا ما يعنى أن هنالك حقا خاصا، فهل يعني ذلك أن الرئيس لا يستطيع أن يعفو عن عقار وعرمان مثلاً؟
- هذا يعتمد على الإدانات (طلعت بي شنو) وهل كانت هناك بلاغات جنائية من ناس قتل أهلوهم هناك، وهل هناك شىء ثابت أن فلان الفلاني هو الذي قتل، فهذا حق خاص يستلزم القصاص أو الدية كما معروف في القانون. لكن لو حُكِموا عليهم بخروجهم على القانون وأنهم حملوا السلاح ضد الجيش القومي فهذه تصبح قضايا جنائية نعم، لكن في حق عام ويستطيع الرئيس أن يسقط الإدانة في العقوبة. لكن إذا كان هناك حق خاص فهذا متروك لأولياء الدم وأصحاب الحقوق الخاصة.
*فيما تعلمين.. هل كانت الإدانة لعرمان وعقار في الحق الخاص أم العام؟
- المحكمة كانت في النيل الأزرق ولم أتابع مجرياتها، ولذلك أنا لا أعرف ما الذي حدث.
*إذا كان الحديث عن الحق الخاص ينطبق على عقار القائد في الميدان، فهل ينسحب على عرمان كذلك وهو لم يقاتل بصورة مباشرة على الأرجح؟
- (أنا ما المحكمة) وأنت تسألني الآن وكأني أنا أعرف تهمهم كانت تحت أى مادة، والبينات كانت في أى شىء، وما الذي أُثبِِت!!.
نواصل،،

 

آراء