القرآن يقول لكم إنّ حدّ الرّدة من أحكام المشركين الضّآلِّين
morizig@hotmail.com
2-1
إن مسألة الردة عن الدين مسألة تزعج كل المجتمعات،وتزعج كل الأنبياء، وكل المصلحين ورجال الدين،وكل الأسر في كل العالم وفي كل العصور وفي كل الأديان. وقد أورد القرآن الكريم أمثلة لبعض ردود الفعل القوية والعنيفة تجاه هذه المسألة الشخصية البحتة التي يرى فيها البعض تهديداً أمنياً وفكرياً لمجتمعاتهم ونمط حياتهم فيما ينظر إليها البعض الآخر –من ضمنهم الرسل- من زاوية رحمة وعاطفة إذ هم لا يريدون للمرتدين سؤ المنقلب وذلك حسب فهم كل شخص لدينه بالطبع. وبعد أن وضّح القرآن كيف تعاملت المجتمعات الكافرة مع من خرج عنهم طفق القرآن الكريم يعالج مسألة الإرتداد بصورة تعكس حكمة الله تعالى وعزّته وكبريائهوعدله وصبره على عباده، فأصبحت هذه المعالجة منهجاً ربانياً للتعامل مع المرتدين. وهنا نود أن نثبت أن القرآن ذكر منهجين في التعامل مع قضية الردة هما:
أولاً: منهج الكافرين في التعامل مع المرتدين من دينهم.
ثانياً: منهج الأنبياء والقرآن الحكيم في التعامل مع المرتدين عن الإسلام والكافرين به أصلاً.
وفي السطور القادمة سوف نتعرض للمنهجين بعيداً عن أي مؤثرات فكرية أخرى. ولنعتبر أنفسنا في الزمن الذي سبق كتابة الموطأ والصحيحين وكتب الحديث الأخرى وكتب الفقه والتفسير. ففي ذلك الزمان كان الناس يستنبطون الحكم من القرآن الكريم مباشرةً أو يستنبطون الأحكام من السنن العملية المتواترة -أيّ المنقولة من جيل إلى جيل- كالصلوات والوضؤ والصيام والحج وغيرها من السنن العملية المتواترة فهذه كانت قبل أن تكتب كتب الحديث ويصير علماً مستقلاً. ولم تعرف تلك الأجيال كتب الحديث ولا أحاديث الأحاد أصلاً فضلاً أن تحتج بها في تشريع أمرٍ ما.
المنهج الأول
منهج الكافرين في التعامل مع المرتدين
قصة سيدنا شعيب (ص) مع حد الردة :
أورد القرآن الكريم قصة سيدنا نبي الله شعيب مع قومه وقد كانوا مشركين فأراد أن يردهم لله الواحد القهار بوسيلة سلمية هي وسيلة الدعوة ولكنهم مع ذلك ضاقوا به وبدعوته السلمية وبأصحابه المسالمين فأصدروا في حقهم حكما قاسياً مستكبراً حين : { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }(الأعراف 88). وحكم الردة الذي أصدره الكافرون هنا هو النفي عن الوطن، والنفي تتبعه مصادرة الأموال بالطبع فلذلك أنذروه قائلين {لَنُـخْرِجَنَّك يا شُعَيْبُ} ومن تبعك وآمن بك من قريتنا والشرط الوحيد لعدم تنفيذ هذا الحكم هو توبتكم وعودتكممرة ثانية لحظيرة ديننا أنت ومن تبعك. فرد عليهم نبي الله شعيب بغيظ: { أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِين }.ومن الواضحأن سيدنا شعيبـاً كان محتجّاً على هذا الحكم الظالم فلذلك قال لقومه: أتـخرجوننا من قريتكم، وتصدُّوننا عن سبـيـل الله، ولو كنا كارهين لدينكم؟ أين الحرية الدينية يا قوم؟. ثم أعلن شعيب موقفه صريحاً وواضحاً مرجحاً جانب الإيمان والحرية والكرامة على التهديد والوعيد فقال : "{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ} (الأعراف 89). وبالرغم من هذا الموقف القوي لم يعلن شعيب (ص) الحرب على قومه مثلما أعلنوها هم عليه، وقد كان يعلم أنهم مشركين وفوق ذلك كله كانوا يأذونه ويترصودنه شخصياً ومن آمن معه. نعم،لم يعلن عليهم الحرب وإنّما صبر عليهم ودعا الله تعالى أن "يفتح بالحق" -أي يحكم - بينه وبين قومه فيفترق الفريقان كل في سبيله من غير قتال ولا مظالم. فالأنبياء عندما يطالبون بشيء لأنفسهم يطالبون به لغيرهم أيضاً من باب "حب لأخيك ما تحب لنفسك" فهم عندما يطالبون بالحرية الدينية لهم يطلبونها لغيرهم أيضاً، فلذلك رفعوا جميعاً شعاراً واحداً هو شعار "لا إكراه في الدين".ومن هذه القصة نلاحظ جليّاً أن منهج الكافرين هو الإعتداء على الحريات والعنف ومعاقبة المرتدين وإكراههم ليعودا في ملة الكفر مرة أخرى بينما منهج الأنبياء هو السلمية والتمسك بالحق والحرية لهم ولغيرهم وعدم الإكراه في الدين والدفاع عن النفس عند الضرورة القصوى.
قصة سيدنا إبراهيم (ص) مع حد الردة :
والقصة الثانية التي قصها القرآن بخصوص حد الردة كان بطلها أبو الأنبياء والأبطال جميعاً سيدنا الخليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. فعندما رفض سيدنا إبراهيم دين آبائه وقومه وبدأ يدعو أباه وقومه دعوة سلمية تقوم على المنطق والحوار السلمي ضاق به قومه فجاءه الوعيد والتهديد من أبيه شخصياًبتنفيذ حد الردة عليه. والقصة تقول :{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً. يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً . يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً . يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } فضاق صدر أبوه بهذا الحوار الرقيق المنطقى السلمي فرد على ابنه بقوة وغلظة وحزم قائلاً : { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } وهنا نجد عقوبة جديدة للردة وهي الرجم وقد سبق أن وقفنا على النفي ومصادرة الأموال كعقوبات للردة عند قوم سيدنا شعيب. وفي هذا المقام أيضاً يتضح لنا منهج الكافرين الضال من منهج الأنبياء السمح المتسامح. فابراهيم عليه السلام لم يشهر السلاح في وجه أبيه وقومه المشركين وإنّما جادلهم وحاصرهم بقوة منطقه فضاق الكفر بالمجادلة فلجأ للتهديد بتنفيذ عقوبة الردة. وعندما أراد سيدنا إبراهيم إثبات حجته عملياً بعد أن هزمهم نظرياً بأن الأصنام لا تستطيع أن تدفع عن نفسها الأذى فهدمها ليثبت لهم ضلالهم،كان رد فعل قومه عنيفاً جداً هذه المرة فألقوه في النار فأمرها الله تعالى بأن تكون برداً وسلاماً عليه.
قصة الحواريين أتباع عيسى (ص) مع حد الردة :
{ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ. قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} أي: اذكر لهم قصة أصحاب القرية-وقيل هي أنطاكية- مع المرسلين. و{ ٱلْمُرْسَلُونَ } هم ثلاثة من أتباع عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكيا، قد بعثوا دعاة إلى الحق وكان أهل القرية عبدة أوثان فذهبوا إليهم يدعونهم لله تعالى ويشفون مرضاهم ويبرئون الأكمه والأبرص منهم في خدمة إجتماعية مجانية. وبالفعل قدشفي على أيديهم خلق كثير، ووصل خبرهم إلى الملك فقال لهم: ألنا إلٰه سوى آلهتنا؟ قالوا: نعم من أوجدك وآلهتك هو إلهنا، فخاف الملك من دعوتهم وسخط عليهم فأمر الناس بضربهم وطردهم فقال الناس لهم { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فرد عليهم المرسلون ذلك التشائم بقولهم: {طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }. وفي هذه اللحظات جَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ. ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}.وهنا أيضا نلاحظ مسألة الرجم كعقاب للردة وقد أضاف إليها القوم عقاباً آخراً غامضاً غير محدد هو مقصود قولهم :{وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم}. وفي مقابل هذا العنف الشديد نلاحظ أن المرسلين لم يفعلوا شيئاً سوى قولهم إنّ مهمتنا هي تذكيركم فقط والتذكير هو وسيلة سلمية لا شك فيها.
قصة سحرة فرعون مع حد الردة :
عندما انتصر سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام على سحرة فرعون { أُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } قال لهم الطاغية فرعون وهو يشتاط غضباً: { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } وهنا يضيف فرعون لحد الردة عقوبات جديدة هي قطع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب على جذوع النخل حتى الموت. فرد المؤمنون الجدد على دعوة التهديد هذه بقولهم : { لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ. إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } لم يعلنوا حرباً مضادة على الفرعون المشرك المعتدي، وإن أرادوا ذلك لاستخدموا نفس السحر الذي يجيدونه جيّدا وقد أخافوا به موسى من قبل فثبته الله تعالى، لو أرادوا لاستخدموه وخلعوا به عقل الفرعون وجننوا به جنوده أجمعين. لكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك فلجأوا لوسائل الإيمان فصبروا وتحدوا الفرعون بقوة الإيمان لأنّهم تعلموا أن دعوة الدين هي دعوة سلمية في الأساس ورأوا بأنفسهم كيف جادلهم موسى عليه السلام سلمياً وهزمهم سلمياً. كما أنهم علموا أن الله متم نوره ولو كره الكافرون فلما الإستعجال للوسائل الخطأ؟.
قصة نوح وعاد وثمود مع حد الردة :
والقرآن أثبت أن رسلاً كبار مثل نوحٍ وعادٍ وثمود تعرضوا للتخويف والترهيب بحد الردة وكثير من الأنبياء راح ضحية هذا الحد الجائر فعلياً. يقول الله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } وهؤلاء الرسل كانت دعوتهم دعوة سلمية تمثلت في قولهم:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى.} ودعوة التوحيد هذه زادتهم شكاًفقَالُوۤاْ { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } فرد عليهم الرسل قائلين:{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ. وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ}. وللأسف لم تنفع كل هذه الحجج في زحزحة الكافرين عن كفرهم فازدادوا عناداً ولوحوا بحد الردة إذ قَالَ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ }. وحد الردة هنا واضحٌ جداً وهو النفي عن الوطن وهو مقصود قولهم {لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ}، والقصة توضح أيضاً سماحة منهج النبوة الذي يعتمد أساساً على السلمية، والحرية، والحجج المنطقية والصبر وذلك كله في قولهم: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا}.
قصة نبينا محمد (ص) مع حد الردة :
عندما كان رسول الله (ص) في مكة يدعو قومه لدعوة التوحيد سلمياً ضاق به قومه كما ضاقت من قبلهم القرون الأولى من الكافرين واعتبروه من المرتدين عن دينهم – مع أن الانبياء لا يدخلهم الشرك قط- فأتمروا عليه ليسجنوه أو يقتلوه أو يخرجوه من مكة فأنقذه الله من مكرهم كما أنقذ من كان قبله من المرسلين، فكانت تلك نعمة من الله عليه فذكّره بها فقال { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ} وهنا نرى حداً جديداً للردة أضافته قريش لما ذكر سابقاً وهذا الحد الجديد هو السجن وهو مقصود كلمة "يثبتوك". وللمرة السادسة نرى أن منهج الكافرين هو العنف والإرهاب والتهديد والإعتداء وكبت الحريات فيما نرى أن منهج النبوة هو الحرية والتسامح والحجة والسلام والشورى والدفاع عن النفس.
الختام :
وفي الختام يمكننا أن نقول بكل ثقة إن حد الرّدة هو حكم من أحكام الجاهلية الأولى يختص بالمشركين على وجه التحديد كما تثبت ذلك القصص القرآنية. وتتلخص عقوبة الردة عند المشركين وفقاً للقرآن في العقوبات التالية:
1- القتل
2- الرجم
3- الصلب على جذوع النخل
4- النفي عن الوطن مع مصادرة الأموال
5- السجن والتقييد
6- قطع الأرجل والأيدي من خلاف
7- العذاب الأليم
أما منهج النبوة هو الحرية للمؤمنين وغيرهم، والسلمية، والتذكير والمجادلة بالتي هي أحسن، والصبر على الأذى مع عدم التنازل عن الحق. وسنتناول كل ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.