جمهورية الخوف (2): مقاربات امنية, عبود ,النميري , البشير

 


 

صديق محيسي
9 August, 2014

 



في الحلقة الأولي من هذه  المحاولة تعرضنا الي النظام الأمني  لكل من عهدي عبود  58  والنميري 69 واشرنا الي نظاميهما الأمني, وكيف تعاملا مع المعارضة , واوضحنا ان عبودا  نظر الي المسألة الأمنية  من خلال  قوانين وضعتها الإدارة البريطانية وسارت عليها الحكومات الوطنية مع تعديلات طفيفة كان فيها شيئا من التضييق مناف للديمقراطية.
لم يعتمد عبود التعذيب ايديولوجيه له ,كما لم يفعل ذلك النميري, فالنظامين وإن كان ااستبدايين إلا انهما كانا محكومان بالتقاليد السودانية  الأصيلة  بمرجعيتها  في التسامح وإحترام وتوقير الاخرين , والي ذلك فحتي رجال الأمن كانت معروفة سيرهم الشخصية ,وسير اسرهم وخوفهم  من  كلمة العيب التي   قد تلاحقهم  اينما  حلوا  ان هم  اقدموا علي  فعل يستنكره المجتمع , وإذا كان هذا هو حال   نظامي عبود والنميري , فماذا  عن حال  نظام الإنقاذ  الذي جثم  علي صدور نا   ربع قرن من الزمان؟
منذ اللحظة الأولي لإستيلاء الجبهة  الإسلامية  علي السلطة  كان عرابها الترابي  يخرج من حقيبته العديد من القوانين المقيدة للحريات محققا بذلك نظريته التي يؤمن بها وهي ان الشعب السوداني لن يحكم إلا بالعنف المقنن, اي بأقصي درجات القهر السياسي ,وكانت تلك بداية مسيرة طويلة بدأت ببيوت الاشباح وانتهت بجلب الجنجويد الي قلب العاصمة الخرطوم والإغتيالات  وإلإعتداء علي الصحفيين داخل دورهم.
ان اول مافكر فيه النظام هو الأستفادة  من أخطاء  نظامي عبود والنميري اللذين اطيح بهما في ثورتين شعبيتين, فسارع اول ما سارع  الي  ضرب  ادوات  التغيير التقليدية  ,النقابات ,والإتحادت ,وصاغ لها قوانين تمكنه من السيطرة عليها, وزاد  علي ذلك ان اسس جهازين للأمن احدهما حزبي ,والاخر حكومي  ضمن جيش عقائدي ابعد  عنه كل من  مشكوك  في ولائه  للتنظيم ,وقد جري كل ذلك  في اطار اوسع  تمثل في  ما أطلق عليه  النظام مشروع الصالح العام المعروف والذي فصل بموجبه الاف من الموظفين تنفيذا لنظرية التمكين  المفضية  الي السيطرة التامة علي "الدولة الرسالية الجديدة", وحتي  يقضي علي شعار  إنحياز الجيش الي الشعب في ثورتين تاريخيتين هما  اكتوبر وابريل ,وبالرغم من ادلجته الجيش تماما ,قام النظام  بدمج  ثلاثة تجارب امنية  عنيفة , هي تجارب  البعث العراقي  الصدامي , والبعث السوري الأسدي, ثم نظام الايات الأيراني , فأنشأ جيشين اخرين ,هما جيش الأمن  الذي اسسه صلاح قوش ,  وجيش الدفاع الدفاع الشعبي الشبيه بالحرس السوري الإيراني ,والجيشان العقائديان يفوقان في التسلح الجيش التقليدي, ويتمتع الجنود والضباط فيهما بامتيازات مالية  تفوق التصور الي  درجة تجعلهم  يضحون بأرواحهم  في سبيل  الا يضيع  من بين ايديهم  هذا الوضع المثالي , وهنا يتحول الدفاع عن النظام الي دفاع عن مصالحهم الشخصية, وذلك يفسر سرالشراسة في قمع المظاهرات والإحتجاجات التي جرت في سبتمبر  عندما جاء النظام بعناصر من خارج العاصمة  قامت باطلاق النار لتقتل مباشرة  قادة المظاهرات من الشباب  وليعترف فيما بعد  ان الذين قتلوا المتظاهرين هم عناصر غريبة  ليس لهاة  علاقة بأجهزة الأمن.وفي هذه السيرة ,سيرة  اجهزة الأمن  الظاهر والشبحي  منها يتعرض الذين  يجلبون للقيام بهذه المهام القذرة ومعظمهم  اميون , او ضعيفو التعليم, او لقطاء من الشارع الي دروات مكثفة من غسيل المخ  بحيث يصورون لهم  المعارضون للنظام  بأنهم  علمانيون  ملحدون ضدالدين وضد شرع الله, ويعكس كل هذ   التشنج والغوغائية  التي تميز هتافاتهم  عند  تجيشهم للقتال  ضد  الجبهة الثورية 
ثمة  ملاحظة  هامة  وهي ان النظام  منذ  اصابه الضعف  بعد انقلاب البشير علي الحرس القديم , وتفكك  الحزب وعودة  "سانتانا" الترابي الي الواجهة  سعي وراء  البحث عن إستراتيجية جديدة  كانت مقدمتها  جلب  ما اطلق عليه  قوات التدخل السريع "الجنجويد سابقا لأول مرة الي قلب العاصمة , ورافق ذلك  العملية الجراحية التي اجريت للبشير , ويفسر كثير من المراقبين ان  استمرار وجود هذه القوات  في  معسكرات في اطراف العاصمة الهدف منه  خلق  حالة رعب  دائمة  للمعارضة وللشارع حتي لا يفكر احد  في التظاهر  ضد  الأوضاع  المتردية  في البلاد ,كما هي رسالة ثانية  لأي مغامر مفترض  داخل  ماتبقي من  الجيش الرسمي يفكر أو حتي ينوي  التحرك ضد  النظام .



يري بعض محللي علم النفس ان الإنظمة الديكتاتورية كلما ازدادت  شراسة في قمع معارضيها ,واستنبطت  من اجهزة القمع  ما هو غريب وشاذ مثل  حالات  المليشيات  الخاصة جدا  لحماية  راس  النظام الوزراء وصناع القرار كلما كان الرعب ينمو  في داخلها بوتائر متسارعة وهي الحالة التي يعيشها  نظام الإنقاذ  حاليا  حيث اختار العنف  ليصبح سلاحه الأوحد .




s.meheasi@hotmail.com

 

آراء