سفير شعبي يدعى أحمد حسن مطر (1 – 2) .. عرض: حسن الجزولي

 


 

حسن الجزولي
25 August, 2014

 

 

***

كتاب صدر بإسم فرعي يحمل عنوان حول العالم في مائة رحلة ونصف مليون ميل،1922 – 1955، مذكرات أحمدحسن مطر، حرره وقدم له محسن خالد، صادر في 2006 عن دار السويدي للنشر والتوزيع،ضمن سلسلة ارتياد الآفاق.

هو مختصر لحكايات ومغامرات  حقيقية خاضها ويرويها معاصرها المواطن السوداني أحمد حسن مطر، في مذكراته  بعنوان “مطر بقلم مطر” كتبه عام 1933 بمدينة ماناواس عاصمة الأمازون. ونشر أيضاً – ضمن العديد من إصداراته – كتاباً بعنوان ”الحرب على ضفاف الأمازون بين كولومبيا وبيرو”!. فجاءت كواحدة من قصص المغامرات الخيالية، وما قصته وسيرته الذاتية نفسها ،إلا واحدة من هذه القصص والحكايات التي لا يمكن تصديقها ،، إلا بعد تثبت وقائعهاالحقيقية، فقد كان مغامرنا مطر، عصامي الثقافة وشعبي الديبلوماسية، وحاذق بدرجة(حاذق)  في تقديم نفسه بثقة وإيباء وشمم لأهل البلاد الأخرى وزعمائها حتى نال ثقتهم. وسيمكث قارئ السيرة الذاتية لهذا  السوداني النادر طويلاً، وهو يتمعن بعضاً يسيراً من نشاطاته وإنجازاته في إطار عصامية شخص علم نفسه بنفسه وحاز قدراً من العزة بالنفس والذكاء الفطري الحاذق ، فكان السفير الأهلي للسودان، وكان أحد السودانيين القلائل الذين طافوا العالم، فأصبحت أسمائهم ضمن سيرة ذاك السندباد العالمي ،، ممثل الجوالة الأممين حول الدنيا وماجاورها!.

هنا نوجز مختصراً نرجو له أن يصير مفيداً وليس مبتسراً، حول أحمد حسن مطر ومن هو أحمد حسن مطر وانجازات أحمد حسن مطر ومساهمات أحمد حسن مطر!،،

فإلى مضابط سنوات ترحاله:-

* ولد عم 1904 بمدينة أم درمان من أب سوداني هو الحاج حسن إبراهيم علي عبده، وأم سودانية هي الحاجة آمنة بنت محمد من قرية عوج الدرب،

* ترك المدرسة الابتدائية ليتوظف عام 1918عامل بوستة، والتحق بمدرسة لتعليم اللغة اليونانية حتى يتسن له مخاطبة فتيات الجالية اليونانية بالخرطوم عندما شغف بإحداهن ووقع في حبها فبادلته المشاعر وضبط  والدها خطاباً لها منه فاشتكاه لمرؤوسيه في الخدمة المدنية ليفقد وظيفته وكانت سبباً في هجرته من البلاد!.

* وصل جده والتحق بجيش الشريف حسين بن علي شريف الحجاز كضابط ومحارب محترف، وما لبث أن أُبعد  عن الحجاز لاشتراكه مع آخرين من الضباط في

محاولةإنقلاب عسكري فأعيد للسودان. في هذه الفترة أصبح يتحدث اللغة التركية وبعضاً من الانجليزية.

* تسلل من السودان مرة أخرى في باخرة من بورتسودان فاكتشف البحارة أمره فأجبر على العمل في مطبخ الباخرة عامل نظافة وتقشير البطاطس نظير أجرة الباخرة حسب قوانين البحار على أن يغادر الباخرة في أول ميناء تصل الباخرة وبالفعل أنزلوه في ميناء عدن.

* أجبر على الابعاد عن عدن لدخوله البلاد بدون تأشيرة سفر فعاود ركوب الباخرة مرة ثانية وأنزلوه في ميناء ممبسا بشرق أفريقيا وفيها عمل في وظيفة في مكتب ضابط صحة، فبدأ في تعلم اللغة السواحيلية إلى جانب الانجليزية.

* وصل جيبوتي ومنها إلى بورتسعيد بمصر ومنها استقل الباخرة مقرراً السفر إلى أوروبا فوصل إلى مرسيليا، وفيها اتخذ لنفسه إسماً فرنسياً هو " فريدرك هربرت دي لندر" وبدأ يعطي دروساً في تعلم اللغة الانجيزية التي اجادها ليكسب بعض المال وفي نفس الوقت بدأ تعلم اللغة الفرنسية.

* في مصر تم القبض عليه عند اغتيال السيرلي استاك وعند تفتيش متعلقاته وجدوا خطاباً من صديقه عبد القادر بالسودان يرد عليه برسالة طويلة ورد فيها كلمة : أما بالنسبة لموضوع المسدس فالأفضل ألا تفع لذلك" مما فسروا المعنى بأن  له علاقة بعملية تدبير حادث الاغتيال ولم يُطلق سراحه مع من حامت الشبهات حولهم إلا بعض أن تم القبض الفعلي على الجناة واعترافهم.

* بطريقة ذكية ولماحة دفع صديقه عبد القادر الأمين الذي كان يراسله ويضعه في صورة النشاط السياسي الأممي لمقاومة الاستعمار في كل المستوطنات إلى الوشاية به للانجليز الذين تعقبوه عن طريق صديقه، فقد أوعز إليه   أن يكتب فصلاً في الكتاب الذي اصدره عن سيرة حياته، فاضطر صديقة بعد أن فهم تلميحات مطر له بالاعتراف، إضطر  للاعتراف الكامل بما اقترفه في حقه وطلب العفو والغفران وإبداء الاعتذار عما ما قام به.

* سافر إلى نيس ومنها ركب الباخرة التي عمل فيها عامل تنظيف شبابيك وأبواب النحاس كمقابل لتذكرة السفر حتى ميناء ليفربول الانجليزي.

* وصل لندن وفيها اتخذ لنفسه إسماً إنجليزياً هو "إف ها لينج"

فيها وقع له حادث تسمم عن طريق الغاز فأصيب بالصم والعمى المؤقت لترة نقل على أثرها لاحدى مستشفيات المدينة المجانية والتي إعتنت بحالته وغادرها مستشفياً وترك ذلك آثراً بليغاً في نفسه مما جعله وقد عاد للندن ميسور الحال عام 1947 لكي يتبرع  بمبلغ سخي لهذه المستشفى التي انقذت حياته في يوم ما في ديسمبر عام 1923 اي بعد ربع القرن!. ما يكشف عن خاصية حفظ الجميل لدى شخصية مطر.

* غادر انجلترا إلى باريس ومنها إلى مرسيليا ومنها إلى مدينة طنجة بالمغرب التي وصلها في الثاني من فبراير 1924.

* هناك وبحكم نزعته التقدمية الوطنية أكثر منها المغامرة، والتي ستتضح لاحقاً، أبدى رغبته للالتحاق بالأمير محمد عبد الكريم الخطابي الذي كان يقود حرباً تحررية من أجل استقلال بلاده من الهيمنة الفرنسية. وقد أمكن له ذلك حيث تأسست صلة بينه وبين الأمير الثائر، والذي سيعهد إليه بعد أن يثق فيه مستقبلاً، بمهمة إمداد الثوار المغاربة بالسلاح. كما عهد إليه بالدعاية لنضال المغاربة في أوروبا واختيار عناصر عسكرية  أوروبية لتدريب الثوار على أحدث الأسلحة وفنون القتال.

* أسس جمعية سرية من بعض الشباب المغربي الذين يؤيدون نضال الأمير عبد الكريم وأطلق على الجمعية إسم " جمعية اللواء الأبيض السودانية فرع المغرب"!. وسيتضح لاحقاً أن مطر كان عضواً ومؤيداً لكل من جمعيتي اللواء الأبيض والاتحاد السوداني!.

* أسس صحيفة أسبوعية بإسم " المظامط " وكانت تُعنى بالدعاية السياسية للأمير عبد الكريم وكفاحه، ووصلت نسبة توزيعها إلى800 نسخة أسبوعياً.

* طاف متعرفاً على مدن ومناطق المغرب فزار كل من تطوان، مليا، القصر الكبير، العرائش، فاس، مكناس، كازبلانكا، الدار البيضاء.

* عندما تفجرت أحدث ثورة 24 بالسودان، كان هذا دافعاً له ليساهم في مساألة الدفع بالمناداة باستقلال السودان، فانضم لوفد سعد زغلول إلى لندن بخصوص مفاوضاته الشهييرة مع ماكدونالد، وبعث بالفعل بأول برقية احتجاج على استعمار بريطانيا للسودان ومصر، إلى رئيس الوزراء البريطاني رامزي ماكدونالد مندداً فيها بسياسات الاستعمار ضد مصر والسودان، مستنكراً عمليات التنكيل والارهاب التي يعانيها الشعبين المصري والسوداني تحت نير الاستعمار البريطاني.

* بلدي أنت وحسبي بلدي

فيك مجدي وفدا المجد الفوأد

ليس تحت الشمس لي من سند

غيرك اليوم ولا يوم الوتاد

* التقى عزيز عزت باشا سفير مصر لدى بريطانيا وتعرف عليه.

* عرفه عزت باشا بسعد زغلول الذي رتب له  تمثيل السودان مع آخرين في البرلمان المصري عن قضية السودان.

* سافر من ميناء الاسكندرية إلى جنوا في ثاني رحلة له إلى أوروبا، المرة الأولى كانت من بورتسعيد إلى مرسيليا بفرنسا.

* موقفه من استعمار بريطانيا حوله لشخص غير مرغوباً فيه فحرمته السلطات الاستعمارية من العودة للسودان فأصبح طريداً حتى من مصرنفسها.

* وجه نغمته ضد الاستعمار وجهتها الصحيحة فشارك في الحملة ضد الاستعمار العالمي.

* من جنوا وصل بالباخرة إلى البرازيل التي وصلها عام 1925.

* وصف المهاجرين معه إلى البرازيل بأنهمأ  شتات من الناس " ممن تنكرت لهم الأيام في أوطانهم فخرجوا مهاجرين إلى ذلك الفردوس الموعود وكل منهم يحمل بين جنبتيه أملاً في حياة جديدة ومستقبلاً باسماًمشرقاً ".

* أمكن له رؤية أجمل موانئ العالم الخمس وهي كل من ريد دي جانيرو، إستانبول، سان فرانسيسكو، سدني، نيويورك.

* بدأ في تعلم اللغة البرتغالية.

* اتصل بمدير تحرير صحيفة"التساهل" الأسبوعية العربية في ريو دي جانيرو، بحثاً عن إمكانية قبوله ككاتب راتب بالصحيفة، وبعد أن إطمئن مدير الصحيفة لامكانياته عينه رئيساً لتحريرالصحيفة!.

* فيما بعد توطدت علاقته بالسيد شدياق صاحب ومدير الصحيفة فعرفه الرجل بأسرته التي تقطن وسط مزرعة يمتلكها في ضاحية على أطراف العاصمة البرازيلية، سماها "المزرعة القحطانية"  وبها عين ماء طبيعية سماها "زمزم" فتعرف على زوجته التي اتضح لها أنها "يهودية" ولهما ثلاث كريمات يحملن أسماء " خديجة" و"أميرة" و " عائشة" ،، فعقدت الدهشة لسانه عندما عرف أن الرجل نفسه "مسيحي الديانة"!.

* أمكن له بحكم عمله الصحفي التعرف على بمعظم  أفراد الجالية العربية في البرازيل.

* أصبحت مكانته مرموقة في أوساط الجاليات العربية من لبنانيين وسوريين وكذا بين المجتمعات الراقية من المواطنين البرازيليين، خاصة وقد نجح في تطوير الصحيفة بما استحدثه فيها من خط تحريري فازداد اقبال القراء عليها وانهمرت  الاعلانات والاشتراكات على الصحيفة.

* تعاقد مع صحيفة "الجورنال"التي كانت ذات سمعة وشهرة بين أمهات الصحف بالبرازيل، كمراسل صحفي متفرغ لها في أوروبا.

* تحصل على قطعة أرض وتم تسجيلها بأسمه كنظير لأتعابه في الصحيفة السابقة كأتعاب بعد نهاية فترة خدمته بصحيفة " التساهل".

* قدم له كثير من أصدقائه الأوروبيين من الذين كان  لهم مكاناً مرموقاً في مجتمعات أوربا من نواحي الجاه والثراء، ما يستطيع أن يعينه للاستقرار وبناء قصر منيف والارتباط بزوجة وأبناء وعائلة ولكنه كان تواقاً أكثر لحياة الترحال، وكما يشير فذلك لا يتفق " وطبيعتي فهم يحاولون أن أستقر وأنا أحاول أن أفر"! فيبتعد مردداً:-

مشيناها خطى كُتبت علينا

ومن كتبت له خطى مشاها

محرفاً كلمة الشطر الآخير من القصيدة" جراها " بدلاً عن " مشاها"!.

* عمل لفترة طويلة في صحيفتين تأسستا لخدمة أهداف رئيس الجمهورية الجديد القاضي أرتو برناردس وتوطيد حكمه، وعرض عليه مدير التحرير إدارة  أحد أندية القمار التي كان يملكها مع الرئيس الجديد في العاصمة، بعد أن لمس قدراته الفائقة في الآداء الصحفي وكيفية جذبه للقراء، فاعتذر مطر مفضلاً كما أشار أن يبقى اسمه نظيفاً، رغم ما كانت ستدر عليه الصفقة من مال وجاه ورفاهية ستغير من مجرى حياته للأبد!.

* التحق بمساعدة أبرز الصحفيين  ورجال الأعمال ووجهاء المجتمع البرازيلي الذين أعانوه ليصبح عضواً في معهد الصحافة البرازيلية.

* سافر إلى جنيف في سويسرا تحت ستار عمله في الصحافة البرازيلية،حيث كانت تعقد اجتماعات عصبة الأمم واستطاع مقابلة سكرتيرها العام السير أريك درموند هاي فتعرف عليه، وحاول إقناعه بقضية الثائر المغربي الأمير عبد الكريم، والدفع بالقضية إلى مقدمة أجندة العصبة إلا أن سكرتيرها العام اعتبر الموضوع عبارة عن مسألة داخلية، فاجتهد من أجل إبراز القضية للرأي العام الأووبي، عن طريق طباعة المنشورات وعمل الدعاية اللازمة وتوزيعها ونشط في مسألة شراءالسلاح وتوصيله للثوار المغاربة.

* زار من أجل مهمة الثوار المغاربة لوزانوبرن وزيورخ ومنشن في المانيا والتقى بعدد من الجنرالات الذين أصبح لهم فيمابعد شأناً في دولة الرايخ النازية ونسق معهم لتدريب ثوار المغرب في الريف.

* أثناء وجوده بين أولئك الجنرالات لفت نظره طريقة ضابط يرتدي الزي البافاري ويسير بخطوات عسكرية  فيها مباهاة واعتداد بالنفس لا يلتفت يمنة أو يسرى ويتحدث بشموخ وأنفه رافعاً رأسه لأعلى، فسأل عنه فقيل له أنه ضابط موهوم " يعيش في خيالات لتحقيق أحلام النهار" فطلب ألتعرف عليه ، فتحدث  معه الضابط البافاري واقفاً، ثم ودعه ومضى وهو يسير بتكبر وعنجهية، فهزً مطر رأسه، ولم يكن يخطر على باله ولو للحظة أن هذا الضابط "سيصير بعد فترة سيد المانيا المطاع ،، وألمانيا فوق الجميع ،، أودلف هتلر"!.

* في برلين يتعرف على مجموعة إعانة العمال الدولية وهدفها هو  أنها تناهض التوسع الاستعماري، فانضم إليها والتي عرفت فيما بعد باسم" جمعية تحرير الأمم المضطهدة".

* وضح له فيما بعد أن هذه الجماعة تستمد قوتها المادية وتوجيهاتها من موسكو باسم " الكومنترن" وأن بين أعضائها المؤسسين كل من العالم الفرنسي البروفيسور هنري باربوس وجواهر لال نهرو  والهر الفونس جولد شميدت ولي مترنبرج عضو الرايخستاغ، وعهد لمطر مسؤولية القسم الشرقي!.

* في برلين انضم للسكرتارية التمهيدية لانعقاد مؤتمر الشعوب المضطهدة والمزمع عقده في بروكسل عام 1927، فاستغرقه العمل في هذا النشاط.

* عهد إليه القيام بدعاية واسعة لهذا المؤتمر واختيار مناديب من قبل شعوب مختلفة للمشاركة فيه، لذا سافر في جولة بدأت من طنجة فشملت العديد من البلدان وانتهت في لاغوس بنيجريا.

* تم تفويضه بالتحدث باسم مراكش والريف المغربي في ذلك المؤتمر.

* تم القبض عليه في اسبانيا بحكم سجله ونشاطه السياسي، ولكنه استطاع أن ينجوا من البوليس .

* غادر من أسبانيا إلى باثوريشت عاصمة غامبيا الانجليزية فمنع من النزول فيها ، وحدث له كذلك في كل من سيراليون وأكرا ولاغوس وكافة البلاد التي تقع تحت النفوذ الانجليزي.

* عندما احتار قبطان الباخرة التي كان يستقلها أقنعه مطر بإنزاله في منروفيا عاصمة ليبيريا دون أن يشير لسلطاتها بأمر رفض الدول السابقة استقباله وهو ما حدث.

* فيها قدم عدداً من صحيفته"النظام"  والتي كان منشوراً فيهات حقيقاً صحفياً قام به عن رئيس الجمهورية المستر تشارلز بصورته، وعندما قابله شخصياً سر منه رئيس الجمهورية وأمر باستضافته على حساب الدولة ودفعت له الحكومة ثمن تذكرة سفره بالباخرة من داكار إلى ريو دي جانيرو!.

ترك صحيفة الجورنال وتعاقد مع ثلاثة صحف برازيلية أخرى كمراسل لها في أوروبا  هي كل من "يومية ريو" ، " الشمال" ، "المعركة".

elgizuli@hotmail.com

////////

 

آراء