كولينز شاباني … الوزير الجنوب أفريقي ، الرمز ، يتوقف عن التوهج
رئيس التحرير: طارق الجزولي
20 March, 2015
20 March, 2015
توفي يوم الأحد الخامس عشر من مارس في حادث حركة مروّع .... كولينز شاباني .... بن لمبوبو الشاب ، الحرك .... المتواضع الظريف ... الباسم .... الذكي .... الهميم .... والإنسان المتواضع ..... الوزير ، النحلة !!!
كولينز كان واحدا من مناضلي الداخل والمهجر ، من الذين قصمت عمرهم جائرة الأبارتيايد في مقبرة العمر ، روبن آيلاند ..... أدين بالجريمة العظمى حينها ، التآمر ضد نظام دولة الظلم ، وحكم عليه بالإعدام وخُفف الحكم من ظلم الإعدام الحقيقي إلى ظلم الإعدام الآخر .... مقبرة روبن آيلاند المؤبدة ، الظلم النفسي والمعنوي والاجتماعي ، إعدام فورة الشباب ، فقد دخل العمل السياسي وعمره السابعة عشر ، وإعدام الأمل ... فقد ترك دراسته ولكنه من داخل ذلك السجن العتيق روبن آيلاند نال شاهدة الهندسة في الكهرباء ، من روبن آيلاند وما أدراك ما روبن آيلاند .... السجن ، المقبرة ، الجافة ، والتي زرتها في عام سبع وتسعين .... بُعيد إخراج مانديلا وإخوته ، وزيرنا كولينز شاباني ، وأحمد كاترادا ، ويوسف دادو ، وقوڤان أمبيكي ( والد ثابو أمبيكي)، وولتز سوسولو ، وسيريال رآمافوزا ، ماك ماهراج ، جيكوب زوما ، طوكيو سيخوالي ، وليوكوتا ، وغيرهم كثير ، هذه القائمة الشريفة ، التي حررت جنوب أفريقيا ، قيادة ونزاهة وعزيمة وفكر من داخل مقبرة .
وجدت روبن آيلاند ، خلوة للضياع لا شيء فيها غير العدم ، ومياه الأطلسي المالحة ، وصخور وأحفاير رملية من صنع المساجين ، وعلى رغم من أنها داخل المحيط ومحاطة بالمياه العميقة المالحة من كل جانب ، إلا أن السياجات الآمنية الحديدة فيها ، ومنارات الحراسة ، أيضا ، لا تشي بأن المسجون فيها ، هو إنسان مجرد من السلاح والحول والقوة ... إلا الفكر والعزيمة والأمل في أن تصبح جنوب أفريقيا ، حُرة يوما ما ، وروبن آيلاند التي زرتها ، لا تصلح فعلاً إلا خلوة للزهد والتعبد والإنقطاع من الحياة ، كما إتخذها قبل مانديلا وأصحابه ، و بمئتي عام تقريبا ، الشيخ العابد الزاهد السيد عبدالرحمن موشورو ، الصوفي المتنزه عن الدنيا ، والذي يبدو ضريحه العابق والتليد على بوابة الجزيرة من ناحية اليمين ، الى يومنا هذا ، وهو ذات الضريح الذي ، رفد مانديلا وأصحاب مانديلا بالإتصال بالخارج ، حيث كانت تتسرب أخبارهم في آواني الطعام الذي يجلبه المسلمون لذويهم في السجن ، ولإطعام هذه القائمة في عطلات الأسبوع ، ومعهم السجانين البيض أيضاً ، حتى قال مانديلا قولته المشهورة ، أننا كنا نزداد وزنا بطعام إخوتنا المسلمين ونحن في السجن .
حضرتُ بالأمس تأبين كولينز ، الوزير النحلة ، تحدث عنه الناس بصوت جريح مكلوم خفيت ، مبكٍ ومؤلم ، رئيس إتحادات العمل الجنوب أفريقي ،الحزب الشيوعي ، ممثلة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ، إياندا ، وتحدث صديقه ، ثم إبنه ماتمبا ، ونائب رئيس الدولة سيريال رامافوزا ، وفي كل حديث تشعر وفي كل حالة ، وفي كل مجال ، تستخلص أن الرجل كان واسطة العقد في كل المجالات ، يربط السياسي بالعملي بالإجتماعي بالنضالي بالإداري ، بالخدمي ، تواضعا ، حنان أب ، ورب أسرة ، وصديق ومُعَلِّم ونزيه ، وعادل ، وهمة ونشاط ، وهم قائد ،و نشاط قائد ، يعمل لبلد ذاق من أجلها التعذيب والهجر وعذابات المهجر وهوان مقبرة روبن آيلاند .... وصفه صديقه رامافوزا نائب الرئيس ، بأنه كان كالنحلة ، إذا نشب خلاف كان له كولينز وإن شب حريق كان له كولينز وإن إنقطع ماء في أقصى جنوب أفريقيا كان له كولينز ، وتجده مزحوما بالفأل مشغولا بالأمل ، ومأنوسا بالتواضع ، تجده مع الشعب في صفوف الحمامات وصفوف السوبرماركت ، ووصف في رحلتهم لجنوب السودان لحل معضلة إخوانهم هناك ، أنه كان يأكل فقط القديد والعصيد في كل وجباته ، حتى كلَّ عنه رامافوزا .
كان الرجل رمزا للنزاهة والصبر والجَلد ورمزا وقائدا متوهجا في تواضع مهموما في ذكاء وإتقاد وعمل متسق منسق وتفكير يحيّر زملائه في عملهم ووزاراتهم وتخصصاتهم ، إرشادا وحلولا ، وعونا وعُشرة طيبة .
بفقد كولينز ، فقدت أفريقيا واحدا من رموزها العاملين الصامتين الدائبين في حب أفريقيا وحب وطنه ، مستغرقا حتى النخاع بأفريقيته ، يستمتع بشعبيتها وفنها وموسيقاها التي يجيد .
نحن في السودان نحتاج لقادة متجردين مثل كولنز ، إستحق وظيفته من تاريخ مليء بالنكد والكد والجد والقسوة ، والعمل والرهق ، لم يستحقها فقط بالبنوة والوراثة أو الجهوية والمحسوبية ، إنما أتته إستحقاقا ، وكان أكبر منها في المثال ، ونحن نحتاج ألف كولينز وسيسولو ورامافوزا ومانديلا رموزا وقادة لكل أفريقيا .... حتى يخرجونا من عتمة ووحل التخلف الى النماء ومن الأنا إلى رحاب وسعة الوطن والوطنية .
ونحن نحتاج أيضاً لجنوب أفريقيا مثالا ، رغم العناء والمعاناة من اليوم الأول في العام ألف وستمائة وأثنان وخمسون ولمدة أربعمائة عام تقريبا ، عانى القوم القهر والاضهاد والذل والهوان في داخل بلادهم ، وعانوا إغتصاب الحقوق والقتل والتجريم والتعذيب والسجون وهجر البلدان ، وتيتم الأسر والحرق والسحق وكل أنواع الظلم ، الذي سمعته بأذني ، في جلسات الحقيقة والمصالحة Truth and reconciliation في العام ثمان وتسعين ، وما أظهر ذلك من سماحة وتجاوز يُعدُ درساً إنسانيا يضاف إلى دروسهم في الصبر والحلم والمثابرة والنضال أيام الأبارتايد التي إمتدت لأكثر من أربعمائة عام ، وهم يرسلون الرتل وراء الرتل من الشهداء والمناضلين ، ويتعدى ذلك ، لدرسٍ إنساني آخر ، وهو إلتزامهم بميثاقهم الإنساني النبيل في "ميثاق الحرية " the freedom charter ، المكتوب في ١٩٥٦/٦/٢٦والذي خصصوا له هذا العام ، ليكون عاما لميثاق الحرية ، يلتزمون به ، ويروجون له ، إعمالا لتوحيد أمة قوز قزح ، والتي تحوي بباطنها كثير من جلاديي الماضين وعتاة ظلمة الأبارتيد الذين ما زالوا يقاسمونهم نفس الوطن ولقمة العيش بكل حرية وكامل حقوق الإنسان ، نحن في أفريقيا نحتاج لهذا المثال .
الرفيع بشير الشفيع
بريتوريا
٢٠١٥/٣/٢١
rafeibashir@gmail.com
//////////