كان لقاء الغندور مع نخبة من الاعلامين الذين أجادوا الحوار بمهنية عالية على كافة القنوات الفضائية السودانية اشارة البدء لمرحلة جمهورية السنوات الخمس التالية ، واصراره على تكريس الوضع الحالي ، واعلان لجماهير الشعب السوداني بأن السلطة باقية بكل أشكالها ووجوهها ورموزها والتصريح الواضح باقصاء الآخر من المعارضين وحتى الذين شاركوا في انتخابات موديل 2015 بألا مكان لهم يحمل صفة الاستثنائية بل هو الواقع على الاعتماد على الأجهزة الأمنية دون ذكر القوات المسلحة والشرطة وهو التفرد من جانب المؤتمر الوطني وحتى الشريك المخالف من الشعبي لا مكان له في السلطة القادمة ،واستمرار الحوار الذي استفاد منه المؤتمر الوطني في كسب الوقت واجراء الانتخابات ،والنفي القاطع لقيام حكومة قومية أو انتقالية ،،ان هذه التصريحات كونها صادرة من الدكتور ابراهيم غندور الأقرب للسيد رئيس الجمهورية والتي تتزامن مع الاعلان بالحاق هزيمة عسكرية على حملة السلاح في دارفور وهي حرب وكر ، لتصبح القول الفصل لمرحلة قادمة ولسنوات ظلامية بعودة نفس الوجوه الانقاذية على الرغم من العبارات التي أصبحت سمات مميزة لها في الفساد وتصدع كبرى المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية واستيراد السماد الفاسد وانهيار الخدمات الصحية والتعليم وارتفاع تكاليف المعيشة التى كانت مثار سخرية من حكام الانقاذ طوال 26 عاما ،،حتى الغندور عندما طرح الاعلاميان عليه السؤال أجاب باجابات خارج السرب مقارناً نسب التضخم في حقب مختلفة وانه مع كان وزير في نفس اليوم قضى أربع ساعات لبحث موضوع تكاليف المعيشة وكأنه يملك عصا سحرية
ومن الصعب أن يتكهن أحد بتفاصيل معاناة الناس لهذه السنوات الموعودة في كل يوم وشهر وهي سنوات محسوبة من عمر شعب السودان أمام مناداة المعارضة المشتتة بالانتفاضة الشعبية واصرار حملة السلاح على مواصلة القتال وأمام الغالبية الصامتة والصابرة من شعب السودان الذي يحمل مكنونات قادرة على تغيير التاريخ وحماسة الشباب أصحاب المصلحة الحقيقية في مستقبل السودان والمعايشة اليومية لمعاناة أسرهم.
ربما تترآى أمام الناس الصورة الحالية للمشهد السياسي بكل تقلباته من جانب السلطة والمؤتمر الوطني والمعارضة بأشكالها المختلفة من جانب آخر في خضم من الصرعات التي لا تهم الناس من قريب أو بعيد ومن خلال عرضنا لهذه النقاط :-
أولاً: السلطة الحاكمة ومؤتمرها الوطني:
------------------------------------
لقد دخل المؤتمر الوطني في صراعات داخلية عميقة وفي أعماقه وحده بعيدة عن كافة قطاعات الشعب السوداني الذي لم ينشغل بها لأنها بعيدة عن متطلباته وطموحه، فانشطر الشق الثاني من مؤتمرهم وأسموه الشعبي وكلاهما شارك في وأد الديمقراطية والحياة الكريمة والحريات العامة وهجرة علماء السودان واقصاء المؤهلات والخبرات لاحلال ذوي الولاء . ثم تتطور الانقسامات لفصيل يدعي الاصلاح وقد فاته بأنه مشارك حى النخاع في هذا الدرك من انهيار مقدرات السودان الاقتصادية ، والأدهى وأمر أن ينتقل الصراع الى قمة الجهاز ليصل الى حد المواجهة في حلبة شعارها الوصول الى السلطة والثروة في صراع قيادات المؤتمر الوطني فيما بينهم الى حد التطاول على رئيس السلطة والمؤتمر فما أن أصابه المرض وهو طريح العلاج حتى أخذ الصراع مداه الى حد الثوريث وكأن السودان اقطاعية ملكاً خالصاً لهم فجناح لعلي عثمان وآخر لنافع وآخر لقوش واقصاء لود ابراهيم ،، ونكرر بأنها أمور لا تهم عامة الناس من رحم هذا الشعب الطيب ،، الأمر الذي ينذر بالخطر من عواقب صراعات قد تطال الأبرياء كما هو الحال في عمر الانقاذ ،،والآن ومن خلال هذا الصراع من الحرس القديم تظهر على السطح وجوه جديدة لتعتلي القيادة ليكون السؤال المطروح أهي بديل للقديمة ؟ أم صورة أخرى من صورة الانقاذ لقيادة البلاد لسنوات ظلامية أخرى؟ فهاهو دكتور ابراهيم غندور الذي يملأ الساحة ضجيجاً ولم يمن الله عليه بالجديد والمستحدث، وقائد آخر من القيادة هو حسبو عبدالرحمن الذي اتخذ منهجاً جديداً طابعه الجدية في عقدة مؤتمرات مصغرة لوضع رؤية اقتصادية للمرحلة القادمة تضمنت كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفتح الباب أمام مشاركات من ذوي الخبرة والمعرفة بالاضافة لانفتاحه على الشباب ، مما يوحى بأن البديل من داخل الظام قادم وهو أمر لفتح باب الصراعات على مستوى القيادة كما أن حسم الأمر بالنسبة للسلطة القادمة بالتفرد بالحكم كما صرح الغندور فكل ذلك يجعل الأمور واضحة بأنها مرحلة متفردة بحكم الانقاذ وأكثر عسكرية وأمنية دون مبالاة بمتطلبات جماهير شعبنا في الحياة الكريمة والحريات العامة.
ثانياً: المعارضة وفروعها المترامية والمتباع
--------------------------------
يظل الحزبان الكبيران بعراقتهما وارتباطهما باستقلال السودان أصحاب التجمع الأكبر مقارناً بالاحزاب الأخرى ومنظمات حاملي السلاح الا أن داء التقسيم والتشتت أصابها أيضاً بسبب ترهل القيادة فانقسمت على نفسها وعلى الرغم من جماهيريتها الطائفية فقد تمكنت السلطة من اختراقها واصدياد بعضاً مواغداقها بوزارات هامشية وما لم يتم لملمة الشتات لحزبي الاتحادي الديمقراطي والأمة فستظل فعاليتاه محدودة لا تتعدى المناورات أما أحزاب المعارضة الأخرى فلا تعتمد على الجماهيرية سواء كانت تمثل اليسار الاشتراكي أو اليمين الاسلامي السياسي والأخير هو جزء من منظومة النظام مهما ادعى من أقوال وشعارات، أما منظمات المجتمع المدني فقد أصابها التعدي الأكبر بعد أن كانت القوة الحقيقية لصوت الشعب في النقابات العمالية والنقابات الموظفين والمهنيين واتحادات المزراعين والرعاة ما لم ينفتح أمامها الطريق من خلال انتخابات حرة تعيد لمنظمات المجتمع المدني سيرتها الأولى .
أما حملة السلاح في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان فان الطريق أمامهم صعباً لا بسبب الانقسامات داخل قيادات درافور فحسب ولكن بقناعة المجتمع السوداني بعدم جدوى الحرب خاصةً بعد انتقلت المعارك الآن بين الفصائل المسلحة وقوات الدعم السريع مع غياب القوات المسلحة والتي لن تسمح بتفتيت أواصر البلاد جغرافيا وسكانياً وسيأتي دورها طال الزمن أم قصر.
الأمر الذي يجعل المعارضة وكأنها فرقاً مشتة ومتباعدة على الرغم من اتفاقها على ميثاق نداء السودان والذي بدوره يمثل فصائل معينة من قطاعات الشعب السوداني ، فأين الشباب من الجنسين وسط هذا التجمع المعارض وأين الذين خرجوا في سبتمبر 2013 وهدوا أركان النظام وتخلت عنهم الأحزاب والقيادات وحتى حملة السلاح وتركوهم غارقين في دماء الشهداء والجرحى وحسرة الأمهات والأباء؟ وأين أرتال الشباب من الجنسين التي خرجت في جموع مباركة تودع رمز الشباب والحرية محجوب شريف ؟ ومن أين جاء المعارضون بالتفويض وهم أشتاتا وفرق متباعدة؟
وصدق من يقول ان اطالة عمر النظام في ضعف المعارضة وهورولة بعض أطرافها لنيل وزارات هامشية والبقية تدور حول نفسها عدا الاتفاقيات التي طابعها الاعلام والترويج.
رؤى المرحلة القادمة:
--------------------------
على الرغم من التكهنات والاعتراضات قامت الانتخابات وسيحتفل المشير بعد أيام بحفل التنصيب وهو تقليد مستحدث وفي وقت لاحق يتسابق أصحاب السوابق في الوزارات لتولي الأجهزة التنفيذية وتتولى الأجهزة الأمنية حماية النظام وسيواجه الناس بالمزيد من القهر لعيش الناس ظلام المرحلة القادمة كما عاش الناس ليلة الاربعاء والخميس في ظلام دامس ، والمراهنة على اختلافاتهم لن تجدي نفعاً فكل توقعات التغيير في داخلهم ، هذه هي الصورة والقصة الحزينة يأهل المعارضة ،، ولك رب أسمه الكريم ياشعب السودان.
والسؤال المطروح الآن هل سوف تستمر المعارضة على نفس الطريق الذي يقوي النظام ويزيد من معاناة شعبنا ؟ وهل لا تزال المعارضة سلمية أو مسلحة تعتبرأنها القادرة على ازاحة النظام وحكم البلاد بمفردها ورفض الآخرين بعد أن أصبحت كراسي الحكم ملفمة ببارود سوف ينفجر في وجه كل طاغي وفاسد وناكراً لقطاعات شعبه؟
لقد كانت الفرصة سانحة وفاتحة خير لشعبنا لوتضمن نداء السودان قيادة جماعية بقيادة رجل رشيد ولماذا لا يكون الامام الصادق المهدي ممثلاً لكافة قوى المجتمع المدني وآخر من حملة السلاح وثالث من القوى الوطنية الذي يشهد لها شعبنا بالتجرد والوطنية الصادقة وهوالدكتور ابراهيم منعم منصور لقيادة الحوار مع السلطة الحاكمة بشرط أن يكون الجانب المتفاوض من جانب المؤتمر والحكومة بنفس المستوى وصاحب قرارات وهو أمل معقود حتى اليوم وربما يكون مخرجاً من المستنقع السياسي الذي وصلت اليه البلاد ولماذا لا تكون المفاوضات داخل البلاد بعفو شامل من الجانبين وأمان برعاية شعب السودان ، لا ندري ما تخبئه الأيام والشهور القادمة من ارهاصات لانتفاضة شعبية ولمزيد من الاحتراب وربما يكون مخرج التفاوض المحدود هذا بداية لوقف نزيف الحروب ومعاناة شعب السودان والله المستعان.
shamsaldeeni@aljazeera.net