التعريف المعجمى للدبلوماسية يمازج بين - مجموعة القواعد والاعراف والمبادىء والاتفاقات الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول والمنظمات الدولية ؛ بجانب القواعد المرعية او الواجب إتباعها فى تطبيق احكام القانون الدولى ، والتوفيق بين مصالح الدول المتباينة ، وفن إجراء المفاوضات فى المؤتمرات الدولية وإبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية على حد تعريف معجم الدبلوماسية والعلاقات الدولية – د. سموحى فوق العادة. اما الموسوعة الفرنسية الكبرى فقد عرفت الدبلوماسية بأنها مجموعة من الخدمات المتخصصة والمتصلة بتمثيل الدول والدفاع عن رعاياها ومصالحها العليا فى البلدان المضيفة ؛ فهى تشكل زبدة مفاهيم وقواعد وإجراءات واعراف ومؤسسات دولية وتعتمد على فن إنشاء العلاقات الانسانية عبر وسيلة الرفق . - الذى قال عنه الرسول ص ان الرفق ماوضع فى شىء إلا زانه ومانزع من شىء إلا شانه. ويمثل اسلوب التواصل على نهج شعرة معاوية نمطا من تمثلاتها؛ فإذا شدوها ارخاها واذا ارخوها شدها. كما نجد فى شعر جرير مثالا لدور السفراء القدامى بوصفهم مصلحين وصانعى سلام يرجعون به من أ تون الحروب:
ستعلمُ ما يُغنى حكيمُ ومنقِعُ إذا الحرب لم يرجع بصُلٍح سفيرُها
وقاموس اكسفورد يعرِّف ا لدبلوماسية بأنها علم رعاية العلاقات الدولية عبر وسيلة المفاوضات ؛ وهى عملية متحّضرة ومتمّدنة اسلوبا وغاية. ويجب ان تتوفر مهنة الدبلوماسية على مستوى من الذكاء والكياسة فى ادارة العلاقات بين الدول بحيث تعنى لدى البعض علم إنشاء العلاقات الخارجية وفنون التفاوض ورعاية المصالح وتمثيل الدول عبر السفراء المعتمدين والممثلين الدبلوماسيين .
من خلفية المنظور الفيللوجى فقد انبثقت عبارة "دبلوماسية" من المفردة اليونانية – دبلون- ويُعنون بها الوثيقة المطوية التى اطلق عليها فى العصر الحديث أوراق الاعتماد التى يقدمها السفير المعتمد لدى دولة ما إلى رئيس تلك الدولة ضمن تشريفات معروفة. ولذلك لا يمكن فصم الحديث عن الدبلوماسية بدون ربطها الوثيق بوظيفة السفير والدبلوماسيين لأنهم يشكلون الطاقم المدنى والفريق المهنى المعنى بإدارتها وتنفيذها ورعاية مصالح الدول الباعثة لدى البلدان المضيفة ؛ وفى خاتمة المطاف لا تنى الدبلوماسية ان تكون فنا وعملا وحرفة للدبلوماسيين.
فمثلا المدرسة الواقعية للسياسة الخارجية تقوم مبادىء ضبط ودوزنة ايقاعات الضغط التى يفرضها على الدولة المستهدفة العالم الفوضوى من حولها ؛ فالسياسة الخارجية فى هذه الحالة تتمثل دور العامل التوحيدى لدرء الدولة عن الانشطار ازاء الضغوطات الدولية. والمجتمع الدولى عادة ما يتم تشبيهه هنا بكرات البلياردو، والمنضدة التى تصطدم الكرات فوق سطحها هى نظام الدولة؛ ونوعية السلوك الذى يتمثلة النظام السياسى للدولة او قيادتها السياسة لكى تحدد خياراتها من خلال المعلومات الصحيحة والمحفزات وتكاليف حسابات الربح والخسارة التى تفضى اليها انواع السلوكات او المقاربات الدبلوماسية لدى التزام موقف معين. وترتكز محددات ومطامح السياسة الخارجية على عدة عوامل من بينها القيادة والنظام السياسيين والتاريخ والثقافة والموقع الجغرافى والقوة العسكرية ودرجة الازدهار الاقتصادى والموارد الطبيعية وتنوعها ومركز الدولة وتأثيرها فى النظامين الاقليمى والدولى والثقل السكانى . وثمة عدد من العوامل تتفاعل وتؤثر قبضا وبسطا على مسار السياسة الخارجية للدول مثل موقع الدولة الجغرافى وإطلالها على البحار والتوجهات الايدولوجية والقانون الدولى وقواعد السياسة الدولية وسلوك وممارسات الدول والتحالفات العسكرية والتكتلات الاقتصادية وحجم الصادرات والتجارة الخارجية والعقوبات الدولية ومكافحة الارهاب الدولى وحيازة اسلحة الدمار الشامل والسلاح النووى والكيماوى وحجم الاستثمارات الدولية ونوعية تسلح ودفاعات الدولة المعنية وحديثا التفوق التكنولوجى والتصنيف الائتمانى والقانون الجنائى الدولى وآليته محكمة الجنايات الدولية وجرائم الحرب والابادة العرقية والجرائم ضد الإنسانية.
وفى سياق ذى صلة تعبّر السياسة الخارجية عن نسق منسجم لمنظومة إتصال وتفاعل ايجابى مع العالم؛ كما تعّبر أيضا عن ظاهرة ومجموعة مفاهيم حول كليّة العلاقات الخارجية للدولة المستقلة ذات السيادة ؛ والدبلوماسية هى حزمة الوسائل الرسمية والشعبية ايضا التى يتم عبرها تشكيل الهوية الدبلوماسية الخاصة بالدولة والتعبيرعنها بشكل علاقات خارجية مع منظومة الدول الاخرى ذات السيادة بجانب المنظمات الاقليمية والدولية؛ وبلغة الحاسوب السياسة الخارجية اشبه ب الهارد ويير والدبلوماسية أشبه بالسوفت ويير.
والسياسة الخارجية ه بدون الدخول فى فلسفة مدارس السياسة الخارجية هى مجموع الخطط والاجندة والاساليب والمساعى الرامية إلى تنفيذ وبلورة الأهداف والمصالح العليا والتى يعبر عنها بعض الدول أحيانا بما يسمى الكراسات البيضاء والرزقاء. وكلما امكن للدولة ان تحدد بشكل قاطع اهدافها ومصالحها العيا واستراتيجياتها وسياساتها العسكرية والامنية والداخلية والاقليمية والدولية ؛ يلعب ذلك دورا فى تعزيز وقوة سياستها الخارجية ويؤدى بالضرورة إلى إنتعاش وايجابية جهازها الدبلوماسى.
والهدف الغائى للدبلوماسية ؛ هو احتواء النشاط العدائى الذى يستهدف الدولة بتحييده وتلطيف حدته وتطويقه ؛ وهى فى ذلك أشبه بآلية ومفاهيم للتوفيق بين المصالح المتعارضة للدول ووجهاتها المتباينة بإرساء العلاقات الدولية السلمية وحسن الجوار وحل النزاعات بالطرق السلمية عبر التفاهمات والتنازلات والمساعى الودية وإبرام المعاهدات لحل الخلافات القائمة وزيادة وبلورة نسق التواصل مع المحيطين الاقليمى و الخارجى ؛ ونزع فتائل التوتر وإبطال بواعث الحروب ؛ برسم السياسات الناجعة لتطويقها عند إندلاعها ؛ او التوصل إلى تسويات عادلة بعد توقفها ؛ وفى مختصر القول هى استيعاب التضاد القائم وعدم التماثل السائد فى مجال العلاقات الخارجية بذكاء وحذق مثلما يستوعب الحلزون مأزق انغلاقه فى زجاجة بالإنطواء اللطيف والخروج من عنقها الضيق بتؤدة وتصميم دون خسارة اى عضو من أعضائه.
وهذا لن يتم بدون مهارات مفطوره ومكتسبة تقى الدولة ضرورة اللجوء لاستخدام القوة وذلك عبر وسيلة الاقناع ؛ وان عد اللجوء للقوة احدى ادوات التعبير عن السياسة الخارجية والذى عادة ما يسبقه وعد ووعيد -الجزرة والعصا- اى التلويح بالعقوبات والمحفزات ضمن خطاب الترميز الدبلوماسى. ولكى تتوائم الدولة مع هذا التحدى اعتبرت الدبلوماسية مهنة خاصة وحرفة عليا متميزة .
ويعمل السفراء والدبلوماسيون فى وزارة الخارجية تحت الظل السيادى للدولة ؛ وفى احدى دلالاتها الشاملة تنتظم المهنة الدبلوماسية اقدارا من المخاطر مما يستوجب ان يكون الدبلوماسى شخصا قوى الشكيمة نظرا لتداخل وتكامل مهنته مع المحاور السياسية والعسكرية والاقتصادية والصناعية والامنية والعلمية والتقنية وغيرها. وينبغى على الدبلوماسى ان يتمتع بعدد من الخصائص التى تضفى عليه قدرا من الثقة بالنفس والجدارة المهنية وهى محل إجماع فى عالم الدبلوماسية الرصينة:
الامانة؛ الدماثة ؛ اللباقة ؛ الكياسة ؛ الكرم ؛ الحصافة ؛ بعد النظر؛ المرونة ؛ الأناة ؛ الحس العام ؛ الذوق السليم ؛ التثاقف ؛ حسن الدربة ؛ المصداقية ؛ الحكمة العملية ؛ الاطلاع الواسع ؛ الالمام بالفنون ؛ السلوك القويم ؛ الحضور؛ كفاءة التمثيل الدبلوماسى ؛ الذكاء الاستخبارى ؛ تعددية اللغات والمهارات ؛ الالمام المعرفى ؛ الفطنة ؛ العفة المحصّنة من الضعف الغريزى ؛ الصبر والثبات ؛ حسن الهندام ؛ المصانعة والمداراة ؛ الاستعداد للتضحية والتعرض للمخاطر؛ الدقة ؛ القدرة على الملاحظة ؛ القدرة على التعامل مع الوسائط التقنية واجهزة الحاسوب ونظم الاتصالات الحديثة ؛ العقل المنفتح ؛ القدرة على رصد الاحداث وجمع وتحليل المعلومات وكتابة التقارير؛ قلة الكلام وكتمان الأسرار ؛ تذوق الموسيقى العالمية. وهذا لا يعنى الا يكون الدبلوماسى متدينا او مصليا او ملتزما بثقافة وطنه ولكنه بالضرورة ليس مبشرا دينيا او داعية ايدولوجيا مما قد يوقعه فى الحرج فى البلد المضيف ؛ والدين لا يتعارض مع أى خصلة مما ذكرنا. ولعل احد يقول هل كان خروتشوف دبلوماسيا عندما اخرج حذاءه وقرع به منضدة الامم المتحدة ؟ تلك فلتة والفلتات لا يقاس عليها.
وعادة ما يتلقى الدبلوماسى تدريبا خاصا لصقل موهبته وإعداده بشكل كاف لتمثيل بلاده فى الخارج ومرشدا او دليلا للتعامل الناجح مع الوحدات الحكومية والاعلامية والعسكرية والامنية والتجارية والصناعية والمنظمات الطوعية والانسانية وغيرها ، وذلك على صعيد العلاقات الثنائية ؛ ولدى المنظمات الاقليمية والدولية على صعيد الدبلوماسية متعددة الاطراف. وإذ نقول هذا نستدرك ان الصفات المذكورة والواجب توافرها فى الدبلوماسى ليست بالضرورة توفرها كلها على مستوى الفرد ولكن يجب تحليه بقسط كبير منها ؛ مع إمكانية توافرها فى الكليّة الدبلوماسية التى يشد بعضها بعضا.
وكما رأيت ؛ فالدبلوماسى اشبه بمجمع مهارات وحزمة ملكات تتفاعل فى نسق منتظم ؛ وهو المرّوج لثقافة وحضارة وجدارة وهوية بلده ؛ والمنافح عن سيادة بلده والملم بتاريخ وخصوصية وطنه والمدافع عن سلمه ورفاهه وأمنه. وهو شخص فى حالة مستمرة من الترحال يتنقل فى محيط كبير يضم مختلف ومؤتلف ثقافات العالم ؛ ويقف على تطور البلدان المبتعث إليها ويشهد مسيرة نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية ويشاهد سقوف تنميتها ويتابع شأو نهضتها وإنحطاطها ويعيش فترات حربها وسلمها ؛ و يتحدث بألسنة معظم الدول التى يبعث إليها مثلما تفعل بريطانيا فى إخضاع دبلوماسييها المزمع إبتعاثهم إلى البلدان العربية لدورة تعليمية فى اللغة العربية قد تصل إلى 8 أشهر او يزيد . واذكر على ايامنا بالخارجية ان السفير الامريكى فى الخرطوم فى اوائل الثمانينات كان يتحدث العربية بطلاقة مدهشة بعد ان تم نقله إلى السودان من إحدى دول الخليج العربى .